|
قراءةٌ تاريخيَّة
للتَّشريعات العَلمانيَّة الفرنسيَّة وعلاقتها بالتعليم[1] كَثُرَ الحديثُ مؤخرًا عن
العَلمانية الفرنسية، عن خصوصيتها وعن
تشريعاتها. وقد جرى تداوُل هذا الموضوع
تداوُلاً مجتزأً لأسباب عدة. يهدف هذا العرض
إلى التعريف بالتشريعات العَلمانية الفرنسية
من خلال قراءتها وفقًا لسياقها التاريخي،
لتكون معرفتُنا بها أوسع وحوارُنا حولها أعمق.
سأبدأ بالاقتباس من مداخلة لنائب فرنسي في
البرلمان: أقول أمام
مجلس سياسيٍّ وفي وجه حكومة مؤلَّفة من رجال
سياسة ما يجب قوله: ألا وهو الإشارة إلى
مجموعة سياسية تقوم بعمل سياسي تحت ستار
الدين والوشاية بها. [...]
وأؤكِّد لكم أن الدولة تتعرض لهجوم من كلِّ
حَدَب وصوب؛ وإنَّا نجعل فيها صدعًا باسم
الدين؛ وليس في ذلك سوى مسألة سياسية بحتة. [...]
لقد تسلَّل مرضُ التيار الديني في عمق إلى ما
نسمِّيه الطبقة الحاكمة في بلادنا. ويخلص
إلى القول: أتباع التيار
الديني هم الأعداء. لم
تجرِ هذه المداخلةُ الأسبوع الماضي أو السنة
الفائتة، بل جرت قبل حوالى 130 عامًا (في 4 أيار
1877)، بعد 88 عامًا على سقوط الباستيل. أما
قائلها فهو ليون غامبيتا: محامٍ، مؤسِّس
لجريدة الجمهورية، رجل سياسي بارز في
الجمهورية الثالثة، ونائب في البرلمان. رسم
كاريكاتوري لليون غامبيتا (1838-1882). ولم
يكن مَن سمَّاهم غامبيتا بـ"أتباع التيار
الديني" بعيدين عن هذه "المعركة". فهذا
أسقف باريس يرد عليه قائلاً: فالمقصودون،
إذن، بـ"أتباع التيار الديني" هم نحن،
أساقفةً وكهنةً ومؤمنين، وهذه الكاثوليكية
هي مَن تمَّ وصفُها بـ"العدو". إذن فنحن
كلنا متهَمون بالعداء للوطن، ليس من قبل
الصحافة الراديكالية فحسب، بل ومن قبل مجلس
النواب والحكومة أيضًا. لقد
اقتبستُ هذين النصَّين للإشارة إلى حدة
العلاقة وتوترها بين تيارين متنازِعين على
الساحة السياسية الفرنسية في العقدين
الأخيرين من القرن التاسع عشر: 1.
التيار الجمهوري الذي
يعتبر نفسه الوريثَ الشرعيَّ لمبادئ الثورة
الفرنسية، وشعاره: "أمَّة وقانون"؛ ويرى
ضرورةَ (أقتبس) [...]
انتزاع الإنسان من الوصاية الجائرة للكنيسة،
والسماح لذهن هذا الإنسان الذي يحمل سرَّ
إدراكه من التحليق، في حرية ومن دون تأثير
غريب، نحو الحق والخير والجمال. 2.
التيار الآخر (الذي سمَّاه
الجمهوريون بـ"التيار الديني")، وشعاره:
"كنيسة وعرش"؛ أو الكاثوليكية: دين ودولة. لئن
ظل الصراعُ بين هذين التيارين حادًّا جدًّا
خلال 30 عامًا (1875-1905)، حيث صدرتْ أهم التشريعات
العَلمانية التي طبعت الحياةَ الفرنسية
بطابعها حتى الآن، فإنه لم يكن كذلك دائمًا
خلال 217 عامًا، وهي الفترة الممتدة من الثورة
الفرنسية حتى اليوم. فقد تمَّ اتخاذُ إجراءات
شبه عَلمانية في ظلِّ حكومات مَلَكية، وكذلك
إجراءات دينية في ظل حكومات جمهورية. قبل
التوقف عند أهم ما عُرِفَ باسم "التشريعات
العَلمانية الفرنسية"، أودُّ التنويه إلى
النقاط التالية: ·
من حيث الاشتقاق اللغوي
لكلمة "عَلماني": هو ليس ترجمةً حرفية
لكلمتَي laïc
أو séculier
الفرنسيتين وكلمة secular
الإنكليزية، بل هو مصطلح مستحدَث في اللغة
العربية، حيث يقال أحيانًا "عِلمانية" (من
عِلم) وأحيانًا أخرى "عَلمانية" (من
عالَم). ·
من حيث التعريف: -
نقرأ في قاموس Larousse:
"هو النظام الذي تُقصى فيه الكنائسُ عن
ممارسة السلطة السياسية أو الإدارية،
وخصوصًا في مجال التعليم." -
كما نقرأ في كتاب الدين
والدولة لبرهان غليون: "تشمل العَلمانية
فصلَ سلطة الدولة عن السلطات الروحية على
مستويين: 1.
مستوى الواقع الذي تسعى
العَلمانية، أو يُفترَض فيها أن تسعى، إلى
مواجهته، و 2.
مستوى التركيب النظري لهذا
الواقع الموضوعي، أي إدراكه وتفسيره والكشف
عن قوانين حركته، واقتراح الحلول المناسبة
للسيطرة عليه." ·
من حيث الورود التاريخي: ظهر
مصطلح laïcité
(العَلمانية)، بحسب قاموس Robert،
في العام 1871، أي بعد 82 عامًا على سقوط
الباستيل؛ وبالتالي، من غير الجائز
تاريخيًّا تسمية التشريعات التي سبقت هذا
التاريخ بالتشريعات "العَلمانية". مع
ذلك، تحمل هذه التشريعات "روح"
العَلمانية، كما ورد تعريفها في القاموس
السابق الذكر. وكانت الغاية من هذه التشريعات
في كلِّ مرة إعادةَ رسم الحدود بين سلطة
الدولة وسلطة الكنيسة في علاقة كلٍّ منهما مع
الرعية، إلى أن صدر في العام 1905 قانون فصل
الدين عن الدولة. فيما
يتعلق بحجم الرهبانيات الدينية في فرنسا،
نقرأ من خلال إحصائية أُجرِيَت في العام 1900 ما
يلي: 1200 رهبانية، تتضمن 300 ألف رجل عامل و150 ألف
امرأة عاملة، يتولُّون -
الإشراف عل تثقيف مليونَي
طفل؛ -
الإشراف على 100 ألف إنسان
مسنٍّ؛ -
الإشراف على تربية 60 ألف
يتيم؛ -
استضافة 250 ألف معدم
ومساعدتهم؛ -
الإشراف على إدارة 3247
مؤسَّسة دينية للراهبات، موزَّعة كالآتي: 300
مشفى، 587 مدرسة، 2263 مشفى تعليميًّا، 40 مؤسَّسة
عناية بالمرضى، 33 مؤسَّسة عناية بالفتيات
الجانحات، 15 مؤسَّسة رعاية نسوية. ·
عالميًّا: عكست المعركةُ
السياسية الفرنسية صورةَ التحولات العالمية
في عصر الأنوار التي سمحت للإنسان بالانطلاق
نحو آفاق علمية وجغرافية واقتصادية وأدبية
خارج حدود الفكر السائد آنذاك. ·
عربيًّا: كان محمد عبده
وجمال الدين الأفغاني يؤسِّسان في تلك الفترة
(1882) جريدتهما العروة الوثقى في باريس. وقد
استخدم محمد عبده كلمة "دهرية" ترجمةً
لكلمة laïcité الفرنسية
في كتابه رسالة إلى الدهريين. والواقع
أن أول تشريع فرنسي تُرسَم فيه حدودٌ جديدة
بين السلطة السياسية وسلطة بابا الفاتيكان لا
يعود إلى مرحلة الثورة الفرنسية، بل إلى 274
عامًا قبلها، حيث وقَّع ملك فرنسا فرنسوا
الأول في العام 1515 معاهدة Concordat
مع الكرسي الرسولي تتضمن ما يلي: -
اعتراف الفاتيكان بدور
الدولة الفرنسية في الكنيسة العاملة على
أرضها؛ -
إعفاء أوقاف الكنيسة من
الضرائب (استمر العمل بهذا القانون حتى العام
1895)؛ -
إسناد بعض الخدمات العامة (مدارس
ومستشفيات) إلى إدارة الكنيسة؛ و -
تسمية الدولة الفرنسية
رؤساءَ رجال الدين وفرضُها ولاءَهم الأول لها. كما
سبق أيضًا قيامَ الثورة الفرنسية بسنتين
إصدارُ "مرسوم التسامُح" Édit de Tolérance
الذي
يجيز الزواج المدني. جاءت
الثورة الفرنسية، حيث سقط الباستيل في العام
1789، وجلبت معها مجموعةً من الأفكار
والإجراءات العَلمانية، منها: ·
"إعلان حقوق الإنسان
والمواطن" الذي نصَّ على: لن يخشى أحد
من آرائه، حتَّى الدينية منها، شريطة عدم
إثارة ممارسته لها لأيِّ اضطراب في النظام
العام المحدَّد في القانون. ·
اهتمام السلطة المدنية
بالخدمات الاجتماعية بعد أن كانت شبه محصورة
في رجال الكنيسة (كما جاء في المعاهدة مع
البابا)؛ ·
إقرار حق المواطنة الكاملة
غير المنقوصة للپروتستانت واليهود
الفرنسيين؛ ·
صيرورة القَسَم مدنيًّا:
"أقسم أن أكون مخلصًا للأمَّة وللقانون
وللملك وأدافع عن دستور المملكة بكلِّ ما
أوتيت من قوة." وقد استمر العمل عمومًا بهذا
القَسَم حتى الآن، مع إلغاء ذكر الملك وتعديل
المملكة إلى جمهورية؛ و ·
إصدار القانون المدني
للكهنة الذي يجعل: -
الكاهن موظفًا لدى الدولة،
يُدفَع راتبُه من الخزينة العامة؛ -
تسمية الكاهن وفقًا لعملية
انتخابية (وهنا أيضًا يتم التشديد على الكاهن
بأن يقسم الولاء للدولة ولدستورها المدني،
وليس للكنيسة)؛ -
وضع أوقاف الكهنوت في
متناول الأمَّة؛ و -
وضع حدٍّ لتأثير الكنيسة
على المعتقدات والدستور. وقد
أدان البابا في شدَّة هذا القانون الذي أحدثَ
شرخًا بين فرنسا والفاتيكان وصار نقطة خلاف
بين الكاثوليك والثوريين في فرنسا مدة طويلة. استمرت
المَلَكية ثلاثة أعوام أخرى بعد سقوط
الباستيل، حيث تمَّ إعدام لويس 16 في العام 1792
وأُعلِنَت الجمهورية الأولى. ومن أهم الأحداث
والتشريعات التي رافقَتْها: ·
قانون الطلاق في فرنسا؛ ·
إقرار الزواج المدني؛ ·
إصدار قانون يحظِّر قرع
أجراس الكنائس لدعوة المؤمنين إلى الصلاة؛ ·
إصدار قانون يخول السلطة
المدنية ترحيل الكهنة الذين يسيئون للسِّلم
الأهلي إلى خارج البلاد؛ ·
إلغاء أيِّ دور للكنيسة في
توثيق حياة المواطنين، وذلك بحصر القيود
المدنية بالمؤسَّسات الرسمية؛ ·
عدم تحديد دين للمواطن في
القيود الرسمية؛ ·
امتناع الدولة عن دفع رواتب
أو مساعدات مالية لِمَن يساهم في إقامة
الشعائر الدينية؛ و ·
تنظيم الحكومة لأول فَصْل
بين سلطة الكنيسة وسلطة الدولة، بحيث: -
لا يحول شيء دون ممارسة أحد،
ضمن حدود القانون، للعبادة التي يختارها؛ -
لا يُجبَر أحدٌ على
المساهمة في نفقات العبادة؛ -
يُحتفَل بـ"عيد المنطق"
في كاتدرائية نوتردام؛ و -
يُحتفى بـ"الكائن الأعلى". غادر
ناپليون پوناپرت مصر في العام 1799 عائدًا إلى
فرنسا ليقوم بانقلابٍ في العام نفسه، فيصدر
دستورًا جديدًا، مؤسِّسًا لما سُمِّيَ بـ"القنصلية
الأولى"، أصبح بموجبه نابليون القنصل
العام فيها. ومن أهم الأحداث والتشريعات التي
رافقتْها: ·
تأسيس المدارس الرسمية في
فرنسا (بعد أن كانت كلها من اختصاص الكنيسة)؛ و ·
"اتفاقية" العام 1801 بين
بابا روما وناپليون الأول التي تنص على: -
اعتراف القنصلية بأن
الكاثوليكية دين أغلبية الفرنسيين؛ -
وجوب استقالة جميع رجال
الدين؛ -
تعيين القنصل الأول لرجال
الإكليروس الرئيسيين؛ -
وجوب أداء الكهنة لقَسَم
الولاء للدولة أمام القنصل الأول؛ -
تعديل هذا الاتفاق في حال
وصول قنصل غير كاثوليكي؛ -
تحريم التدريس على
الرهبانيات الدينية، إلا في المدارس
الابتدائية (حيث سُمِحَ لأربع رهبانيات دينية
بالتدريس)؛ -
تلقِّي رجال الدين رواتبَهم
من الدولة عوضًا عن التبرعات (وهو تعديل لما
جاءت به الجمهورية الأولى)؛ و -
قبول الفاتيكان بالتنازل عن
أوقاف الكنيسة لتصبح ملكًا للدولة. لئن
طرحت الثورة الفرنسية – خجلاً – قضية
التعليم ضمن الخدمات الاجتماعية التي على
الدولة تبنِّيها، فإن القنصلية الأولى كانت
أوضح في خصوص تولِّي الدولة إقامةَ المدارس
الرسمية والحدَّ من الدور التعليمي للأخويات
الدينية. غيَّر
ناپليون نظام القنصلية بإعلانه في العام 1804
للإمبراطورية، وتوَّج نفسه إمبراطورًا على
الفرنسيين. وكان من أهم الأحداث والتشريعات
خلالها: ·
إنجاز القطيعة مع
الفاتيكان؛ و ·
إصدار قرار يحظِّر إجراء
زواج ديني إذا لم يسبقه زواجٌ مدني. استمرَّت
الإمبراطورية في فرنسا حتى انكسار ناپليون
العسكري في لايپزيش ونفيه إلى جزيرة إلبا؛
فكانت عودةُ المَلَكية إلى فرنسا في العام 1814
واستمرارها حتى العام 1848 (تاريخ إعلان
الجمهورية الثانية). وقد حاولت المَلَكية
إرضاء التيار العَلماني من خلال: ·
تنصيب الملك ضمن احتفال
مدني، وليس دينيًّا؛ ·
جعل قَسَم الولاء للدستور،
وليس لله؛ ·
تأكيد الحرية الدينية؛ و ·
إصدار قانون غيزو Guizot الذي
يفرض على كلِّ بلدية فتح مدرسة رسمية فيها. كما
حاولت المَلَكية في الوقت نفسه إرضاء التيار
الديني من خلال: ·
إلغاء قانون الطلاق؛ و ·
إصدار قانون معاقبة أعمال
التدنيس. [من الجدير ذكرُه هنا
قدوم أول بعثة دراسية أوفدها محمد علي إلى
فرنسا (1826-1831)، كان ضمنها الشيخ رفاعة
الطهطاوي مرشدًا دينيًّا. ويمكن لنا أن نتخيل
نوعية الحوارات التي دارت على مرأى من
الطهطاوي ومسمعه، مما أثَّر في تفكيره وجعل
منه عَلَمًا من أوائل أعلام النهضة العربية
الحديثة.] ساءت
الأمور في ظلِّ المَلَكية، وكانت ثورة العام
1848 التي أطاحت بها وأتت بالجمهورية الثانية
التي استمرت أربعة أعوام فقط، وكانت للتيار
الديني قوة مؤثِّرة فيها. فمن الناحية
السياسية: ·
تمَّ تعديل الدستور، حيث
بدأ مطلعُه بعبارة: "بحضور الله وباسم
الشعب"؛ ·
تمَّ التنظير على أن "رجال
ثورة 1848 روحانيون ويرون في الجمهورية تطورًا
للمسيحية"؛ ·
تمَّ السعي إلى إقرار قانون
تُغلَّب فيه السلطةُ الدينية (الكنسية) على
السلطة المدنية؛ ·
أما من الناحية التعليمية،
فقد صدر قانون فالو Falloux
حول التعليم والمدارس الذي يعطي الكنيسة
الكاثوليكية دورًا حاسمًا في النظام
التعليمي الفرنسي؛ من ذلك: -
في المدارس الابتدائية:
تأكيد أولوية التعليم الديني على بقية المواد
ودور الكاهن في تحديد ذلك. -
في المدارس الثانوية:
الحرية المطلقة للإداريين والمعلِّمين في
تحديد مضمون المادة التعليمية. وقد
استغل هذا القانون القيِّمون من رجال الدين
لإبعاد المدرِّسين العَلمانيين في سهولة
واستبدال آخرين من الأخويات الدينية بهم. وقد
تدخَّل فكتور هوغو Victor Hugo
في مناقشة هذا القانون دفاعًا عن الحريات
والجمهورية ضد ما سمَّاه "حزب رجال الدين"،
حيث قال: "هذا قانونكم. فالتثقيف هو عملية
بناء، وأنا أتحداكم فيما تبنون." وكانت
معارضته لسياسة الحكومة أحد أسباب نفيه
وسبعين آخرين من النواب الجمهوريين خارج
البلاد. رسم ليثوغرافي
لفكتور هوغو (1802-1885). حتى
يمدَّ من فترة بقائه في السلطة ضمن المدة
المحددة في القانون، كان على لويس ناپليون (الذي
كان رئيسًا للجمهورية الثانية آنذاك) أن يقوم
بانقلاب عليها. فأقام نظامًا إمبراطوريًّا في
العام 1852 وعيَّن نفسه إمبراطورًا على فرنسا
باسم ناپليون الثالث واستمر في الحكم مدة 18
سنة أخرى. اهتمَّ كثيرًا بالتوسُّع
الاستعماري الفرنسي، كما هي الحال في
المكسيك، وفرض نظام حماية على كمبوديا، كما
أعلن الحرب على النمسا وإيطاليا وپروسيا.
تمَّت تنحيتُه في العام 1870 بسبب خسارته
للمعركة ضد پروسيا ونتيجة لوضع اجتماعي
متفاقم. وكانت تشريعات الإمبراطورية الثانية
استمرارًا للتشريعات التي قام بها في أثناء
ترؤسه للجمهورية الثانية. قامت
الجمهورية الثالثة في العام 1870 على أنقاض
الإمبراطورية الثانية في ظروف داخلية صعبة من
النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية،
واستمرت 71 عامًا حتى الحرب العالمية الثانية.
قامت "كومونة" باريس بعد عام واحد من
إعلان الجمهورية كثورة شعبية، مطالِبةً،
باسم "حرية المعتقد"، بـ: ·
فصل الكنائس عن الدولة؛ ·
إلغاء ميزانية العبادات
كليًّا؛ ·
جعل أوقاف الأخويات الدينية
ملكيةً عامة؛ و ·
ملاحقة رجال الدين الذين هم
"شركاء المَلَكية في جرائمها ضد الحرية". على
الرغم من الشعارات العَلمانية الكبيرة التي
طرحتْها كومونة باريس مع بداية الجمهورية
الثالثة، لم يكن التمثيل الجمهوري كبيرًا في
مجلس النواب: فقد انتُخِبَ ماكماهون رئيسًا
للجمهورية (1873) بفضل أصوات النواب الموالين
للمَلَكية، ناهيك عن محاولة بعضهم إعادة
النظام الملكيِّ إلى فرنسا. إلا أن وصول
أغلبية من النواب الجمهوريين إلى المجلس في
العام 1877 سمح بعزل ماكماهون وبوضع التشريعات
الفرنسية على سكَّة العَلمانية مجددًا. من
أهم القوانين الفرنسية المعمول بها حتى الآن:
قانون الجمعيات للعام 1901 وقانون فصل السلطات
للعام 1905 الذي لم يكن إقرارُه ممكنًا لو لم
تسبقه مجموعةٌ من القوانين والإجراءات
العَلمانية، من أهمها: 1.
في مجال التعليم، نذكر: ·
احتكار الدولة تسمية الرتب
الوظيفية في مجال التعليم؛ ·
إلغاء التعليم الديني في
المدارس الرسمية؛ ·
إبعاد رجال الدين عن
التعليم العالي؛ ·
إعادة هيكلة المجلس الأعلى
للتعليم الرسمي، بحيث تمَّ استبعاد رجال
الدين منه؛ و ·
إصدار مرسومين ضد
الرهبانيات الدينية غير المرخَّصة (وقد رافقت
هذا إجراءاتٌ بوليسية ضد مقرَّاتها): -
يقضي المرسوم الأول بأن
يتفرَّق اليسوعيون وأن يُخلوا أماكنَ سكنهم
في غضون ثلاثة أشهر وبأن يُخلوا المؤسَّسات
المدرسية في غضون خمسة أشهر. (الغاية من هذا
المرسوم، برأي جول فيري، هو: "نزع روح
الشبيبة الفرنسية من بين أيدي اليسوعيين.") جول فيري (1832-1893): وزير التعليم العام (1879-1883)،
يرتبط اسمُه بتشريع مدرسي ينص على إلزامية
التعليم الابتدائي ومجانيته وعَلمانيته. -
فيما يدعو المرسوم الثاني
الرهبانيات غير المرخَّصة إلى الحصول على
الترخيص في غضون ثلاثة أشهر، وإلا عرَّضتْ
نفسَها للطرد (وبهذا تمَّ تشتيت 6000 رجل دين و261
مؤسسة دينية غير مرخَّصة). ·
إصدار قانون "حرية
التعليم" الذي أقرَّه مجلس الشعب بأغلبية
362 صوتًا مقابل 159 والذي يشمل: -
إلغاء "رسالة التزكية"
من الأسقف التي كان الكاهن بموجبها يخوَّل
التعليم؛ -
رفض المساهمة في التعليم
الرسمي أو الحر وعدم السماح لأيِّ فرد ينتمي
إلى رهبانية دينية غير معترَف بها بإدارة أية
مؤسَّسة، لا من قريب ولا من بعيد؛ -
قانون مجانية التعليم
وإلزاميته في المدارس الابتدائية الرسمية؛ -
إلغاء التعليم الديني في
المدارس الرسمية (تمَّ استبدال تعبير "التعليم
الأخلاقي والمدني" بتعبير "التعليم
الأخلاقي والديني")؛ -
صدور مرسوم بنزع الصليب من
المدارس الرسمية؛ -
إغلاق جامعات التعليم
اللاهوتي الكاثوليكية؛ -
إصدار قانون بوضع المدارس
الرسمية تدريجيًّا بين أيدي العَلمانيين،
على أن يكون جميع أعضاء الهيئة التدريسية
تدريجيًّا من العَلمانيين أو المُعَلْمَنين
خلال عشرة أعوام؛ -
تحريم التعليم ورئاسة منصب
مديرية التعليم على أعضاء الرهبانيات؛ -
إلغاء المنح الدراسية لطلاب
العلوم الدينية؛ و -
إلغاء وظيفة "المشرف
الروحي" في المدارس. 2.
في مجال الخدمة العسكرية: ·
تحريم مشاركة عناصر الجيش
في المناسبات الدينية، تَبِعَه توضيحٌ
يحظِّر عليهم ارتداء اللباس الرسمي في تلك
المناسبات؛ و ·
إقرار الخدمة العسكرية
الإلزامية لرجال الدين أسوةً بغيرهم من أبناء
الوطن. 3.
وفي المجالات الأخرى، نجد
القوانين والإجراءات التالية: ·
إلغاء بند الدين في
الاستمارات الرسمية؛ ·
إلغاء القانون الذي كان
يحرِّم العطلة الأسبوعية يوم الأحد؛ ·
عَلْمَنَة المستشفيات
ومؤسَّسات دفن الموتى وحتى المقابر وذلك
بإزالة الطابع الديني عنها؛ ·
صدور مرسوم بنزع الصليب من
قاعات القضاء/المحاكم (تمَّ إنزال الصليب
بموجب قرار من البلدية)، وقد تمَّ التأكيد على
هذا مجددًا في العام 1904؛ ·
إلغاء الصلوات عند افتتاح
دورة البرلمان؛ ·
إحياء قانون ناكيه Loi Naquet في خصوص الطلاق؛ ·
إصدار قانون يمنع رؤساء
العائلات التي سبق لها أن حكمت فرنسا من
الإقامة فيها؛ ·
إصدار قانون ضريبي حول
أوقاف الأخويات الدينية؛ ·
إلغاء مركز "المشرف
الديني" في المستعمرات؛ ·
إلغاء منصب "المشرف
الروحي" في المستشفيات؛ و ·
صدور قانون الجمعيات (ذات
الغايات غير الربحية) للعام 1901 الذي لحظ
بنودًا خاصة بالرهبانيات الدينية، وفيه: -
على الأخويات القائمة رفع
طلب ترخيص (إلى مجلس الدولة) في غضون ثلاثة
أشهر من صدور هذا القانون تحت طائلة اعتبارها
غير شرعية وحلِّها؛ -
يُمنَع على أية رهبانية
دينية ممارسة نشاطها في غياب هذا الترخيص؛ -
يُحظر حق التدريس على كلِّ
عضو في الرهبانيات الدينية؛ و -
يُمنَع الكهنة من التوجُّه
إلى روما بناءً على طلب من البابا. وقد
نجم عن هذا القانون ما يلي: ·
تمَّ (في العام 1901) تقديم 600
طلب ترخيص لتأسيس رهبانيات دينية، وقد
رَفَضَها البرلمان كلَّها؛ ·
تمَّ (في العام 1902) تقديم 59
طلب ترخيص لتأسيس رهبانيات دينية، قُبِلَتْ
منها خمسة فقط، كما تمَّ إغلاق (بين العامين
1904 و1911) 1843 مدرسة عائدة للرهبانيات الدينية؛ -
حُلَّت الرهبانيات الدينية
غير المرخَّص لها، مما دفعها إلى الهجرة خارج
فرنسا؛ -
حصلت تظاهرات في باريس وفي
مقاطعة بريطانيا Bretagne
نتيجة لقرار رئيس مجلس النواب إغلاق المدارس
الدينية التي لم تحصل على ترخيص وفق قانون
الجمعيات؛ و -
تأسَّست "البعثة
العلمانية الفرنسية" Mission Laïque Française. احتجاج! -
احتجَّ البابا ليون 13 على
الإجراءات الفرنسية بحق الدين الكاثوليكي؛ و -
تدخَّل الجيش الفرنسي
لإخلاء أحد الأديرة في جبال الألپ من
المعتصمين فيه. وقد
استمرت إجراءات ترسيخ المنهج العَلماني في
فرنسا، وكان العام 1904 حاسمًا في ذلك؛ إذ تمَّ
إقرار ما يلي: ·
أصدر وزير العدل تعميمًا
لاستغلال عطلة عيد الفصح لسحب الصليب والرموز
الدينية الأخرى من قاعات المحاكم؛ ·
صدر قانونٌ (يُلغى بموجبه
قانون فالو Falloux
للعام 1850) ينهى الرهبانيات الدينية عن
التعليم كليًّا؛ ·
أُلغِيَتْ المادة 298 من
القانون المدني التي تمنع في حال الزنى زواجَ
طرفَي العلاقة أحدهما من الآخر؛ ·
مُنِعَت الرهبانيات
الدينية من التعليم في المدارس الخاصة، سواء
التي تحمل ترخيصًا أم لا (تمَّ تعديل ذلك في
العام 1972)؛ ·
اختار أربعة آلاف "أخ" Frères
(راهب
مدرِّس) النفي الطوعي للحفاظ على دورهم
التعليمي (وكانت سورية ملجأً لبعضهم)؛ ·
أوقِف العمل بمعاهدة 1801 (التي
أُلغِيَتْ نهائيًّا في العام 1905) المبرَمة مع
الكرسي الرسولي حول علاقة رجال الدين
الكاثوليك بالسلطة التنفيذية؛ ·
قُطِعَت العلاقات
الدبلوماسية مع الفاتيكان؛ و ·
صدر قانون فصل الدين عن
الدولة للعام 1905: أقرَّ مجلس الشعب قانون فصل
الدين عن الدولة بعد 50 جلسة مداوَلة (لم يقر
الفاتيكان به رسميًّا حتى العام 1921)، وفيه: -
المادة 1: تحمي الجمهورية
حرية المعتقد، وتضمن الممارسةَ الحرة
للعبادات بما في صالح النظام العام. -
المادة 2: لا تعترف
الجمهورية ولا تدفع رواتب ولا تموِّل نفقات
أية عبادة، إلا فيما يتعلق بنفقات المدارس
ودُور المسنين والمصحَّات والسجون. -
المادة 27: يُنظَّم قرع أجراس
الكنائس وفقًا لقرار البلدية. وفي حال الخلاف
مع رئيس البلدية، ينظَّم وفق قرار المحافظ. -
تُمنَع مستقبلاً إقامةُ أو
وضع أيِّ رمز أو شعار ديني على المباني
الحكومية أو في أيِّ مكان عام كان، كالمتاحف
والمعارض مثلاً، فيما عدا الأبنية المخصصة
للعبادة أو الأضرحة أو المقابر. -
لا يلقَّن التعليم الديني
للأطفال من 6 إلى 13 سنة المسجَّلين في المدارس
الرسمية إلا خارج أوقات المدرسة (تمَّ العمل
به حتى العام 1959). -
يعاقَبُ كلُّ مَن يحاول،
بطريقة أو بأخرى، أن يؤثِّر على شخص آخر بدفعه
إلى ممارسة عبادة أو الامتناع عنها أو بحثِّه
على المساهمة المالية أو على سحب مساهمته
المالية لجمعية عبادة. -
يغرَّم ويُحبَس المسؤول عن
بيت عبادة يسيء، بأيِّ شكل من الأشكال، إلى
مواطن يقوم بواجبه الوظيفي تجاه الدولة. -
يُحبَس المسؤول عن بيت
عبادة من ثلاثة أشهر إلى سنتين إذا تمَّ إلقاء
محاضرة فيه أو كتابة ملصقٍ أو توزيع منشور
تتضمَّن تحريضًا مباشراً ضد تطبيق قوانين
الجمهورية. ونتيجة
لهذا القانون: ·
تمَّ الإعلان رسميًّا عن
أسماء الرهبانيات الدينية والأديرة الملغاة
وإعطاء مهلة ستة أسابيع لتنفيذه؛ ·
تمَّ إلغاء معاهدة 1801
المبرَمة مع الكرسي الرسولي حول علاقة رجال
الدين الكاثوليك بالسلطة التنفيذية؛ ·
أُلغِيَت ميزانية العبادة (صار
على الكنيسة تأسيس "جمعيات ثقافية"
لتكون وحدها المخوَّلة بتلقِّي تبرعات
الرعية وأوقاف الإكليروس)؛ ·
صدر قانونٌ لا تعترف
الدولةُ فيه بأيِّ مذهب ديني ولا تموِّله ولا
تدعمه (ولكنَّها تدعم المستشفيات وروضات
الأطفال التي تديرها الرهبانيات)؛ ·
صدر قانون حول حرية
العبادات، وفيه الإبقاء على بعض أماكن
العبادة لإقامة الشعائر؛ و ·
تمَّ نزع الصليب من صفوف
المدارس الحرة (التي لا تديرها رهبانية). إدانة! -
أدان البابا پيوس العاشر Pie
X
قانون فصل الدين عن الدولة وإلغاء معاهدة 1801،
كما رفض "الجمعيات الثقافية" التي يرى
فيها خطرًا على وحدة الكنيسة؛ -
دافع المخلصون للكنيسة عنها
وعن بيتها في باريس وبريطانيا Bretagne
ضد إجراءات الجرد والحجز وتحويل الملكية؛ -
تأسَّست "رابطة كاثوليك
فرنسا" التي تضم الـ200 "مؤسَّسة ثقافية"
المشهَرة أصولاً؛ -
صودرت أوقاف الأبرشيات
وحُوِّلت لصالح البلديات والدولة؛ و -
رُفِضَ تقدُّم عناصر من
الرهبانيات الدينية إلى مسابقة تعيين
المعلِّمين في التعليم الثانوي. كان
لأحداث الحربين العالميتين وما تلاها وقعُها
على تعديل تشريعات فرنسية وإلغائها وإحداث
أخرى جديدة مرتبطة بالتعليم والرهبانيات
الدينية، نذكر منها: ·
1919: إعادة تأسيس الرهبانيات
الدينية التي سبق لها أن أُلغِيَتْ في فرنسا
في العام 1901 (تمَّ العمل بذلك حتى العام 1931). ·
1920: استئناف
العلاقات الدبلوماسية مع الفاتيكان، ثم
إلغاؤها بحجة ضعف الموارد المالية وباسم
العَلمانية. ·
1937: تحريم أيِّ
شكل من أشكال التبشير الديني في المؤسَّسات
الرسمية. ·
1940: إلغاء
المارشال پيتان Pétain
لبعض
القوانين المتعلقة بعَلْمَنَة التعليم (تمَّ
إلغاء فتاواه بعد التحرير). ·
1951: تعديل
القانون، بحيث سُمِحَ بدعم الدولة المادي
للتعليم الخاص ضمن شروط. ·
1946: نصَّ الدستور
الفرنسي للجمهورية الخامسة على أن فرنسا دولة
واحدة، عَلمانية، ديمقراطية، واجتماعية. ·
1958: المادة 2 من
دستور الجمهورية الخامسة: "تضمن الجمهورية
مساواة جميع المواطنين أمام القانون، دون
تمييز من حيث أصولهم وأعراقهم أو دياناتهم." ·
1984: عَلمانية
التعليم العالي: الإدارة الرسمية للتعليم
العالي عَلمانية ومستقلة عن كلِّ تأثير سياسي
واقتصادي وديني وإيديولوجي. ·
2004 (10 شباط): قانون
حول حمل رموز أو ارتداء لباس يعبِّر به طلابُ
المدارس أو المعاهد الرسمية عن الانتماء
الديني: يُمنَع
الطلاب في المدارس والمعاهد الرسمية حمل رموز
أو ارتداء لباس يعبِّرون به جهارة عن
انتمائهم الديني. (المادة
1) (هذا
ويذكر النظام الداخلي بأن تطبيق الإجراءات
التنظيمية يقتضي حوارًا مسبقًا مع الطالب قبل
اتخاذ أيِّ إجراء بحقِّه.) خاتمة بعد
استقرار الدولة العَلمانية في فرنسا وتراجُع
حدة الصراع بين سلطة الدولة وسلطة الكنيسة،
تطوَّرتْ منذ الثمانينات علاقةُ الدين
بالدولة من الرفض إلى التعاون والحوار: ·
بدأ الحديث حول عَلمانية
"محايدة" (أي غير معادية للدين)
وعَلمانية "مفتوحة"؛ ·
لم يعد النقاش حول
عَلمانية المدرسة أو دينيَّتها، بل حول تمويل
الدولة للتعليم الخاص؛ ·
جرى السماح لِمَن
يرغب من الطلاب بممارسة فروضه الدينية؛ و ·
حُظر الترويج لأيِّ
دين. أقوال ومواقف حول العَلمانية: ·
يذكر فكتور هوغو في وصيته
(1885): "أرفض أن أشيَّع في أية كنيسة. أطلب
صلاةً لكلِّ النفوس. وأنا مؤمن بالله."
وكانت هذه الحادثة منعطفًا هامًّا في
الإجراءات الرسمية اعتمده الكثيرون من بعده. ·
فردينان بويسون Ferdinand Buisson
(1841-1932، معاون جول فيري ومن مؤسِّسي "رابطة
حقوق الإنسان"، حائز على جائزة نوبل
للسلام، 1927): ليس من مهمات
الكنيسة ممارسة السياسة كما أنه ليس من مهمات
الدولة ممارسة اللاهوت. ·
كلود نيكوليه Claude Nicolet (مؤرِّخ
فرنسي للمؤسَّسات والأفكار السياسية): لم تصلنا
العَلمانية كوحي، ولم ينطق بها أيُّ رسول،
ولا نجد لها تعريفًا في أيِّ كتاب مرجعي، كما
لا يوجد نصٌّ مقدس يبوح بأسرارها. العَلمانية
يُبحَث عنها، يعبَّر عنها، تناقَش، تمارَس،
وإذا لزم الأمر، تعدَّل، ومن بعدُ يعاد
نشرُها. محمد
أركون (أستاذ الفكر الإسلامي في السوربون): العَلمانية،
من حيث الجوهر، موقف فكري من مسألة المعرفة.
فعلينا التعرف أولاً، ومن بعدُ الاستفاضة في
المعرفة، فكيفية استيعاب المعرفة، وأخيرًا
كيف نعلِّم ماذا نعرف دون التأثير على أيٍّ
كان. هذه هي العَلمانية، وهي ليست معركة ضد أي
شيء بعينه. *** *** *** [1]
ألقى د. م. مازن داغوم هذه المحاضرة في شباط
2003 في المنتدى الاجتماعي، دمشق.
|
|
|