english arabic

الحيض

سبرٌ للخفاء

 

ريتشارد فوفندن

 

رواية عمار عبد الحميد الأولى تقدم صورة عن عالم الخفاء في سوريا

***

رواية عمار عبد الحميد الأولى،* بأحداثها الجارية في دمشق المعاصرة، سوف تكدِّر الناس لا محالة. عنوانها الحيض لا يترك لدى القراء ظلاً من شك بأن عمار عبد الحميد لن يداري شيئاً في حديثه عن المحرَّمات. فالرواية، كونها بحدِّ ذاتها ردة فعل على القمع، تتناول أثر القيم المحافِظة على المجتمع، ولا سيما على الشباب.

 

بطلا الرواية شابان سوريان: وسام، امرأة شابة تعيسة في زواجها؛ وحسن، شاب يضغط عليه والده المحافظ لكي يتزوج. كلاهما يصارع ضد ما ينتظر منه المجتمع وضد رغباته الجنسية. وسام تجد نفسها تخوِّض في زواج، التماسُ الوحيد فيه مع زوجها هو تماسٌ جنسي. لقد حذرتها أمها من كابوس أهل زوجها، لكن لاشيء هيَّأها للعداء الذي تجابَه به. تصير حماة وسام قناة الاتصال التي يستعملها زوجُها للتعبير عن تبرُّمه من زوجته. وهي لا تجد أي عزاء إلا لاحقاً من خلال علاقتها الحميمة مع صديقتيها بتول وفاتن.

والصورة ليست أزهر فيما يخص حسن الذي يتورط في علاقة غرامية مع سلوى، المرأة المتزوجة الأسن منه، التي تهجره عندما يبدأ بالتعلق بها عاطفياً. فكما هي الحال مع وسام، يبين عبد الحميد بصراحة أن افتقار الشباب إلى الحرية الجنسية ما هو إلا انعكاس لغياب الفكر الحر وهو وثيق الصلة به. ومما يزيد حسن بلبلةً تديُّنُ أسرته؛ فوالده شيخ وشقيقته وزوجة شقيقه تدرِّسان القرآن للنساء. يشعر حسن بأنه عاجز عن إيصال مخاوفه ورغباته، فيلجأ في النهاية إلى زوجين مثقفين يشكلان قطريب الرواية.

نديم وكنده مثقفان ليبراليان تعتبرهما غالبية المجتمع مرتدَّين، ومع ذلك تحرص الدولة على حراستهما لكي تُظهِر للعالم أنها تجيز حرية الفكر. كلا نديم وكنده يعرف أن هذا الأمان قصير الأجل وأن لهما من الأعداء في الغرب بقدر ما لهما في الوطن. نديم بخاصة يستشعر الخطر ويتوقع تغير اتجاه الريح وبدء الاضطهاد. وخوفه من المستقبل يباعد الشقة بينه وبين زوجته في بداية الرواية، بما أنه لا يستطيع أن يواجه إنجاب طفل وإقحامه في هذا الوضع. تمتعض كنده وتوازي بين وضعها وبين النساء الأخريات.

يتصالح الزوجان في النهاية. لكن هذا الجانب البشري عينه من علاقتهما يساعد على تسليط الضوء عليهما عندما يبدأ القارئ في تبيُّن مقدار الإجلال الذي يكنُّه للزوجين ليبراليون آخرون لا يتمتعون بحريتهما نفسها. فلقد كان من الأيسر على الكاتب أن يكرس كنده ونديم مخلِّصين في القصة، لكنه حرص على أن يشي بعيوبهما، الشخصية منها والإيديولوجية. فعبر الرواية، تظهر مقبوسات من مؤلفات الزوجين تتخلل الوقائع الدرامية الاجتماعية للشخوص.

يلتقي كل من حسن ووسام بالمفكِّرين الزوجين. يوضح وقوف حسن على باب الزوجين حسَّ الفكاهة القاتم الذي يتقبل به نديم مصيره:

طيب، طيب، طيب، شاب ساكت ويبدو عليه الاضطراب. لم أرَ واحداً من هذه العيِّنة منذ أمد طويل، طويل. طيب، إذا كنت تحمل مسدساً وتريد قتلي فافعل. وإلا فتكلَّمْ وكفَّ عن إضاعة وقتي. فإني منكب على تدوين المزيد من أفكاري الشيطانية على ورق أرضي دنس.

لا ينبهر حسن كثيراً بالزوجين وبمساعيهما لإيجاد منتدى أو ملتقى للشباب الليبرالي التفكير. غير أن الحرية التي يتيحانها لضميرهما وأفكارهما تؤثر فيه حقاً. وسام، من جانبها، تتأثر بصراحتهما ومودتهما وتحاول أن تفهم كيف يمكن لأناس بمثل هذا اللطف أن يُعَدُّوا منبوذين.

في حين قد تكون الجوانب الوجودية والدينية للكتاب مشكلة بالنسبة لبعضهم، فالأرجح أن القضايا الجنسية هي التي من شأنها أن تصدم للوهلة الأولى. فإذا رأينا في النص استجابة لمجتمع محافظ، فهذا بحدِّ ذاته بيان. والصلة بين القمع الجسدي والإيديولوجي موضحة كأشد ما يكون الوضوح والفاعلية. عندما تكتب كنده عن المقاربة التقليدية للحيض في كتاباتها فإنها تقدم حججاً مفحِمة. كذلك عندما تفحص عن المقترب إلى الجنس في المجتمع فإنها، مثل عبد الحميد، لا تنقصها الجسارة:

في المجتمع الأصولي المحافظ لا يتم تناول قضية [التهالك المفرط على الجنس] بصراحة، إلا بالطبع عندما تتم إدانته؛ وكونه يحدث في هذا المجتمع بما لا يقل تكراراً عن المجتمعات الأخرى... لا يُتجاهَل وحسب، بل يُستَر ويُنكَر. إذ إن قبوله والتعامل معه بصراحة من شأنه أن يقوض واحداً من الأركان الأساسية التي يقوم عليها مثل هذا المجتمع.

إن موافقة القارئ على وجهة نظر الشخوص أو الروائي ليست هي القضية المركزية، بل إن كونهم يتمكنون من التعبير عنها هو الأهم. إن قدرة حسن على استشعار النساء الحائضات يبدأ فعلاً في طرح قضايا في السياسة الجنسية، لكنها لا تفضي إلى شيء ويكاد يتم التخلي عنها في سياق الرواية، بما يشي بأنها مجرد طرفة أو أكثر من ذلك بقليل. وإنه لمن المؤسف أن تُتَّخذ قضيةً مركزية بهدف الترويج للرواية، بما أنها تحوِّل النظر عن الأفكار السياسية–الاجتماعية الأكثر جدية التي أجاد الكاتبُ في التعبير عنها.

*** *** ***


* الحيض، عن دار الساقي، لندن، 2001.

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

Editorial

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود