english arabic

next

previous
 

مفتاح الثيوصوفيا

 

هيلينا ب. بلافاتسكي

 

الباب التاسع

 

في كاما–لوكا وديفاخان

 

_____

 

في مصير "المبادئ" الدنيا

السائل: تكلَّمتَ على كاما–لوكا؛ فما هو؟

الثيوصوفي: عندما يموت المرء فإن مبادئه الثلاثة الدنيا تغادره إلى الأبد؛ وأعني الجسم، والحياة، ومركبة المبدأ الأخير، الجسم النجمي أو قرين الإنسان الحي. وعندئذٍ فإن مبادئه الأربعة – المبدأ المركزي أو المتوسط، النفس الحيوانية أو كاما–روبا، مع ما استوعبه من مَنَس الأدنى، والثلاثية العليا – تجد نفسها جميعاً في كاما–لوكا. وهذه حوزة نجمية، هي الأعراف في اللاهوت السكولستي، وهي هاذِس الأقدمين. وهي، إذا توخَّينا الدقة، حوزة بمعنى نسبي وحسب؛ إذ ليست لها ناحية معينة ولا حدود، لكنها توجد ضمن الفضاء الذاتي؛ أي أنها تتعدى إدراكاتنا الحواسية. ومع ذلك فهي موجودة، وفيها تلبث الإيذولا [جمع إيذولون] النجمية لكل الكائنات التي عاشت، بما فيها الحيوانات، بانتظار موتها الثاني. وهذا الموت يطرأ على الحيوانات مع التحلل والتلاشي التام لجزيئاتها النجمية عن آخرها. أما الإيذولون[1] البشري فيبدأ هذا الموت عنده عندما يقال إن الثلاثية الأتما–بودهي–مَنَسية "تنفصل" عن المبادئ الدنيا، أو انعكاس الشخصية السابقة، بالاستغراق في الحالة الديفاخانية.

السائل: وماذا يحدث بعدئذٍ؟

الثيوصوفي: عندئذٍ فإن الشبح الكاما–روبي، وقد بقي مجرَّداً من المبدأ المفكِّر الحامل للمعلومات، من مَنَس الأعلى، ومن المظهر الأدنى للأخير، أي الفطنة الحيوانية، لا يعود يتلقى النور من الذهن الأعلى، ويعدم دماغاً مادياً يعمل من خلاله، وبالتالي ينهار.

السائل: بأية طريقة؟

الثيوصوفي: إنه ينحط إلى حالة الضفدع الذي يقتطع المشرِّح أجزاء من دماغه. فهو لا يعود قادراً على التفكير، حتى على الصعيد الحيواني الأدنى. وهو، من وقتئذٍ فصاعداً، لا يعود حتى مَنَس الأدنى، بما أن "الأدنى" ليس شيئاً بدون "الأعلى".

السائل: وهل هذا الكيان المعدوم هو الذي نجده يتمَيْدَد [يتجسَّم] في حجرات جلسات الوسطاء؟

الثيوصوفي: إنه هو عينه. غير أنه كيان معدوم فيما يخص القدرات على التعقُّل والتفكير؛ ومع ذلك فهو كيان، وإن يكن نجمياً وهيولياً، كما يتبيَّن في حالات معينة، حينما ينجذب مغناطيسياً بصورة غير واعية نحو وسيط، فينتعش مؤقتاً ويحيا فيه بالوكالة، إذا جاز التعبير. هذا "الطيف"، أو الـكاما–روبا، قد يقارَن بـقنديل البحر، ذي المظهر الأثيري الهلامي مادام يسبح في عنصره الطبيعي، أو الماء (الهالة الخاصة بالوسيط)؛ لكنه ما إن يُلقى خارجه حتى يتحلل في اليد أو على الرمل، ولا سيما في ضوء الشمس. ففي هالة الوسيط يعيش نوعاً من الحياة بالنيابة ويعقل وينطق إما من خلال دماغ الوسيط وإما من خلال أدمغة الأشخاص الآخرين الحاضرين. لكن هذا قد يقودنا بعيداً جداً، بحيث نطأ أرض الآخرين التي لا رغبة لي في التطاول عليها. فلنقتصر على موضوع التقمص.

السائل: وما هو التقمص؟ وما هي المدة التي تبقى إبانها الأنية المتجسِّدة في حالة الـديفاخان؟

الثيوصوفي: هذه، كما تعلَّمنا، تتوقف على درجة روحانية التجسُّد الأخير وعلى مقدار أحقِّيته أو عدم أحقِّيته. معدَّل هذا الوقت يتراوح بين عشرة قرون وخمسة عشر قرناً، كما سبق أن قلت لك.

السائل: ولكن لماذا ليس بمكنة هذه الأنيَّة أن تتجلَّى وتتواصل مع البشر الفانين كما يزعم الأرواحيون؟ ماذا الذي يحول دون أمٍّ والتواصل مع أبنائها الذين تركتْهم على الأرض، ويحول دون تواصل الزوج مع الزوجة، وهكذا دواليك؟ لا بدَّ لي من الاعتراف بأنه معتقد مُعَزٍّ للغاية؛ ولا يخيَّل إليَّ أن الآخذين به من الإحجام إلى حدِّ العزوف عنه.

الثيوصوفي: ولا هم بمجبرين على العزوف عنه، اللهم إلا إذا اتفق لهم أن يؤثروا الحقيقة على الخيال، مهما كان مبلغ "العزاء" فيه. قد تكون عقائدنا غير ملائمة للأرواحيين؛ ومع ذلك فليس من شيء نعتقد به ونعلِّمه يساوي نصف ما يبشرون به أنانيةً وقسوة.

السائل: لا أفهمك. ما هو الأناني فيه؟

الثيوصوفي: هو عقيدتهم في عودة الأرواح، "الشخصيات" الحقيقية، كما يقولون؛ ولسوف أخبرك لماذا. إذا كان ديفاخان – وسمِّه "الفردوس" إذا شئت، "مكان نعيم وغبطة عليا"، إذا طاب لك ذلك – مثلَ هذا المكان (أو لنقل الحالة) فإن المنطق يقول لنا بأن ما من حزن أو حتى ظلٍّ من وجع يمكن أن يُختبَر هناك. "الله سوف يكفكف كل الدموع من عيون" أولئك المقيمين في الفردوس، على حدِّ ما نقرأ في الكتاب من وعود عديدة. فإذا كانت "أرواح الموتى" تُمكَّن من العودة ومن رؤية كل ما يجري على الأرض، وبخاصة في منازلهم، أيُّ نوع من النعيم هو المُعدُّ لهم؟

لماذا لا يؤمن الثيوصوفين بعودة "الأرواح" الطاهرة

السائل: ماذا تعني؟ لماذا تفترض أن هذا سوف يحدُّ من نعيمهم؟

الثيوصوفي: لأنه ببساطة سيفعل؛ ودونك مثال على ذلك. تموت أمٌّ تاركة وراءها أطفالها الصغار العاجزين – اليتامى الذين تعبدهم – وربما زوجاً حبيباً أيضاًَ. نحن نقول بأن "روحها" أو أنيَّتها – تلك الفردية المفعمة الآن، إبان الفترة الديفاخانية برمَّتها، بأنبل المشاعر التي حملتها شخصيتها المأسوف عليها، أي الحدب على أطفالها، والشفقة على المتألِّمين، وهكذا دواليك – نقول بأنها الآن منفصلة كلياً عن "وادي الدموع"، وبأن قوام نعيمها المستقبلي هو ذلك الجهل المُنعَم به عليها بكل الويلات التي خلفتها وراءها. بينما يقول الأرواحيون، على العكس، بأنها على وعي بها بما لا يقل عما سبق، بل يفوقه حتى؛ إذ إن "الأرواح ترى أكثر مما يرى الفانون في الجسد". أما نحن فنقول بأن نعيم الـديفاخان عبارة عن قناعتها التامة بأنها لم تغادر الأرض قط، وبأنه ليس ثمة شيء يدعى الموت أصلاً؛ بأن وعي الأم الروحي فيما بعد الموت سيمثِّل لها بأنها تحيا محاطة بأطفالها وبجميع الذين أحبتهم؛ وبأنها لن تعدم أية ثغرة، أية صلة، لتجعل من حالتها المجرَّدة من البدن أكمل سعادة وأوفرها إطلاقاً. الأرواحيون ينكرون هذا صراحة. فبحسب عقيدتهم لا يتحرر الإنسان التعس من أحزان هذه الحياة حتى بالموت، ولن تضل قطرةٌ واحدة من أوجاع كأس الحياة وآلامها طريقَها إلى شفتيه. وبما أنه يرى كل شيء الآن فإنه، شاء أم أبي، سوف يجرعها حتى الثمالة المريرة. هكذا فإن الزوجة المُحِبة، التي كانت مستعدة في أثناء حياتها أن تصرف الأسى عن زوجها مؤدِّية الثمن من دم قلبها، مقضيٌّ عليها الآن أن ترى، في عجز تام، يأسَه، وأن تسجل كل دمعة ساخنة يسفحها على فقدها. لا بل الأنكى أنها قد ترى الدموع تجف بأسرع مما كانت تظن، إذ يشرق عليه – والد أطفالها – وجهٌ حبيب آخر، فتجد امرأة أخرى تستأثر بمودته بدلاً منها؛ مقضيٌّ عليها أن تسمع أيتامها يطلقون اسم "الأم" المقدس على امرأة لا يهمهم أمرها، وترى أولئك الأطفال يُهمَلون، إن لم تُسَأ معاملتُهم. بحسب هذه العقيدة تصير "النفحة اللطيفة لحياة الخلود"، بدون أية مرحلة انتقالية، طريقاً جديدة إلى الشقاء الذهني! ومع ذلك فإن أعمدة لواء النور، المجلة المتمرسة للأرواحيين الأمريكيين، تغص برسائل من الموتى، "الراحلين الأعزاء"، الذين يكتبون واصفين مبلغ سعادتهم! فهل مثل هذه الحالة من المعرفة تتوافق مع النعيم؟ "النعيم"، في مثل هذه الحالة، هو بمثابة أعظم اللعنات، والغضب الأبدي الأرثوذكسي فرجٌ قطعاً بالمقارنة معه!

السائل: ولكن كيف تتجنب نظريتكم هذا؟ كيف يمكنكم المصالحة بين نظرية العلم الكلِّي للنفس بعماها عما يجري على الأرض؟

الثيوصوفي: لأنه كذا هو قانون المحبة والرحمة. إبان كل فترة ديفاخانية للأنيَّة، تتسربل هذه، إذا جاز القول، على كونها كلِّية العلم بما هي كذلك، بـانعكاس "الشخصية" التي كانتْها. لقد أخبرتُك لتوِّي بأن الإزهار المثالي لكل الصفات أو النعوت المجرَّدة، وبالتالي الخالدة والأبدية، كالمحبة والرحمة، وكمحبة الخير والحق والجمال، التي نطقت أبداً في قلب "الشخصية" الحية، تتمسك بعد الموت بالأنيَّة، وبالتالي تتبعها إلى ديفاخان. تصبح الأنية في الوقت الحاضر، إذن، الانعكاس المثالي للكائن الإنساني الذي كانتْه أخيراً على الأرض، وذاك الانعكاس ليس كلِّي العلم. فلو كان كذلك لما كان أبداً في الحالة التي ندعوها ديفاخان أصلاً.

السائل: فماذا هي أسبابكم لذلك؟

الثيوصوفي: إذا كنت تريد إجابة تتقيد بفلسفتنا بحذافيرها لقلت لك عندئذٍ بأن هذا يعود إلى أن كل شيء وهم (مايا) خارج الحقيقة الأزلية، التي لا شكل لها، ولا لون، ولا حد. إن من بلغ مقاماً أبعد من حجاب مايا – وأولئك هم النطساء والمُسارَرون الأعلون – لا حاجة لهم إلى ديفاخان. أما الإنسان الفاني العادي فإن نعيمه فيه نعيم تام. إنه ذهول مطلق عن كلِّ ما سبَّب له وجعاً أو حزناً في التجسد الماضي، وحتى ذهول عن وجود أشياء كالوجع أو الحزن أصلاً. إن المقيم في ديفاخان يحيا دورته المتوسطة بين تجسدين محاطاً بكل ما تاق إليه عبثاً، وفي صحبة كل مَن أحبَّ على الأرض. لقد بلغ تحقيق كل ما اشتاقت إليه نفسه. وهو بذلك يحيا طوال قرون وجوداً من السعادة الصرف، التي هي الثواب على آلامه إبان الحياة الأرضية. وباختصار فإنه يستحم في بحر من الغبطة المتواصلة لا تقيسها إلا أحداث من غبطة أعظم درجةً حتى.

السائل: لكن هذا أكثر من مجرد أضلولة؛ إنه وجود مكوَّن من هلوسات مخبولة!

الثيوصوفي: قد يكون كذلك من منظارك، لكنه ليس كذلك من منظار الفلسفة. أليست حياتنا الأرضية برمَّتها، فضلاً عن ذلك، ممتلئة بمثل هذه الأضاليل؟ ألم تلتقِ يوماً برجال وبنساء يعيشون لسنوات في فردوسِ مجنون؟ فإذا اتفق لك تعلم أن زوج الزوجة، الذي تعبده وتعتقد أنها محبوبته، لا يَصدُقها المشاعر، هل تمضي إليها وتحطم قلبها وحلمها الجميل بأن توقظها بفظاظة على الواقع؟ لا أظنك تفعل. أقولها ثانية: مثل هذا الذهول والهلوسة – إذا طاب لك أن تدعوه كذلك – ما هو إلا قانون رحيم من قوانين الطبيعة والعدالة الصارمة. وعلى كل حال، فإن هذا الاستشراف أبهر بكثير من القيثارة الذهبية للأرثوذكسية مع زوجَيْ الأجنحة المصاحبين لها. إن التأكيد بأن "النفس التي تحيا كثيراً ما تعرج وتطوف شوارع أورشليم السماوية المأنوسة، زائرةً الآباءً والأنبياء، مسلِّمةً على الرسل، ومتملِّيةً جيش الشهداء" قد يبدو في نظر بعضهم أكثر ورعاً. ومع ذلك فإنه هلوسة من شأنها أن تضلِّل أكثر بكثير، بما أن الأمهات يحببن أبنائهن حباً لا يموت، كما نعلم، بينما ما تزال طبيعة الشخوص المذكورة في "أورشليم السماوية" مشكوكاً فيها نوعاً ما. لكني مع ذلك أؤثر قبول "أورشليم الجديدة"، بشوارعها المرصوفة كواجهات محلِّ جواهري، على أن أجد السلوى في عقيدة الأرواحيين العديمة الشفقة. وحدها فكرة أن النفوس العاقلة الواعية للأب، أو الأم، أو الابنة، أو الأخ، تجد نعيمها في "مصطاف" – وهي فكرة أكثر طبيعية بقليل من "أورشليم الجديدة"، وإن تكن لا تقل عنها سخفاً من حيث وصفُها – تكفي لجعل المرء يفقد كل احترام يكنُّه لـ"فقيديه". فالاعتقاد بأن روحاً طاهرة يمكنها أن تشعر بالغبطة وهي مقضي عليها أن تشهد على خطايا، وأخطاء، وخيانة، وفوق كل ذلك، آلام أولئك الذين فرَّق الموت بينها وبينهم والذين تخصهم بحبها، بدون أن يكون بوسعها إسعافهم، لهو خاطر مجنِّن.

السائل: إنها حجة بليغة حقاً. أعترف بأني لم أرَ الأمر في هذا الضوء.

الثيوصوفي: هي كذلك. والمرء الذي يتخيل شيئاً كهذا يوماً أناني قطعاً حتى اللب وخلو من حسِّ العدالة المجزية. نحن مع أولئك الذين فقدناهم في الشكل المادي، ونحن أقرب، أقرب بكثير إليهم الآن مما كنَّا عندما كانوا أحياء. وهذا ليس من بنات مخيِّلة المقيم في الـديفاخان، كما قد يتخيل بعضهم، بل هو الواقع. ذلك أن المحبة الإلهية الخالصة ليست مجرد ثمرة القلب البشري، بل تضرب بجذورها في الأبدية. المحبة الروحية المقدسة لا تموت، وكرما يلمُّ، عاجلاً أم آجلاً، شملَ جميع الذين أحبوا بعضهم بعضاً بمثل هذه المودة الروحية لكي يتجسدوا مجدداً في مجموعة أسرية واحدة. نقول مرة أخرى بأن للمحبة فيما يتعدى القبر، مع أنك قد تدعوها وهماً، قدرة سحرية وإلهية تنعكس على الأحياء. إن أنية أمٍّ ممتلئة محبة للأبناء المتخَيَّلين الذين تراهم بالقرب منها – هذه الأنيَّة تحيا حياة سعادة، لا تقل في نظرها عنها وهي على الأرض – وهذه المحبة يظل يشعر بها الأبناء في الجسد دائماً. ولسوف تتجلَّى في أحلامهم، ومراراً في أحداث متنوعة – في حالات حماية ونجاة موفَّقة من الله؛ فالمحبة درع قوية، ولا يحدها المكان والزمان. وما يصح على "الأم" الديفاخانية يصح كذلك على بقية العلاقات والتعلقات الإنسانية، ما خلا الأناني والمادي الصرف منها. والمقايسة سوف توحي لك بالباقي.

السائل: فأنتم، إذن، لا تقبلون، ولا في أيَّة حالة، إمكانية تواصل الأحياء مع روح متجردة من البدن؟

الثيوصوفي: بلى، هناك حالة، بل حتى استثناءان من القاعدة. الاستثناء الأول هو فترة الأيام القليلة التي تعقب مباشرة موت الشخص وقبل أن تعبر الأنيَّة إلى الحالة الديفاخانية. أما استفادة أيِّ بشر فانٍ فائدة جمة، اللهم إلا في حالات استثنائية معدودة – (عندما تقسرُ شدةُ الرغبة لدى الشخص المحتضر في العودة لقصد ما الوعيَ الأعلى على البقاء صاحياً، وبالتالي فإن الأنيَّة حقاً أو "الروح" هي التي تواصلت) – من عودة الروح إلى المرتبة الموضوعية فشأنها شأن آخر. فالروح تكون مذهولة بعد الموت وسرعان ما تهوي فيما ندعوه "اللاوعي ما قبل الديفاخاني". أما الاستثناء الثاني فنجده لدى الـنرمانكايا.

السائل: ماذا عنهم؟ وما هو مدلول الاسم عندكم؟

الثيوصوفي: إنه الاسم الذي يُطلَق على أولئك الذين، مع أنهم فازوا بالحق في الـنرفانا والراحة الدورية – (ليست "ديفاخان"، باعتبار أن الأخير هو وهم من أوهام وعينا، حلم سعيد، وباعتبار أن أولئك المؤهلين للـنرفانا يجب أن يكونوا قد فقدوا كلياً كل رغبة في أوهام العالم أو إمكانية من إمكانياتها) – زهدوا في الحالة النرفانية رأفةً بالبشرية وبأولئك الذين تركوهم على الأرض. مثل هذا الناطس، أو القديس، أياً كان الاسم الذي تطلقه عليه، إذ يرى في الراحة في النعيم، بينما البشرية تئن تحت وطأة البؤس الناجم عن الجهل، فعلةً أنانية، يزهد في الـنرفانا ويعقد العزم على البقاء غير مرئي في الروح على هذه الأرض. ليس لأولئك أجسام مادية، بما أنهم قد خلفوها وراءهم؛ لكنهم، فيما عدا ذلك، يبقون بكافة مبادئهم الأخرى، حتى في الحياة النجمية في فلكنا نحن. وهؤلاء يمكنهم التواصل مع ثلة من النخبة، إنما ليس مع وسطاء عاديين قطعاً.

السائل: لقد طرحت عليك السؤال عن الـنرمانكايا لأني قرأت في بعض مطالعاتي بالألمانية وغيرها أنه كان الاسم الذي أطلِقَ على الظهورات أو الأجسام الأرضية التي اتخذها البوذاوات في تعاليم بوذية الشمال.

الثيوصوفي: هي كذلك؛ إلا أن شوشوا هذا الجسم الأرضي بفهمهم إياه على أنه الجسم الموضوعي والفيزيائي، وليس النجمي والذاتي المحض.

السائل: وأي خير يمكنهم أن يفعلوا على الأرض؟

الثيوصوفي: ليس الكثير، فيما يخص الأفراد، بما أنه لا يحق لهم التدخل في كرما، ولا يمكنهم إلا أن ينصحوا ويلهموا البشر الفانين في سبيل الخير العام. ومع ذلك فهم يقومون بأعمال مفيدة أكثر مما تتصور.

السائل: هذا ما لن يصدق به العلم، ولا حتى علم النفس الحديث. فعند هؤلاء أنه لا يمكن لأية نتفة من الفطنة أن تبقى بعد الدماغ المادي. فما جوابك لهم؟

الثيوصوفي: لن أتجشم حتى عناء الجواب، وسأكتفي بالرد بالكلمات التي أعطِيَتْ لـ"م. أ. أوكسُن": "الفطنة تدوم فعلاً بعد أن يموت الجسم. مع أن الأمر لا يتعلق بالدماغ وحده... فمن المعقول أن نطرح مما نعلم عدم قابلية الروح الإنسانية للفناء" (هوية الروح، ص 69).[2]

السائل: لكن "م. أ. أوكسُن" أرواحي؟

الثيوصوفي: بالضبط، وهو الأرواحي الحق الوحيد الذي أعرف عنه، مع أننا قد نختلف معه على الكثير من المسائل الفرعية. ما عدا ذلك، لا يوجد أرواحي يدنو من الحقائق الغيبية أقرب مما يفعل هو. إنه، كأيِّ واحد منَّا، لا يكل من الكلام "على الأخطار الداهمة المحدقة بكل مَن يفتقر إلى العدة الكافية، من الطائشين المتخبطين في الغيبيات، مجتازاً العتبة بدون أن يتحسب للثمن."[3] وخلافنا الوحيد يتعلق بمسألة "هوية الروح". فيما عدا ذلك، أنا، من جانبي، أكاد أتفق معه تماماً، وأقبل بالطروحات الثلاثة التي ضمَّنها في خطابه بتاريخ تموز 1884. إن هذا الأرواحي المرموق، بالأحرى، هو الذي يختلف معنا، ولسنا نحن الذين نختلف معه.

السائل: وما هي هذه الطروحات؟

الثيوصوفي: خلاصتها:

1.    "أن هناك حياة تتواقت مع الحياة المادية للجسم، مع بقائها مستقلة عنها.

2.    "أن هذه الحياة، كنتيجة طبيعية ضرورية، تمتد فيما يتعدى حياة الجسم" (نقول إنها تمتد إبان ديفاخان).

3.    "أن هناك تواصلاً بين ساكني حالة الوجود تلك وسكان العالم الذي نحيا فيه الآن."

كل شيء يتوقف، كما ترى، على المظاهر الصغرى والثانوية لهذه الطروحات الأساسية. كل شيء يتوقف على نظرتنا إلى الروح والنفس، أو الفردية والشخصية. الأرواحيون يخلطون بين الاثنين "في واحد"؛ بينما نحن نفصل بينهما، ونقول، فيما عدا الاستثناءين المذكورين أعلاه، إنه ليس لأيِّ روح أن تعاود زيارة الأرض، مع أن النفس الحيوانية يمكنها ذلك. ولكن فلنعد مجدداً إلى موضوعنا المباشر، الـسكندها.

السائل: بدأت أفهم فهماً أفضل الآن. إن روح هذه الـسكندها، إذا جاز القول، التي هي الأكثر نبلاً، إذ تتعلق بالأنيَّة المتجسدة، تنجو، وتنضاف إلى مخزون خبراتها الملائكية. والصفات المتعلقة بالـسكندها المادية، ذات الدوافع الأنانية والشخصية، التي، إذ تختفي من مسرح الفعل بين تجسدين، هي التي تعاود الظهور في التجسد اللاحق كعواقب كرمية ينبغي التعويض عنها؛ وبالتالي فإن الروح لن تغادر ديفاخان. أليس الأمر كذلك؟

الثيوصوفي: يكاد الأمر يكون كذلك. وإذا أضفتَ إلى هذا أن قانون الجزاء، أو كرما، مثيباً الأسمى والأكثر روحانية في ديفاخان، لا يقصِّر في إثابتها من جديد على الأرض بإتاحة المجال لها للمزيد من الانبساط على الأرض، ومزوداً الأنية بجسم يناسبها، ستكون عندئذٍ على صواب تماماً.

بضع كلمات في الـسكندها

السائل: وإلامَ تصير الـسكندها الأخرى، الـسكندها الدنيا للشخصية، بعد موت الجسم؟ هل تفنى تماماً؟

الثيوصوفي: إنها تبقى موجودة، ومع ذلك غير موجودة – وهذا سرٌّ ميتافيزيائي وغيبي جديد عليك. إنها تفنى بوصفها المخزون العملي المتاح للشخصية؛ وهي تبقى بوصفها عواقب كرمية، بذوراً، تتدلَّى في جوِّ المرتبة الأرضية، متأهبة للحياة، وكأنها حشد من الأبالسة الحاقدة، لتتعلق بالشخصية الجديدة للأنيَّة عندما تتقمص من جديد.

السائل: هذا حقاً يفوق فهمي، ويصعب فهمه.

الثيوصوفي: ليس مادمتَ قد استوعبت كافة التفاصيل. فإذ ذاك سوف ترى أن عقيدة التقمص هذه، من حيث المنطق، والتماسك، والفلسفة العميقة، والرحمة والقسط الإلهيين، لا يعدلها شيء على الأرض. إنها اعتقاد بتقدم دائم لكل أنيَّة متجسدة، أو نفس إلهية, في تطور من الظاهر إلى الباطن، من المادي إلى الروحي، بالغةً في نهاية كلِّ مرحلة الوحدة المطلقة مع المبدأ الإلهي. من عزم إلى عزم، من جمال مرتبة وكمالها إلى الجمال والكمال الأعظمين لمرتبة أخرى، مع تبوُّأ مجد جديد، ومعرفة وسلطان جديدين في كل دورة، ذلكم هو قَدَرُ كلِّ أنيَّة، تصير على هذا النحو مخلِّصةَ نفسِها في كلِّ عالم وفي كلِّ تجسد.

السائل: لكن المسيحية تعلِّم الأمر نفسه؛ إنها كذلك تبشِّر بالتقدُّم.

الثيوصوفي: أجل، إنما بإضافة شيء آخر. إنها تخبرنا بـتعذر بلوغ الخلاص بدون معونة مخلِّص عجائبي، وبالتالي تقضي بالهلاك على كلِّ مَن لا يؤمنون بالعقيدة. هذا فقط هو الاختلاف بين اللاهوت المسيحي والثيوصوفيا. الأول يوجِب الإيمان بنزول الأنيَّة الروحية في الذات الدنيا؛ بينما الثانية تلقِّن ضرورة جهاد المرء في سبيل الارتقاء بنفسه إلى حالة الخريستوس أو بودِّهي.

السائل: ألا ترى أن الثيوصوفيا، بتعليمها اضمحلال الوعي في حال الفشل، تعلِّم ما هو بمثابة فناء الذات، في نظر غير الميتافيزيائيين؟

الثيوصوفي: من وجهة نظر المؤمنين حرفياً بقيامة الجسد، والمصرِّين على أن كلَّ عظم، كل شريان، وكل ذرة لحم سوف تقوم جسمانياً يوم الدينونة – بالطبع تعلِّم ذلك. إذا كنت مازلت تصرُّ أن الشكل الفاني والصفات المنتهية هي التي تصنع الإنسان الخالد، إذ ذاك فإننا لن نصيب من التفاهم إلا أقلَّه. وإذا لم تفهم ذلك فإنك، بحصر وجود كلِّ أنيَّة بعمر واحد على الأرض، تجعل من الألوهة إندرا[4] المخمور أبداً، الوارد ذكره في الحرف الميت للـبورانا،[5] مولوخ قاسياً، إلهاً يزرع على الأرض فوضى لا تُفكفَك، ويطالب، مع ذلك، بالامتنان له عليها، إذ ذاك فإن من الخير لنا أن نتوقف عن هذه المناقشة.

السائل: بل فلنعد، مادمنا قد انتهينا من موضوع الـسكندها، إلى مسألة الوعي الذي يبقى بعد الموت. فهذه هي النقطة التي تهم غالبية الناس. فهل نحصِّل في ديفاخان معرفة أكثر مما نحصِّل في الحياة الأرضية؟

الثيوصوفي: من أحد الوجوه، يمكننا أن نحصِّل معرفة أكثر؛ أي أننا نستطيع أن ننمِّي أكثر أية مَلَكة أحببناها وناضلنا من أجلها إبان الحياة، على أن تخص الأمور المجرَّدة والمثالية، كالموسيقى، والرسم، والشعر، إلخ، بما أن ديفاخان هو مجرَّد استمرار مؤَمْثَل وذاتي للحياة الأرضية.

السائل: ولكن إن كانت الروح في ديفاخان حرة من المادة ما الذي يمنعها من حيازة المعرفة كاملة؟

الثيوصوفي: لأن الأنيَّة، كما أخبرتك، تكون مقرونة، إذا جاز القول، إلى ذاكرة تجسدها الأخير. بذلك إذا قلَّبت نظرك فيما قلتُ، وربطت الوقائع جميعاً بعضها إلى بعض، سوف تدرك أن الحالة الديفاخانية ليست حالة علم كلِّي، بل استمرار متسامٍ للحياة الشخصية التي انتهت لتوِّها. إنها استراحة النفس من أوصاب الحياة.

السائل: لكن الماديين العلميين يؤكِّدون أنه بعد موت المرء لا شيء يبقى منه؛ أن الجسم البشري يتفكك إلى عناصره المكوِّنة؛ وأن ما ندعوه النفس هو مجرد وعي ذاتي مؤقت ناتج كمحصول ثانوي للفعل العضوي، ولا بدَّ أن يتبخَّر كالبخار. أليست حالتهم الذهنية حالة غريبة؟

الثيوصوفي: ليست غريبة على الإطلاق، على ما أرى. إذا كانوا يقولون بأن وعي الذات يتوقف بموت الجسم، عندئذٍ فإنهم، في حالتهم، ينطقون ببساطة بنبوءة غير واعية؛ إذ إنهم حالما يقتنعون قناعة راسخة بما يؤكِّدون، فإن كل حياة واعية بعد الموت تصير متعذرة عليهم فعلاً. إذ إن ثمة فعلاً استثناءات من كل قاعدة.

في الوعي ما بعد الموت وما قبل الولادة[6]

السائل: ولكن إذا نجا وعي الذات الإنساني من الموت كقاعدة، لماذا ينبغي أن تكون ثمة استثناءات؟

الثيوصوفي: في المبادئ الأساسية للعالم الروحي لا مجال لأي استثناء. لكن ثمة قواعد تسري على المبصرين، وأخرى تسري على الذين يفضلون البقاء عميان.

السائل: أوافق على ما تقول وأفهمه. إنْ هو إلا زيغ الإنسان الأعمى، ينكر وجود الشمس لأنه لا يبصرها. ولكن بعد الموت لا بدَّ أن عين روحه سوف ترغمه على الإبصار. أهذا ما تعني؟

الثيوصوفي: لن يرغمه على ذلك شيء، كما لن يرى شيئاً على الإطلاق. فهو، إذا أمعن إبان حياته في إنكار استمرار الوجود بعد الموت، فسوف يعجز عن إبصارها، لأن مقدرته الروحية المقموعة في الحياة لن تنمو بعد الموت، وسوف يبقى أعمى. إنك، بإصرارك على أنه لا بدَّ أن يراها، تعني على ما يبدو شيئاً بينما أعني أنا شيئاً آخر. أنت تتكلم على روح الروح، أو على شعلة الشعلة – أو أتما، باختصار – فتلتبس عليك بالنفس الإنسانية، مَنَس... أنت لا تفهمني؛ فدعني أوضح لك الأمر. زبدة سؤالك برمَّتها هي معرفة إذا ما كان الفقدان التام للوعي الذاتي ولإدراك الذات ممكناً بعد الموت في حالة الآخذ الصريح بالمذهب المادي، أليست كذلك؟ وأجيبك بأنه ممكن. لأني، انطلاقاً من اعتقادي الراسخ بعقيدتنا الباطنية، التي تشير إلى فترة ما بعد الموت، أو الزمن الفاصل بين عمرين أو بين موت والولادة التي تعقبه، بوصفها حالة انتقالية، أقول إن حالة ما بعد الموت تلك، سواء كان ذلك الفاصل بين فصلين من فصول مسرحية الحياة الوهمية يدوم سنة أو مليون سنة، هي عينها حالة إنسان مستغرق في إغماءة موت، بدون أي خلل في القانون الأساسي.

السائل: لكن بما أنك قلت لتوِّك بأن القوانين الأساسية لحالة ما بعد الموت لا تجيز أية استثناءات كيف يمكن لهذا أن يكون؟

الثيوصوفي: ولا أقول بأنها تجيز فعلاً أيَّ استثناء. لكن القانون الروحي للاستمرار لا ينطبق إلا على الأمور الواقعية حقاً. ففي نظر مَن قرأ أوبنشاد مندوكيا والفيدنتا سارا وفهمهما يصبح هذا كله واضحاً للغاية. لا بل أقول المزيد: حسب المرء أن يفهم ما نعنيه بـبودِّهي وثنائية مَنَس ليكتسب إدراكاً واضحاً لماذا قد يخفق المادي في البقاء بقاءً واعياً لذاته بعد الموت. فلما كان مَنَس، في مظهره الأدنى، هو مقعد الذهن الأرضي، فإنه، بالتالي، لا يقدر أن يمنح غير ذلك الإدراك للكون الذي يتأسَّس على بيِّنة ذلك الذهن؛ إنه لا يستطيع أن يمنح الرؤية الروحية. ويقال في المدرسة الشرقية إنه بين بودِّهي ومَنَس (الأنيَّة)، أو إشفرا وبراجنا،[7] لا يوجد في الواقع فرق أكثر مما يوجد بين الغابة وأشجارها، بين بحيرة ومياهها، كما تعلِّم الـمندوكيا. إن شجرة واحدة أو مئات الأشجار الميتة من جراء نقص في الحيوية، أو من جراء اجتثاثها، لا تقدر أن تحول بين الغابة وبين أن تظل غابة.

السائل: لكن بودِّهي، كما أفهمها، تمثل في هذا التشبيه الغابة، ومَنَس–تَيْجَسي[8] يمثل الأشجار. وإذا كان البوذا خالداً كيف يمكن لما هو شبيه به، أي مَنَس–تَيْجَسي، أن يفقد وعيه برمَّته حتى يوم تجسده الجديد؟ لا أقدر أن أفهم الأمر.

الثيوصوفي: لا تقدر لأنك تخلط بين تمثيل مجرَّد للكل وبين تغيرات طارئة على الشكل. تذكَّر أنه إذا كان يصح قول ذلك في بودِّهي–مَنَس الخالد بلا شروط لا يصح قول الشيء نفسه في مَنَس الأدنى، وحتى أقل منه في تَيْجَسي، الذي هو مجرد صفة. فما من واحد منهما، لا مَنَس ولا تَيْجَسي، يمكن أن يوجد بمعزل عن بودِّهي، النفس الإلهية، لأن الأول (مَنَس)، في مظهره الأدنى، صفة نعتية للشخصية الأرضية، والثاني (تَيْجَسي) مماثل للأول، لأنه الـمَنَس نفسه، إنما وقد انعكس عليه نور بودِّهي. وبدورها، تبقى بودِّهي روحاً لاشخصية وحسب بدون هذا العنصر الذي تستعيره من النفس الإنسانية، التي تقيِّدها وتُظهِرها، في هذا الكون الوهمي، وكأنها شيء منفصل عن النفس الكلِّية إبان فترة دورة التجسد برمَّتها. ولنقل بالحري أن بودِّهي–مَنَس لا يمكنه في الأبدية لا أن يموت ولا أن يفقد وعيه الذاتي المركَّب، ولا إمكانية استذكار تجسداته السابقة التي ارتبطت فيها الاثنتان – أي النفس الروحانية والنفس البشرية – ارتباطاً وثيقاً. لكن الأمر ليس كذلك في حالة شخص مادي، لا تتلقَّى نفسُه البشرية أيَّ شيء من النفس الإلهية، وليس هذا وحسب، بل وترفض حتى الاعتراف بوجودها. يكاد يتعذر عليك أن تطبق هذه المسلَّمة على صفات النفس البشرية ومؤهِّلاتها؛ إذ إن هذا أشبه بقولك إن خلود نفسك الإلهية يجعل بالتالي نضرة خدِّك خالدة بالضرورة؛ بينما هذه النضرة، مثلها كمثل تَيْجَسي، مجرد ظاهرة عابرة.

السائل: هل أفهم من قولك إننا يجب ألا نخلط في أذهاننا بين النومينون [الجوهر] وبين الفينومينون [المظهر]، بين العلَّة وبين معلولها؟

الثيوصوفي: أجل، أقول ذلك، وأكرِّر بأن إشعاع تَيْجَسي نفسه، إذ ينحدُّ بـمَنَس أو النفس البشرية وحدها، يصير مجرد مسألة وقت؛ لأن كلا الخلود ووعي ما بعد الموت يصيران، عند شخصية الإنسان الأرضية، مجرد صفتين مقيِّدتين، بما أنهما يتَّكلان الاتِّكال كلَّه على الشروط والمعتقدات التي أوجدتْها النفس البشرية نفسها إبان حياة الجسم. إن كرما يعمل بلا توقف: نحن لا نحصد في آخرتنا إلا ثمرة ما زرعناه نحن في هذه الدنيا.

السائل: ولكن إذا اتفق لأنيَّتي، بعد فناء جسمي، أن تستغرق في حالة غيبوبة تامة، إذ ذاك أين يكون العقاب على خطايا حياتي الماضية؟

الثيوصوفي: تعلِّم فلسفتنا أن العقاب الكرمي لا يصيب الأنيَّة إلا في تجسدها المقبل. فهي بعد الموت لا تتلقى إلا الثواب على العذابات المكابَدة غير المستحَقة إبان تجسدها الماضي.[9] لذا فإن عقاب ما بعد الموت، حتى بالنسبة للشخص المادي، هو عبارة عن غياب أيِّ ثواب والفقدان التام لوعي المرء لغبطته ولراحته. كرما هو وليد الأنيَّة الأرضية، ثمرة أفعال الشجرة التي هي الشخصية الموضوعية التي يراها الجميع، بقدر ما هو ثمرة كافة خواطر "الأنا" الروحية ودوافعها حتى؛ لكن كرما هو أيضاً الأم الحانية، التي تشفى الجراح التي أنزلتها بالأنيَّة إبان الحياة السابقة، قبل أن تبدأ بتعذيب هذه الأنيَّة بأن تُنزِل بها جراحاً جديدة. إذا جاز أن يقال، من ناحية، إنه لا يوجد أي شقاء ذهني أو جسماني في حياة إنسان فانٍ ليس الثمرةَ المباشرة والعاقبةَ لخطيئة ما في عمر سابق، فإن هذا الإنسان، من ناحية ثانية، بما أنه لا يحتفظ بأي استذكار منه في حياته الفعلية، ويشعر بأنه لا يستحق مثل هذا العقاب، ويظن، بالتالي، بأنه لا يشقى لذنب ارتكبه، فإن هذا وحده يكفي تبريراً لأهلية النفس البشرية للعزاء والراحة والغبطة الأكمل في وجوده بعد الموت. ما فتئ الموت يجيء لذواتنا الروحية كعاتِق وصديق. أما الشخص المادي، الذي، على الرغم من ماديَّته، لم يكن إنساناً سيئاً، فإن الفاصل بين العمرين سيكون مثل النوم غير المتقطع والوادع للطفل، إما الخالي تماماً من الأحلام وإما المملوء بصور لن يدركها إدراكاً محدداً؛ بينما سيكون، بالنسبة للإنسان الفاني المتوسط، حلماً زاهراً كالحياة، ومليئاً بالغبطة وبالرؤى الواقعية.

السائل: إذن فالإنسان الشخصي لا بدَّ أن يستمر في مكابدة العقوبات التي ابتلتْ الأنيةُ بها نفسَها مكابدة عمياء؟

الثيوصوفي: ليس تماماً. ففي لحظة الموت المهيبة يرى كلُّ إنسان، حتى عندما يكون الموت مباغتاً، حياته الماضية برمَّتها مستعرَضة أمامه، في أدقِّ تفاصيلها. لبرهة قصيرة واحدة تصير الأنيَّة الشخصية واحدة مع الأنيَّة الفردية الكلِّية العلم. لكن هذه البرهة كافية لتبيِّن له سلسلة العلل برمَّتها التي كانت فاعلة إبان حياته. إنه الآن يرى نفسه ويفهمها كما هي، غير مزيَّنة بالإطراء وخداع الذات. إنه يقرأ حياته، باقياً كمُشاهِد يهبط بنظره إلى الحلبة التي يغادرها؛ وهو يشعر بعدالة كل المعاناة التي انهالت عليه ويعرفها.

السائل: هل هذا يحدث للناس جميعاً؟

الثيوصوفي: بلا أيِّ استثناء. والأخيار جداً والقديسون يرون، على ما تعلَّمنا، ليس الحياة التي يغادرونها وحسب، بل حتى عدة حيوات سابقة أوجدوا فيها العلل التي جعلت منهم ما كانوا إياه في الحياة التي انتهت لتوِّها. إنهم يقرُّون بقانون كرما في كل هيبته وعدله.

السائل: وهل ثمة ما يقابل هذا قبل الولادة من جديد؟

الثيوصوفي: أجل. فكما أن المرء لحظة الموت يسترجع ببصيرته الحياة التي عاشها، كذلك فإن الأنيَّة، في اللحظة التي تولد فيها من جديد على الأرض، بعد أن تستيقظ من حالة ديفاخان، تختبر رؤيا استباقية للحياة التي تنتظرها، وتدرك كافة العلل التي أفضت إليها. إنها تدركها وترى مستقبليَّتها، لأنه بين ديفاخان والولادة من جديد تستعيد الأنيَّة وعيها المَنَسي كاملاً، وتصبح من جديد لوقت قصير الإله الذي كانتْه، قبل أن تنزل للمرة الأولى في المادة، امتثالاً للقانون الكرمي، وتتجسد في الإنسان الجسدي الأول. ذلك أن "الخيط الذهبي" يرى كلَّ "حبَّاته" ولا يفقد أياً منها.

المقصود حقاً بالفناء

السائل: لقد سمعت بعض الثيوصوفيين يتكلمون على خيط ذهبي تنتظم عليه أعمارهم. فماذا يقصدون به؟

الثيوصوفي: جاء في الكتب المقدسة الهندوسية أن ما يكابد التجسد الدوري هو الـسوتراتما، الذي يعني حرفياً "خيط النفس". وهذا المصطلح مرادف للأنية المتقمصة – مَنَس مقترناً إلى بودِّهي – التي تمتص الاستذكارات المَنَسية لكافة الأعمار السابقة. وهي تُدعى كذلك لأن سلسلة أعمار الإنسان الطويلة مضمومة معاً في ذلك الخيط الواحد، مثلها كمثل الحبَّات على خيط. وفي بعض الأوبنشاد نجد هذه التقمصات المتكررة مشبَّهَة بحياة الإنسان التي تنوس دورياً بين النوم والصحو.

السائل: لا بدَّ لي من القول إن هذا لا يبدو واضحاً كلَّ الوضوح، وسأقول لك لماذا. عند الإنسان المستيقظ يبدأ يومٌ جديد، لكن ذلك الإنسان هو، نفساً وجسماً، عينه الإنسان الذي كان بالأمس؛ بينما عند كل تجسد يجري تغير كامل، ليس في الغلاف الخارجي والجنس والشخصية وحسب، ولكن حتى في القدرات الذهنية والنفسية. لا يبدو لي التشبيه صحيحاً تماماً. فالمرء الذي ينهض من النوم يتذكر بوضوح تام ما فعله أمس، وأمس الأول، وحتى قبل شهور وسنوات. لكن ما من أحد منَّا يستذكر حياة سابقة استذكاراً طفيفاً أو أيَّ واقعة أو حدث يتعلق بها... قد أنسى في الصباح ما حلمت به ليلاً، لكني على كلِّ حال أعرف أني قد نمت وعندي يقين بأني كنت حياً إبان النوم؛ ولكن أي استذكار لديَّ من تجسدي الماضي حتى لحظة الموت؟ كيف يمكنك أن توفِّق بين هذين الأمرين؟

الثيوصوفي: بعض الناس يستذكرون فعلاً تجسداتهم الماضية إبان الحياة؛ لكن هؤلاء بوذاوات ومسارَرون. وهذا ما يسميه اليوغانيون سَمَّاسَمْبودِّهي، أو معرفة المرء السلسلة الكاملة لتجسداته الماضية.

السائل: لكننا، نحن البشر العاديين، الذين لم يبلغوا سَمَّاسَمْبودِّهي، كيف لنا أن نفهم هذا التشبيه؟

الثيوصوفي: بدراسته ومحاولة فهم خصائص أنواع النوم الثلاثة فهماً أصح. النوم قانون عام وثابت ينطبق على الإنسان وعلى البهيمة، لكن ثمة أنواعاً مختلفة من النوم، والمزيد من الأنواع المختلفة من الأحلام والرؤى.

السائل: لكن هذا يقودنا إلى موضوع آخر. فلنعد إلى الإنسان المادي الذي، وإنْ لم يكن ينكر الأحلام، الأمر الذي يصعب عليه أن يفعله، فإنه ينكر الخلود بعامة وبقاء فرديته الخاصة.

الثيوصوفي: والمادي على حق، من حيث لا يدري. النفس عند امرئ لا يتحلَّى بإدراك داخلي لخلود نفسه ولا بإيمان به، لا يمكن لها أبداً أن تصير بودِّهي–تَيْجَسي، بل تبقى مجرد مَنَس، ولا خلود ممكناً لـمَنَس وحده. فمن أجل أن يحيا المرء في العالم وصولاً إلى حياة واعية، عليه قبل كل شيء أن يؤمن بتلك الحياة إبان الوجود الأرضي. إن كل الفلسفة عن وعي ما بعد الموت وخلود النفس مبنية على هاتين الحكمتين المأخوذتين من العلم السري. إن الأنيَّة تتلقى دوماً بحسب استحقاقها. فبعد تحلل الجسم تبدأ عندها فترة من الوعي التام الصحو، أو حالة من الأحلام المشوشة، أو من النوم الخالي تماماً من الأحلام، لا يتميَّز من الفناء – وهذه هي أنواع النوم الثلاثة. فإذا وجد فسيولوجيونا علة الأحلام والرؤى في تحضير غير واعٍ لها إبان وقت الصحو فلماذا لا يسلَّم بالأمر نفسه فيما يخص أحلام ما بعد الموت؟ أكرر: الموت هو عينه النوم. فبعد الموت، يبدأ، أمام عيني النفس الروحيتين، استعراضٌ بحسب برنامج نتعلَّمه وكثيراً ما نؤلِّفه تأليفاً غير واعٍ: تحقيق عملي للمعتقدات الصحيحة أو للأوهام التي خلقناها بأنفسنا. فالميثودي[10] سيكون ميثودياً، والمسلم مسلماً، لبعض الوقت على الأقل – في فردوس متخيَّل كامل من خلق كلِّ امرئ وصنعه. وهذه هي ثمار شجرة الحياة فيما بعد الموت. وبالطبع فإن إيماننا أو عدمه في واقع الخلود الواعي لا طاقة له على التأثير على الواقعية غير المشروطة لحدوث الأمر نفسه مادام موجوداً؛ لكن الإيمان بذلك الخلود أو عدمه، بوصفه خاصية كيانات مستقلة أو منفصلة، لا بدَّ أن يلوِّن ذلك الواقع عند انطباقه على كلٍّ من هذه الكيانات. هل بدأت تفهم الأمر الآن؟

السائل: أظنني بدأت أفهم. فالإنسان المادي، إذ يكفر بكل شيء لا تستطيع أن يبرهن عليه حواسه الخمسة أو المنطق العلمي، المؤسَّس حصراً على المعطيات التي تزوِّده بها هذه الحواس، على الرغم من قصورها ومن نبذها لكلِّ تجلٍّ روحي – هذا المرء يقبل الحياة بوصفها الوجود الواعي الوحيد. لذا فإنه سوف ينال بحسب معتقداته. ولسوف يفقد أنيَّته الشخصية، فيغوص في نوم مجرد من الأحلام حتى صحو جديد. فهل الأمر كذلك؟

الثيوصوفي: يكاد يكون كذلك. فلتتذكر التعليم العالمي عملياً القائل بوجود نوعين من الوجود الواعي: الأرضي والروحي. والوجود الثاني يجب أن يُعتبَر حقيقياً من حيث إنه تسكنه الموناد الأبدية، السرمدية، الخالدة؛ بينما ترتدي الأنيَّة المتجسدة أقمصة مختلفة كلياً عن أقمصة التجسد السابق، التي كل شيء فيها، ما خلا أنموذجها الروحي الأول، محكوم عليه بتغير هو من الجذرية بحيث إنها لا تترك أثراً وراءها.

السائل: كيف ذلك؟ هل يمكن لـ"أنا"ي أن تضمحل، ليس مؤقتاً، مثل وعي الشخص المادي، ولكن على نحو تام بحيث لا تترك وراءها أيَّ أثر؟

الثيوصوفي: بحسب التعليم، لا بدَّ لها أن تضمحل، برمَّتها، إلا المبدأ الذي، إذ ينضم إلى الموناد، يصبح بذلك ماهية محض روحية لا يطالها فناء، واحدة معها في الأبدية. أما في حالة المادي الممعن في ماديَّته، الذي لم تنعكس بودِّهي في "أنا"ه الشخصية قط، كيف يمكن لهذه أن تصطحب إلى الأبدية قسيماً واحداً من تلك الشخصية الأرضية؟ "أنا"ك الروحية خالدة؛ لكنها لا تستطيع أن تصطحب من ذاتك الحالية إلى الأبدية إلا ما أصبح حقيقاً بالخلود، وأعني، فقط عبير الزهرة التي اجتثها الموت.

السائل: طيب، وماذا عن الزهرة، الـ"أنا" الأرضية؟

الثيوصوفي: هذه الزهرة، ككل الأزهار السابقة واللاحقة التي تفتحت وسوف تتفتح على الغصن الأم، الـسوتراتما – وكلها بنات جذر واحد هو بودِّهي – سوف تعود إلى التراب. "أنا"ك الحالية، كما تعلم، ليست الجسم الجالس أمامي الآن، كما ليست بعدُ ما يمكنني أن أسميه مَنَس–سوتراتما، بل هي سوتراتما–بودِّهي.

السائل: لكن هذا لا يفسر لي، على الإطلاق، لماذا تسمي حياة ما بعد الموت خالدةً ولانهائية وحقيقية، والحياة الأرضية مجرد شبح أو وهم، على اعتبار أن لحياة ما بعد الموت تلك حدوداً، مهما كانت أوسع بكثير من حدود الحياة الأرضية.

الثيوصوفي: بلا شك. فالأنيَّة الروحية للإنسان تتحرك في الأبدية كنوَّاس ينوس بين ساعات الولادة والموت. ولكن إذا كانت هذه الساعات، التي تشير إلى فترات الحياة الأرضية والحياة الروحية، محدودة في استمرارها، وإذا كان لعدد مثل هذه الأشواط نفسه في الأبدية بين النوم والصحو، الوهم والحقيقة، بداية ونهاية، فإن الحاجَّ الروحي، من ناحية ثانية، أبدي. لذا فإن ساعات حياته ما بعد الموت، عندما يقف، وقد تجرَّد من بدنه، وجهاً لوجه مع الحقيقة وليس مع سرابات أعماره الأرضية العابرة، إبان فترة ذلك الحج الذي ندعوه "دورة التقمصات" – هاتيك الساعات، في تصورنا، هي الواقع الوحيد. مثل هذه الفواصل، على الرغم من محدوديَّتها، لا تحول دون الأنيَّة، وهي في طور كمالها أبداً، من اتباع الدرب – لا تحيد عنه، وإن يكن ذلك تدريجياً وببطء – ذلك المفضي إلى تحوِّلها الأخير، عندما تصبح تلك الأنيَّة، وقد بلغت غايتها، كائناً إلهياً. هذه الفواصل والأشواط تعين على بلوغ هذه النتيجة النهائية بدلاً من عرقلته؛ فبدونها ليس بوسع الأنيَّة الإلهية أن تبلغ غايتها النهائية أبداً. لقد سبق لي أن قدمت لك مرة توضيحاً مألوفاً بتشبيهي الأنيَّة، أو الفردية، بممثل، وتقمصاتها العديدة المتنوعة بالأدوار التي يمثلها. فهل يجوز لك أن تدعو هذه الأدوارَ أو ملابسَها فرديةَ الممثل نفسه؟ فالأنيَّة، مثلها كمثل ذلك الممثل، مرغمة إبان دورة الضرورة، حتى عتبة الـبَرِنرفانا نفسها، على لعب أدوار عديدة، منها ما تكرهه. ولكن كما النحلة تجني عسلها من كلِّ زهرة، تاركة ما تبقى طعاماً لديدان الأرض، كذلك تفعل فرديتنا الروحية، سواء سمَّيناها سوتراتما أو أنيَّة. إنها تجني من كلِّ شخصية أرضية، يرغمها كرما على التقمص فيها، رحيق الخواص الروحية ووعي الذات وحسب، موحِّدةً هذه جميعاً في كلٍّ واحد، حتى تخرج من شرنقتها بوصفها دهيان تشوهن ممجَّداً. ولهفي على هاتيك الشخصيات الأرضية التي لم تستطع أن تجني منها شيئاً. فمثل تلك الشخصيات لا تستطيع قطعاً أن تبقى حية بقاءً واعياً بعد انقضاء عمرها الأرضي.

السائل: بذلك، إذن، يبدو أن خلود الشخصية الأرضية ما يزال مشروطاً. فهل الخلود نفسه، إذن، ليس غير مشروط؟

الثيوصوفي: مطلقاً. لكن الخلود لا يمكن أن يخص غير الموجود؛ أما كل ما هو موجود بوصفه سَتْ، أو يصدر عن سَتْ، فخلوده وأبديَّته مطلقان. المادة هي القطب المضاد للروح، ومع ذلك فكلاهما واحد. إن ماهية ذلك كلِّه، أي الروح والقوة والمادة، أو الثلاثة في واحد، لا نهاية لها بقدر ما لا بداية لها أيضاً؛ لكن الشكل الذي تتخذه هذه الوحدة المثلَّثة إبان تجسداتها، أي مظهرها الخارجي، ليس جزماً إلا وهم تصوراتنا الشخصية. لذا فإننا نعتبر نرفانا والحياة الكلِّية وحدهما حقيقيين، بينما نحيل الحياة الأرضية، بما فيها شخصيتها الأرضية، وحتى وجودها الديفاخاني، إلى العالم الشبحي للوهم.

السائل: ولكن لماذا، والحالة هذه، يُدعى النوم حقاً، والصحو وهماً؟

الثيوصوفي: إنها ببساطة مقارنة لتسهيل اكتناه الموضوع، وهي، من منظار التصورات الأرضية، مقارنة صحيحة جداً.

السائل: ومع ذلك، إذا كانت الحياة الآتية قائمة على العدل وعلى الجزاء المستحَق على كلِّ معاناتنا الأرضية، لا أقدر أن أفهم كيف يمكن في حالة الماديين – والكثيرون منهم أناس شرفاء ومحسنين حقاً – ألا يبقى من شخصيتهم شيء إلا حثالة زهرة ذابلة.

الثيوصوفي: لم يقل أحدٌ شيئاً كهذا قط. فما من امرئ مادي، مهما كان إمعانه في الإلحاد، يمكن أن يموت إلى الأبد في امتلاء فرديته الروحية. ما قيل هو أن ذلك الوعي، في حالة المادي، يمكن أن يختفي إما كلياً أو جزئياً، بحيث لا تنجو من شخصيته أية بقايا واعية.

السائل: أليس هذا هو الفناء بعينه؟

الثيوصوفي: قطعاً لا. فقد ينام المرء نوم الأبرار، فتفوته عدة محطات إبان رحلة طويلة بالقطار، بدون أدنى استذكار أو وعي، ثم يصحو في محطة أخرى ويواصل الرحلة ماراً بمحطات أخرى لا عدَّ لها، حتى يتم بلوغ نهاية الرحلة أو الغاية. لقد ذُكِرَت لك ثلاثة أنواع من النوم: النوم بلا أحلام، النوم المشوش، والنوم الحقيقي إلى حدِّ أن أحلام النائم تبدو له وقائع تامة. فإذا كنتَ تؤمن بالأحلام الأخيرة لم لا تؤمن بالأولى؟ فبحسب ما هي عليه الحياة الآخرة التي يؤمن بها المرءُ ويتوقعُها كذلك هي الحياة التي سينالها. فمن لم يتوقع حياة آتية سينال في الفاصل بين تقمصين خواءً مطلقاً، هو بمثابة فناء. وهذا ليس إلا تنفيذ البرنامج الذي تكلَّمنا عليه، البرنامج الذي وضعه الماديون أنفسهم. ولكن ثمة أنواعاً متعددة من الماديين، كما تقول. فالأناني الشرير ذو الأثرة، الذي لم يسفح دمعة قط على أحد سوى نفسه، مضيفاً بذلك إلى إلحاده عدم الاكتراث التام بالعالم أجمع، يجب، عند عتبة الموت، أن يتخلَّى عن شخصيته إلى الأبد. وهذه الشخصية، بما أنها تعدم أية وشيجة تعاطف تربطها بالعالم من حولها، وبالتالي تعدم أيَّ شيء يشدها إلى سوتراتما، ينجم عن ذلك أنه مع لفظها آخر أنفاسها تنقطع الصلة بين الاثنين. وبما أنه لا يوجد ديفاخان لمثل هذا المادي فإن الـسوتراتما سوف يتقمص من جديد من فوره تقريباً. أما أولئك الماديون الذين لم يضلوا إلا في إلحادهم وحسب فلن يغفلوا في نومهم إلا عن محطة واحدة فقط. وسوف يحين وقت يدرك فيه ذلك المادي السابق نفسَه في الأبدية، وربما يندم على فقده حتى يوماً واحداً، محطة واحدة، من الحياة الأبدية.

السائل: ومع ذلك، أليس من الأصح قولنا إن الموت هو ولادة في حياة جديدة، أو عودة من جديد إلى الأبدية؟

الثيوصوفي: لك أن تقول ذلك إذا راق لك. إنما تذكَّر أن الولادات تختلف، وأن هناك ولادات لكائنات "مولودة ميتة"، هي إخفاقات للطبيعة. علاوة على ذلك، فإن أفكاركم الغربية الجامدة حول الحياة المادية تجعل كلمتي "حي" و"كائن" لا تنطبقان على الحالة الذاتية المحضة للوجود ما بعد الموت. وهذا لأن تصوراتكم الغربية عن الحياة والموت، باستثناء تصورات ثلة من الفلاسفة الذين لا تقرؤهم الكثرة، والذين يبلغ تشويشهم حداً يحول بينهم وبين تقديم صورة واضحة عن الأمر، قد أمست أخيراً من الضيق بحيث إنها أفضت، من ناحية، إلى المادية الأكثر فظاظة، ومن ناحية أخرى، إلى التصور الأكثر مادية حتى عن الحياة الآخرة التي صاغها الأرواحيون في "مصطافهم". فهناك تأكل نفوس الناس، وتشرب، وتنكح، وتعيش في فردوس لا يقل حسية عن جنة محمد، وإن يكن أقل فلسفية منها. كما أن التصورات الشائعة للمسيحي غير المتعلِّم ليست بأفضل منها، لا بل هي أكثر مادية منها إن أمكن. فالسماء المسيحية، ما بين الملائكة مجبوبة الرأس، والأبواق النحاسية، والقيثارات الذهبية، وبين نيران الجحيم المادية، تبدو أشبه ما تكون بمشهد خلاب في تمثيلية إيمائية ميلادية.

إنك تجد كل هذه الصعوبة في الفهم من جراء هذه التصورات الضيقة، ليس إلا. إن كون حياة النفس المتجردة من البدن، وإن تكن تتصف بكل حيوية الواقع، كما في أحلام معينة، خلواً من أيِّ شكلٍ فظِّ الموضوعية من الحياة الأرضية، هو الذي جعل الفلاسفة الشرقيين يقارنون فيما بينها وبين الرؤى في أثناء النوم.

كلمات محددة للدلالة على أشياء محددة

السائل: ألا ترى أن سبب التشويش الحاصل في أذهاننا بخصوص الوظائف التي يختص بها كل "مبدأ" في الإنسان هو عدم وجود مصطلحات محددة وثابتة للإشارة إلى كلٍّ من هذه "المبادئ"؟

الثيوصوفي: لقد فكرت في الأمر من جانبي. لقد نجم المشكل برمَّته مما يلي: لقد شرعنا في عرض "المبادئ"، وفتحنا نقاشات حولها، مستعملين تسمياتها السنسكريتية بدلاً من مباشرة سبك مرادفات لها بالإنكليزية يستعملها الثيوصوفيون. يجب علينا أن نحاول تدارك هذا الأمر الآن.

السائل: حسناً تفعل؛ فمن شأن هذا أن يجنِّبنا المزيد من اللبس. إذ ما من كاتبين ثيوصوفيين، على ما يبدو لي، اتفقا حتى الآن على إطلاق الاسم نفسه على "المبدأ" نفسه.

الثيوصوفي: بيد أن الخلط ظاهري أكثر منه حقيقي. لقد سمعت بعض ثيوصوفيينا يعبِّرون عن دهشتهم من عدة مقالات تتكلم على هذه "المبادئ" وينتقدونها؛ لكن لدى الفحص عنها لم نجد فيها خطأ أسوأ من خطأ استعمال كلمة "نفس" للدلالة على المبادئ الثلاثة بدون تحديد التمييزات فيما بينها. لقد كتب السيد أ. ب. سِنِّيت – أول كتَّابنا الثيوصوفيين وأوضحهم بلا منازع – فقرات شاملة وبديعة الأسلوب في "الذات العليا".[11] وقد أساء بعضهم تصور فكرته الحقيقية من جراء استعماله كلمة "نفس" بمعناها العام. ومع ذلك، هي ذي بضعة مقتطفات ستبيِّن لك مبلغ شمول ووضوح كلِّ ما يكتب في الموضوع:

"... إن النفس الإنسانية، ما إن تنطلق كفردية بشرية[12] على دروب التطور، فإنها تجتاز فترات متناوبة من الوجود الجسماني والوجود الروحي نسبياً. إنها تعبر من مرتبة، أو طبقة، أو شرط، للطبيعة إلى شرط آخر بإرشاد من قراباتها الكرمية، فتحيا في تقمصاتها الحياة التي سبق لكرما أن قدَّرها عليها، معدِّلة تقدمها ضمن حدود الظروف، وإذ تولِّد كرما جديداً بحسن تحيُّنها للفرص أو سوئه، تعود إلى الوجود الروحي (ديفاخان) بعد كل حياة جسمانية – مروراً بمنطقة كاما–لوكا المتوسطة بينهما – من أجل الاستراحة واستجماع قواها ومن أجل الامتصاص التدريجي في ماهيَّتها، على غرار التطور الكوني، لخبرات الحياة المكتسبة "على الأرض" أو إبان العمر الأرضي. علاوة على ذلك، فإن هذه النظرة إلى المسألة سوف تطرح العديد من الاستدلالات الجانبية على كلِّ من يتفكر في الموضوع؛ منها، على سبيل المثال، أن انتقال الوعي من كاما–لوكا إلى الشوط الديفاخاني من هذا التقدم لا بدَّ أن يكون متدرِّجاً[13]؛ أنه لا يوجد في الحقيقة خط قاطع يفصل بين تنويعات الشروط الروحية، حتى إن المرتبتين الروحية والجسمانية، على غير ما تلمِّح النظريات المادية، غير مفصولتين الواحدة عن الأخرى بجدار، كما تبيِّن الملَكات النفسية لدى أناس أحياء؛ أن حالات الطبيعة جميعاً موجودة من حولنا في الوقت نفسه، وتخاطب ملَكات إدراكية مختلفة؛ وهكذا دواليك... فمن الواضح أنه إبان الوجود الجسماني يبقى الناس الذين يتمتعون بملَكات نفسية على اتصال بمراتب الوعي ما فوق الفيزيائي؛ ومع أن غالبية الناس لا يتمتعون بمثل هذه الملَكات فإننا جميعاً، كما تبيِّن ظواهر النوم، وحتى... ظواهر السرنمة[14] أو المسمرية[15] بخاصة، قادرون على الدخول في حالات وعي لا تمت الحواس الجسمانية الخمس إليها بصلة. نحن – أي النفوس فينا – لسنا مبحرين، إذا جاز التعبير، في بحر المادة على غير هدى مطلقاً. فنحن نحتفظ قطعاً باهتمام أو بحقوق ناجية على الشاطئ الذي أقلعنا منه ذات مرة. لذا فإن سيرورة التجسد ليست موصوفة وصفاً دقيقاً عندما نتكلم على وجود متناوب على المرتبتين الجسمانية والروحانية، فنتصور بذلك النفس ككيان تام ينزلق بكلِّيته من حالة وجود إلى حالة أخرى. فلعل التعريفات الأصح لتلك السيرورة هي التي تمثل للتجسد بوصفه يجري على هذه المرتبة الجسمانية للطبيعة من جراء سيلان ينبعث من النفس. وبذلك يكون العالم الروحي على الدوام هو المسكن المناسب للنفس، الذي لا تغادره كلياً أبداً؛ وتلك القطعة من النفس غير القابلة للتَمَيْدُد [التحول إلى مادة] التي تقيم بصفة دائمة على المرتبة الروحية قد تصح عليها، ربما، تسمية الذات العليا."

هذه "الذات العليا" هي أتما، وهي بالطبع "غير قابلة للتَمَيْدُد"، كما يقول السيد سِنِّيت. لا بل إنه لا يمكن أبداً أن يكون "موضوعياً" أياً كان الظرف، حتى بالنسبة إلى الإدراك الروحي الأسمى. إذ إن أتمن، أو "الذات العليا"، هو حقاً برهمن، المطلق، وهو لا يتميَّز عنه. ففي ساعات الـسمادهي يكون الوعي الروحي الأعلى للمسارَر مستغرقاً بكلِّيته في الماهية الواحدة، التي هي أتمن، وبالتالي، لا يمكن لأيِّ شيء أن يكون موضوعياً في نظره باعتباره واحداً مع الكل. بيد أن بعض ثيوصوفيينا درجوا على استعمال كلمتي "ذات" و"أنيَّة" كمترادفتين، وعلى الإشارة بمصطلح "ذات" إلى "ذات" أو أنيَّة الإنسان الفردية العليا أو حتى الشخصية، في حين أن هذا المصطلح ينبغي ألا يُطبَّق أبداً إلا على الذات الكلِّية الواحدة. ومن هنا اللبس. أما عند الكلام على مَنَس، "الجسم العِلِّي"، فيجوز لنا أن نسميه – عندما نربطه إلى الإشعاع البودِّهيِّ – "الأنيَّة العليا"، وليس "الذات العليا" مطلقاً؛ إذ حتى بودِّهي، "النفس الروحانية"، ليست الذات، بل مركبة الذات وحسب. أما "الذوات" الأخرى جميعاً – من نحو الذات "الفردية" والذات "الشخصية" – فينبغي عدم الكلام عليهما أو الكتابة عنهما أبداً بدون نعوتهما الصفاتية والمميِّزة.

بذلك ففي هذه المقالة الممتازة للغاية في "الذات العليا"، يُطبَّق هذا المصطلح على المبدأ السادس أو بودِّهي (مقروناً، بالطبع، إلى مَنَس؛ إذ إنه بدون هذا الاتحاد ليس ثمة مبدأ أو عنصر مفكِّر في النفس الروحانية)؛ وبذلك فقد أتاح المجال لمثل سوء الفهم هذا. وتصريحه بأن "الطفل لا يحصل على مبدئه السادس – أو يصير كائناً مسؤولاً أخلاقياً قادراً على توليد كرما – حتى بلوغه سن السابعة" يبرهن على المقصود بالـذات العليا فيما وَرَدَ. لذا فإن المؤلف القدير على حق تماماً في شرحه بأنه بعد أن تعبر "الذات العليا" إلى الكائن الإنساني وتُشبِع بوعيها الشخصيةَ – وهذا لا يحصل إلا عند أصحاب البنية اللطيفة وحسب – فإن "الناس من أصحاب الملَكات النفسية قد يدركون هذه الذات العليا بالفعل من حين لآخر عبر حواسهم الألطف". لكن أولئك الذين يقصرون مصطلح "الذات العليا" على المبدأ الإلهي الكلِّي أيضاً "على حق" حين يسيئون فهمه. إذ إننا حين نقرأ، بدون أن نستعد لهذه النقلة في المصطلحات الميتافيزيائية،[16] بأن "الذات العليا، إذ تتجلَّى كلياً على المرتبة الجسمانية، ... تبقى مع ذلك أنيَّة روحية واعية على مرتبة الطبيعة المقابلة" – نميل إلى أن نفهم من "الذات العليا" الواردة في هذه الجملة "أتما"، ومن الأنيَّة الروحية "مَنَس"، أو بالحري بودِّهي–مَنَس، وبالتالي أن نرتاب في صحة الأمر برمَّته.

فمن أجل تجنب مثل سوء الفهم هذا من الآن فصاعداً أقترح ترجمة المصطلحات الغيبية الشرقية ترجمة حرفية إلى الإنكليزية وتقديم هذه الترجمة من أجل استعمالها اللاحق:

أتما، الشعاع غير المنفصل عن الذات الواحدة الكلِّية. إنه الإله فوقنا أكثر منه الإله فينا. طوبى للإنسان الذي يفلح في إشباع أنيَّته الباطنة به!

 

الذات العليا هي

النفس الروحانية أو بودِّهي، المتحدة اتحاداً وثيقاً مع مَنَس، المبدأ الذهني، الذي بدونه لا توجد أنيَّة أصلاً، إنما مركبة أتمية وحسب.

 

الأنيَّة الروحية الإلهية هي

مَنَس، المبدأ "الخامس"، كما يسمى، مستقلاً عن بودِّهي. والمبدأ الذهني لا يكون الأنيَّة الروحية إلا عندما يندغم في بودِّهي مشكِّلاً وإياها مبدأ واحداً – وما من امرئ مادي يُفترَض فيه أن يحوي فيه مثل هذه الأنيَّة، مهما بلغ شأو مقدراته العقلية. إنه الفردية الدائمة أو "الأنيَّة المتقمِّصة".

 

 

"الأنيَّة" الباطنة أو العليا هي

الإنسان الجسماني مقترناً بذاته الدنيا، أي الغرائز الحيوانية، والأهواء، والشهوات، إلخ. وهي تدعى "الشخصية الزائفة"، وهي عبارة عن مَنَس الأدنى مقترناً بـكاما–روبا، وفاعلاً عبر الجسم المادي وشبحه أو "قرينه".

 

 

"الأنيَّة" الدنيا أو الشخصية هي

أما "المبدأ" المتبقي برانا، أو "الحياة"، فهو، توخياً للدقة، القوة أو الطاقة المشعة لـأتما – بوصفه الحياة الكلِّية والذات الواحدة – مظهره الأدنى أو الأكثر جسمانية (في آثاره) بالحري، باعتباره متجلياً. برانا أو الحياة تتخلل كينونة الكون الموضوعي برمَّتها؛ وهي لا تدعى "مبدأ" إلا لأنها العامل الذي لا غنى عنه والمبدأ المحرِّك للإنسان الحي.

السائل: هذا التقسيم، باعتباره مبسَّطاً للغاية في تأليفاته، مناسب أكثر، فيما أظن. أما الآخر فهو مسرف في الميتافيزيائية.

الثيوصوفي: إذا وافق عليه البرَّانيون والثيوصوفيون جميعاً فمن شأنه جزماً أن يجعل الأمور أقرب إلى الفهم منالاً بكثير.

***


[1] من كلمة είδωλον اليونانية التي تعني "وثن"؛ وتشير إلى المركبة النجمية للشخص المتوفى. (م)

[2] وليم ستنتون موسِس، هوية الروح، 1879. (م)

[3] "بعض الأمور مما أعرف عن الأرواحية وبعضها مما لا أعرف."

[4] إله السماء في الهندوسية. (م)

[5] كتب الأساطير الشعبية الهندية. (م)

[6] نُشِرَت بعض المقاطع من هذا الفصل ومن الفصل السابق في عدد كانون الثاني 1889 من لوسيفر على هيئة "حوار في أسرار الآخرة". ولم يكن المقال آنذاك يحمل توقيعاً، وكأن المحرِّر هو الذي كتبه، لكنه كان بقلم كاتب المصنف الحالي.

[7] إشفرا هو الوعي الجمعي للألوهة المتجلِّية، برهما، أي الوعي الجمعي لجحافل الـدهيان تشوهن (راجع: العقيدة السرية)؛ وبرجنا هي حكمتها الفردية.

[8] تَيْجَسي يعني "المشع" نتيجة اتِّحاده بـبودِّهي؛ أي مَنَس، النفس الإنسانية، وقد استنارت بإشعاع النفس الإلهية. لذا فإن مَنَس–تَيْجَسي يمكن أن يوصف بالذهن المشع؛ العقل البشري المُضاء بنور الروح؛ وبودِّهي–مَنَس هو انكشاف العقل الإلهي مضافاً إليه العقل البشري ووعي الذات.

[9] بعض الثيوصوفيين استنكر هذه الجملة، لكن الكلمات هي كلمات السيد، والمعنى المرتبط بكلمتي "غير مستحَقة" هو المعنى المعطى أعلاه. في الكرَّاس رقم 6 لشركة النشر الثيوصوفية استُعمِلَت جملة، تمَّ نقدها لاحقاً في مجلة لوسيفر، كان القصد منها الإيحاء بالمعنى نفسه. ومع أنها من حيث الشكل كانت ركيكة ومعرَّضة للنقد المسدَّد إليها، إلا أن فكرتها الجوهرية كانت أن البشر كثيراً ما يعانون من نتائج أعمال يقوم بها غيرهم، وهي بالتالي نتائج لا تنتمي بالدقة إلى الكرما الخاص بهم – وعلى هذه المعاناة يستحقون بالطبع تعويضاً.

[10] أحد أفراد فرقة مسيحية بروتستانتية من أتباع جون وزلي. (م)

[11] راجع محاضر "محفل لندن للجمعية الثيوصوفية"، رقم 7، تشرين الأول، 1885.

[12] هي "الأنيَّة المتقمصة"، أو "النفس الإنسانية"، كما سماها، الجسم العلِّي عند الهندوس.

[13] غير أن طول هذا "الانتقال" يتوقف على درجة الروحانية لدى الشخصية السابقة للأنيَّة المتجردة من جسمها. فكل من كانت حياته روحانية جداً يكون هذا الانتقال، على كونه متدرِّجاً، سريعاً جداً. أما فيما يخص ذوي الميول المادية فيكون هذا الزمن أطول.

[14] السير في أثناء النوم. (م)

[15] نسبة إلى فرانتس أنطون مسمر (1734-1815)، وهي جملة الظواهر الناتجة عن وجود حقل مغناطيسي يحيط بالجسم أطلق مسمر عليه تسمية "المغناطيسية الحيوانية". (م)

[16] تنطبق "النقلة في المصطلحات الميتافيزيائية" هنا فقط على النقلة في مكافئاتها المترجَمة عن المصطلحات الشرقية؛ فإنه حتى يومنا هذا لم تَرِدْ في الإنكليزية أية مصطلحات كهذه، الأمر الذي اضطر كلَّ ثيوصوفي إلى نحت المصطلحات الخاصة به من أجل ترجمة فكره. لقد آن الأوان، إذن، للاستقرار على جملة تسميات محددة.

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

Editorial

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود