english arabic
next الفصل السابق

 

مفتاح الثيوصوفيا

 

هيلينا ب. بلافاتسكي

 

الباب الثامن

 

في العَوْد للتجسد أو الولادة من جديد

 

_____

 

ماهية الذاكرة وفقاً للتعليم الثيوصوفي

السائل: إن أصعب ما ينبغي عليكم فعله هو تفسير هذا الاعتقاد وتقديم أسس معقولة له. فما من ثيوصوفي نجح إلى الآن في الإتيان ببرهان كافٍ واحد يزعزع تشككي. هناك، بدايةً، ما يقوِّض نظرية العَوْد للتجسد هذه في أنه لم يتم حتى الآن العثور على إنسان واحد يتذكر بأنه عاش إبان حياته الماضية – أقله أن يتذكر مَن كان.

الثيوصوفي: حجتك، فيما أرى، تستند إلى الاعتراض القديم ذاته: ضياع ذاكرة تجسُّدنا الماضي في كلٍّ منَّا. أتظنُّها تُبطِل العقيدة؟ جوابي هو أنها لا تُبطِلها، وأن اعتراضاً كهذا، كيفما كان، لا يمكن أن يكون قاطعاً.

السائل: أود أن أسمع حججكم.

الثيوصوفي: إنها وجيزة وقليلة. بيد أنك حين تأخذ بعين الاعتبار (أ) العجز التام لخيرة علماء النفس المحدثين عن تفسير طبيعة الذهن للعالم، و(ب) جهلهم الكامل لقدراته الكامنة وحالاته العليا، ليس لك إلا أن تقرَّ بأن هذا الاعتراض مبني على حكم اعتباطي يقوم على بيِّنات سطحية وعرضية أكثر من أي شيء آخر. هل لك، بربِّك، أن تقول لي ما "الذاكرة" في تصوُّركم؟

السائل: إنه التصور المعترَف به بعامة: الملَكة التي يتمتع بها ذهننا لاستحضار معرفة الخواطر والأفعال والأحداث السابقة والاحتفاظ بها.

الثيوصوفي: أضف إليه أرجوك وجود فرق عظيم بين الأشكال الثلاثة للذاكرة المعترَف بها. فإلى جانب الذاكرة بعامة لديك التذكرة والاستذكار والتذكُّر، أليس كذلك؟ هل سبق لك أن قلَّبت فكرك في الفرق بينها؟ فلا يغيبنَّ عن بالك أن الذاكرة اسم عام.

السائل: ومع ذلك فإن هذه كلها مجرد مترادفات.

الثيوصوفي: إنها ليست مترادفات قطعاً – في الفلسفة على كل حال. الذاكرة ببساطة قدرة فطرية في الكائنات العاقلة، وحتى في الحيوان، على استحضار انطباعات ماضية بتداعٍ للأفكار تحرِّضه بالدرجة الأولى أشياء موضوعية أو فعلٌ ما يقع على أعضاء حواسنا الخارجية. الذاكرة ملَكة تتكل كلياً على الأداء، المعافى والسوي نوعاً ما، لدماغنا الجسماني؛ والتذكرة والاستذكار هما خاصيتا تلك الذاكرة وجاريتاها. أما التذكُّر فشأنه شأن آخر. يعرِّف عالِم النفس المحدث بـ"التذكُّر" بكونه ظاهرة تتوسط بين التذكرة والاستذكار، أو "سيرورة واعية لاستدعاء حوادث ماضية، إنما بدون ذلك الرجوع التام والمتنوع إلى أمور معينة الذي ينفرد به الاستذكار." ويقول لوك متحدثاً عن الاستذكار والتذكرة: "حينما تعاود فكرةٌ الرجوعَ بدون تدخل موضوع مماثل لها على الحواس الخارجية، فهي التذكرة؛ أما إذا اتفق للذهن أن يفتش عنها ولا يعثر عليها ويعاود استدعاءها للنظر إلا بالعناء والجهد، فهو الاستذكار." ولكن حتى لوك يترك التذكر بلا أي تعريف واضح، لأنه ليس ملكة أو خاصية تتصف بها ذاكرتنا الجسمانية، إنما إدراك حدسي مستقل عن دماغنا الجسماني وخارج عنه؛ هو إدراك، إذ يغطي فعلاً (تحرِّضه على العمل معرفةُ أنيَّتنا الروحية الحاضرة أبداً) جميعَ تلك الرؤى في الإنسان التي تُعتبَر شاذة – بدءاً من الصور التي توحي بها العبقرية حتى هذيانات الحمَّى بل والجنون – يصنِّفه العلم باعتباره غير موجود خارج بنات خيالنا. أما الغيبيات والثيوصوفيا فتنظران إلى التذكر في ضوء مختلف كل الاختلاف. فعندنا أنه بينما الذاكرة جسمانية ومؤقتة وتتكل على الشروط الفسيولوجية للدماغ – وهو رأي أساسي يأخذ به كل معلِّمي تقوية الذاكرة، تؤيدهم أبحاث علماء النفس العلميين المحدثين – ندعو نحن التذكر ذاكرةَ النفس. إن هذه الذاكرة هي التي تمنح كل إنسان تقريباً اليقينَ، سواء فهمه أم لم يفهمه، بأنه سبق أن عاش وبأنه سوف يعيش من جديد. حقاً، كما قال ووردزوورث[1]:

ما ولادتنا إلا هجعة وغفلة،

فالنفس التي تشرق معنا، نجمة حياتنا،

قد غربت في غير مكان،

وهي قادمة من بعيد.[2]

السائل: إذا كنتم تبنون عقيدتكم على هذا النوع من الذاكرة – الشعر وبنات الخيال الشاذة، على حدِّ اعترافكم – أخشى أنكم لن تقنعوا بها إلا القليل من الناس.

الثيوصوفي: أنا لم "أعترف" بأنه من بنات الخيال؛ إنما قلت ببساطة إن علماء الفسيولوجيا والعلماء بعامة يعتبرون تَذْكِرات كهذه هلوسات وتهويماً – النتيجة الضليعة التي ننزل لهم عن شرف الأخذ بها. أما نحن فلا ننكر أن هذه الرؤى للماضي وهذه اللمحات التي تغوص بالفكر في غياهب الزمن شاذة إذا ما قوبلت بتجربة حياتنا اليومية العادية وذاكرتنا الجسمانية. إننا نقول مع البروفيسور و. نايت بأن "غياب ذاكرة أي فعل جرى في حالة سابقة لا يمكن أن يكون برهاناً قاطعاً على أننا لم نعش هذا الفعل." وعلى كل صاحب عقل منصف بين خصومنا أن يوافق على ما يقوله بطلر في محاضرات في الفلسفة الأفلاطونية[3] من أن "الإحساس بالغلوِّ الذي يصفعنا به [وجود الروح قبل الجسم] يضرب بجذوره السرية في أحكامنا المتحاملة المادية أو نصف المادية." وعلاوة على ذلك، نقول بأن الذاكرة، كما دعاها أولمبيوذوروس، هي ببساطة الهوام، وهي أضعف ما يُركَن إليه فينا.[4] أما أمُّونيوس ساكَّاس فقد شدد على أن الذاكرة هي الملكة الوحيدة في الإنسان التي تتعارض مباشرة مع التكهُّن، أو النظر في المستقبل. ثم تذكَّرْ أن الذاكرة شيء وأن الذهن أو الفكر شيء آخر: فالأولى آلة تسجيل، سِجِلٌّ ما أسهل أن يتعطل، والثاني (الأفكار) أبدية ولا تفنى. فهل ترفض الاعتقاد بوجود أشياء أو بشر معينين لمجرَّد أن عينيك الجسمانيتين لم تقعا عليهم؟ ألا تكفي الشهادات الجماعية للأجيال الماضية التي رأت يوليوس قيصر ضمانةً بأنه قد عاش ذات مرة؟ فلم لا تؤخَذ بعين الاعتبار الشهادة نفسها للحواس النفسانية للجماهير؟

السائل: ولكن ألا تعتقد بأن هذه التمييزات هي من الرهافة بحيث لا تقبلها غالبية البشر؟

الثيوصوفي: بل قل غالبية الماديين. ولهؤلاء نقول دونكم: حتى في الفسحة القصيرة للعمر العادي، الذاكرة أضعف من أن تسجِّل كل أحداث عمر واحد. فكم من المرات ترقد أهم الأحداث هاجعة في ذاكرتنا حتى يوقظها تداعٍ ما للأفكار، أو تحثها على النشاط والأداء صلة ما أخرى. تلكم هي حال المسنِّين على وجه الخصوص، الذين يتبيَّن دوماً أنهم يعانون من ضعف الاستذكار. لذا فإننا حين نتذكر ما نعرف عن المبادئ الجسمانية والروحية في الإنسان، فليس فشل ذاكرتنا في تسجيل حياتنا وأعمارنا السابقة هو ما يجب أن يثير عجبنا، بل العكس، فيما لو حصل.

لماذا لا نتذكر أعمارنا الماضية؟

السائل: لقد أعطيتَني نظرة إجمالية عن المبادئ السبعة؛ فكيف تعلِّل فقداننا التام لأي استذكار بأننا قد سبق لنا أن عشنا؟

الثيوصوفي: إنها تعلل ذلك بسهولة عظيمة. فلما كانت تلك "المبادئ" التي ندعوها جسمانية (والتي لا ينكر العلم وجود أي منها، مع أنه يطلق عليها أسماء أخرى[5]) تتحلل بعد الموت مع عناصرها المكوِّنة، ليس في وسع الذاكرة، هذه الذاكرة الزائلة لشخصية زائلة، إلى جانب دماغها، لا أن تتذكر ولا أن تسجل شيئاً في التجسد اللاحق للـأنية. العَوْد للتجسد يعني أن هذه الأنية ستتزوَّد بجسم جديد ودماغ جديد وذاكرة جديدة. لذا فإن في توقعنا من هذه الذاكرة أن تتذكر ما لم تسجله أبداً من السخف بقدر ما في فحصنا تحت المجهر قميصاً لم يرتده القاتل، وفي تفتيشنا عليه عن بقع دم لا يمكن العثور عليها إلا على الثياب التي ارتداها، من العبث. ليس القميص النظيف هو ما يجب أن نستنطق، بل الثياب المرتداة ساعة ارتكاب الجرم؛ فإذا احترقت هذه الثياب أو أُتلِفَت أنَّى لكم الوصول إليها؟

السائل: أجل! ولكن أنَّى لكم أنتم الإيقان أن المجرم ارتكب الجرم أصلاً، أو أن "الرجل صاحب القميص النظيف" عاش من قبل؟

الثيوصوفي: ليس بالوسائل الفيزيائية بكل تأكيد؛ ولا بالاتكال على شهادة ما لم يعد موجوداً. ولكن هناك ما يدعى بالبيِّنة من قرائن الأحوال، بما أن قوانيننا الحصيفة تقبل بها ربما أكثر مما ينبغي لها أن تفعل. فحتى يقتنع المرء بحقيقة العَوْد للتجسد والأعمار الماضية عليه أن يضع نفسه في حالة اتصال مع أنيَّته الحقيقية الدائمة، وليس مع ذاكرته الزائلة.

السائل: ولكن إذا كان الناس لا يعتقدون بما لا يعرفون ولم يروا قط فمن باب أولى ألا يضعوا أنفسهم في حالة اتصال معه.

الثيوصوفي: إذا كان الناس، بمن فيهم أكثرهم ثقافة، يعتقدون بالجاذبية، والأثير،[6] والقوة، وكل ما يمت إلى العلم بصلة من التجريدات و"فرضيات العمل" التي لم يروها، ولم يلمسوها، ولم يشمُّوها، ولم يسمعوها، ولم يذوقوها، لِمَ لا يعتقد سواهم، بناءاً على المبدأ نفسه، بأنيَّتهم الدائمة، وهي "فرضية عمل" أكثر منطقية وأهم بكثير من أية فرضية أخرى؟

السائل: فما هو أخيراً هذا المبدأ الأزلي الغامض؟ هل لك أن تشرح طبيعته بحيث يفهمه الجميع؟

الثيوصوفي: إنه الأنية التي تعاود التجسد، "الأنا" الفردية الخالدة – لا الأنا الشخصية؛ وباختصار، مركبة الموناد الأتما–بودهية؛ إنه ما يثاب في ديفاخان ويعاقَب على الأرض؛ وأخيراً، ما يتعلق به فقط انعكاس سكندها كل تجسُّد على حدة أو صفات هذا الانعكاس.[7]

السائل: ماذا تعني بالـسكندها؟

الثيوصوفي: ما قلته لتوي بالضبط: "الصفات"، بما فيها الذاكرة، التي تذبل كلها كالزهرة، بعد أن تخلف وراءها شذى ضعيفاً فقط. هاك مقطع آخر من كتاب هـ. س. أولكوت التعليم البوذي[8] يمت بصلة مباشرة إلى الموضوع. إنه يتناول المسألة كما يلي: "يتذكر الإنسان المسن أحداث شبابه، رغم أنه قد تغير بدنياً وذهنياً. فلم، إذن، لا نستميل إلينا استذكار أعمار ماضية من ولادتنا المنصرمة إلى هذه الولادة؟ لأن الذاكرة متضمَّنة في الـسكندها، وبما أن الـسكندها تكون قد تغيرت مع العمر الجديد، تنشأ ذاكرة جديدة هي سجلُّ هذا العمر بعينه. ومع ذلك فإن سجل أو انعكاس كل الأعمار الماضية يجب أن ينجو؛ إذ إن الأمير سدهارتا، عندما أصبح بوذا، شاهد تسلسل ولاداته السابقة كاملاً... وكل من يبلغ حالة جهانا[9] يستطيع على هذا النحو أن يتعقب مستعرضاً توالي أعماره في الماضي." إن هذا يثبت لكم أنه على حين تتعلق صفات الشخصية التي لا يطالها الموت – كالمحبة، والطيبة، والرحمة، إلخ – بالأنية الخالدة وتطبع عليها، إذا جاز التعبير، صورة دائمة للوجه الإلهي للإنسان الذي كان، فإن الـسكندها الجسمانية الخاصة بها (تلك التي تولِّد النتائج الكرمية الأبرز) سريعة التلاشي كومضة البرق، ولا تستطيع أن تَسِمَ الدماغ الجديد بسمة الشخصية الجديدة؛ ومع ذلك فإن فشلها في ذلك لا يضير هوية الأنية المعاودة للتجسد على الإطلاق.

السائل: هل تعني الإشارة إلى أن ما يبقى هو ذاكرة النفس، كما تدعونها، باعتبار أن النفس أو الأنيَّة ليست إلا الشيء الواحد نفسه، في حين لا يبقى من الشخصية شيء؟

الثيوصوفي: ليس تماماً؛ فهناك شيء ما من كل شخصية يجب أن ينجو – اللهم إلا إذا كانت هذه الشخصية شخصية امرئ مادي مطلق، ليس في طبيعته حتى شق رفيع يتسرب منه شعاع روحي – لأنها تخلِّف سمتها الأبدية على الذات الدائمة أو الأنيَّة الروحية المعاودة للتجسد.[10] (انظر فقرة "في وعي ما بعد الموت وما قبل الولادة" [الباب 9]). الشخصية، بجملة الـسكندها الخاصة بها، تتغير أبداً مع كل ولادة جديدة. إنها، كما سبق أن قيل، مجرد الدور الذي يلعبه الممثل (الأنيَّة الحقة) لأمسية واحدة. لهذا السبب لا نحتفظ بأية ذاكرة على الصعيد الجسماني عن أعمارنا الماضية، رغم أن "الأنية" الحقة عاشتها برمَّتها وتعرفها جميعاً.

السائل: فكيف لا يحدث أن يَسِمَ الإنسان الحقيقي أو الروحاني "أنا"ـه الشخصية الجديدة بسمة هذه المعرفة؟

الثيوصوفي: فما قولك، إذن، في خادمتين في مزرعة فقيرة تتكلمان بالعبرية وتعزفان على الكمنجة في حالة غيبوبة أو في حالة سرنمية، بينما تجهلان كلاهما في حالتهما العادية؟[11] ذلك لأن الأنيَّة الروحية، كما سيخبرك أي عالم نفساني حق من المدرسة القديمة، لا من مدرستكم المعاصرة، لا تفعل إلا عندما تُشَلُّ الأنيَّة الشخصية. فالـ"أنا" الروحية للإنسان عليمة ومفطورة على كل معرفة، في حين أن الذات الشخصية ابنة بيئتِها وأَمَةُ الذاكرة الجسمانية. ولو كان للأنا الروحية أن تتجلَّى تجلياً غير منقطع وبدون عراقيل، لما عاد ثمة بشر على الأرض، ولكنَّا جميعاً آلهة.

السائل: ومع ذلك لا بدَّ أن هناك استثناءات وأن يتذكَّر بعضهم.

الثيوصوفي: هناك بالفعل من يتذكرون. ولكن منذا يصدِّق ما يقولون؟ المادية الحديثة تصنف أمثال مرهفي الحس هؤلاء في عداد الهستيريين المُهَلْوِسين والمتحمسين المعتوهين أو المدلِّسين. فليقرأوا، على كل حال، المؤلفات في هذا الموضوع، وعلى الأخص العَوْد للتجسد، دراسة لحقيقة منسية من وضع س. د. ووكر،[12] ع. ج. ث.، ليقعوا فيه على جملة البراهين التي أتى بها المؤلف القدير والتي تتناول هذه المسألة التي كثر حولها الجدل. يكلم أحدُهم الناسَ عن النفس، فيسأل بعضهم: "ما النفس؟، "هل سبق أن برهنتَ على وجودها؟" لا جدوى بالطبع من الدخول في نقاش مع الماديين من الناس؛ ومع ذلك، يطيب لي أن أطرح عليهم أيضاً هذا السؤال: "هل في مقدوركم أن تتذكروا ما كنتم عليه أو ما قمتم به وأنتم بعدُ أطفال صغار؟ هل احتفظتم بأصغر استذكار من حياتكم أو خواطركم أو أفعالكم أو بأنكم عشتم أصلاً إبان الشهور الثمانية عشرة الأولى أو السنتين الأوليين من عمركم؟ لم إذن لا تنكرون، بالاستناد إلى المبدأ عينه، أنكم عشتم أصلاً كأطفال صغار؟ وحين نضيف إلى هذا كله أن الأنيَّة أو الفردية المعاودة للتجسد لا تستبقي إبان الفترة الديفاخانية إلا زبدة تجربة حياتها الأرضية أو شخصيتها الماضية، إذ تنطوي التجربة الجسمانية في حالة من الكمون،[13] أو تترجَم، إذا جاز القول، إلى صياغات روحية، وحين نتذكر أيضاً أن المدة بين ولادتين تمتد، بحسب ما يقال، من عشرة قرون إلى خمسة عشر قرناً، ينقطع في أثنائها الوعي الجسماني عن الفعل انقطاعاً تاماً ومطلقاً، إذ لا تتوفر أجهزة يعمل من خلالها، وبذلك ينعدم وجوده، إذ ذاك ينجلي سبب غياب كل تذكرة في الذاكرة الجسمانية الصرف.

السائل: قلت لتوِّك أن الأنيَّة الروحية عليمة بكل شيء. فماذا يحل إذن بذلك العلم الكلِّي الذي تتبجحون به إبان حياتها الديفاخانية، كما تسمُّونها؟

الثيوصوفي: إنها في أثناء ذلك الوقت تبقى أولاً مكنونة وكامنة لأن الأنيَّة الروحية (مركَّب بودهي–مَنَس) ليست الذات العليا، الكلِّية العلم وحدها لأنها واحدة مع النفس الكلِّية أو العقل الكلِّي؛ وثانياً، لأن ديفاخان هو الاستمرار المُؤَمْثَل للحياة الأرضية التي يخلِّفها المرء وراءه؛ وهو فترة تسوية جزائية، وثواب على الحيف والشقاء غير المستحَقَّين اللذين عاناهما في تلك الحياة بعينها. إنها في ديفاخان كلية العلم، إنما بالقوَّة فقط؛ وبالفعل في النرفانا حصراً، حين تندغم الأنيَّة في النفس–العقل الكلِّي. ومع ذلك فإن الأنيَّة تصبح مجدداً شبه عليمة بكل شيء في أثناء تلك الساعات على الأرض حين تجعلها ظروف غير اعتيادية وتغييرات فسيولوجية في البدن حرة من عوائق المادة. بهذا تزودك الأمثلة عن المسرنمين، عن الخادمة المسكينة المتكلمة بالعبرية والخادمة الأخرى العازفة على الكمنجة، المذكورتين أعلاه، بإيضاح للقضية التي نحن في صددها. بيد أن هذا لا يعني أن التعليلات لهاتين الواقعتين التي يقدمها لنا الطب خالية من الحقيقة؛ إذ إن إحدى الفتاتين كانت قد سمعت معلِّمها القس، قبلئذٍ بسنوات، يقرأ في مؤلفات عبرية بصوت مرتفع، وسمعت الأخرى فناناً يعزف على الكمنجة في المزرعة. لكن ما كان في وسع أي منهما أن تفعل ما فعلت على هذا النحو من الكمال لو لم يحدب عليهما ذاك، العليم بكل شيء بفضل تماثل طبيعته مع العقل الكلِّي. فههنا فعل المبدأ الأعلى فعله في الـسكندها وحرَّكها؛ أما في الحالة الثانية، فعندما شُلَّت الشخصية تجلَّت الفردية. فالرجاء ألا تخلط بين الحالتين.

في الفردية وفي الشخصية[14]

السائل: ولكن ما الفرق بين الاثنتين؟ أعترف أني ما زلت في جهل من الأمر. أنتم، إذن، بالفعل مقصِّرون في ترسيخ ذلك الفرق عينه في أذهاننا.

الثيوصوفي: هذا ما أحاول أن أفعل، ولكن هيهات! فإن توضيح هذا التمييز لبعضهم لأعسر من جعلهم يُجِلُّون متعذرات صبيانية، لا لشيء إلا لأنها من قبيل السُّنَّة، ولأن السُّننية تحظى بالاحترام. فمن أجل أن تفهم الفكرة جيداً عليك أن تدرس أولاً طائفتي "المبادئ": المبادئ الروحية، أو المبادئ التي تنتمي إلى الأنيَّة التي لا يدركها الفناء؛ والمبادئ المادية، أو المبادئ التي تكوِّن أجسام تلك الأنيَّة أو سلسلة شخصياتها المتغيرة أبداً. دعنا نطلق عليها أسماء ثابتة ونقول إن:

1.    أتما، أو "الذات العليا"، ليست روحك أو روحي، لكنها كنور الشمس تسطع على الكل. إنه "المبدأ الإلهي" المتخلِّل كلَّ شيء، غير المنفصل عن روحه المتعالية الواحدة المطلقة، كما أن شعاع الشمس لا ينفصل عن نور الشمس.

2.    بودهي (النفس الروحانية) ليست إلا مركبة. فلا الأول ولا الثانية، مجتمعين أو منفصلين، يستطيعان أن يكونا ذوا فائدة لجسم الإنسان، إلا بمقدار ما يستطيع نور الشمس وأشعته أن يكون ذا فائدة لكتلة من الغرانيت مدفونة في الأرض، اللهم إلا إذا استوعب الشفعَ الإلهي وعيٌ ما، وانعكس فيه. فلا أتما ولا بودهي يقعان في متناول كرما، لأن الأول هو أعلى مظاهر كرما، أداته الفاعلة بذاته عينها، من جهة، والثانية لاواعية على هذا الصعيد، من جهة أخرى. أما هذا الوعي أو العقل فهو

3.    مَنَس[15]، مشتق أهمكارا، "صورة الأنا"، أو الأنا–نية، أو نتاجها، على نحو منعكس. لذا فإنه، حين يكون متحداً بالأولين اتحاداً لا تنفصم عراه، يدعى الأنية الروحية، تَيْجَسي ("الوضَّاء"). تلكم هي الفردية الحقة، أو الإنسان الإلهي. إن هذه الأنية هي التي – إذ تتجسد في الأصل في الصورة البشرية العديمة الشعور التي يحرِّكها حضور الموناد المثناة فيها، بدون أن تكون واعية لها (لأنها كانت عديمة الوعي) – تصنع من ذلك الشكل ذي المظهر البشري إنساناً حقيقياً. إن تلك الأنية، أو ذلك "الجسم العِلِّي"، هو الذي يحدب على كل شخصية يضطره كرما إلى التجسد فيها؛ وهذه الأنية هي التي تتحمل مسؤولية كل الخطايا التي تُرتكَب عبر (وفي) كل جسم أو شخصية جديدة – ألا وهي الأقنعة الزائلة التي تخفي الفرد الحقيقي عبر سلسلة الولادات الطويلة.

السائل: ولكن هل في هذا عدل؟ لِمَ يجب على هذه الأنية أن تتلقى العقاب كنتيجة لأفعال نسيتْها؟

الثيوصوفي: إنها لم تنسها؛ إنها تعرف أخطاءها وتتذكرها بقدر ما تتذكر أنتَ ما فعلتَه بالأمس. ألأن ذاكرة تلك الحزمة من المكوِّنات الجسمانية المسماة بـ"الجسد" لا تستذكر ما فعلته سالفتها (الشخصية التي كانت) تتخيل أنت أن الأنية الحقة قد نسيته؟ كأنك تقول إنه من الضيم أن يعاقَب حذاء جديد، في قدمي صبي يُجلَد لأنه سرق تفاحاً، على أمر لا يعرف عنه الحذاء شيئاً!

السائل: أفلا توجد كيفيات للاتصال بين الوعي أو الذاكرة الروحية وبين الوعي أو الذاكرة البشرية؟

الثيوصوفي: بالطبع توجد، لكنها لم تنل قط اعتراف علماء نفسكم العلميين المحدثين. إلامَ تعزون الحدس، "صوت الضمير"، والتوجسات، والتذكرات المبهمة غير المعينة، إلخ، إلخ، إن لم يكن إلى مثل هذه الاتصالات؟ فليته كانت لغالبية المثقفين، على الأقل، بصيرة كولريدج[16] الروحية الرفيعة التي تُظهِر مبلغ حدسه في عدد من تعليقاته! استمع إلى ما يقول في صدد احتمال كون "كل الخواطر في ذاتها لا تفنى". "إذا قُيِّض لملَكة الفطنة (’الانتعاشات‘ المفاجئة للذاكرة) أن تصير أشمل، لما تطلبت إلا تنظيماً مختلفاً وملائماً – الجسم السماوي بدلاً من الجسم الأرضي – لكي تَمثُل أمام كل نفس بشرية الخبرة الجامعة لعمرها (لأعمارها، بالأحرى) الماضي برمَّته." وهذا الجسم السماوي هو أنيَّتنا المَنَسية [نسبة إلى مَنَس].

في ثواب الأنيَّة وعقابها

السائل: سمعتك تقول إن الأنية، أياً كانت عليه حياة الشخص الذي تجسدت فيه على الأرض، لا تُبتَلى أبداً بعقاب بعد الموت.

الثيوصوفي: أبداً، إلا في حالات استثنائية ونادرة لن نتكلم عليها هنا، لأن طبيعة "العقاب" لا تشبه أياً من تصوراتكم اللاهوتية عن العقاب الأبدي.

السائل: ولكن إذا كانت الأنيَّة تعاقَب في هذه الحياة على الأخطاء المرتكَبة في حياة سابقة فإنها هي أيضاً التي ينبغي أن تثاب، سواء هنا، أو عندما تغادر جسمها.

الثيوصوفي: إن الأمر يتم على هذا النحو فعلاً. فإذا لم نكن نقبل بأي عقاب خارج هذه الأرض فلأن الحالة الوحيدة التي تعرفها الذات الروحية في الآخرة هي حالة غبطة خالصة.

السائل: ماذا تعني؟

الثيوصوفي: أعني ببساطة أن الجرائم والخطايا المرتكَبة على صعيد موضوعي وفي عالم مادي لا يمكن أن يعاقَب عليها على صعيد ذاتي محض. فنحن لا نؤمن بالجحيم أو بالنعيم كمكانين، ولا بنيران موضوعية لا تنطفئ وديدان لا تموت،[17] ولا بأورشليم شوارعها مرصوفة بالياقوت والماس.[18] أما ما نعتقد به فهو حالة بعد الموت أو حالة ذهنية، تشبه الحالة التي نكون فيها في أثناء حلم زاهر. فنحن نعتقد بقانون سرمدي قوامه المحبة المطلقة والعدالة المطلقة والرحمة المطلقة. ونحن، إذا نؤمن به، نقول: "مهما تكن الخطيئة والعواقب الوخيمة للخرق الكرمي الأصلي للأنيَّات[19] المتجسدة حالياً، لا يمكن لأي إنسان (أو الصورة المادية والدورية للكيان الروحي) أن يُعتبَر، بأية درجة من درجات العدل، مسؤولاً عن عواقب ولادته. إنه لا يطلب أن يولد، كما أنه لا يستطيع أن يختار الوالدين اللذين سوف يهبانه الحياة. إنه من كل وجه ضحية بيئته، ابن ظروف لا قِبَل له بها. وإذا جرى استقصاء كلٍّ من ذنوبه بإنصاف لوُجِدَت تسع حالات من عشر كان فيها هو الذي اقتُرِفَت الخطيئة في حقِّه، ولم يكن الخاطئ. الحياة في أحسن الأحوال تمثيلية لا رحمة فيها، بحر عاصف ينبغي اجتيازه، وزر ثقيل كثيراً ما ننوء به. عبثاً حاول كبار الفلاسفة سبرها واكتشاف علَّة وجودها، وأخفقوا جميعاً باستثناء أولئك الذين حصلوا على مفتاحها، ألا وهم حكماء الشرق. إن الحياة، كما يصفها شكسبير:[20]

... ما هي إلا ظل شارد – ممثل مسكين،

ينتفخ كبراً ويستشيط ساعته على المسرح،

ثم لا يُسمَع له صوت. إنها حكاية

يحكيها معتوه، ملؤها الصخب والعنف،

إنما لا معنى لها..."

حقاً لا شيء هي الحياة في أجزائها المنفصلة، لكنْ على الجانب الأعظم من الأهمية في كلِّيتها أو سلسلة حيواتها. كيفما كان الأمر فإن كل حياة فردية تقريباً، في تفتحها الكامل، شقاء. فهل لنا أن نصدق أن ذلك الرجل المسكين العاجز، بعد أن تتقاذفه أمواج الحياة الغاضبة كقطعة مسوِّسة من الحطب، سيقدَّر له، إذ يتبيَّن أنه أضعف من أن يقاومها، أن يعاقَب باللعنة الأبدية، أو حتى بعقاب مؤقت؟ أبداً! سواء كان الأمر يتعلق بخاطئ عادي أو بخاطئ كبير، بامرئ طيب أو شرير، بمذنب أو بريء، فإن الـمَنو ("الأنيَّة المفكِّرة") الذي أضناه الإرهاق، حالما يتحرر من وزر الحياة الجسمانية، يفوز بحقه في فترة من الراحة والغبطة المطلقين. إن القانون نفسه المعصوم في حكمته وعدله، وليس بالأحرى في رحمته، الذي يُنزِل بالأنيَّة المتجسدة العقابَ الكرمي [نسبة إلى كرما] على كل خطيئة ارتُكِبَت إبان الحياة المنصرمة على الأرض، يُعِدُّ للكيان الذي يفارق جسمه فسحة طويلة من الراحة الذهنية، أي النسيان التام لكل حدث محزن، بل حتى لأصغر خاطر مؤلم، فلا يبقى في ذاكرة النفس إلا تذكُّر كل ما كان غبطة، أو ما أدَّى إلى السعادة. فأفلوطين الذي قال إن جسدنا هو نهر ليثي[21] الحقيقي – لأن "النفوس التي تغطس فيه تنسى كل شيء" – كان يعني أكثر مما قال. لأنه كما أن ليثي جسمِنا الأرض مثل نهر ليثي، فكذلك يكون جسمنا السماوي في ديفاخان، بل وأكثر بكثير.

السائل: هل لي أن أفهم أن القاتل أو منتهك القانون الإلهي والبشري، بكل صوره، يُسمَح له أن يتملَّص من العقاب؟

الثيوصوفي: من قال ذلك؟ إن لفلسفتنا عقيدة في العقاب لا تقل صرامة عن عقاب أشد الكالفينيين[22] تشدداً، لكنها أكثر فلسفية واتساقاً مع العدالة المطلقة بما لا يقاس. فما من فعل يبقى بمنجى من العقاب – ولا حتى فكرة آثمة واحدة؛ بل وتُعاقَب الفكرة عقاباً أقسى من الفعل، لأن الفكرة أشد سطوة بالإمكان من حيث توليد نتائج شريرة من أي فعل.[23] نحن نؤمن بقانون جزائي معصوم يسمى كرما، يفصح عن ذاته في تسلسل طبيعي متلازم من العلل والمعلولات الحتمية.

السائل: وكيف، أو أين، يعمل؟

الثيوصوفي: كل عامل مستحق أجرته، كما تقول الحكمة في الإنجيل؛ وكل فعل، حسناً كان أم سيئاً، هو أمٌّ وَلود، كما تقول حكمة الدهور. اجمع بين القولين، تجد "لماذا". فبعد الجواز للنفس، وقد تملَّصت من أوصاب الحياة الشخصية، بتعويض كافٍ، لا بل أكثر من كافٍ بمئة ضعف، فإن كرما، يؤازره جيش الـسكندها، يرابط على عتبة ديفاخان، من حيث تعاوِد الأنيَّةُ الخروجَ للقيام بتجسد جديد. ففي هذه اللحظة يتأرجح المصير المستقبلي للأنية التي نالت قسطها من الراحة في ميزان الجزاء العادل، إذ ترزح مجدداً تحت سلطان القانون الكرمي الفعال. ففي هذه الولادة الجديدة المُعَدَّة لها – تلك الولادة التي اختارها وهيَّأ لها ذلك القانون السري الذي لا يلين إنما المعصوم في عدل أحكامه وحكمتها – تعاقَب خطايا الحياة السابقة للأنيَّة. بيد أن الأنية لا تُطرَح في أي جحيم خيالي، بألسنة لهب مسرحية وشياطين مذنَّبة ذوات قرون تدعو للسخرية، بل على هذه الأرض حقاً، صعيد خطاياها ومنطقتها، حيث سيكون عليها أن تكفِّر عن كل خاطر أو فعل سيئ. وما زرعته إيَّاه سوف تحصد.[24] وسوف يجمع العَوْد للتجسد من حوله جميع الأنيَّات الأخرى التي تألمت، سواء مباشرة أو على نحو غير مباشر، على يد الشخصية الماضية، أو حتى بواسطتها اللاواعية. إن نمسيس[25] هي التي ستلقي بهاتيك الأنيَّات على طريق الإنسان الجديد، حاجبةً القديم، الأنية الأبدية، و...

السائل: ولكن أين العدل الذي تتحدث عنه إذا كانت هذه "الشخصيات" الجديدة غير دارية بأنها أخطأت أو أُخطِئ في حقها؟

الثيوصوفي: هل لنا أن نقول عن معطف مسروق يقطِّعه صاحبه وهو يحاول انتزاعه من ظهر سارقه إنه يُعامَل بإنصاف؟ إن حالَ "الشخصية" الجديدة حالُ ثوب جديد بخصائصه النوعية، من لون وشكل ومميزات؛ غير أن الإنسان الحقيقي الذي يرتديه هو أثيم الأيام الغابرة نفسه. إن الفردية هي التي تتألم عبر "شخصيتها". وهذا وحده يمكن أن يعلل الحيف الرهيب في توزيع النصيب في الحياة على البشر، مع أن هذا الحيف ظاهري وحسب. وحين ينجح فلاسفتكم المحدثون في تقديم سبب كافٍ لتعليل ولادة هذا العدد الكبير من البشر الأبرياء الطيبين ظاهرياً، لا لشيء إلا لكي يتألموا طوال حياتهم؛ لتعليل ولادة هذا العدد الكبير من المساكين في الفاقة والشظف في الأحياء الحقيرة للمدن الكبيرة، وقد تخلَّى عنهم القدر والبشر؛ لتعليل ولادة هؤلاء في الشقاء والضنك، في حين يفتح سواهم أعينهم على الضوء في القصور؛ لتعليل كثرة منح النسب الكريم والثروة لأسوأ البشر وندرة منحهما لمن هم أهل لهما؛ لتعليل وجود متسوِّلين ذواتهم الباطنة أنداد لأرفع البشر وأنبلهم؛ حين يتمكن فلاسفتكم أو لاهوتيوكم من تقديم تعليل مُرضٍ لهذا كلَّه، وللمزيد أيضاً، إذ ذاك فقط، وليس قبله، سيحق لكم ردُّ نظرية العَوْد للتجسد. لقد آنس أعظم الشعراء وأجلُّهم حقيقة الحقائق هذه على نحو مبهم. فشِلِّي[26] آمن بها، وشكسبير لا بدَّ فكَّر فيها وهو يكتب في عبث الولادة. تذكَّر كلماته:

لماذا ينبغي لولادتي أن تشد إلى الأرض روحي العارجة؟

أليست المخلوقات قاطبة خاضعة للزمن؟

هناك جحافل من المتسوِّلين على الأرض الآن،

يعودون بأنسابهم إلى الملوك،

وملوك عديدون الآن، ما كان آباؤهم

إلا أنذال زمانهم ... ...

استبدل بكلمة "آباء" كلمة "أنيَّات" تحصل على الحقيقة.

***


[1] هو وليم ووردزوورث (1770-1850)، الشاعر المتصوف البريطاني الذي كتب مع صديقه كولريدج القصائد الغنائية (1798) التي تُعتبََر البيان الذي استُهِلَّت به الحقبة الرومنسية. اتسمت لغته بالنأي عن حذلقات شعراء القرن الثامن عشر وبالاستفادة من جماليات اللغة اليومية. (م)

[2] Ode: Intimations of Immortality from Recollections of Early Childhood. (م)

[3] Lectures on Platonic Philosophy. (م)

[4] يقول أولمبيوذوروس (في Platonis Phæd): "الهوام هو حاجز أمام تصوراتنا العقلية؛ وبذلك، عندما نضطرب باللوامح الملهمة للألوهة، إذا تدخَّل الهوام، خمدت الطاقة الحماسية؛ فإن الحماس والوَجْد متعاكسان. ولو سئلنا فيما إذا كان في وسع النفس أن تتنشط بدون الهوام لأجبنا بأن إدراكها للكلِّيات يبرهن على أن في وسعها ذلك. فلها، إذن، إدراكات مستقلة عن الهوام؛ بيد أن الهوام، في الوقت ذاته، يلازم طاقاتها، كما تلاحق العاصفة من يبحر في البحر."

[تتضمن كلمة φαντασία اليونانية معنى الظهور (ظهور أشياء غير مألوفة تبعث على الوهم بالطبع)، معنى صورة تتشكل في الذهن بقدرة الخيال. وهي تشير كذلك إلى الملكة العقلية المبدعة للصور – الخيال. (ويجدر بنا أن نتذكر بأن هذه الصور يمكن أن تكون تمثلاً لإدراك تمثلاً مباشراً أو لذكريات منشطة، إن لم نقل لظواهر وهمية.) وتُشتَق كلمة φάντασμα من الجذر نفسه أيضاً. (م)]

[5] ألا وهي: الجسم، والحياة، والغرائز الهوائية والحيوانية، والـ"وثن" النجمي لدى كل إنسان (سواء تم إدراكها بالفكر أو بعين العقل، أو موضوعياً بمعزل عن البدن)؛ إنها المبادئ التي ندعوها ستهولا–شريرا، برانا، كاما–روبا، ولِنْغا–شريرا (انظر الباب السادس).

[6] سائل افتراضي ظن العلماء أنه كان يملأ الفضاء كله. (كان العلماء يظنون أنه الوسط الحامل للموجات الكهرمغناطيسية، وبخاصة الضوء. وقد تبين عدم وجود مثل هذا الوسط من جراء النتيجة المباشرة وغير المتوقَّعة لتجربة مايكلسون ومورلي عام 1887.) وليس المقصود به هنا العنصر الخامس الذي يختصر عناصر الطبيعة التقليدية الأربعة (التراب، الماء، الهواء، النار) في الكيمياء القديمة. (م)

[7] هناك خمس سكندها أو صفات واردة في التعاليم البوذية: "روبا (الشكل أو الجسم)، الخصائص المادية؛ فيدنا، الحس؛ سَـنـَّا، الأفكار المجردة؛ سمكهارا، الميول الذهنية؛ فِـنـَّانا، القدرات الذهنية. منها نتشكل؛ بها نعي الوجود؛ وعبرها نتواصل مع العالم من حولنا."

[8] هـ. س. أولكوت رئيس الجمعية الثيوصوفة [آنذاك (م)] ومؤسِّسها. وقد صادق على صحة التعليم الموقرُ هـ. سومنغالا، كبير سدنة شريبادا وغالِّي، ومدير (كلية) فديوديا باريفنا في كولومبو، باعتبارها متوافقة مع سُنَّة الكنيسة البوذية الجنوبية.

[9] كلمة باللغة البالِّية تعني الامتصاص. وهي تذكِّر بكلمة دهيانا السنسكريتية التي تعني التأمل، أو لايا التي تعني الفناء. (م)

[10] أو الذات الروحانية خلافاً للـذات الشخصية. على الطالب ألا يخلط بين هذه الأنيَّة الروحية و"الذات العليا" ألا وهي أتما، الإله فينا الذي لا ينفصل عن الروح الكلية.

[11] هناك أيضاً حالة الصبي توم الأعمى الذي ظهرت عليه، على الرغم من عماه، موهبة غير عادية في العزف على البيانو وهو بعدُ طفل صغير. (م)

[12] E. D. Walker, Reincarnation, a Study of a Forgotten Truth, New York: Macoy Publ. & Masonic Supply Co. (م)

[13] باللاتينية في النص: in potentia. (م)

[14] حتى في كتابه التعليم البوذي وجد الكولونيل أولكوت نفسه، تحت وطأة منطق الفلسفة الغيبية، مضطراً إلى تصويب أغلاط المستشرقين السابقين الذين لم يوضحوا مثل هذا التمييز، وبرَّر للقارئ ذلك بقوله: "الظهورات المتوالية على الأرض، أو ’الهبوط على عالم الأجيال‘، للأجزاء المنسجمة والمتماسكة (سكندها) لكائن معين بقوة تـَنـْها، إنما هي توالٍ للشخصيات. وفي كل ولادة تختلف الشخصية عن شخصية ولادة سابقة أو لاحقة فيما بعد. إن كرما، الإله المحرِّك للآلة، يتنكر (أو لنقل، ينعكس) تارة في شخصية حكيم، وتارة أخرى في شخصية حرفي، وهكذا دواليك من أول خيط الولادات إلى آخره. ولكن مع أن الشخصيات تتغير أبداً فإن خيط الحياة الواحد الذي تنتظم فيه حبات الخرز يتواصل بلا انقطاع؛ إنه دوماً ذلك الخط عينه لا سواه أبداً. لذا فهو فردي، هو موجة حيوية فردية بدأت في نرفانا، أو الجانب الذاتي للطبيعة، كما بدأت موجة الضوء أو الحرارة التي تجتاز الأثير عند مصدرها الدينامي؛ وتنطلق هذه الموجة مجتازة الجانب الموضوعي للطبيعة بدافع كرما وتوجيه تنها (الرغبة غير المشبعة في الوجود) المبدع، وتمضي عبر تغيرات دورية عديدة عائدة إلى نرفانا. ويدعو السيد ريس–ديفدز ما يمر من شخصية إلى أخرى على طول السلسلة الفردية ’الطبع‘، أو ’المفعال‘. وبما أن ’الطبع‘ ليس مجرد تجريد ميتافيزيائي، إنما محصلة للخصائص الذهنية وللخصال المعنوية، أفلا يعيننا اعتبار موجة الحياة كالفردية، واعتبار كلٍّ من حلقات سلسلة تظاهراتها الولادية شخصية منفصلة، على تبديد ما يدعوه السيد ريس–ديفدز ’ذريعة لغز يائسة‘ (البوذية، ص 101). إن الفرد الكامل، من وجهة النظر البوذية، هو بوذا، فيما أظن. فالبوذا إنْ هو إلا زهرة الإنسانية النادرة بدون أدنى إضافة غيبية. وبما أن أجيالاً لا عدَّ لها (’أربع أسنكهيَّا ومئة الف دورة‘ [Fausböll and Rhys-Davids, Buddhist Birth Stories, p. 13]) مطلوبة ليتفتح إنسان واحد عن بوذا، ولما كانت إرادته الحديدية ليصبح بوذا تسري عبر الولادات المتوالية كلها، ماذا ندعو ما يريد ويثابر على هذا النحو؟ أندعوه الطبع؟ أم ندعوه الفردية: فردية لا تتجلَّى في كل ولادة منها إلا جزئياً، إنما مشيَّدة من لبنات تعود إلى كل الولادات؟" (التعليم البوذي، الملحق أ. 137)

[15] مـَهـَة أو "العقل الكلي" هو مصدر مَنَس. وهذا الأخير هو مـَهـَة، أي الذهن، في الإنسان. ويدعى مَنَس أيضاً كشِـتـْرَجـْنا، "الروح المتجسمة"، لأن الـمَنَسا–بوترا، أو "أبناء العقل الكلِّي"، هم، بحسب فلسفتنا، الذين خلقوا، أو بالحري صنعوا، الإنسان المفكِّر، "مـَنـو"، بالتجسد في بشرية الذرية الثالثة لكَوْرنا. إن مَنَس، إذن، هو أنيَّتنا الروحية الدائمة، هو الفردية؛ أما شخصياتنا المتنوعة التي لا عدَّ لها فليست إلا أقنعتها الخارجية.

[16] هو صموئيل تيلر كولريدج (1772-1834)، الشاعر المتصوف البريطاني الذي كتب مع ووردزوورث القصائد الغنائية. (م)

[17] إشارة إلى إنجيل مرقس 9: 48 وغيره. (م)

[18] لعلها إشارة إلى الوصف المطنب لأورشليم السماوية في رؤيا يوحنا 21: 9-27. (م)

[19] على هذا الخرق بُنِيَت عقيدة سقوط الملائكة القاسية والمجافية للمنطق. وهي مشروحة في المجلد الثاني من العقيدة السرية. إن "أنيَّاتنا" جميعاً كيانات مفكِّرة وعقلانية (مَنَسا–بوترا) سبق لها أن عاشت، إنْ في هيئة بشر أو في هيئات أخرى، في دور الحياة (مـَنـْفـَنـْتارا) السابق، حتَّم عليها كرماها أن تتجسد في إنسان هذا الدور. ولقد كان يعلَّم في الأسرار أنها، إذ تأخرت في الامتثال لهذا القانون (أو "رفضت أن تخلق"، كما تقول الهندوسية عن الـكومارا والحكاية المسيحية عن كبير الملائكة ميخائيل)، أي أخفقت في التجسد في الوقت المعين، تدنَّست الأجسام التي كانت مقدَّمة لها (Vide Stanzas VIII. and IX. in the “Slokas of Dzyan,” vol. II. The Secret Doctrine, pp. 19 & 20.)، ومن هنا الخطيئة الأصلية للأشكال العديمة الشعور وعقاب الأنيات. فالمقصود بالملائكة العاصين الذين طُوِّح بهم في جهنم يُفسَّر ببساطة بما أصاب هذه الأرواح أو الأنيات النقية من سجن في أجسام من مادة نجسة، أي في أجساد.

[20] Macbeth, Act 5, scene 5. (م)

[21] Λήθη كلمة يونانية تعني "النسيان". راجع أفلاطون، الجمهورية، 10: 621، أ، ب. (م)

[22] نسبة إلى جان كالفن أو كوفان (1509-1564)، المصلح الديني الفرنسي المشايع للوثريين (1533)، الذي اضطر لمغادرة باريس حتى وضع عصا الترحال في جنيف عام 1541. وقد أراد أن يجعل من هذه المدينة حاضرة نموذجية، ففرض عليها انضباطاً صارماً. كتابه الرائس تأسيس الدين المسيحي يقوم على التأكيد على ربوبية الله، سيد قدر الإنسان وخلاصه من خلال التقدير المسبق. (م)

[23] من هنا، على سبيل المثال، قول المسيح: "من نظر إلى امرأة لكي يشتهيها فقد زنى بها في قلبه" (متى 5: 28)، وحديث الرسول العربي: "إنما الأعمال بالنيات، ولكلِّ امرئ ما نوى".

[24] راجع كتاب:

Sir Edwin Arnold, The Light of Asia, Book the Eighth.

ورسالة القديس بولس إلى أهل غلاطية 6: 7 و8. (م)

[25] إلهة الثأر عند قدماء الإغريق. (م)

[26] هو برسي بسشي شِلِّي (1792-1822)، الشاعر وكاتب المقالة والمسرح البريطاني العظيم الذي اتسم إلهامه الرومانسي الخالص، المقترن بالأفلاطونية، برغبة عارمة في ربط الإنسان والطبيعة في إيقاع حيوي واحد. (م)

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

Editorial

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود