|
مفتاح
الثيوصوفيا
هيلينا
ب. بلافاتسكي
الباب
السادس الطبيعة
والإنسان بحسب التعاليم الثيوصوفية _____ وحدة
الكل في الكل
السائل:
الآن وقد أخبرتني ما ليس الله والنفس
والإنسان عليه في نظركم، هل لك أن تعْلِمني ما
هي عليه بحسب تعاليمكم؟ الثيوصوفي:
إن ثلاثتهم، من حيث الأصل ومن حيث الأبدية،
مثلهم كمثل الكون وكل ما فيه، واحد مع الوحدة
المطلقة، مع الماهية القدسية التي لا يرقى
إليها عِلْم التي تكلَّمت عليها منذ بعض
الوقت. نحن لا نؤمن بأي خَلْق، بل
بالظهورات الدورية والمتوالية للكون، من
المرتبة الذاتية للوجود نزولاً حتى المرتبة
الموضوعية، عند فواصل زمنية منتظمة، تشغل
فترات تدوم مديداً. السائل:
هل لك أن تتبسَّط في الموضوع؟ الثيوصوفي:
دونك السنة الشمسية مقارنة أولى وعوناً على
تصور أصح، وكمقارنة ثانية نصفي تلك السنة
اللذين ينجم عن كلٍّ منهما نهارٌ وليلٌ
يدومان ستة أشهر عند القطب الشمالي. تخيَّلْ
الآن، إن استطعتَ، بدلاً من سنة شمسية من 365
يوماً، الأبدية. هَبْ أن الشمس تمثِّل
للكون، وأن النهارات والليالي القطبية
المؤلَّف كلٌّ منها من ستة أشهر – نهارات
وليالي يدوم كلٌّ منها ترليوناً[1]
وكوادرليوناً[2] من السنين،
بدلاً من أن يدوم 182 يوماً. فكما تشرق الشمس كل
صباح فوق أفقنا الموضوعي من فضائها الذاتي
(بنظرنا) المقابل، كذلك يبزغ الكون بزوغاً
دورياً على مرتبة الموضوعية، منبثقاً من
مرتبة الذاتية – المرتبة المقابلة للأولى.
تلك هي "دورة الحياة". وكما أن الشمس
تختفي من أفقنا، كذلك يختفي الكون في فترات
منتظمة عندما يَجُنُّ "الليل الكوني".
يطلق الهندوس على مثل هذه التناوبات "نهارات
وليالي برهما"، أو مدة الـمَـنْـفَـنْـتارا
ومدة بْـرَلايا (التحلُّل). أما الغربيون
فبوسعهم أن يدعوها النهارات والليالي
الكونية إذا فضلوا ذلك. فإبَّان هذه الأخيرة (الليالي)
يكون الكل في الكل، وتندغم كلُّ ذرة في
تجانس واحد. التطور
والوهم
السائل:
ولكن من ذا الذي يخلق الكون إذن كل مرة؟ الثيوصوفي:
لا أحد يخلقه. قد يدعو العلم تلك السيرورة
بالتطور؛ الفلاسفة القبلمسيحيون والمشرقيون
كانوا يدعونه بالفيض؛ أما نحن، غيبيين
وثيوصوفيين، فنرى فيه الحق الكلِّي
والأزلي الأوحد الذي يطرح انعكاساً دورياً لـذاته
على أعماق الفضاء اللانهائية. وهذا الانعكاس،
الذي تنظرون إليه باعتباره الكون المادي
الموضوعي، نعتبره نحن وهماً وقتياً، ليس
إلا. فوحده حقٌّ ما هو أزلي. السائل:
إذا صحَّ ذلك فأنت وأنا وَهْمان أيضاً. الثيوصوفي:
أجل، باعتبارنا شخصيتين زائلتين، اليوم شخص،
وغداً آخر، نحن كذلك. هل كنت لتدعو ومضات
الشفق القطبي، أضواء الشمال المفاجئة، "حقاً"،
مع أنها من الحقِّية بمكان وأنت تنظر إليها؟
بالطبع لا. إن السبب الذي يولِّدها – على أن
يكون دائماً وأبدياً – هو الحقُّ الأوحد،
بينما النتيجة ليست إلا وهماً عابراً. السائل:
هذا كلُّه لا يفسِّر كيفية نشوء هذا الوهم
الذي يدعى الكون؛ كيفية شروع الواعي المزمع
أن يكون بالتجلِّي من اللاوعي الكائن؟ الثيوصوفي:
إنه لاوعي بنظر وعينا المنتهي وحسب. حقاً
إن بوسعنا فك معنى الآية 5 من الإصحاح الأول من
إنجيل القديس يوحنا والقول: "والنور [المطلق
– الذي هو ظلمة] يشرق في الظلمات [التي هي
الضوء المادي الوهمي]، ولم تدركه الظلمات."
هذا النور المطلق هو أيضاً القانون المطلق
والسرمدي. سواء بالإشعاع أو بالفيض – لن
نختلف على المصطلحات – يخرج الكون من
ذاتيَّته المتجانسة ليبلغ المرتبة الأولى
للتجلِّي الذي يشتمل، على حدِّ ما تعلَّمنا،
على سبع مرتبات. ومع كلِّ مرتبة يصير أكثف
وأكثر ماديَّة حتى يبلغ مرتبتنا هذه، حيث
العالَمُ الوحيد الذي يعرفه العلم على وجه
التقريب في تكوينه الفيزيائي ويفهمه هو
المنظومة الكوكبية أو الشمسية – وهو نسيج
وحده، على حدِّ ما يقال لنا. السائل:
وماذا تعني بـنسيج وحده؟ الثيوصوفي:
أعني أنه، على الرغم من أن القانون الأساسي
والنفاذ الكلِّي لقوانين الطبيعة ساريان على
كلِّ شيء، يبقى أن منظومتنا الشمسية ( مثلها
كمثل كلِّ منظومة أخرى مماثلة من بين ملايين
المنظومات الأخرى في الكوسموس)، وحتى أرضنا،
لديها برنامج التجلِّيات الخاص بها المختلف
عن البرامج الخاصة بكل المنظومات الأخرى. نحن
نتكلم على سكان الكواكب الأخرى، ونتخيل أنهم
إذا كانوا بشراً، أي كيانات مفكِّرة، يجب
أن يكونوا كما نحن. إن مخيِّلة الشعراء
والرسامين والنحاتين لا تقصِّر أبداً في
التمثيل للملائكة حتى وكأنهم نسخة مُجمَّلة
عن الإنسان – زائد أجنحة! أما نحن فنقول
بأن هذا كلَّه غلط وضلال؛ ذلك أنه إذا كان
المرء يجد على هذه الأرض وحدها تنوعاً كهذا في
النبات والحيوان والنوع البشري – من أشنة
البحر إلى أرزة لبنان، ومن قنديل البحر إلى
الفيل، ومن البوشمن والزنجي إلى أبولو
بلفيديري – حسبه أن يبدِّل الشروط، كوسْمية
وكوكبية، لكي ينجم عن ذلك نبات وحيوان وبشرية
مختلفة. والقوانين عينها سوف تسوِّي جملة
مختلفة تماماً من الأشياء والكائنات حتى على
مرتبتنا نحن هذه، بما فيها كواكبنا جميعاً.
فكم بالحري، والحال هذه، يجب أن يكون اختلاف
الطبيعة الخارجية في منظومات شمسية أخرى،
وأيُّ غباءٍ هو غباءُ الحكم على النجوم
وعلى العوالم وعلى البشر الآخرين من خلال
نجمنا وعالمنا وبشريَّتنا، على حدِّ ما يفعل
العلم الفيزيائي! السائل:
ولكن ما هي معطياتكم التي يقوم عليها هذا
الادعاء الجازم؟ الثيوصوفي:
إنها ما لن يقبله العلم عموماً بوصفه برهاناً
– وأعني الشهادات المتراكمة لسلسلة من
الرائين الذين شهدوا على صحَّتها. لقد تمَّ
التحقق أولاً بأول من صحة رؤاهم الروحية –
وهي كشوف حقيقية، تمَّت بالحواس الجسمانية
والروحانية الطليقة من شهوات الجسد العمياء،
ومن خلالها – وقورنت كذلك الواحدة منها
بالأخرى، ومُحِّصَتْ طبيعتُها. وكل ما لم يلقَ تأييد الخبرة المشتركة بالإجماع
استُبعِد، في حين لم يسجَّل بوصفه حقيقة
راسخة إلا ما وُجِدَ، في عصور مختلفة، وفي
أصقاع شتى، وعبر سلسلة لا حصر لها من الأرصاد
لم تنقطع، متوافقاً وحائزاً دوماً على المزيد
من التأييد. إن المناهج التي يعتمدها علماؤنا
وطلابنا في العلوم النفسانية–الروحانية لا
تختلف عن مناهج طلاب العلوم الطبيعية
والفيزيائية، كما بوسعك أن ترى. غير أن حقول
بحثنا تشمل مرتبتين اثنتين مختلفتين،
وأدواتنا ليست من صنع أيدٍ بشرية – ولعلَّها
لهذا السبب فقط أكثر مصداقية. فمعوجَّات
الكيميائي وعالم الطبيعيات وجمَّاماتهما
ومجاهرهما قد تتعطل؛ وتلسكوب عالم الفلك
ومقياساته الزمنية قد تفسد؛ أما أدواتنا
القياسية فلا يطالها تأثير الطقس أو العناصر. السائل:
ألهذا تستودعونها إيمانكم المطلق؟ الثيوصوفي:
الإيمان كلمة لا تقع عليها في القواميس
الثيوصوفية. فنحن نقول بـالمعرفة المؤسَّسة
على الرصد والخبرة. بيد أن ثمة اختلاف: ففي
حين يقود الرصد والخبرة العلماءَ في العلم
الفيزيائي إلى عدد من الفرضيات "الأساسية"
بعدد الأذهان المستعدة لتطويرها، لا تقبل معرفتنا
أن تضيف إلى مخزونها غير تلك الحقائق التي
باتت لا يداخِلُها ريب والتي أقيم البرهان
عليها برهاناً تاماً ومطلقاً. ليس لدينا
معتقدان أو فرضيتان بخصوص الموضوع نفسه. السائل:
أعلى أساس معطيات كهذه آليتم على أنفسكم
القبول بالنظريات الغريبة التي نجدها في البوذية
الباطنية؟ الثيوصوفي:
بالضبط. فهذه النظريات قد تكون غير سديدة بعض
الشيء من حيث تفاصيلها الصغرى، بل وحتى ناقصة
من حيث عرض الطلاب غير المسارَرين لها؛ لكنها، مع
ذلك، حقائق في الطبيعة، وهي
أدنى إلى الحقيقة من أية فرضية علمية. البنيان
السباعي لكوكبنا
السائل:
هل لي أن أفهم أنكم تعلِّمون بأن أرضنا تشكل
جزءاً من سلسلة من الأرضين؟ الثيوصوفي:
أجل. لكن "الأرضين" أو الأجرام الستة
الأخرى لا تقع على مرتبة الموضوعية نفسها
التي تقع عليها أرضنا؛ ولهذا لا نستطيع أن
نراها.[3] السائل:
أوهذا من جراء بعدها العظيم عنَّا؟ الثيوصوفي:
لا، مطلقاً. كيف ونحن نرى بعيننا المجرَّدة
كواكب وحتى نجوماً تقع على مسافات أعظم بما لا
يقاس؛ إن ذلك يعود إلى أن تلك الأجرام الستة
لا تطالها وسائلنا الإدراكية الفيزيائية، أو
مرتبتنا الوجودية. وهذا ليس لأن كثافتها
المادية ووزنها أو قوامها مختلفة كل الاختلاف
عن كثافة ووزن وقوام أرضنا والكواكب المعروفة
الأخرى وحسب، بل لأنها تقع (بالنسبة إلينا)
على طبقة فضائية مختلفة تماماً، إنْ جاز
التعبير؛ طبقة ليس لحواسنا المادية أن تدركها
أو أن تحسَّ بها. وعندما أقول "طبقة" أرجو
ألا تسمح لمخيِّلتك أن تصوِّر لك طبقات
كالنضائد أو الفرش الممدَّدة الواحدة فوق
الأخرى؛ فإن هذا لن يقودك إلا إلى تصور مغلوط
آخر منافٍ للمعقول. فما أعنيه بـ"طبقة"
هي تلك المرتبة الفضائية اللانهائية التي،
بطبيعتها نفسها، لا تقع في متناول إدراكاتنا
العادية في حال الصحو، ذهنية كانت أم جسمانية، إنما توجد في الطبيعة خارج نطاق
ذهنيَّتنا أو وعينا السويَّين، خارج نطاق
فضائنا الثلاثي الأبعاد، وخارج تقسيمنا
للزمن. ولكلِّ واحدة من المراتب أو (الطبقات)
الأساسية السبع في الفضاء – بالطبع باعتباره
كلاً، شأن الفضاء الصرف في تعريف لوك، وليس
باعتباره فضاءنا المنتهي – موضوعيَّتها
وذاتيَّتها، مكانها وزمانها الخاصين، وعيَها
وجملة الحواس الخاصة بها. بيد أن هذا كلَّه
يكاد لا يفهمه امرؤٌ نشأ على طرق التفكير
الحديثة. السائل:
ماذا تعني بجملة مختلفة من الحواس؟ هل من شيء
على مرتبتنا البشرية يمكنك أن تمثِّل به لما
تقول، لا لشيء إلا لكي تعطي فكرة أوضح عمَّا
قد تعنيه بهذا التنوع في الحواس والفضاءات
والإدراكات الخاصة بكلٍّ منها؟ الثيوصوفي:
لا شيء البتَّة، اللهم إلا ما قد يكون للعلم
بمثابة مسمار جاهز يعلِّق عليه حجَّة معاكسة.
أليست لدينا في حياة الحلم جملة مختلفة من
الحواس؟ إننا نحس ونتكلم ونسمع ونبصر ونذوق
ونشتغل عموماً على مرتبة مختلفة. ولا أدلَّ
على تغيُّر حالة وعينا من أن سلسلة أفعال
وأحداث تستغرق سنوات، كما نظن، تجتاز ذهننا
عقلياً في برهة واحدة. طيب! إن سرعة عملياتنا
الذهنية الفائقة تلك في الأحلام، والطبيعية
التامة للوظائف الأخرى جميعاً في أثنائها،
تبيِّن لنا أننا على مرتبة أخرى تماماً.
تعلِّمنا فلسفتنا أنه كما توجد سبع قوى
أساسية في الطبيعة، وسبع مراتب وجودية، كذلك
توجد سبع حالات للوعي بوسع الإنسان أن يحيا
فيها، ويفكر، ويتذكر، ويستمدَّ وجوده. إن
تعدادها هنا متعذَّر؛ إذ يتطلب هذا الأمر
عكوف المرء على دراسة الميتافيزياء الشرقية.
لكن لدى كلِّ امرئ عادي فانٍ في هاتين
الحالتين – الصحو والحلم –، من العلامة
الفيلسوف نزولاً حتى الهمجي الجاهل المسكين،
من الأدلة ما يكفي على اختلاف حالتين كهاتين. السائل:
فأنتم لا تقبلون، إذن، بالتفسيرات المعروفة
للبيولوجيا والفسيولوجيا لتعليل حالة الحلم؟ الثيوصوفي:
لا نقبل بها. بل إننا نرفض حتى فرضيات علماء
نفسكم، مفضِّلين عليها تعاليم الحكمة
القديمة. ونحن، إذ نعتقد بوجود سبع مراتب
للوجود الكوسمي وسبع حالات للوعي فيما يخص
الكون والماكروكوسموس، نتوقف عند المرتبة
الرابعة، واجدين أن من المتعذَّر المضيَّ
قُدُماً إلى ما يتعداها بأية درجة من اليقين.
أما فيما يخص الميكروكوسموس، أو الإنسان،
فإننا نُعمِل النظر بحرية في حالاته السبع
ومبادئه السبعة. السائل:
وكيف تفسِّرونها؟ الثيوصوفي:
نحن نجد، بادئ ذي بدء، كائنين متميِّزين في
الإنسان: الروحاني والجسماني، الإنسان
المفكِّر والإنسان الذي يسجِّل من هذه
الأفكار بمقدار ما يستطيع أن يستوعب. لذا
فإننا نقسمه إلى طبيعتين متميِّزتين: الكائن
الأعلى أو الروحاني، المكوَّن من ثلاثة
"مبادئ" أو مظاهر، والرباعية الدنيا
أو الجسمانية، المكوَّنة من أربعة –
المجموع سبعة. طبيعة
الإنسان السباعية
السائل:
أهي ما ندعوه بالروح والنفس من جانب، وبإنسان
الجسد من جانب آخر؟ الثيوصوفي:
لا. فذلك هو التقسيم الأفلاطوني القديم.[4]
لقد كان أفلاطون مسارَراً، وبالتالي لم يكن
يحق له أن يدخل في تفاصيل محرَّمة؛ بيد أن
المطَّلع على العقيدة العتيقة يجد المبادئ
السبعة في تراكيب أفلاطون المتنوعة للنفس
والروح. لقد كان يعتبر الإنسان مكوَّناً من
قسمين: قسم أزلي، مشكَّل من ماهية المطلقيَّة
عينه، والآخر فانٍ وقابل للفساد، يستمدُّ
أقسامه المكوِّنة من الآلهة الصغرى "المخلوقة".
فالإنسان مكوَّن، كما يبيِّن، من (1) جسم فانٍ،
(2) مبدأ خالد، و (3) "نوع فانٍ منفصل من النفس".
إنها ما ندعوه، على الترتيب، بالإنسان
الجسماني، النفس الروحانية أو الروح، والنفس
الحيوانية (الـ noûs
والـ psuchè).
ذلك هو التقسيم الذي اعتمده بولس – المسارَر
هو الآخر – الذي يأخذ بوجود جسم نفساني
يُزرَع بفساد (النفس النجمية أو الجسم النجمي)،
وجسم روحاني يقوم في جوهر بغير فساد.[5]
وحتى يعقوب (3: 15) يؤيِّد الأمر عينه بقوله إن
"حكمة" (نفسنا الدنيا) لا تنزل من عَلُ،
وإنما هي حكمة دنيوية ("بشرية"، "شيطانية"،
انظر النص اليوناني)؛ بينما الحكمة الأخرى [التي
تنزل من عَلُ] حكمة سماوية. ومع أن أفلاطون،
وحتى فيثاغوراس، لا يتكلمان إلا على ثلاثة
"مبادئ"، فمن الجلِّي أنهما ينسبان
إليها سبع وظائف منفصلة، في تراكيبها
المتنوعة، بحيث يكفينا أن نقابل بين تعاليمنا
وتعاليمهما حتى ينجلي الأمر تماماً. دعنا
الآن نلقي نظرة عاجلة على هذه المظاهر الستة
بواسطة جدول.
فما
الذي يعلِّمه أفلاطون؟ إنه يتكلم على الإنسان
الباطن بوصفه مكوَّناً من قسمين: قسم
سرمدي يبقى هو هو، مشكَّل من جوهر الإله نفسه،
وآخر فانٍ ويقبل الفساد.[7]
هذا "القسمان" نجدهما في ثلاثيَّتنا
العليا ورباعيَّتنا الدنيا (راجع الجدول).
إنه يشرح أن النفس psuchè،
حين "تتحالف مع الـ noûs
(الروح أو الجوهر الإلهي[8])،
فإنها تقوم بكل شيء على الوجه الصحيح
والموفَّق"؛ لكن الأمر يصير على غير ذلك
عندما تشدُّ نفسها إلى anoia
(الجهالة، أو النفس الحيوانية غير العاقلة).[9]
لدينا ههنا، إذن، مَنَس (أو النفس بعامة)
في مظهريها: حين تشدُّ نفسها إلى anoia
(كاما–روبا، أو "النفس الحيوانية"
في البوذية الباطنية) فإنها تسارع إلى
الاضمحلال التام بمقدار ما يتعلق الأمر
بالأنية الشخصية؛ أما إذا تحالفت مع الـ noûs
(أتما–بودّهي) فإنها تندغم في الأنية
الخالدة الباقية، وبذلك يصبح وعيُها الروحي
للشخصية التي كانت وعياً خالداً. التمييز
بين النفس والروح
السائل:
هل تعلِّمون حقاً، كما يتَّهمكم بذلك عدد من
الأرواحيين، الأنغلوسكسون والفرنسيين،
اضمحلال كل شخصية؟ الثيوصوفي:
لا، لسنا نعلِّمه. ولكن بما أن مسألة الثنائية
– فردية الأنية الإلهية وشخصية
الحيوان البشري – تتضمن مسألة إمكان ظهور
الأنية الخالدة الحق في حجرات جلسات الوساطة
على هيئة "روح متجسِّمة"، الأمر الذي
ننفيه كما سبق الشرح، فإن خصومنا وجَّهوا
إلينا هذه التهمة السخيفة. السائل:
لقد تكلمت لتوِّك على psuchè
المسارعة إلى اضمحلالها التام
فيما إذا شدَّت نفسها إلى anoia.
ماذا قصد أفلاطون؟ وماذا تقصدون أنتم بذلك؟ الثيوصوفي:
قصد الاضمحلال التام للوعي الشخصي،
كحالة استثنائية نادرة، على ما أظن. إن
القاعدة العامة التي تكاد لا تتبدل هي اندغام
الوعي الشخصي في الوعي الفردي أو الخالد
للأنية، بما هو تحوُّل أو تجلٍّ روحي،
والاضمحلال التام للـرباعيَّة الدنيا
فقط. فهل تتوقع لإنسان الجسد، أو الشخصية
المؤقتة، ظلِّه، مركبته "النجمية"،
غرائزه الحيوانية وحتى الحياة الجسمانية، أن
تتعايش و"الأنية الروحانية" وتصير
مؤبَّدة؟ إن كل هذا، بالطبع، يزول، إما عند
الموت البدني أو بُعَيْده، ويتحلَّل مع الوقت
كل التحلُّل ويختفي عن الأنظار، باضمحلاله
ككل. السائل:
إذن فأنتم تنكرون أيضاً قيامة الجسد؟ الثيوصوفي:
جزماً ننكرهاً! ولِمَ علينا، نحن الذين نأخذ
بالفلسفة الباطنية العتيقة للأقدمين، أن
نقبل بالتخرُّصات اللافلسفية للاهوت المسيحي
اللاحق، المستعار من العقائد المصرية
والإغريقية للغنوصيين؟ السائل:
لقد كان المصريون يبجِّلون أرواح الطبيعة
ويؤلَّهون حتى البصل؛ وهندوسكم عبدة أصنام
حتى يومنا هذا؛ والزردشتيون كانوا، وما
زالوا، يعبدون الشمس؛ أما خيرة الفلاسفة
الإغريق فقد كانوا إما حالمين أو ماديين –
دونك أفلاطون وديموقريطس على سبيل المثال.
فكيف لكم أن تعقدوا المقارنة أصلاً! الثيوصوفي:
قد يكون الأمر كذلك في تعليمكم الديني
المسيحي الحديث وحتى العلمي؛ لكنه ليس كذلك
بنظر العقول المنصفة. فقد كان المصريون
يبجِّلون "الواحد الأحد" بوصفه نوت؛
ومن هذه الكلمة بالذات نحت أنكساغوراس تسميته
noûs،
أو كما يدعوه νους
αυτοκρατής، "العقل القوي بذاته" أو "الروح
القوي"، الـ αρχή τής κινήσεως،
المحرِّك الأول، أو الـ primum
mobile
للكل. لقد كان الـ noûs
بنظره هو الله، والـ logos
هو الإنسان، الفائض عنه. الـ noûs
هو الروح (سواء في الكوسموس أو في الإنسان)،
والـ logos،
أكان كوناً أو جسماً نجمياً، هو فيض عن الأول،
باعتبار الجسم المادي مجرَّد المظهر
الحيواني. إن قدراتنا الخارجية تدرك الظاهرات؛
ووحده الـ noûs
فينا قادر على التعرُّف إلى جواهرها. وحده
الـ logos،
أو الجوهر، باقٍ لأنه خالد من حيث طبيعته
وماهيَّته نفسهما، والـ logos
في الإنسان هو الأنية الأبدية، تلك التي تعود
إلى التجسُّد وتدوم إلى الأبد. ولكن أنَّى
للظل الزائل والخارجي، للقميص المؤقت لذلك
الفيض الإلهي العائد إلى منبعه الذي منه جاء،
أن يكون ما سوف يقوم بغير فساد[10]؟ السائل:
ومع ذلك لستم بمنجى من تهمة ابتكار تقسيم جديد
للمكوِّنات الروحانية والنفسانية للإنسان؛
إذ ما من فيلسوف يتكلم عليها، وإن كنتم
تعتقدون أن أفلاطون فعل؟ الثيوصوفي:
وإني لمتمسك بوجهة النظر هذه. فإلى جانب
أفلاطون هناك فيثاغوراس الذي أخذ أيضاً
بالفكرة نفسها.[11]
فقد وصف النفس بأنها واحدة (موناد)
ذاتية الحركة، مكوَّنة من ثلاثة عناصر: الـ noûs
(الروح)، الـ phren
(الذهن)، والـ thumos
(الحياة، النَّفَس، أو نِفِشْ القباليين[12])
التي تقابل ثلاثتها أتما–بودّهي (النفس–الروح
العليا)، ومَنَس (الأنية)، وكاما–روبا،
بالاقتران مع الانعكاس الأدنى لـمَنَس.
إن ما كان الفلاسفة الإغريق الأقدمون يصطلحون
على تسميته بـالنفس، عموماً، ندعوه نحن
الروح، أو النفس الروحانية، بودّهي،
بوصفها مركبة أتما (الـ agathon،
أو الإله الأسمى عند أفلاطون). والواقع أن
تصريح فيثاغوراس وسواه بأننا نشترك والبهائم
في phren
و
thumos
يثبت أن الانعكاس المَنَسي الأدنى
(الغريزة) وكاما–روبا (الأهواء الحيوانية
الحية) هما المقصودان في هذه الحالة. وبما أن
سقراط وأفلاطون قد قبلا هذا التفسير وأخذا
به، حسبنا أن نضيف إلى هذه الخمسة – ألا وهي
على وجه التحديد: agathon
(الإله أو أتما)، psuchè
(النفس بمعناها الجمعي)، noûs
(الروح أو العقل)، phren
(الذهن الجسماني)، و thumos
(كاما–روبا أو الأهواء) – eidolon
الأسرار، الصورةَ الظليلة أو القرين
البشري، والجسمَ المادي، حتى يسهل علينا
البرهان على أن أفكار فيثاغوراس وأفلاطون
كليهما كانت مطابقة لأفكارنا. وحتى المصريون
تبنُّوا التقسيم السباعي. فقد علَّموا أن
النفس (الأنية)، لدى مغادرتها البدن، يجب
أن تجتاز "حجراتها" أو مبادئها السبعة،
ما تُخلِّف منها وراءها، وما تصطحب منها معها.
والفرق الوحيد هو أنهم، إذ كان لا يغيب لهم عن
بال قصاص الكشف عن عقائد الأسرار، ألا وهو الموت،
لم يصرِّحوا من التعليم إلا بالخطوط العريضة،
في حين نسهب نحن في بسطه وشرحه على التفصيل.
ولكن على الرغم من أننا نعلن للملأ بقدر ما هو
مباح فإننا في عقيدتنا نمسك عدة تفاصيل هامة، وحدهم
حقيقون بمعرفتها دارسو الفلسفة الباطنية
والملتزمون بالصمت. التعاليم
الإغريقية
السائل:
لدينا اختصاصيون أساطين في اليونانية
واللاتينية والسنسكريتية والعبرية. فكيف لم
نقع في ترجماتهم على شيء فيه إشارة إلى ما
تقول؟ الثيوصوفي:
ذلك لأن مترجميكم، على الرغم من علمهم
الوافر، جعلوا الفلاسفة – الإغريق منهم
بالأخص – مؤلفين مبهمين بدلاً من
سرَّانيين.[13]
خذ على سبيل المثال فلوطرخس، واقرأ ما يقول في
"مبادئ" الإنسان. فما يتكلم عليه يؤخذ
على محمل حرفي ويصنَّف في خانة الخرافة
والجهل. دعني أقدم لك مثالاً بهذا الصدد. يقول
فلوطرخس: "الإنسان [كائن] مركَّب، ويخطئ
من يظنه مركباً من قسمين وحسب. فإنهم
يتخيلون أن الفهم [الفكر المخي] قسم من النفس [الثلاثية
العليا]، لكنهم يضلون ضلالاً لا يقل عن ضلال
مَن يجعلون من النفس قسماً من البدن [أي الذين
يجعلون من الثلاثية قسماً من الرباعيَّة
الفانية القابلة للفساد]. فإن الفهم (noûs)
يتخطَّى النفس بقدر ما تتفوق النفس على البدن
من حيث خيرها وألوهيَّتها. إن تأليف النفس (ψυχή)
هذا مع الفهم (νους)
يصنع العقل؛ وتأليفها مع الجسم (أو thumos،
النفس الحيوانية) يصنع الهوى. وإن أول هذين
التأليفين هو أصل أو مبدأ اللذة والألم،
وثانيهما مبدأ الفضيلة والرذيلة. ومن هذه
الأقسام الثلاثة، ملتحمة ومنضمة معاً، أعطت
الأرضُ البدنَ، والقمرُ النفسَ، والشمسُ
الفهمَ لنشأة الإنسان."[14] هذه
العبارة الأخيرة مجازية صرف، ولن يفهمها إلا
المتضلِّعون في علم المقايسات الباطني
والعالمون أيَّ الكواكب مرتبط بكلِّ مبدأ.
إن فلوطرخس يقسم المبادئ إلى ثلاث مجموعات،
جاعلاً من البدن مؤلَّفاً من الهيكل الجسماني
والظل النجمي والنَّفَس، أو القسم الأدنى
المثلَّث الذي هو "تراب وإلى التراب يعود"[15]؛
وهو يجعل من المبدأ المتوسط والنفس الغرائزية
القسمَ الثاني، المشتق من القمر وعبره
والمتأثر دوماً به[16]؛
ووحده القسم الأعلى أو النفس الروحانية،
العنصران الأتميِّ والمَنَسيِّ فيها، يجعل
منه فيضاً مباشراً من الشمس التي تمثل هنا agathon،
الإله الأسمى. وهذا مُثبَت بما يستطرد به
لاحقاً كما يلي: أما
عن الميتات التي نموتها فتجعل الأولى من
الإنسان اثنين من ثلاثة، والأخرى واحداً من
اثنين. تتم الميتة الأولى في المنطقة الواقعة
تحت منطقة وسلطان ديمترا – ومن هنا كان الاسم
الذي كان يُطلَق على الأسرار (τελειν)
يشبه الاسم الذي كان يُطلَق على الموت (τελευταν).
وكانوا الأثينيون أيضاً فيما مضى يدعون
الموتى بالمقرَّبين إلى ديمترا. أما فيما يخص
الميتة الأخرى فإنها تحصل في القمر أو في
منطقة برسفوني.[17] هاكم
عقيدتنا التي تظهِر الإنسان بوصفه سباعية
في أثناء الحياة؛ وخماسية بُعَيْد الموت،
في كاما–لوكا؛ وأنية مثلَّثة – نفس–روح
ووعي – في ديفاخان. وهذا الانفصال الذي
يتم أولاً في "مروج هاذِس"، كما يدعو
فلوطرخس كاما–لوكا، ومن بعدُ في ديفاخان،
كان جزءاً من شعائر الأسرار المقدسة، حين كان
المرشَّحون للمسارَرة يؤدون دراما الموت
بكاملها، والقيامة كروح ممجَّدة، وهي تسمية
نقصد بها الوعي. وهذا ما يقصده فلوطرخس
حين يقول: وكما
يقيم هرمس في الأولى، الأرضية، كذلك يقيم في
الأخرى السماوية. إن هذا ينتزع النفسَ من
الجسم فجأة انتزاعاً عنيفاً؛ لكن بروسربينا
تفصم الفهمَ عن النفس بلطف مع انصرام مدة
طويلة.[18]
لهذا السبب فإنها تدعى بـ monogenes،
المولود الوحيد، أو بالحري ذات المولود
الواحد؛ ذلك أن خير ما في الإنسان يصير
بمفرده حين تفصله. إن هذين الفصلين كليهما
يحدثان على هذا النحو بحسب الطبيعة. فقد قضى
القدر (fatum
أو كرما) أن على كلِّ نفس، لدى مغادرتها
البدن، أكانت فاهمة أم بغير فهم (عقل)، أن
تتجول لفترة ما، ليست واحدة لكل النفوس، في
المنطقة الممتدة بين الأرض والقمر (كاما–لوكا).[19]
والنفوس التي كانت جائرة وفاسقة تلقى القصاص
الناجم عن آثامها؛ أما النفوس الخيِّرة،
الفاضلة، فتبقى محتجَزة هناك حتى تتطهَّر،
وتغتسل، بالتكفير، من كل تلوث قد يكون أصابها
من عدوى البدن، كما لو من عافية سقيمة، وتحيا
في ألطف نواحي الجو التي تدعى بمروج هاذِس حيث
يجب أن تبقى ردحاً من الزمن مسبق التحديد
وموقوت. ومن بعدُ تذوق، وكأنها عائدة إلى
موطنها من تجوال رحلة حجٍّ أو من غربة مديدة،
فرحاً كالذي يذوقه مبدئياً المسارَرون
بالأسرار المقدسة، ممتزجاً بالرهبة،
بالإعجاب، وبالرجاء الخاص اللائق بكل منها
على حدة.[20] هذه
غبطة نيرفانية، وما من ثيوصوفي يستطيع أن يصف
بلغة أبْيَن، إنما باطنية، مسرَّات ديفاخان
الذهنية، حيث ينعم كل إنسان من حوله بفردوس من
تشييد وعيه. لكن حذارِ من الوقوع في الغلط
الشائع الذي يقع فيه الكثيرون، حتى بين
ثيوصوفيينا. فلا يُخيَّلنَّ إليك أن الإنسان،
بما أنه يدعى كائناً سباعياً، ثم خماسياً،
وأخيراً ثلاثية، فهو بالتالي مركَّب من
سبعة أو خمسة أو ثلاثة كيانات مستقلة؛ أو،
كما أجاد أحد المؤلفين الثيوصوفيين التعبير،
من قشور تُخلَع مثل قشور البصلة. فـ"المبادئ"،
كما سبق وقلنا، ما خلا الجسم والحياة والـ eidolon
النجمي التي تتشتت عند الموت، هي ببساطة مظاهر
وحالات وعي. ليس هناك إلا إنسان حقيقي
واحد، يكابد عبر دورة الحياة وخالد من حيث
الماهية، وإنْ ليس من حيث الشكل، ألا وهو مَنَس،
الإنسان–العقل أو الوعي المتجسِّم. إن
اعتراض الماديين الذين ينفون إمكان عمل الذهن
والوعي بمعزل عن المادة مردود في حالتنا. فنحن
لا ننكر عليهم رجاحة حجَّتهم، لكننا نسأل
خصومنا ببساطة: "هل تعرَّفتم إلى جميع
حالات المادة، يا مَن لم تعرفوا الآن سوى
ثلاث؟ وأنَّى لكم أن تعرفوا أن ما ندعوه الوعي
المطلق أو الإله الخفي غير القابل للعلم
أبداً، ما هو، رغم تملُّصه إلى الأبد من
تصوُّرنا البشري المنتهي، إلا الروح–المادة
أو المادة–الروح في لانهائيَّتها المطلقة؟"
إنه، إذن، واحد من المظاهر الدنيا لهذه الروح–المادة
– بل وحتى من المظاهر الأشد كسريَّة في
تجلِّياته المَـنْـفَـنْـتارية – الذي
يشكِّل الأنية الواعية التي تخلق فردوسها
الخاص؛ فردوسَ امرئ سفيه ربما، لكنه يبقى
حالة غبطة. السائل:
ولكن ما هو ديفاخان؟ الثيوصوفي:
هو حرفياً "موطن الآلهة"؛ هو وضع أو حالة
من الغبطة الذهنية. وهو فلسفياً وضع ذهني
مقايس لأشد الأحلام نضارة، وإن يكن أشد منه
نضارة وحقِّية. إنه الحالة التي تعقب الموت
عند غالبية البشر. *** *** ***
[1]
1610. (م) [2]
2410.
(م) [3]
جاء في القرآن الكريم:
"الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض
مثلهنَّ يتنزَّل الأمر بينهنَّ لتعلموا
أن الله على كلِّ شيء قدير وأن الله قد أحاط
بكلِّ شيء علماً" (الطلاق 12). (م) [4]
راجع أفلاطون، الجمهورية، الكتاب
الرابع، حيث يقسم سقراط النفس إلى نفس "عاقلة"
ونفس "غضبية" ونفس "شهوية". وهذا
التقسيم الثلاثي "المبسَّط" هو عينه
الذي اعتمده بولس الرسول (راجع رسالته
الأولى إلى أهل تسالونيكي 5: 23). (م) [5]
راجع رسالة القديس بولس الأولى
إلى أهل كورنثوس 15: 35-53. (م) [6]
في كتاب السيد سينيت البوذية الباطنية
تدعى د، هـ، و، على التوالي، النفس
الحيوانية والنفس البشرية والنفس
الروحانية – الأمر الذي يفي بالمراد. وعلى
الرغم من أن المبادئ في البوذية الباطنية
مرقَّمة، فإن توخي الدقة لا يحيجُنا إلى
ذلك؛ إذ وحدها الموناد المزدوجة (أتما–بودّهي)
من شأنها أن يُنظَر إليها باعتبارها
الرقمين الأعليين (السادس والسابع). أما
بخصوص المبادئ الأخرى جميعاً، بما أن ذلك
"المبدأ" وحده السائد في الإنسان هو
الذي ينبغي اعتباره الأول والأهم، ما من
ترقيم ممكن كقاعدة عامة. عند بعض البشر،
العاقلة العليا (مَنَس أو المبدأ
الخامس) هي التي تسيطر على المبادئ الأخرى،
وعند بعضهم الآخر، النفس الحيوانية (كاما–روبا)
هي صاحبة اليد الطولى، إذ تُبرِز أشد
الغرائز بهيمية، إلخ. [7]
راجع: أفلاطون، طيماوس، 69. (م) [8]
يدعو بولس noûs
أفلاطون بـ"الروح"؛ ولكن بما أن هذا
الروح "جوهر" فإن بودّهي، بالطبع،
هي المعنية وليس أتما، بما أن هذا
الأخير لا يمكن أن يُدعى فلسفياً "جوهراً"
ولا بأي حال من الأحوال. لقد ضممنا أتما
إلى "المبادئ" البشرية لكيلا نتسبب في
المزيد من البلبلة. بينما هو في الواقع ليس
"بشرياً"، إنما هو المبدأ الكلِّي
المطلق الذي تُعتبَر بودّهي، النفس–الروح،
الناقلة له. [9]
راجع: أفلاطون، النواميس 879 أ-ب. (م) [10]
راجع رسالة القديس
بولس الأولى إلى أهل كورنثوس 15: 42. (م) [11]
"إن أفلاطون
وفيثاغوراس،" كما يقول فلوطرخس، "يوزِّعان
النفس إلى قسمين: النفس العاقلة (nöetic)
وغير العاقلة (agnoia)؛
وذلك القسم من نفس الإنسان، ألا وهو
العاقل، أبدي؛ فمع أنه ليس الله، إلا أنه
مولود الإله الأزلي. أما ذلك القسم من النفس
المحرومة من العقل (agnoia)
فإنه يموت." [De placitis philosophorum,
IV, 4, 7
(م)] إن مصطلح "لاأدري" agnostic
الحديث أصله gnosis،
وهي كلمة من المصدر نفسه. وإننا لنتساءل:
كيف آلى السيد هكسلي، مبتكر هذه الكلمة،
على نفسه ربط عقله العظيم بـ"النفس
المحرومة من العقل" التي تموت؟ أهو
التواضع المغالى فيه للمادي الحديث؟ [12]
Diogenes Laërtes, Vitæ,
VIII, 1, 30. (م) [13]
تتلاعب السيدة بلافاتسكي هنا بلفظتي النعت mystic
(سرَّاني) والصفة misty
(مبهم، ضبابي، غامض). (م) [14]
سبق للسيدة بلافاتسكي أن استشهدت بهذا
المقبوس الرائع في كتابها إيزيس سافر (H.P.Blavatsky, Isis
Unveiled, vol. 2, pp. 283-4)
الذي يرد في النص الأصلي كما يلي: "...
الإنسان كائن مركَّب، ويخطئ من يظنه مركباً
من قسمين وحسب. فإنهم يتخيلون أن الفهم (noûs)
هو، على نحو ما، قسم من النفس (psuchè)،
لكنهم، في هذا، يضلون ضلالاً لا أقل من ضلال
الذين يجعلون من النفس جزءاً من الجسم (soma)؛
فإن النفس تتفوق على البدن بقدر ما يتفوق
الفهمُ على النفس في ألوهيَّته. إن مزيج (mixis)
البدن والنفس ينجم عنه المظهر غير العاقل (alogon)
والانفعالي (pathètikon)،
في حين أن لقاء (sunodos)
الفهم والنفس يولد العقل (logos)؛
ومن هذين التشكيلين، الأول هو مصدر، أو
مبدأ (archè)،
اللذة والألم، والثاني مبدأ الفضيلة
والرذيلة. وفي تكوين هذه المظاهر الثلاثة
تقدِّم الأرضُ البدنَ، والقمرُ النفسَ،
والشمسُ الفهمَ (مثلما يقدِّم النور للقمر
نفسَه) لدى نشأة الإنسان." [De
facie quai in orbe lunæ
apparet, 943.] (م) [15]
إشارة إلى ما جاء في سفر التكوين (3: 19) على
لسان الربِّ: "بعرق جبينك تأكل خبزاً حتى
تعود إلى الأرض، فمنها أُخِذتَ لأنك تراب
وإلى التراب تعود." (م) [16]
القباليون
الذين يعرفون العلاقة بين يهوه، واهب
الحياة والذرية، وبين القمر ويعرفون تأثير
الأخير على النسل سوف يدركون الأمر بمقدار
ما سوف يدركه بعض علماء النجوم أيضاً. [17]De
Facie, 943 a, b. (م) [18]
بروسربينا،
أو برسفوني، تمثل هنا عقب الوفاة دور كرما
الذي يقال إنه ينظم انفصال "المبادئ"
الدنيا عن العليا: انفصال النفس،
بوصفها نِفِشْ، نَفَس الحياة
الحيوانية، الذي يبقى بعض الوقت في كاما–لوكا،
عن الأنية المركَّبة العليا التي تمضي
إلى حالة ديفاخان، أو الغبطة. [19]
لكي يحدث الانفصال بين "المبدأ"
الأعلى، الروحاني، وبين المبادئ الدنيا
التي تبقى في كاما–لوكا حتى يدركها
التحلل. [20]
Plutarch, op. cit. (م)
|
|
|