|
الاحترام ألا نشعر، في
مستهل اللقاء المريب مع الإنسان الآخر،
بخشيةٍ من أن يسيء إلينا أكثر من شعورنا
بالأمل في أن يحسن إلينا؟ بادئ ذي بدء، يخشى
كل امرئ عنفَ الآخر أكثر مما يتكل على طيبته.
إن ما نتوقعه أولاً من الإنسان الآخر هو أن
ينظر إلينا باحترام. فأن يُحترَم المرء
يعني أن يُنظَر إليه (الجذر الاشتقاقي لفعل respecter ["احترم"] الفرنسي هو الفعل اللاتيني
spectare، "نظر"؛ وبدقة أكبر، فهو
مشتق من فعل respicere الذي يعني حرفيًّا "نَظَرَ
إلى الوراء"، ومنه "توقف لينظر" و"نظر
بعطف"). إن "عدم النظر" إلى شخص ما يعني
عدم تقديره وعدم اعتباره، يعني سلفًا التعبير
له عن الاحتقار. إن
الاحترام، شأنه شأن اللاعنف، هو في المقام
الأول موقف سلبي عبارة عن الامتناع عن النيل
من كرامة الآخرين. احترام الإنسان الآخر هو
الامتناع أولاً عن العنف في حقِّه. ليس الحب
ما يؤسِّس لحياة الناس المشتركة، بل العدل،
أي مجرَّد احترام حقوق كلِّ فرد. فالاحترام،
بطبيعته نفسها، يتطلب وجود مسافة ما. إن
"احتفاظ المرء بمسافته" يعني الحرص على
عدم التعدي على أرض الآخر، على عدم وطء
حديقته، على عدم انتهاك مجاله الحيوي. قد
يدعونا الآخر بعد قليل إلى الاقتراب ودخول
بيته ويستضيفنا. ولكنْ ينبغي علينا، بانتظار
هذه الدعوة، احترام "ملكيته الخاصة"
التي تؤوي حياته الخاصة. احترامُ المرء نفسَه
يعني إيجاد المسافة المناسبة التي تتيح لكلِّ
فرد المجالَ الذي يحتاج إليه ليكون حرًّا
ومستقلاً[1].
واحترام الآخرين يعني الحرص على إيجاد
المسافة الصحيحة معهم، المسافة التي تتيح لهم
أن يرى بعضهم بعضًا ويتعرف بعضهم إلى بعض
ويتعارفوا دون ذوبان fusion ولا بلبلة confusion، المسافة التي تراعي أفضل
مراعاة تطلعات كلِّ فرد. إن
أول حقوق الإنسان الذي لا يسقط بالتقادم هو
الحق في الاحترام. فإنسانية الإنسان – كلِّ
إنسان وجميع البشر – جديرة بالاحترام. ينتج
عن ذلك أن أول واجبات الإنسان هو احترام
إنسانية الإنسان الآخر. فمفهوم الاحترام
مكوِّن لفريضة اللاعنف. ومنه يمكن لنا اقتراح
هذا التعريف باللاعنف: احترام المرء
الإنسانية في شخصه نفسه وفي شخص الإنسان
الآخر على حدٍّ سواء. ينطوي
هذا الاحترام الذي ندين به للإنسان الآخر على
عدم احتقاره، حتى وإنْ هو أساء احترام
الآخرين. قطعًا غير صحيح أنَّ جميع الأفكار
وجميع المواقف وجميع الأفعال محترَمة، أي "جديرة
بالاحترام". ولكنْ حتى ذلك المرء الذي
يرتكب الشر يحتفظ في داخله بنصيب من
الإنسانية يستحق الاحترام؛ فالجريمة لا
تدمِّر إنسانية المجرم تدميرًا كاملاً. ينبغي
محاربة الشر دون رحمة، ولكن دون إيذاء مَن
يرتكبه ما أمكن. إن ما يميز الكفاح اللاعنفي
بالدقة هو أنه يهدف إلى تطبيق طرائق عمل تتيح
احترام الخصم. فمَن يختار اللاعنف يريد أن
يراهن على أن الإنسان العنيف قادر، في
المحصلة، على وعي عنفه وعلى الإقلاع عنه. إن
أفضل وسيلة لكي يعيد الإنسانُ اكتشافَ
إنسانيته هي احترامها. ينبغي، إذن، لوسائل
الإكراه المستعمَلة لكفِّ أذاه أن تترك له
فرصة. بذا
يكون الاحترام من حقِّ كلِّ إنسان بصفته
كائنًا إنسانيًّا. غير أن هناك أشخاصًا نشعر
نحوهم باحترام خاص ونكنُّ لهم "كثيرًا من
الاحترام"، لا بصفتهم بشرًا فحسب، بل
لمزاياهم الإنسانية الخاصة أيضًا. هنا لا
يعود الاحترام واجبًا، بل شعور أساسه التعاطف
والتقدير. يتضح هنا الفارق الجوهري بين
الاحترام والتسامح: الاحترام نشعر به، نُحسُّ
به، بينما التسامح نكابده في صبر ويتطلب
منَّا جهدًا. فالتسامح لا يُشعَر به. على
مستوى آخر، يجري الكلام على الاحترام الذي
ندين به للسلطان autorité. إن خاصية السلطان، بالفعل،
هي أن يُحترَم، لكنْ يجدر به أولاً أن يكون
محترَمًا. لذا ينبغي لاحترام السلطان أن
يتأسس على جدارته، لا على سلطته pouvoir؛ إذ إن الاحترام الحقيقي لا
يُنال كرهًا. فإذا ما اضطرت السلطة إلى "فرض
احترامها"، فذلك بالدقة لأنه "يُساء
احترامُها". في مستطاع الإكراه أن يفرض
الطاعة والخضوع، لكنه "لا يفرض الاحترام". · التسامح ·
السلطانAutorité · العلاقة ترجمة: محمد
علي عبد الجليل [1]
الجذر الاشتقاقي لكلمة "احترام"
في العربية هو الفعل "حَرَمَ" أي
مَنَع؛ و"احترمه" أي رعى حُرْمتَه
وحفظها وصانها؛ و"الحُرْمة" ما لا
يحِلُّ انتهاكه. بذا يشير المعنى العربي
للاحترام أكثر من المعنى اللاتيني إلى وجوب
عدم انتهاك المجال الحيوي للآخر محلِّ
الاحترام. (المترجم)
|
|
|