|
السلطان يجدر
بنا، بادئ ذي بدء، أن نميز بين "السلطان" autorité وبين "السلطة" pouvoir وأن نصر على هذا التمييز[1].
فما يميز السلطان، سواء كان سلطان شخص أم
سلطان مؤسسة، هو أن الذين يوعَز إليهم أن
يتبعوا نصائحه وتعليماته يعترفون بمرجعيته.
فطاعة المرجعية تحظى بالقبول؛ إذْ إن ما يربط
بين صاحب المرجعية وبين الخاضع لها ليس
توازُن قوة، بل علاقة ثقة – حتى إن كلام
المسؤول نفسه يصبح "حجة يُرجَع إليها".
مذْ ذاك، لا تَلزَمه أيةُ وسيلة إكراه لفرض
هيبته. مع ذلك، لا يقتضي السلطانُ سلفًا
علاقةَ مساواة بين صاحبه وبين التابع له؛
فالسلطان، بطبيعته، ينطوي على تراتبية هرمية.
إن المعادلة الشخصية لصاحب السلطان أهم من
الوظيفة التي يمارِس باسمها مرجعيته. نتكلم
هنا عن "سلطان معنوي" لرجل قد يتفق له أو
لا يتفق أن يمارِس وظيفةَ سلطة، لكن علمه
وكفاءته وخبرته ونزاهته واستقامته وحكمته
تبعث على الاحترام. إن ما يشكِّل قوة السلطان
هي إرادته أن يعدل على الدوام: فمن يمارس
السلطان يفقده حالما يحيد عن صراط العدالة. يحترم
السلطانُ حريةَ الذين يقوم عليهم. إذ إن
المرؤوسَ الذي يعترف بمرجعية شخص ما ليس
لزامًا عليه أن يطيعه؛ إذ هو يحتفظ بحرية أن
يأخذ على عاتقه مسؤوليةَ تخطِّيه. فالمرجعية
تعطي رأيًا وتنصح، ولا تأمر؛ تقدم توصيات،
ولا تسن وصايا. من هنا فإن الاستبدادية، أي
التسلط، انحراف عن السلطان. بذا فإن الفرد،
حين يمرض، يضع نفسَه بنفسه تحت سلطان الطبيب،
غير أن له الخيار في اتِّباع وصفاته أو عدم
اتِّباعها؛ فإذا ما قرر أن يضرب بها عُرْضَ
الحائط، فعلى مسؤوليته. على
صعيد آخر، فإن السلطان الذي يتمتع به الحكيم،
مهما كانت قوة مرجعيته، لا يمنحه أيةَ سلطة،
ولا يجوز إكراهُ أحد أو إجبارُه على اتِّباع
نصائحه. بالمثل، فإن سلطان الزعيم اللاعنفي،
إذا ما تحمل المسؤوليةَ الرئيسيةَ في قيادة
عمل ما، يأتيه من الاحترام الذي يوحي به هو،
ولا يمتلك أيةَ سلطةِ إكراه. أما القائد
العسكري فيمكن له أن يتمتع بسلطان حقيقي، إلا
أن لديه دائمًا، إذا عَدِمَ هذا السلطان،
سلطةً تجعله يُطاع من خلال وسائل إكراه عديدة. إن
مَن يأخذ على عاتقه مسؤوليةَ ممارسة سلطة
معينة – وهذا يصح أصلاً على الأهل وعلى أستاذ
المدرسة –، ينبغي له، من جهته، أن يُطاع.
وينبغي عليه أن يجتهد في "البرهنة على
سلطانه"، أي في الحصول على رضاء مَن
يوجِّهُ إليهم أوامرَه. ولكنْ إنْ لم ينجح في
الإقناع، ينبغي عليه إذ ذاك اللجوءُ إلى
الإكراه، دون أن يعني ذلك أن عليه استخدام
وسائل العنف. إذ إن اللجوءَ إلى العنف هو
إقرار بالضعف عند صاحب السلطة؛ والعنف
يُفقِدُه سلطانَه. السلطانُ لاعنفي في جوهره.
فالعنف عاجز عن إيجاد السلطان من جهة؛ ومن جهة
أخرى، عندما تُجرَّد السلطةُ من السلطان، لا
مفر لها من اللجوء إلى العنف. إذن فمن قبيل
الوقوع في لبس كبير تعريفُ استعمال العنف
بوصفه الممارسة السوية للسلطة. لا جرَمَ أن في
إمكان العنف أن يُرغِمَ على الطاعة، لكنه لا
يقدر أن يكون بديلاً عن السلطان، بل هو نفيُه
دومًا. ·
السلطة ترجمة: محمد
علي عبد الجليل مراجعة: ديمتري أفييرينوس [1] السلطان،
لغةً، الحُجة والبرهان؛ يقال: له سلطان
مبين، أي حجة بيِّنة. والسلطان: الحكم؛ يقال:
له عليهم سلطان. أما السلطة، فهي التسلط
والسيطرة والتحكم والقدرة والقوة على
الشيء. فالسلطان هو سلطة معنوية وقوة غير
مُلزِمة. وقد استُخدِمَتْ كلمةُ "سلطان"
في آيات كثيرة في القرآن الكريم، وخاصةً في
معرض الحديث عن سلطان الشيطان وسلطان النبي
(وهما سلطتان معنويتان غير مُلزِمتان)،
نذكر منها: "إن عبادي ليس لكَ عليهم
سلطانٌ إلا مَنِ اتبعكَ من الغاوين" (الحِجْر
42)؛ "قال قد وقعَ عليكم من ربكم رِجْسٌ
وغضبٌ أتجادِلونني في أسماء سميتموها أنتم
وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان" (الأعراف
71)؛ "وقال الشيطانُ لما قُضيَ الأمرُ إن
الله وعدَكم وعدَ الحقِّ ووعدْتُكم
فأخلفتُكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا
أنْ دعوتُكم فاستجبتُم لي [...]" (إبراهيم
22)؛ "وقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطانٍ
مبين" (هود 96). كذلك قيل في السيد المسيح
إنه "كان يتكلم بسلطان" (إنجيل لوقا 4:
32). (المترجم)
|
|
|