|
القوة في معزل عن
التمييز الواضح بين "القوة" و"العنف"،
فإن استعمال أحد هذين المصطلحين أو كليهما
يجازف كثيرًا بمجانبة القصد منهما. فإذا كنا
نقصد بـ"القوة" القدرةَ التي تُذِلُّ
وتطغى وتعذِّب وتقتل، فسنعدم كلمةً تدل على
القوة التي لا تُذِل ولا تطغى ولا تعذب ولا
تقتل. فما إن يلتبس مفهوما القوة والعنف
واحدها بالآخر حتى يُرتِجَ علينا[1]،
فلا يعود في إمكاننا أن نتساءل عما إذا كانت
قوةٌ ليست عنيفة موجودةً فعلاً. القوة، بالمعنى
الأخلاقي، هي فضيلة الإنسان الذي يتحلى
بشجاعة رفض الخضوع لسلطان العنف. الإنسان
القوي لا يشهر وسائل الاقتدار والعنف، بل
يمتلك حكمة اللاعنف. فمَن يمتلك القوة يسيطر
على شهواته ويقاوم إغراء الأهواء الجماعية
ويمتلك زمام السيطرة على مصيره. نقيضُ القوة،
هاهنا، هو ضعف عدم مقاومة سكرة العنف. لا تستطيع "قوة
النفس" هذه، أو هذه القوة الروحية، أن تدعي
القدرة بمفردها على مواجهة قوة الظلم التي
تؤذي المقهورين مواجهةً فعالة؛ إذْ ليس
لكلتيهما المجالُ نفسه. وحدها، في الواقع،
القوة المنظَّمة في العمل المعتمِد على العدد
تستطيع أن تكون فعالةً في محاربة الظلم
واستعادة الحق. من الغلط، إذن، التقليل من شأن
القوة باسم الحق، بما أنه لا يمكن، في الواقع،
أن يكون للحقِّ من أساس أو ضمان سوى القوة. إن
خاصية المثالية هي في كونها تضفي على الحق
قوةً مخصوصة تفعل في التاريخ وتكون الأساسَ
الحقيقي للتقدم. غير أن كلَّ شيء يبيِّن، على
العكس، أن قوة كهذه غير موجودة. بالمثل، فإن
من الوهم – كلِّ الوهم – الاعتقادَ بأن هناك
"قوة للعدالة" و"قوة للحقيقة" و"قوة
للمحبة" تستطيع وحدها أن "تقوى" على
المقتدرين لنيل اعترافهم بحقِّ المقهورين.
فحتى يستطيع هؤلاء بلوغ الحرية، ينبغي عليهم
أن يلموا شملهم ويحشدوا طاقاتِهم وينظمِّوا
أنفسَهم ويعملوا. كل صراع فهو
امتحان للقوة. وفي سياق اقتصادي واجتماعي
وسياسي معيَّن، تندرج كل علاقة مع الآخرين في
علاقة قوة. الظلمُ ينجم عن اختلال في توازُن
القوى يسيطر من خلاله الأقوياءُ على
المستضعَفين ويقهرونهم. فتكون وظيفةُ الصراع
إيجادَ علاقةِ قوة جديدةٍ بهدف إقامة توازُن،
بحيث تُحتَرم حقوقُ كلِّ فرد. إذ ذاك، يتمثل
العملُ في سبيل العدالة في إعادة توازُن
القوى إلى نصابه؛ ولا يتأتى ذلك إلا بإعمال
قوة تفرض حدًّا على القوة التي تسبِّب
اختلالَ التوازن. من غير الممكن
الإزراء بالعنف إلا بردِّ الاعتبار للقوة
أولاً، وذلك بمنحها مكانتَها كاملةً
والاعتراف بشرعيتها كاملة. ومن الضروري
أيضًا، في الوقت نفسه، الطعن في "الواقعية"
المزعومة التي تُبرِّر العنفَ بوصفه أساسَ
العمل السياسي، وفي "المذهب الروحي"
المزعوم الذي يرفض الاعترافَ بالقوة بوصفها
ملازِمةً للعمل السياسي. ولمَّا كانت القوة
لا وجود لها إلا بالعمل، فمن غير الممكن
التنديد بالعنف ومحاربته إلا بتقديم منهج عمل
لا يمت بصلة إلى العنف الدامي، بل يكون قادرًا
على إقامة علاقات قوة تضمن الحق. ذلكم هو
التحدي الذي تريد أن تتصدى له استراتيجيةُ
العمل اللاعنفي. · الإكراه · الصراع · العنف ترجمة:
محمد علي عبد الجليل مراجعة: ديمتري أفييرينوس [1]
أُرتِجَ عليه: استغلقَ عليه
الكلام فلم يعد يقدر على إيجاد الكلمات. (المترجم)
|
|
|