|
اللاعنف والمقاومةNonviolence and resistance
1 عندما يتم التطرقُ إلى "اللاعنف"، ينبغي إجراءُ تمييز يسبِّب إغفالُه التباساتٍ كثيرةً والإصرارُ عليه: التمييز بين فريضة اللاعنف الفلسفية وبين إستراتيجية العمل اللاعنفي. فهذه وتلك تتوضعان على صعيدين مختلفين يجدر التمييز بينهما، لا للفصل بينهما، بل لتفادي الخلط. فاللاَّعنف، كمبدأ فلسفي، هو طلب المعنى؛ أما كمنهاج عمل، فهو البحث عن الفعالية.[1] بهذه العبارات يستهل المفكر والمناضل اللاعنفي الفرنسي جان ماري مولِّر، في قاموس اللاعنف، تعريفه بمصطلح "اللاعنف"؛ وهو – من منظورنا – مصيب إلى حدٍّ كبير فيما يذهب إليه... [لأن] خيار اللاعنف هو تفعيل فريضة الضمير العقلاني العالمية في حياتنا نفسها، الضمير الذي يعبَّر عنه بالصيغة الآمرة، المنفية هي الأخرى: "لا تقتل". إن تحريم القتل هذا تحريم عالمي شامل؛ وهو جوهري، لأن رغبة القتل كامنة في كلٍّ منَّا. القتل محرَّم لأنه يبقى ممكنًا دومًا، ولأن هذه الإمكانية تفضي إلى اللاإنسانية. التحريم "مُلزِم" impérative لأن الإغراء "مستبد" impérieuse؛ وبقدر ما يكون الإغراء مستبدًّا يكون التحريمُ أشد إلزامًا. اللاعنف، إذن، فريضةٌ سالبة أولاً؛ وهو يطالب الإنسانَ بنزع سلاح انفعالاته ورغباته ومشاعره وذكائه وذراعيه حتى يستطيع الفكاك من كلِّ "سوء نية" mal-veillance في حقِّ الإنسان الآخر. عندئذٍ، يكون حرًّا في إظهار "حسن نيته" bien-veillance له والتعبير له عن "طيب إرادته" béné-volence.[2]
البالوعات تلفظ قاذوراتها كانت الوقفات الاحتجاجية لـ "نساء بالسواد" في القدس تُقام بما يُعرَف عمومًا بساحة باريس (مع أنها رسميًا تُسمّى ساحة فرنسا)، عند تقاطع خمسة طرق، ويبعد مسير 10 دقائق عن مركز المدينة و5 دقائق عن المقر الرسمي لرئيس الوزراء. وكان موقع الوقفات الاحتجاجية مقابلاً للكلية الفرنسيسكانية Terra Sancta من جهة وفندق الملوك من جهة أخرى - بين القدس السماوية والقدس الأرضية، كما كنت أفكّر أحيانًا أثناء مواجهة اللحظات التأملية الطويلة. وخلال سنوات الوقفات الاحتجاجية، كان سكان القدس غالبًا ما يشيرون إلى التقاطع بـ "ساحة نساء بالسواد"، مما كان يثلج صدورنا، إذ اقتنعنا أخيرًا أنه كلما كان حضورنا لافتًا أكثر كلما ازداد التأثير الذي نبتغيه. وقد لاحظ الناس وجودنا بالفعل قبل وسائل الإعلام بوقت طويل.
إنَّ في الإنسان، في مراحل حياته المختلفة، استعدادًا ذاتيًّا للسلوك العنفي أو اللاعنفي. بيد أن هذا الاستعداد، في حدِّ ذاته، لا يجعل الإنسان موصوفًا بالعنف أو اللاعنف، لأنه مجرد استعداد محض. فيدا الإنسان ورجلاه، مثلاً، آلتان من آلات استعمال العنف، ولكن وجودهما في الإنسان لا يعني أن الإنسان عنيف، بل يعني استعداده لممارسة العنف بواسطة اليدين أو الرجلين. هذا الاستعداد الفطري في الإنسان – نزوعه إلى اللاعنف أو العنف – يظل مرهونًا، إلى حدٍّ ما، بطبيعة المؤثرات الخارجية التي تضغط على الإنسان سلبًا أو إيجابًا. فنوع المؤثر الخارجي، من جهة، والاستعداد النفساني لتقبُّله، من جهة ثانية، هما اللذان يحددان، في الغالب، السلوك المتوقع للإنسان، سواء كان سلوكًا سويًّا أو سلوكًا غير سوي. فالمؤثرات الخارجية التي تضغط على الإنسان وتتحكم في سلوكه قد تكون مؤثرات سلبية وقد تكون مؤثرات إيجابية: أما المؤثرات السلبية الضاغطة فهي تدفعه دفعًا نحو العمل العنفي، بينما المؤثرات الإيجابية تحثه على العمل اللاعنفي وترشده نحوه.
|
|
|