|
اللاعنف والمقاومةNonviolence and resistance
للحقّ، أعترف بأني قرأت بدهشة كبيرة نصك الذي حاولت فيه "وضع بعض النقاط على الحروف". وحين قرأته ضعت في متاهة استشهاداتك بنصوصي، فلم أتمكن من التوصل إلى منطقية وتماسك منطقك. وحين نظرت إلى ذلك التجميع الذي قمت به لاستشهاداتي من أجل أن تجعلني في تناقض مع نفسي انتابني شعور بأن هذا التجميع لنصوصي لا يعكس ما أفكر به، فحين تنوه بأن هناك تناقضات بين كتابي قاموس اللاعنف ونصي المتعلق باللاعنف في العمل الذي قدمت من خلاله "مختلف لحظات حملة عمل لاعنفية"؛ فإني، من جهتي، أصر وأؤكد على أن كل العناصر التي طورتها في نصّي قد سبق أن شرحتها في قاموسي، وأن النصين الذين قدمتهما متماسكين ولا يوجد أي تناقض بينها. كما أنك، حتى هذه اللحظة، لم تعبر عن أي خلاف مع قاموسي؛ فأنا، في كلا النصين، قد وضعت نفس النقاط على نفس الحروف. لذلك، وكلما أمعنت التفكير في الأسباب التي دفعتك إلى كتابة هذا النص، أجدني أصطدم بعدم تفهم يزداد عمقًا وتوسعًا، وهذا ما يجعلني أعتقد بأن هذه الخلافات لا تستند إلاّ على سوء فهم أو سوء تفهم إن لم نقل على خطأ في الفهم. لذلك سأحاول تجاوز هذه الأمور الواحدة تلو الأخرى.
بالمقالات التالية: - افتتاحية أيلول 2008 بعنوان: "لماذا مرمريتا؟" لديمتري أڤييرينوس، التي تعكس تمامًا وجهة نظر معابر إلى "الورشة" وما جرى خلالها من نقاش وتحاول توسيع هذا النقاش وتعميمه ما أمكن، و - مقال "بعض النقاط على بعض الحروف" لأكرم أنطاكي، الذي ناقش فيه بعض القضايا الإشكالية التي طرحها الفيلسوف والمناضل اللاعنفي جان ماري مولِّر، ضيفنا في هذه الورشة، و - مقال "التوفيق بين الاقتضاء الروحي والواقعية السياسية" لجان ماري مولِّر، الذي وضَّح فيه مواقفه من تلك القضايا ردًّا على مقال أكرم أنطاكي المذكور – بهذه المقالات، نقول، نختتم ملف ورشة العمل التي انعقدت من 20 إلى 22 حزيران 2008 في بلدة مرمريتا السورية بعنوان "اللاعنف، الثقافة، التربية" ونفتح صفحة جديدة سوف ننكب خلالها على مناقشة معمقة لما طُرِحَ فيها من مفاهيم وأفكار تتعلق باللاعنف، كفلسفة وكإستراتيجية عمل، ولإمكانية تطبيقها في واقعنا.
لعل ما فعلته الولايات المتحدة بقضية الديموقراطية هو عينه ما فعله الإتحاد السوفييتي بقضية الاشتراكية. فإدارة بوش لم تسيء فقط إلى سمعة هذه القضية في معظم أنحاء العالم، إنما بالتركيز المبالغ والمشبوه لأجندتها المتعلقة بـ "تسويق الديموقراطية"، أعطت الأنظمة القمعية ومناصريها الحجة في وصم أي حراك شعبي ديموقراطي يهددها بالعمالة للأجنبي حتى ولو كان هذا الحراك بقيادة مناضلين لاعنفيين مستقلين. ففي الأشهر الأخيرة قامت حكومات زيمبابوي وإيران وبيلاروسيا وبورما وغيرها بالادعاء، وبلا أي تمييز، أن التمردات المدنية اللاعنفية والشعبية الشبيهة بتلك التي أطاحت بالأنظمة القمعية في صربيا وجورجيا وأوكرانيا خلال السنوات القريبة الماضية - والتي يمكن أن تهددها أيضًا - هي، بشكل أو بآخر، من صنع إدارة بوش وحلفائها للتهيئة "لانقلابات ناعمة" تطيح بالحكومات المعارضة للمصالح الأمريكية، واستبدلها بأخرى أكثر طواعية. وهذا ما يخلط بين ظاهرتين مختلفتين تمامًا.
1 عندما يتم التطرقُ إلى "اللاعنف"، ينبغي إجراءُ تمييز يسبِّب إغفالُه التباساتٍ كثيرةً والإصرارُ عليه: التمييز بين فريضة اللاعنف الفلسفية وبين إستراتيجية العمل اللاعنفي. فهذه وتلك تتوضعان على صعيدين مختلفين يجدر التمييز بينهما، لا للفصل بينهما، بل لتفادي الخلط. فاللاَّعنف، كمبدأ فلسفي، هو طلب المعنى؛ أما كمنهاج عمل، فهو البحث عن الفعالية.[1] بهذه العبارات يستهل المفكر والمناضل اللاعنفي الفرنسي جان ماري مولِّر، في قاموس اللاعنف، تعريفه بمصطلح "اللاعنف"؛ وهو – من منظورنا – مصيب إلى حدٍّ كبير فيما يذهب إليه... [لأن] خيار اللاعنف هو تفعيل فريضة الضمير العقلاني العالمية في حياتنا نفسها، الضمير الذي يعبَّر عنه بالصيغة الآمرة، المنفية هي الأخرى: "لا تقتل". إن تحريم القتل هذا تحريم عالمي شامل؛ وهو جوهري، لأن رغبة القتل كامنة في كلٍّ منَّا. القتل محرَّم لأنه يبقى ممكنًا دومًا، ولأن هذه الإمكانية تفضي إلى اللاإنسانية. التحريم "مُلزِم" impérative لأن الإغراء "مستبد" impérieuse؛ وبقدر ما يكون الإغراء مستبدًّا يكون التحريمُ أشد إلزامًا. اللاعنف، إذن، فريضةٌ سالبة أولاً؛ وهو يطالب الإنسانَ بنزع سلاح انفعالاته ورغباته ومشاعره وذكائه وذراعيه حتى يستطيع الفكاك من كلِّ "سوء نية" mal-veillance في حقِّ الإنسان الآخر. عندئذٍ، يكون حرًّا في إظهار "حسن نيته" bien-veillance له والتعبير له عن "طيب إرادته" béné-volence.[2]
|
|
|