|
قيم خالدة
إذا استطاعت المقاومة السلبية أن تدحر الكراهية العرقية... فغاندي وزنوج مثل
كينغ سيُظهرون للعالم كيف تُدحَر الحرب نفسها. بعد حوالي ستة أسابيع على قصف هيروشيما وناغازاكي، اجتمعت مجموعة من العلماء النوويين البارزين في شيكاغو. وكان إنريكو فيرمي هو من استهل ردَّ الفعل المتسلسل: "الآن وقد أظهرت القنبلة قوتها المرعبة، البشرية مدعوَّة لمواجهة السؤال حول كيفية التعايش مع هذا الواقع". وكان العلماء مدركين بحدَّة أنَّ التاريخ قد شرع نافذةً لإمكانية نادرة بالنسبة لهم. فمن جهة، كان العالم مصدومًا ومشمئزًا جرَّاء الحرب المرعبة، ومن جهة أخرى، هم الذين خلقوا السلاح الذي انتهى إلى أن يكون مملوكًا تقريبًا بيد سلطة أشبه بالكهنوتية. ولا أحد آخر كان لديه تمامًا السمعة التي يتمتعون بها لتخطيط توجُّه للإنسانية يمكن أن يقود إلى السلام.
على مرِّ التاريخ الإنساني، منذ أقدم العصور وإلى يومنا هذا، كان العرفان أصدق تعبير عن العلاقة الحقيقية بين الإنسان وبين ذلك السرُّ العظيم الذي يحتضنه والمتواجد في قلبه – أقصد ذاته الداخلية الخاصة أو الألوهة. على مرِّ التاريخ الإنساني، كان هناك أناس تفاعلوا مع الحياة بعمق أكبر من سواهم، فأقاموا مع ذواتهم ومع العالم المحيط علاقةً تكاد أن تقارب حدَّ الكمال. وقد توصَّل هؤلاء البشر العاديين والخارقين معًا، بعقولهم وبقلوبهم، إلى فهم أعمق لأنفسهم وللسرِّ الكبير لهذا العالم، فهمٍ سرعان ما انعكس على من حولهم عرفانًا ما زلنا نعيشه بأشكال مختلفة حتى يومنا هذا.
1. الحرية شرط الحياة
ولتحطم القيود، ولتكن حرًا يا بني. نفي العبودية الاستلابية للإنسان، وكسر القيود، والانطلاق نحو عوالم التحليق بالجسد والروح والعقل أهم محور في عقيدة العرفاء الكونين؛ فالحرية أهم محاور صناعة الإنسان والحياة، والحرية هي شرط الوجود وشرط الانتماء إلى الأحياء، فبدون الحرية سيكون كل شي حجاب ومانع عدمي. وفي عملية إزاحة موانع الحرية كالحجب والتراكمات التاريخية والأمراض النفسية قد تضيع المعتقدات وتتحطم الهويات والفراغ والخوف من التيه. لكن الحقيقة تقول، من خلال الاستمرار في الحياة وإزاحة كل هذا الخراب الوهمي والتاريخي المنغلق، يمكن أن تعثر على حريتك مدفونة تحت خرابك، وهذه أكبر كنوز الوجود والحياة والمعرفة. يقول الرومي: ما الذي يزعجني في أن يحل الخراب فيَّ إن كان تحت خرابي كنزٌ سلطاني؟
الصداقة ارتباطك بآخر على وجه التخصيص، وهي متبادلة في الصدق وموفورة المودة بلا منفعة في هذه الأرض. وهي سرٌّ، أي لا تعرف كيف حلت، وقد جاء في الأدب الفرنسي: هذا صديقي لأنه هو هو وأنا أنا. وهي متسعة للمحبة الإلهية عند الاثنين، وليس إلا شرط الفضيلة المستمرة عند الصديقين، وما فيها إلا الصدق، فهي تحمل قوة ديمومتها. بهذا المعنى وإن بدت ثنائية إلا ان الله، سميته أم لم تسمه، هو في وسطها ويعززها ويغذيها حتى يبلغ الاثنان بلورية كاملة. وهي قائمة في البشر لأن أحدًا منا لا يعيش في العزلة لكونه يحتاج إلى التكامل، إلى مشاركة تقويه فيلحظ أنه موجود ليس فقط بصفاته ولكن بصفات الآخر الذي يقويه. هي مشاركة حياة وتعاون. أنت تحتاج إلى أن يرعاك أحد وأن يقوِّيك ويصفيك ويقيمك من الموت الروحي إذا انتابك. هي إذًا قوة قيامية بسبب من الفرح وذاك الذي تتقبَّله. الفرح من الكيان الفصحي الكامن في كل إنسان.
|
|
|