|
صورة واضحة للسلام٭
إذا استطاعت المقاومة السلبية أن تدحر الكراهية العرقية... فغاندي وزنوج مثل كينغ
سيُظهرون للعالم كيف تُدحَر الحرب نفسها. بعد حوالي ستة أسابيع على قصف هيروشيما وناغازاكي، اجتمعت مجموعة من العلماء النوويين البارزين في شيكاغو. وكان إنريكو فيرمي هو من استهل ردَّ الفعل المتسلسل: "الآن وقد أظهرت القنبلة قوتها المرعبة، البشرية مدعوَّة لمواجهة السؤال حول كيفية التعايش مع هذا الواقع". وكان العلماء مدركين بحدَّة أنَّ التاريخ قد شرع نافذةً لإمكانية نادرة بالنسبة لهم. فمن جهة، كان العالم مصدومًا ومشمئزًا جرَّاء الحرب المرعبة، ومن جهة أخرى، هم الذين خلقوا السلاح الذي انتهى إلى أن يكون مملوكًا تقريبًا بيد سلطة أشبه بالكهنوتية. ولا أحد آخر كان لديه تمامًا السمعة التي يتمتعون بها لتخطيط توجُّه للإنسانية يمكن أن يقود إلى السلام. ومع ذلك – يتذكر غلين سيبورغ – لم تنبثق صورة واضحة لكيفية إنجاز الهدف الذي هو في ذهننا كلنا تقريبًا: عالم خالٍ من الأسلحة النووية. لقد كان الأمر كما لو أن بذور سباق التسلح النووي كانت دفينة في الطبيعة البشرية والمؤسسات السياسية[1]. إنَّ بذور سباق التسلح النووي هي حقًا دفينة في الطبيعة البشرية والمؤسسات السياسية – وكذلك هي بذور السلام الراسخ. والخيارات البشرية، الفردية والجمعية، تقرر أية مجموعة من تلك البذور سوف تزدهر وتسود. وكما رأينا في أغلب الأحيان، لا شيء هناك على الإطلاق في الطبيعة البشرية، بقدر ما هي الطبيعة البشرية معلومة للعلماء والحكماء، الذين سيُحتِّمون أيًا من هذه النتائج ستصل إليها الحضارة في نهاية المطاف. وإذا كنا نقصد بـ"الطبيعة" التطلعات الأعمق القابلة للاستكشاف في النفس البشرية والآليات التطورية المُصمَّمة لتطبيق تلك التطلعات، عندها تتكدَّس أوراق اللعب، في الحقيقة، بوضوح تام من أجل السلام. وإذا اتجهنا مباشرة في الاتجاه الآخر، فإنها لا تُدعى طبيعة بل نوع من التكيُّف الذي يحرفنا عن مصيرنا العادل. كانت هذه هي الصورة التي لم يرها العلماء، والأمر مفهوم إلى حد ما لأنهم، في حين كانوا رجالاً لامعين في حقلهم، كانت خبرتهم، مهما كان ما قد يعتقده الجمهور، تقريبًا ليست بذات علاقة. وكما أشار كينيث بولدينغ، فقد تُرِك حقل القوة التكاملية أرضًا محروثة. فلا أحد – ويقصد، ولا صنف من "الخبراء" نُميِّزه راهنًا – قام بدراسته الخاصة لتعلُّم وتعليم كيفية تخصيب حقل السلام وجني حصاده الغني. فالعلماء والناس حسنو النية، ومجموعة شيكاغو من بينهم، كانوا أسرى الرؤية نفسها الضيقة مثل حال بقيتنا، وكانوا يميلون إلى رؤية العالم وإمكانيته من الجانب الظليل – المحزن، المُساق بالطمع، الضيق إعلاميًا – وهو الفرق الذي كان يوجِّه صورة ما هو مُحتَمل. أعتقدُ أنَّ جورج برنارد شو هو الذي قال إنَّ هناك بعض المواضيع التي يمكن لأي أحد تصادفه في الشارع أن يُنوِّرك حولها أكثر من الخبراء. والسلام واحد من هذه المواضيع. ففي البحث عن السلام لا يكون لدى "الخبراء"، مثل التقارير "الإخبارية" الرزينة لوسائل الإعلام أو البيانات والتصريحات الرسمية للنخبة التي تصنع سياستنا الخارجية والمحلية، ما يعملونه أكثر من التعمية على حَدْس الفطرة السليمة الذي يمكن أن يضيء الطريق. لقد ذهبت جائزة نوبل للسلام في العام 1979 إلى الأم تيريزا من كالكوتا. وكان ردُّ الفعل العالمي، عدا كونه أساسًا أنشودة بهجة، واحدة من شرارات الحدس تلك؛ فقد قال أحد البنغاليين المنتشين في شوارع كالكوتا: «والآن أم البنغال هي أم العالم بأسره». وقبل ثماني سنوات، كان البابا بولس قد شرَّف الأم تيريزا بمنحها جائزة البابا الأول جون الثالث والعشرين للسلام، وها هي الآن تُمنَح جائزة نوبل، رغم أنه لم يسبق لها أن لعبت دورًا في مفاوضات أو وقَّعت معاهدة أو استخدمت نفوذها للحيلولة دون صراع واسع النطاق. ومع أنَّ الرأي العالمي الذي استحسن بجذل منح الجائزة للأم تيريزا، متشاركًا بشكل غير واعٍ بذاك المنطق المُتضمَّن، وهو أن الذي يرفع الصورة البشرية من الدرك الأسفل، كما فعلت الأم تيريزا حرفيًا في شوارع كالكوتا وحول العالم، يفعل من أجل السلام أكثر من رجال الدولة المماحكين أو الجيوش المُهدِّدة. وفي الحقيقة، أظهرت الأم تيريزا قوتها على صنع السلام في العام 1982، عندما وصل إلى مسامعها أنَّ ملجأ أيتام للأطفال المعوقين في بيروت قد تُرِك لمصيره أثناء قتال ضارٍ، فأعلنت عن عزمها على دخول المدينة لإنقاذ الأطفال. وبالفعل قامت بذلك؛ فثمانية أيام من مجرد حضور الراهبة الضئيلة الحجم، والتي لا تمتلك عمليًا أي شيء ولم تصل إلى سلطة رسمية، أعاد تشنج النزاع الهائج، الذي لم تستطع قوات الأمم المتحدة الوسيطة ولا التواجد السوري ولا الجيش الإسرائيلي أن تسيطر عليه، إلى سلام فاتر. ولذا كانت جائزة نوبل، والاستحسان البهيج للعالم، خيطًا نادرًا للحدس المشرق في نسيج التشوُّش المحيط بالسلام والحرب. وفي دراما الإنقاذ في بيروت، كمنت إحدى كبرى المهازل في الأزمنة الحديثة. فخصم الأم تيريزا في هذا الصراع، الرجل الذي أمر بإمطار جنوب لبنان بوابل من القنابل والصواريخ، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيغن – وهو الذي مُنِح جائزة نوبل للسلام قبل سنة من منحها للأم تيريزر! ولم تُمنَح الجائزة لبيغن على نحو تهكُّمي؛ فقد وقَّع رئيس الوزراء الإسرائيلي بيغن والرئيس المصري أنور السادات معًا اتفاقية "سلام" أبطأت مؤقتًا العداء بين إسرائيل ومصر (وكانت الجائزة قد مُنِحت إلى لي دوك ثو وهنري كيسنجر نتيجة إنجاز مماثل في العام 1973). وهذا ما يُدعى "السلام السلبي"، والذي هو جدليًا أفضل من الحرب الإيجابية، وبهذا المعنى لم تُمنَح الجائزة إلى بيغن والسادات على نحو تهكمي، لكنها بالتأكيد مُنِحت في التشوُّش، التشوش بين تعريفين لـ"السلام" هما الآن "سائدان"، كما قال إيمرسون، "في أذهان الكثير من الناس": التشوش بين "سلام سلبي" (على طريقة بيغن à la Begin) وبين "سلام إيجابي" (على طريقة الأم تيريزا à la Mother Teresaug)، بين استراحة متميزة بغياب الحرب الفيزيائية وبين جزيرة من المجتمع المُحبِّ مُغذاة بحضور الاهتمام التلقائي المتبادل. وعلى سبيل المصادفة، كان للهجوم الذي أطلقه رئيس الوزراء على لبنان في العام 1981 اسم رمزي هو "سلام الجليل"، المثير للسخرية. لا أحد سوى روبرت مكنمارا، وزير الدفاع الأمريكي إبان فترة حرب فيتنام، قال: تستحق الأم تيريزا جائزة نوبل للسلام لأنها تروِّج للسلام بأسلوب أكثر جوهرية، بتأكيدها على الكرامة الإنسانية[2]. لكن الأم تيريزا، في خطاب قبولها للجائزة في أوسلو، وبينما كانت تتحدث بما دعته "مِيْسَمها الإنكليزي الخاص"، عرَّفت، بدرجة كبيرة من البساطة، الفرق بين نوع سلامها وبين ذلك الذي يروِّج له الرؤساء ورؤساء الوزارات: دُعيتُ لمساعدة الفرد. فالعنف هو على الدوام ضد الفرد؛ فالفرد الإنساني هو الأصل دومًا والشخصية الفردية هي المستفيدة في النهاية من اللاعنف. وهذا يخلق كل الأفكار الأكثر روعة التي يمكن أن يستخدمها اللاعنف في هذا الفهم الكلاسيكي للحرب، والذي هو الشكل الأوسع نطاقًا للعنف، والذي يكون فيه الفاعلون هم المجموعات الأكبر أو الدول. وعلى أية حال، رغم أنَّ نظام الحرب المهيمن يرجع إلى العلاقات الدولية، فالأوضاع الوطنية للعنف البنيوي المستمر، من قبيل سياسات الفصل العنصري والكراهية العرقية والإقصاء، تتشارك مع الكثير من ديناميكيات هذه "الحرب" الكلاسيكية. وآملُ أن يكون بوسع القارئ الإبقاء على هذا التعريف الأوسع في ذهنه لبقية هذا الفصل. لأن الدول والأنظمة الدولية هي التركيبات الإنسانية وبالتالي خاضعة على نحو متساوٍ لقوة العنف. هل يمكن أن يُستخدَم اللاعنف لصون الدولة بكاملها وأيضًا لبناء البلد؟ هل يمكن لمثل هذه الإمكانية أن تقود إلى بديل لنظام الحرب القائم على توازنات القوة المحض؟ فحتى في حقل السلام نفسه غير الفعال إلى حدٍّ كبير سيعلن بعض الباحثين أنَّ اللاعنف ليس مناسبًا لحلِّ نزاع دولي: «لم يكن العمل اللاعنفي أبدًا ولن يكون أبدًا بديلاً للحرب»[3] [التأكيد من عندي]، لكن ذلك الخيط من الحد الذي التقطناه في كالكوتا وتتبعنا أثره في بيروت وأوسلو يبدو أنه يؤدي إلى موافقة. وكما قال دوبويس، إنه يشير إلى أنَّ أولئك الذين يرعون "فنون المحبة" مثل كينغ وغاندي والأم تيريزا هم الوحيدون الذين يجلبون السلام إلى العالم؛ وليس أولئك الذين يحجزون الآخرين في وضع توازن غير مستقر للقوة السافرة. وكان دوبويس يتحدث بشك، وحتى بتهكم؛ لكنني سأؤكد كلامه بكل جدية. فبالنسبة لغاندي، كان الأمر واضحًا تمامًا: فقط اللاعنف يمكنه أن يحل محل العنف البنيوي والحرب: بوسعي القول بثقة إنَّ العالم، إذا كان عليه أن يصل إلى السلام، فاللاعنف هو الوسيلة إلى تلك الخاتمة، وليس هناك من غيرها[4]. والسبب في أن الطريق إلى السلام بمثل هذا الغموض هو أن معظمنا لا يستطيع الوصول من حدس القلب، الذي نتشارك فيه مع الأم تيريزا، إلى فكرة متماسكة عن كيفية أننا أنفسنا، الذين لا نشاركها نداءها الباطني، يمكننا مع ذلك أن نحذو حذوها. ويعترف السياسيون بالكلام فقط بنوع إسهامها لكن من سيحاول أن ينقل ذلك الاعتراف من الشفاه إلى مكان ما بالقرب من القلب؟ وأقترحُ، بناء على كل ما رأينا أعلاه حول اللاعنف، أنَّ السبيل لرؤية "الصورة الواضحة" المطلوبة من قبل الخبراء والعلماء النوويين هو الخطو بعيدًا عن الظلال. وهذا يعني، ليس التفكير دومًا بكيفية إيقاف الحرب بقدر ما بكيفية البدء باللاعنف. لنبدأ: التفكير بالسلام عندما قادت المغنية الشعبية المشهورة جوان بايز المجموعة الأولى من المحتجين في قاعة سبرول Sproul Hall في حرم جامعة بيركلي، مُطلِقة ما يُعرَف الآن بحركة حرية الكلام، توقفت للحظة على رأس الدرج الطويل العريض، ثم استدارت نحو الحشد الضخم من الطلاب الذين كانوا مأخوذين بالأهمية التاريخية لدخولهم البناء المحرَّم، وقالت بابتسامتها الشهيرة: «لنتذكَّر أننا دخلنا بغضب لكن بمحبة في قلوبنا»، وردَّدت ما قاله مارتن لوثر كينغ قبلها وما قاله الكثير من النشطاء اللاعنفيين قبلها وبعدها: «سنكون لاعنفيين بالفكر، قولاً وفعلاً». فاللاعنف الحقيقي يأتي من داخلنا، والتحدي يشغلنا جميعًا. كانت المشكلة، وربما ما زالت، أنه في العام 1964 حتى الذين كانوا يميلون للاتفاق مع السيدة بايز لم تكن لديهم أدنى فكرة عن كيفية أن يكونوا لاعنفيين في الفكر. فتحقيق أي توجيه منظَّم بأفكارنا لم يُناقَش إطلاقًا في سلك التعليم، وبالكاد في أي مكان آخر أيضًا في ذلك الوقت. وكان مصطلح التأمل لايزال كلمة جوفاء، أو مُساء فهمها إلى أبعد حدٍّ، خارج دوائر نادرة جدًا. وقد تغير ذلك الوضع لحسن الحظ. والوقت الذي انتهت فيه حركة حرية الكلام، في أقل من سنة، بزغ "العصر الجديد" جنبًا إلى جنب مع الأسلوب السياسي الذي أمكنه بطريقة ما العودة إلى قرون التمرد الطلابي التي رَشَحت من خلال ما اعتبرناه ماركسية (لا أحد منا على الإطلاق قرأ ماركس أو لينين، حسب معرفتي، لكننا ناقشنا بحجج مقنعة). ففي المقاهي نفسها، حيث كنا نجلس لنناقش كامو وفانون حول أكواب قهوة صِرفة، كان بعضنا فيما بعد يتحدثون بإثارة عن فيفيكاناندا والبوذية حول أكواب القهوة بالحليب. سيفرز الزمن ما هو حقيقي في هذه الطريقة الجديدة في التفكير وما هو تحقيق لرغبة رومانسية. فـ"العصر الجديد" هو ردُّ فعل على النزعة المادية، التي تستحق ذلك، لكن الكثير من ردود الأفعال تنتهي بطريقة ما إلى الالتصاق بالعقيدة البالية التي كانت ترفضها. وبالنسبة لي، هناك معيار وحيد لما هو حقيقي وليس رومانسيًا حقًا: هل يقدم لنا هذا طريقة للحديث عن العقل وفعل شيء ما بشأنه. ما زال ذلك عسيرًا في هذا العصر المادي. إنَّ صنع السلام ليس أكثر ولا أقل من تطبيق قوة الروح على العنف الإنساني في نطاقه الأعظم. ولإظهار كيف يمكن لهذه القوة أن تصبح نظام سلام في العالم، وماذا على العقل أن يفعل حيال ذلك، سأتصوَّر ثلاث خطوات من روح صرخة جوان بايز التحشيدية. مهما يكن مثال "العصر الجديد" قد أنجز، فإنه جعل الأمر أكثر سهولة للحديث عن المشكلة المُربكة للصراعات واسعة النطاق بجعلها، بطريقة ما، أكثر طبيعية لأخذها بعين الاعتبار من ناحية ارتباطها بالوعي. ومهما كان نظام الحرب متَّسعًا، ومهما كان معقَّدًا، فإنه أخيرًا يفقد قوته، إذْ أنَّ «الحرب تبدأ في عقول الرجال». وقد تنبأ إيمرسون، منذ زمن طويل، بهذه الحقيقة البدهية لشِرعة اليونيسكو في استغراقه في التفكير في اتفاق كونكورد، والذي أستشهدُ به في أغلب الأحيان: «إن ما بنى مؤسسة الحرب الهائلة هي فكرة حقًا، وفكرة ستفككها أيضًا»[5]. فإبان الحرب الباردة، التي تلت ذلك البند المُدوي لكن المهمل في شِرعة اليونيسكو، كان المؤرخ البريطاني إي. بي. ثومبسون فزِعًا بسبب التعلُّق الخطِر بالأسلحة النووية نفسها – وبصورة نبوئية، لأن هذا التسخيف للحرب سيصل إلى الذروة في النزاع في الخليج بعد بضع سنوات. وقد لاحظ، بفتور نوعًا ما، أنَّ «العقل الإنساني المشوَّه هو سلاح يوم الدينونة النهائي»[6]. وقد قال إيمرسون: «خشب وقرميد وكلس وحجارة تطايرت بأي شكل ملائم، مُذعِنة للفكرة المسيطرة المُتحكِّمة بعقول الكثير من الناس». وفي الوقت الراهن، فولاذ وسيليكون وزجاج ونظائر مُشعَّة تتطاير خانعةً، بأشكال أكثر تدميرية. لم يتحسَّن تفكيرنا، ولذا أعادتنا "التحسينات" في تقنيتنا إلى خطر مهلك. وعلى أية حال، كنت سأقترح ممسكًا أكثر عطفًا، وفي النهاية أكثر عملية، على ملاحظة ثومبسون المتجهمة: "إن العقل الإنساني غير المنضبط هو سلاح يوم الدينونة النهائي". فالعقول تصبح مشوَّهة جراء فقدان الانضباط، وتتشكل بالانضباط. وكما قال البوذا: يسبب العقل غير المنضبط أذىً أعظم بكثير مما يسببه أولئك الذين يكرهونك وكل أعدائك. ويجلب العقل المنضبط جيدًا خيرًا أعظم وأكثر مما تجلبه والدتك ووالدك وكل عائلتك[7]. فالعقل غير المنضبط هو النوع الأكثر خطورة لنزع الشكيمة، وأيًا كان الذي يمتلك مثل هذا العقل سيشعر بعدم الأمان مهما كان الموقع الذي يُوضَع فيه (أو تُوضَع فيه)، وسيبثُّ عدمَ الأمان إلى كل من حوله، والذي يمكن أن يصبح على مرِّ الزمن عدم أمان جماعي، والذي يُعرف بوصفه حربًا. والطريقة الأكثر فاعلية ومباشرة لضبط العقل – لوضع أيدينا على "الفكرة المسيطرة" المتحكِّمة به – هي التي تحدثتُ عنها في الفصل الثالث: التأمل. فالتأمل – ومجددًا، كما أفهمه – هو "اختيار كيفية الاستجابة للعنف" مرارًا وتكرارًا، وبشكل منتظم، وإعادة العقل إلى مجرى قناة إيجابية كنتَ أنت قد اخترتها (وفي حالتي، الانتقال الملهم) في كل مرة يبدأ فيها بالضلال. إنَّ وثوق صلة اللاعنف بمثل هذا الكفاح هو أنَّ تشتت الانتباه لا يتمُّ جُزافًا كما نعتقد؛ فإذا خربشت أية فكرة على الورق في محاولة لصرف انتباهك، ستجد أنه حتى تداعيات الأفكار الأكثر براءة ظاهريًا وأكثر وَرَعًا تقودك إلى كمين لا أثر فيه سوى لاثنتين أو ثلاث من تداعيات الأفكار تلك. "آه، إنه شعر عظيم". "أتعجَّب لماذا لا يدرك ذلك أناس أكثر". "أنا بارع جدًا!". "لماذا لا تقدِّرني جينيفييف حق قدري على وجه الأرض. مثل اليوم الآخر..." يا إلهي، إننا نذهب إلى هناك مجددًا. فعندما تكون أفكارنا بطيئة وإيجابية (وتميل بطيئة وإيجابية للمجيء سوية، كما تفعل السريعة والسلبية بالضبط)، يكون من السهل نسبيًا إبعادها عن المواضيع الأكثر ضجرًا - أنفسنا. ويستعيد عقلنا بسرعة استجابيته الأصلية لحاجات الآخرين. والحقيقة هي أننا عندما نتكلم عن عقل غير مُسيطَر لا نكون دقيقين إلى حدٍّ ما. إنَّ العقل الذي لا توجهه محاكمتنا العقلية الأفضل ليس غير مُسيطَر عليه حقًا، فهو مُسيطَر عليه من قبل قوى لا نقبلها. وهكذا يكون التأمل لعبة شدِّ حبل دائمة بين محاكمتنا العقلية الأفضل وبين قوى مثل الغضب والخوف والطمع، والتي هي بدورها مُساقة بمبدأ فوضوي أساسي في داخلنا ندعوه الأنا أو شيئًا ما أكثر حيوية. هذه هي "آلة الدينونة" في عقلنا الخاص، وبوسعنا تفكيك هذه الآلة عندما تكتسب محاكمتنا العقلية الأفضل سيطرة تلقائية منظَّمة على الأفكار والصور والمشاعر التي تم إنتاجها في مصنع العقل. في القرون التي تلت صلب المسيح، اتجه عشرات الآلاف من الرجال والنساء إلى صحراء مصر وتلال سوريا لممارسة ما دعوه "النظام السري". وفيما بعد سيدعونه "صلاة الهدوء" ويمارسونه في أديرة رهبانية منعزلة في كل أنحاء أوروبا، أو في لحظات مُحاطة بالكتمان أثناء الحياة الطبيعية. واليوم، إعادة التعلم من الشرق ما نسيناه من تقاليدنا، ندعوه تأملاً – وللاسم أهمية ضئيلة. وقد أدرك ملايينُ الناس عبر العصور أنَّ العقل كما نعرفه هو مشكلة ينبغي حلُّها من أجل متطلباتنا الخاصة ومن أجل السلام في العالم. وهذه طريقة أخرى ساهم فيها الإعلام الجماهيري لترويج العنف. فقد قام دي. دبليو غريفيث، الرائد السينمائي الشهير، بتسريع تغيرات مشهد في بكرة واحدة نموذجية من حوالي دزينة من اللقطات المنفصلة إلى ما يُقدَّر بثمانية وستين[8]. إنه الرجل نفسه الذي أنتج أحد أكثر الأفلام تأييدًا للعنف في كل الأزمنة، الفيلم سيء السمعة مولد أمة (1915)، الذي يُمجِّد كو كلوكس كلان وما رآه غريفيث، كما يدل اسم الفيلم، من أهمية "بناء أمة" تقوم على عنصرية أعضاء لجان الأمن الأهلية للولايات المتحدة. وعبر مشاهدة MTV اليوم ترى نهاية ذلك الطريق. في التأمل، أنت تتعامل بشكل مباشر مع تلك الصلة الغامضة بين السرعة والتشظِّي والعنف. والمفتاح إلى ممارسة التأمل ليس هو فقط المحتوى الإيجابي للانتقال الذي تتأمل فيه، بل جهودك في إبطاء معدَّل السرعة التي تمضي من خلالها، إلى أن يجيء اليوم المبارك الذي يتوقف فيه فعليًا التفكير القهري، ومعه كل العنف. هذه هي ذروة صنع السلام – وتجريبه. عندها سنعرف من أجل أنفسنا لماذا أعلن الامبراطور أشوكا أنه ما من شيء أفضل من التأمل لتحقيق التقدم في قانون الحياة. الجسد، العقل، الروح: مناقشة مسيرنا إلى المدى الذي بوسعنا جعل السلام يحكم أفكارنا، إلى ذلك المدى، سيكون خطابنا وأفعالنا سلامًا نقيًا. وعلى أية حال، إتقان هذه العملية هو طريق طويل [حكمي أنا]، والناس يسببون لبعضهم الموت والمعاناة في جميع أنحاء العالم حتى ونحن نتكلم. فما الذي يمكننا عمله الآن، بينما نحاول القيام بهذه التغييرات العميقة على العقل، ونضع أسس السلام المضمونة من الأسفل؟ هناك – ونحن من يمهد السبيل إليه – شكل من العمل المباشر الذي يمكن أن يُبطئ أو يوقف زخم نظام الحرب. وهو يصبح جليًّا عندما نتذكر بأن نظام الحرب هذا نموذج كامل، يشمل الفكر والعمل وكل المؤسسات التي تجعله ممكنًا لشنِّ الحرب. وهناك أيضًا أرضية وسطية هامة بين الفكر وبين العمل حيث يمكن حتى للأفراد أن يتدخلوا من أجل تأثير حسن. كيف بوسع الكائنات البشرية أن تفعل ببعضها ما شاهدناه في رواندا وكمبوديا ومواضع أخرى للفوضى العالمية؟ الخسارة المطلقة للاحترام هي أحد الأمور، طبعًا. فقد شارك شيرو أزوما في المجازر ضد المدنيين في نانكينغ. وبعد واحد وستين سنة، لحق به الندم. وقد وضح ببساطة تامة: «كنا قادرين على قتلهم لأننا ازدريناهم»[9]. وأمر آخر هو اللغة. فأدولف إيخمان، خلال مثوله أمام المحكمة في إسرائيل بسبب جرائمه ضد الإنسانية، قال إنه لم يكن صعبًا بالنسبة للقادة النازيين ارتكاب مثل هذه الأعمال الوحشية، والفضل للغتهم. ووضحت حنة آرندت أنَّ قادة الجستابو كانوا يتلقَّون الأوامر لكي يتصلوا ببعضهم البعض عبر شيفرة تلطيفية عجيبة، وبذلك يتوقفون عن التفكير. ولا أحد يتكلم عن القتل، بل عن "حل نهائي" و"إجلاء" و"معالجة خاصة". لم يكن التأثير الجوهري لنظام اللغة هذا هو إبقاء هؤلاء الناس غافلين عما يفعلونه، بل لمنعهم عن مساواته بفهمهم "الطبيعي" القديم للقتل والأكاذيب... فقابلية إيخمان على الإمساك بالكلمات والعبارات، متحدة مع عدم أهليته للكلام العادي، جعلته بالطبع موضوعًا مثاليًا لـ "قواعد اللغة" [هذه][10]. من السهل على نحو مُضلِّل حدوث هذا. فإذا نظرنا إلى الوراء، إلى الحرب الباردة التي يمكن أن تعطينا شعورًا غريبًا من الإرباك لرؤية أناس عاديين مثلك ومثلي يتفكَّرون بابتهاج في إبادة كوكب الأرض، وكيف فكرنا وتكلمنا عن ذلك. لم يكن زمن الديمقراطية (وليست أبدًا أوقات التوتر والهيستيريا)، بل زمن قبضت فيه نخبة صغيرة على طريقة تفكيرنا، حيث بدت هذه النخبة مصممة على تحريك الأمور نحو المزيد فالمزيد من القلق والحرب. وقد عثر بعض من علمائنا، ممن كانوا يبحثون عن مخرج من هذه الحالة غير السويَّة، على فكرة دراسة لغة حديث الحرب الباردة. وربما كان بوسعنا فهم شيء ما عن كيفية دخولنا في تلك الحالة المجنونة من النظر إلى الأمور ومساعدتهم، ولكي يفهم "مثقفو الدفاع" أيضًا. كانت النظرة مُثمرة. ويمكن أن يكون صعبًا على نحو خاص كسب شخص ما معارض لنا من أجل تغيير تفكيره. واللحظة اللاعنفية يمكن أن تلجأ إلى هذه الحيلة؛ لكننا نعرف كم هي نادرة تلك اللحظة. لكن عن طريق النظر إلى اللغة المجازية والاستعارات والفوارق الدقيقة، والاقتراحات التي يتكلم ويكتب عنها هؤلاء الناس، وعن طريق وضع تلك السمة من لغتهم تحت مجهر العقل، يمكننا المساعدة على الإظهار لهم – وللجمهور العام – كيف أنهم كانوا يخدعون أنفسهم. وهي، على أية حال، طريقة بنَّاءة أكثر بساطة من ازدراء أولئك الذين يخوضون مناقشات لا تنتهي عن القوة الانفجارية الميغاطنية و"قذف الأوزان"، أو عن محاولة التحدث معهم عن "المبادئ الأخلاقية لسباق التسلح"، والتي لن تستدعي إلا اللامبالاة، والتي ربما نستحقها. فعندما تجعل الآخرين يشعرون بالإساءة، فهذا سيضمن فقط توقفهم عن الاستماع من أجل حماية ضميرهم المُعذَّب. فحيثما يُواجَه الناس بحقيقة أنَّ سلوكهم لا ينسجم مع أقوالهم، «تفترض نظرية التنافر الإدراكي أنهم يغيرون اعتقاداتهم لكي تكون مُتَّسقة مع سلوكهم»، وليس الطريق الآخر[11]. لذا بدأت مجموعتنا في استكشاف عالم اللغة والاستعارة، حيث كنا نأمل إغراء مجتمع الدفاع بالمشاركة في حوار بناء، وحيث – أريد الآن أن أضيف – يمكننا جميعًا القيام بعمل بنَّاء ما اليوم. وسواء كنا نحاول بشكل منتظم، أم لا نحاول، السيطرة على عملية تفكيرنا، أعني من خلال التأمل، بوسعنا أن نولي انتباهًا حذرًا لمحتواه. فماذا كان يشبه ذلك المحتوى في عهد الحرب الباردة؟ في مقالة مؤثرة بعنوان الجنس والموت في العالم العقلاني لمثقفي الدفاع، سبقت العالمة النفسانية كارول كوهِن غيرها. فبعد قضاء أسبوعين في حلقة دراسية مع "مثقفي الدفاع" المدنيين (توهَّمت نفسها أنها "جاسوسة نسوية في بيت الموت")، ألقت كوهِن بعض الضوء المرعب نوعًا ما على الطريقة التي كان مجتمع النخبة هذا يشكِّل فيها المرأة واللامنتمي السياسي، بلغة شاذة واخزة مع استعارات متشابكة من الإثارة الجنسية والعنف. "نكاح" الأسلحة؛ البعض يُدعى "slick-ems"؛ إنهم يحاولون إنجاز "اختراق عميق". وكانت إحدى الأفكار النمطية عن هؤلاء الرجال هي أنهم كانوا عقلانيين جدًا، بحساباتهم الباردة لـ "الأموات بالميغا" والعبارات التلطيفية الباعثة على الرعشة التي لا تحصى مثل "ضربات نظيفة جراحيًا" و"هجمات القيم المضادة"؛ لكنهم كانوا على نحو مهم بعيدين عن العقلاني. فمع أنَّ حياة كل منا في الميزان، كانوا يناشدون الجنس والعنف لخوض معركة فاصلة. لقد ركزت دراسة كوهن الهامة على القضية الأساسية للنوع الاجتماعي gender والمفهوم السائد للذكورة المُعزَّز في ثقافتنا المعاصرة، لكن لعملها نتائج أوسع حتى. فاللغة هي قبضة محكمة على العقل. وضمن فجوات لغتنا الخاصة يمكننا غالبًا تشفير المناقشات – وبالتالي إخفاؤها إلى حد ما – تلك المناقشات التي لا نريد توضيحها بلا لبس. فاللغة الحديثة يتخلَّلها العدوان إلى حد أننا لم نعد نلاحظ أننا نستخدم لغة النزاع، حتى ونحن نعمل أجل السلام. توزع اليونيسكو حقائب ظهر لمؤسسات هي جزء من شبكتها والتي هي حوالي 4600 مدرسة في 147 بلدًا. ويمكن للمعلمين والمربين إضافة مادة تستهدف احتياجات معينة للمنطقة أو المجتمع...[12] [التأكيد من عندي]. أوه، ياعزيزي، ""استهداف" مواد السلام في المدارس!" لكننا جميعًا نقوم بذلك عندما نقول: "هذا المشروع موجَّه إلى شباب المدينة الداخلية"، بدلاً من "مُصمَّم من أجلهم"، أو نقول إننا سوف "نؤثِّر" على شيء ما بدلاً من القول إنَّ لنا تأثيرًا عليه (اشتقاق فعل من اسم، علاوة على ذلك)، أو عندما نقول إنَّ شيئًا ما هو "تنافسي" في حين نعني أنه جيد. وإن كانت مُلاحَظة أم لا، فهذه التعابير – والتضمينات خلفها – تُدوَّن في وعينا. وإن لم تُدوَّن، فلن يكون هناك مثل هذا الموصوف شعرًا أو كإعلان. قد تفكر، بشيء من الإنصاف، أنَّ الكلمات والمجازات التي نناقشها هنا هي من الضآلة بحيث لا تسمَّى عنيفة لكن تأثير مثل هذا الكلام ليس بالغ الصغر. أتذكر أنه ذات مرة في السبعينات، أُوقف ثوري إيرلندي في هذه البلاد، وأراد البريطانيون تسليمهم إياه؛ فهل يجب أن نسلِّمه؟ الموت أو الحياة هما حصيلة هذا السؤال، على الأقل بقدر ما كانت الصحافة مهتمة، فهو متوقِّف على ما إذا كان هذا الشخص "مقاتلاً في سبيل الحرية" أم "إرهابيًا" – هذه الكلمات بالغة الاستقطاب. وفي الواقع، كان شخصًا يستخدم العنف للحصول على ما كان يبغي. وكان يمكننا بالتأكيد الحديث عما يجب عمله مع مثل هذا الشخص، لكن إمكانية مثل هذه المناقشة اختفت وراء مناقشة الفكرة الشائعة المُعرِّفة له: هذا هو التجريد من الإنسانية. وعلى أية حال، عندما نذهب من لصاقات كهذه إلى المجازات والاستعارات في اللغة العادية، نرى حقًا قوة الكلمات على التركيب وفي الوقت نفسه على الحجب. تفكَّر في هذا الانتقال المُلفت من مقابلة مع الجنرال أوسكار هامبيرتو ميجيا، الديكتاتور العسكري في غواتيمالا، الذي وصف حملته ضد دجال العصابات في الثمانينات: إنه أمر لافت للنظر بغرابته، لكن السكان يدعمون رجال العصابات أكثر من دعمهم لجيشهم. لا أعرف لماذا. لقد كنا نقوم بواجبنا فحسب. نحن لم نبدأ الحرب. لكن السكان كانوا الماء ورجال العصابات كانوا السمك. وأدركنا أنه من أجل قتل السمك كان لابد أن نُصرِّف الماء. كان علينا جذب السكان الأصليين إلى جانب واحد، ولهذا السبب أنشأنا نظام الحرس المدني[13]. كان رجال العصابات السمك. تلك طريقة لإمداد شركات الأغذية بالكائنات البشرية! لكن ما حدث للسكان الأصليين هو أسوأ في هذا الخيال التصوري؛ إنهم ماء، يعني ليسوا حتى حيوانات. كانوا هامدين وسلبيين (مثل الجيش، الذي "كان لا بد له" من طردهم)، دون أن يكون لهم وثيق صلة بذلك ماعدا كونهم عقبة أمام قتل "السمك". ولذا فإنَّ الحملات الأقسى للقرن العشرين القاسي، التي اختُزِل فيها الناس بأكملهم إلى كائنات حية في عالم من الإرهاب، أصبحت سهلة، بالطريقة نفسها التي أصبح فيها على أدولف إيخمان أن يكون العقل الموجِّه لذبح عشرات الآلاف من البشر. أصبحت سهلة عندما تخيَّل الجناة أنهم لم يكونوا يقتلون ويدمرون. لقد كانوا "يجذبون السكان الأصليين إلى جانب واحد" فحسب، أو كما نقول في الحرب والجريمة اليوم "إخراجهم". يمكنني تقريبًا سماع كلمات مايك ماكولوغ، مدير المعهد الوطني للبحث في الرعاية الصحية: "المجاز هو عربة رئيسية من أجل زيادة الغضب"[14]. يمكننا جعل الناس يتوقفون عن استعمال الصور البلاغية والاستعارات بالإجمال – باستثناء التي نجد أنفسنا غير قادرين على الكلام، أو حتى على التفكير بشكل جيد، من دونها. فاللغة تقوم على الاستعارة بالكامل؛ حتى كلمة استعارة هي استعارة، كون معنى التعبير اليوناني "يرحِّل" (أي من أحد الإطارات المرجعية، أحد المعاني، إلى آخر). وبالأحرى، تُظهر هذه الأمثلة أنَّ من الضروري أن نكون حذرين في كيفية اشتقاق الاستعارات وخلق الصور البلاغية، خصوصًا فيما يتعلق بالناس. وبالضبط كما جعلنا أنفسنا حسَّاسين تجاه الحاجة إلى مراقبة لغتنا التقليدية حول قضايا العرق والنوع الاجتماعي gender إلخ، يمكننا جعل أنفسنا حسَّاسين تجاه قوة اللغة على وضع قناع للعنف والترويج له عمومًا[15]. لقد أظهرت كارولين ميركانت في كتابها المدهش، موت الطبيعة، أنَّ الأسطورة الموجِّهة لثقافتنا تحدِّد بشكل عميق كيفية رؤيتنا للأشياء من حولنا. وبتغيير الصورة التحتية التقليدية للأرض كأم إلى شيء خامد، العملية التي تدعوها ميركانت عن حق "نزع صفة القداسة"، دمر أسلافنا القريبون إجراءً وقائيًا ضد سلب بيئتهم الخاصة، شاقِّين طريقًا إلى الدمار الوشيك للكوكب، والذي يقودنا الآن. لقد قلتُ "بتغيير"، لكن من ينجز فعليًا هذا التغيير؟ ففي حالة تغيُّر ثقافي ضخم مثل هذا، تغيُّر يستمر تحت سطح وعينا، من الصعب تعيين من يغير اللغة التي تطوقنا ويجعل من مثل هذا التغير محتملاً. هل نقوم بهذا التغيير كلنا سوية؛ هل نتبع قادة معينين، والذين ربما هم أنفسهم بالكاد يكونون واعين لما يقومون به؟ يبدو أن الصور المجازية قادرة على التغير بنفسها فحسب لكن هذا، بالطبع، مستحيل. في عملية الثقافة المضلِّلة هذه يصبح كل متكلِّم ذا أهمية. وهذا يعني أنت وأنا. إعادة تعلُّم التحدث – وهذا هزل بقدر ما هي إعادة تعلم المشي أو الأكل. ولهذا السبب افتتح جيمس أوكونور أكاديمية Cuss Control في شيكاغو وكتب: الكتاب الكامل حول كيفية كبح سبب شقائك، لأن الناس إذا استطاعوا تعلم الاتصال بشكل أفضل، كما يقول بحق، سيتعلمون أيضًا التغلب على عقبات الحياة بسهولة أكبر، وبالتالي الاتجاه مباشرة إلى عنف أقل[16]. وازدياد سبب الشقاء مُكيَّف مع هبوط المثالية والرحمة؛ لكن هذا جزء من القصة فقط. فعلينا بجهد معاودة زيارة العادات القيمة وجعل أنفسنا واعين للعديد من الأمور التي هي آلية: هل نستعمل العبارات التلطيفية كمخدِّر، هل نحن غائصون في "تسخيف تقني" يحل محل تفكيرنا بخصوص الحرب، هل استسلمنا إلى «الميل إلى اعتبار الآخرين أدنى من البشر» والذي يحوِّل الناس أولاً إلى رجال عصابات وتاليًا إلى سمك – يُزيل الناس بعيدًا عن الأنظار بالحطِّ منهم إلى لصاقات وأخيرًا إلى أغراض؟ إن رعاية "خطاب حذِر" أمر مزعج ومربك وسمج اجتماعيًا – ويستحق ذلك بلا ريب. وهناك شعر شهير في البهاغافاد جيتا يصف النوع الأسمى للسعادة، والذي ينطبق هنا: "ما هو سمٌّ في بداية الأمر لكن يتحول إلى رحيق في النهاية"[17]. حسنًا، "رحيق"، قد يكون فيه بعض المبالغة، لكن إذا كانت تجربتي الخاصة نموذجية، فإننا نستمتع بالأصالة والصلابة عندما نبدأ بإسقاط التلطيفية المضلِّلة والتقنيات المراوِغة والأفكار المنمطة المُجرِّدة للإنسانية – إنه شعور بالارتياح. إنَّ تسمية الأشياء كما هي عليه، على نحو مُدقِّق، هو شكل من الساتياغراها – التشبُّث بالحقيقة. فتحت كل تكيِّفه، ما يزال العقل الإنساني يرفض العنف أصلاً؛ وقد رأينا دليلاً على هذا في إيتيمولوجيا (اشتقاق) كلمة العنف ذاتها، في العلم السلوكي (عندما يبحث عن مثل هذا الدليل)، وفي عدد كبير من الأمثلة التاريخية. فهناك ما يكفي من الرفض الفطري للعنف في داخل شخص يمكن للساتياغراها غالبًا العمل معه بجعل العنف وضعًا مرئيًا على نحو واضح. إبان الحرب الباردة، كان السيف الذي يستخدمه العنف ضد الحقيقة في الكلام يقطع بطريقتين. فالأحياء كانوا يُجرَّدون من إنسانيتهم (أصبحت المدن "أهدافًا"، وأصبحت الكوارث بنودًا إحصائية)، وكانت المواضيع غير الحيَّة تُستثمَر بشكل صنعي في حياة مُستعارة. فكِّر بما يعنيه أن تقول "حصاد غني" لـ "حالات القتل" النووي عندما تكون تتحدث عن تدمير صواريخ معادية (موضوعة في "ملاجئ")؛ وعندما تتصادم الصواريخ "الصديقة" يُسمَّى ذلك "قتل الأخوة". فكِّر بالمعنى المُتضمَّن للقنابل "الذكية". هذه هي لغة الحياة – وما تصفه فعليًا هو الموت المؤكد فحسب. قال مارتن لوثر كينغ: «لدينا صواريخ موجَّهة ورجال ضالُّون»[18] فالنزعة المادية، بهذه الطريقة، مرتبطة أساسًا بالعنف. فهي تسمح لنا جميعًا بالانزلاق بسهولة إلى العنف العقلي في دعوة المدن "أهدافًا" وتسمية الصواريخ كما لو أنَّ لها شخصيات (لُقِّبت القنبلتين الذريتين اللتين استخدمتا في الحرب: "الولد الصغير" و"الرجل السمين"). علينا أحيانًا عبادة شيء ما، كما ذكَّرنا ديستويفسكي، وهذه إحدى السمات المُخلِّصة للكائن البشري. لكن في ظلِّ سحر العنف، يمكن أن ينتهي بنا الأمر إلى وضع تلك العبادة في غير موضعها. فلكي تتواصل الحرب، قمنا بتغطية القداسة أو، إذا كنت تفضِّل، القيمة الأسمى للحياة، بعباءة النكران، ومن ثم نجد أنَّ بعضًا منا قد تحولوا وتخيلوا عبثًا أنَّ الحياة تكمن في الآلات الخامدة – في آلات الموت، في الحقيقة. لقد أنكرنا الحياة وعبدنا الموت؛ فهل سيكون لكلمة كفر أيضًا وقعًا قويًا بالنسبة لهذا الخطأ؟ في يوغسلافيا السابقة أُسيء استخدام اللغة، والتي هي طريقة الاتصال بين الناس، من قبل السياسيين وغالبًا أيضًا من قبل الممثلين الدينيين باتجاه الانقسام. فـ"الكراهية" هي كلمة تُقسِّم حقًا، وربما بقوة أكبر من "التعصب"، على سبيل المثال، ولا تدعو إلى التغيير أو التلطيف. وغالبًا بسبب تحفيز القوة، يستخدم الناطقون الرسميون العامون ووسائل الإعلام وآخرون هذه الكلمات، ليس بالضرورة بدافع الاقتناع العميق، بل لكسب أموالهم. فإذا قبلنا بالكراهية في لغتنا، فإننا نقبل بها كواقع في مجتمعاتنا. وإذا سمحنا للكراهية بالسيطرة على الفضاء العام، فسوف تنشأ الأجيال معها وتكون مُتجسِّدة في تلك الشروط. وفي الحقيقة، سنخلق واقعًا من الكراهية والانقسام التام؛ فهل ترى الخطر الكامن للغة؟ وها هو أحد الأمثلة على أهمية اللغة والمجاز قبل أن ننتقل من السلام في الفكر والكلمة إلى السلام في العمل. بيل كينيدي هو معلِّم روحي guru مالي أمريكي (فكر بتلك الاستعارة للحظة!) ينظِّم حلقات دراسية ناجحة جدًا للأغنياء حول كيفية أن يصبحوا أغنياء جدًا. وهو رجل من النوع الصريح، يحب الإشارة إلى برنامجه بلقب غريب نوعًا ما وملفت للانتباه. لقد توصلَّت إلى قرار بأن "كلية الحرب" هي اسم مناسب... فأية استعارة أفضل من كلمة الحرب بالنسبة لمعركة الإنجاز لكل شخص يجب عليه أن يشنَّها من أجل البقاء... وسط المعارك بالأسلحة النارية المالية التي هي أكيدة في اتباعها الصدامات الحتمية للتسعينات[19]. لا يمكن أن تمضي الداروينية أبعد من ذلك؛ فالحياة برمَّتها معركة، وفي الحقيقة حرب. والإنجاز البشري، كلا، البقاء البشري، هو حول تكديس المزيد من المال أكثر من الآخرين. فالاستثمار ليس مقترح "فوز كلا الطرفين"، يخبرنا السيد كينيدي برقَّة، ولذا جاء للدراسة في هذه الكلية البارزة حقًا... قادة عسكريون مشهورون، وعلماء مُهلَّل لهم، واقتصاديون، وصحفيون، ومؤرخون، وأجانب من مقامات رفيعة... وزارة الدفاع ووكالة الاستخبارات المركزية[20]. وبالمناسبة، فقط الناس الذين يملكون مليون دولار يمكنهم تقديم طلب إلى كلية حرب كينيدي، لذا لا تكن في عجلة من أمرك وتتخلص من بزتك النظامية. وأنا أتساءل ماذا قد تقول أُمٌّ في رفاهية أو مزارع أصلي في تشياباس عن هذا التعريف لـ"البقاء". وبالرغم من كل المنافع الجمة لاقتصاد السوق، فإنني، بوصفي معلمًا، وجدت أن تكريس التعليم من أجل صناعة المال، والذي هو الآن المعيار، مؤلم جدًا إلى حد أنه إحدى القضايا التي لا أثق بنفسي في الخوض فيها. فالعمل من أجل المال هو جزء طبيعي من الحياة بالنسبة لنا جميعًا تقريبًا، والمكافأة لقاء العمل يمكن أن تكون طريقة في التفاعل الاجتماعي الصحي. لكن استعمال كينيدي لكلمتي كلية وكلية – هذه الفكرة التي على "التعليم" أن يساعد فيها الأفراد على قتال بعضهم البعض من أجل المال – إنها صورة متطرفة للألفية الجديدة. وتثير "كلية الحرب" سؤالاً آخر عميقًا جدًا: ماذا فعلت الحرب والعدوان الجنسي والأعمال والرياضات والسياسات والعدالة الجنائية عمومًا؟ كنشاطات، لا شيء تقريبًا؛ وكتعبيرات عن حافز للتنافس، كل شيء عمليًا. فإذا كنتَ تفكر بالحياة على هذه الشاكلة، يمكن لها جميعًا تخفَّض إلى أشكال من التنافس، تنتهي جميعها في نموذج الندرة والانقسام، كمجموع صفري، مقترح فوز/خسارة. لكن لماذا تتوقف هناك؟ فبعد أن قمتَ بهذا بالنسبة لكل شيء يمكن أن يُفسَّر إلى حدٍّ معقول كمعركة، فكل شيء لديه على الأقل عنصر الأخذ والعطاء، استمر في جعل كل شيء معركة، حتى العلاقات بين الطبيب والمريض، وبين الطالب والمعلم، وبالطبع، بين الزوج والزوجة. وأتذكَّر حالة طلاق غطَّتها الصحف منذ بضع سنوات، وضح حينها الزوج أنه كان يقاتل زوجته السابقة من أجل الوصاية على الأطفال لأن «عليَّ أن أحصل على شيء ما من هذه العلاقة». وهذه طريقة أخرى لفعالية مقدار معين من السيطرة على كلامنا. ولأننا اليوم نميل إلى التفكير بكل حدث رياضي، وكل قرار عمل، وكل تبادل دبلوماسي، وأكثر فأكثر بكل علاقة شخصية من ناحية "الفوز"، أصبحنا غير مؤهلين لرؤية أنهم يمكن أن يكونوا، بدلاً من ذلك، روابطَ في شبكة المجتمع المُحبِّ والسلام. ففي العام 1994، أثناء السباق على منصب الحاكم في كاليفورنيا سُئل عضو مجلس الشيوخ توم هايدن عما يفكر فيه حول خصمه، كاثلين براون. فباغت الصحفي بقوله ما هو مؤثر: «إنها ليست خصمي؛ إنها صديقتي. ونحن نتسابق من أجل منصب الحاكم. إنها ليست رياضة» بضع ملاحظات أكثر مثل تلك ويمكننا أن نضع حدًّا للسياسة كما نعرفها، وأن نبدأ بالعودة إلى السياسة كما قُصِد أن تكون – عملية صناعة قرار ديمقراطية، وليست ميدان صراع على السلطة. وبينما معظمنا ليسوا من مثقفي الدفاع أو السياسيين، فنحن كلنا نساهم بثبات في بيئة عقلية بنصوص فرعية مختلفة من الحب والكراهية التي لدينا مقياس سيطرة معين عليها. فهذا العالم من الفكر والكلام هو مكان هادئ، لكنه حقيقي تمامًا، لبناء ثقافة سلام. وهو مفتوح للجميع. وشخصيًا، لا أحاول مطلقًا أن أقول عن شيء ما إنه "تنافسي" في حين أقصد أنه جيد، ولا "استهداف" أي أحد حين أقصد أنني أقوم بشيء ما من أجله، ولا أقول مطلقًا "تأثير" بدلاً من أثَّر على. ولا أقول حتى إنَّ مطعمًا معينًا يُقدم باستا (معكرونة) "أموت من أجلها". وعندما يقول لي أحد: «إنَّ هذا سيساعد الاقتصاد على النمو، أجيب بهدوء: "أنت تقصد "على التوسُّع"، أليس كذلك؟ فوحدها الأشياء الحية تنمو، صحيح؟» أنا أجعل من نفسي بغيضًا جدًا لكنني أفعل هذا لأنَّ الأفكار والصور والمشاعر التي تخطر ببالي تخلق البيئة الحميمة التي أعيش فيها، وهي تحدد مساهمتي في المناخ العقلي للعالم الذي يحيط بي. فالأمر يستحق. حتى عندما أفكر أقل بكثير مما أتكلم، أحاول أن أكون حذرًا بشأن التجريد من الإنسانية ورمي الصور كما أنا بخصوص التحيُّز الجنسي. لقد حققت لنا الناشطات النسويات بعض التقدم في تغيير اللغة المتحيزة الجنس. ويجب أن نتسلم ذلك المقود، وأن نمضي أبعد إلى القضية التي هي محط اهتمام كل واحد منا ككائنات بشرية. فقبل أيام، كنت في مخزن ضخم للمعدات، واقفًا وراء زبون يبدو أنه كان يبحث عن نوع معين من المفصلات. وعندما أخبره الموظف إنه ليس متوفرًا لديهم قال بالعنف العادي اليومي: "أوووه، أنا أكرهك!". وصدف أني كنت أنظر إلى الموظف، فرأيته يجفل. هذه الأمور ذات أهمية. وعلى المدى الطويل، هي ذات أهمية أكثر بكثير من المفصلات. ومهما تحدثنا عنها، فإننا تحت السطح نواصل حوارًا ثابتًا مع بعضنا البعض، وعن بعضنا البعض، عن علاقاتنا. فعندما نقول: "أكرهك"، بدلاًَ من "ذلك سيء جدًا"، نحن نرسل رسالة ضارة في حين أنه كان بوسعنا بسهولة إرسال رسالة محايدة، وربما شافية. وفوق ذلك، بدلاً من نشر "الغضب" و"الكراهية" و"الخوف"، لماذا لا نحاول نشر اللاغضب والتسامح والانفتاح – يعني، المحبة؟ وبدلاً من السقوط في عادة القسَم، يمكننا أن نقرر الابتسام، والتزام الهدوء، وقول شيء ما ملطِّف. فربما سيساعد هذا الشخص الذي يسمعك، لكنه بالتأكيد سيساعدك على الارتياح أيضًا. ومن ثم ذات يوم قد نستيقظ ونجد أنه بدلاً من الحرب والتوتر والعنف، حصلنا على السلم والفهم أخيرًا. إنَّ تأثير كل فكرة أو كلمة فردية ضئيل جدًا، نعم؛ لكن حين تُؤخذ معًا، يكون تأثير أفكارنا وصورنا ليس كذلك. وعندما يصبح نوع معين من التفكير والصور عادة، يصبح رؤيةً للعالم. فالأمر يتعلق بما نقول وبالشروط التي نفكر: فبقدر ما يمضي العنف/اللاعنف، يهمُّ الأمر بشكل حاسم. وسواء كنا نشير إلى مدينة كـ"هدف" أو كمجتمع ناشط جدًا من الكائنات البشرية فإن أهمية ذلك شبيهة بدعوتنا لامرأة في الثلاثين من عمرها بالـ"فتاة" أو بالغًا أسود بالـ"صبي". والفرق الوحيد هو، في الحالة الأخيرة، أننا نعرف من الذي نؤذيه، ولذا حاولنا التوقف. إنَّ عادة الحقيقة أيضًا مُشكَّلة بجهود صغيرة ومكررة وممكن عملها – فقط في هذه الحالة يجب أن تكون جهودًا واعية في بادئ الأمر، لأن مجمل بيئة الكلام التي نعيش فيها عوجاء بطريقة خاطئة. وأنا لا أتردد في دعوة مثل هذه الجهود المتواضعة "برنامجًا بناء". فهي مثل دولاب الغزل، غير مُجابِهة، وغير سياسية على ما يبدو. فبالنسبة للحديث، وفي النهاية للتفكير، كما لو أن الحياة كانت مقدسة والعلاقات الإنسانية كانت تهم – ذلك سيكون فعالاً جدًا. لأنه، بعد كل شيء، هو الحقيقي. ترجمة: غياث جازي ٭ الفصل السابع من كتاب: البحث عن مستقبل لاعنفي، مايكل ناغلر، ترجمة غياث جازي، معابر للنشر، دمشق، 2009. [1] Seaborg, Glenn T. “Premonitions After the Bombs,” Bulletin of the Atomic Scientists, 41, no. 11, 1985, p.33. [2] Lazlo, Ervin and Yoo Jong You. World Encyclopedia of Peace. Oxford: Pergamon Press; 1986, Vol. 3,p.350. [3] Steven Huxley, in Civilian-Based Defense newsletter for August, 1992, p.4. [4] Prabhu, R. K., and U. R. Rao. The Mind of Mahatma Gandhi. Ahmedabad: Navajivan, p. 458. Cf. CWMG, Vol. 31, p. 482, uttered much earlier (1925): "وتتزايد القناعة يوميًا أن لا سلام بالنسبة للهند، وحتى بالنسبة للعالم، إلا عن طريق اللاعنف" [5] Emerson, Ralph Waldo. “War,” quoted in Arthur and Lila Weinberg, editors, Instead of Violence: Writings by the great advocates of peace and nonviolence throughout history, New York: Grossman Publishers, 1963, p.379. [6] From the essay, “Protest and Survive,” in E.P. Thompson and Dan Smith, editors, Protest and Survive, Harmondsworth: Penguin, 1980, p. 52. [7] Easwaran, Eknath, translator. The Dhammapada. Petaluma, Calif.: Nilgiri Press, 1990., 88. [8] Rogin, Michael P. Reagan, the Movie and Other Episodes in Political Demonology. Berkeley: University of California, 1987. p. 192. [9] quoted in the San Francisco Chronicle, August 18th, 1998, p. A 11. [10] Arendt, Hannah.. Eichmann in Jerusalem: A Report on the Banality of Evil, New York: Penguin Books, 1987, pp. 85f. [11] Cf. Mahoney, L. and Eguren L.. Unarmed Bodyguards: International Accompaniment for the Protection of Human Rights. West Hartford, Conn.: Kumarian, 1997, p. 36. [12] Cf. Mahoney, L. and Eguren L.. Unarmed Bodyguards: International Accompaniment for the Protection of Human Rights. West Hartford, Conn.: Kumarian, 1997, p. 36. [13] Mahoney and Eguren, op. cit., p. 32. للسخرية، أنا أعتقد أن هذه الصور جاءت من تشي غيفارا نقلاً عن ماو زي دونغ. [14] Quoted in the Utne Reader for March-April 1997, p. 71. Cf. McCullough’s book, To Forgive is Human, InterVarsity Press, 1997. للصدفة، بدأ القول كما يلي "تقول النظرية القديمة أنه إن كنت غاضبًا فأنت بحاجة للتعبير عن غضبك. لكن التعبير اليوم يجعله أسوأ وأكثر تعبيرًا...". [15] لقد حاز هذا المجال على ما يستحقه من الاهتمام. عد مثلاًَ إلى جورج لاكوف ومارك جونسون في Metaphors We Live By (University of Chicago, 1980)، وخاصة في كتاب لاكوف " Metaphor and War حيث استخدم نظام الاستعارة هذا من أجل تبرير حرب الخليج " عام 1991، يمكن الحصول على نسخة من هذا من العنوان lakoff@cogsci.berkeley.edu [16] Sampson, Ovetta.. “Curse of the Word,” Santa Rosa Press Democrat, May 16, 2000, pp.D1f. [17] Bhagavad Gita, 18.37. [18] James M. Washington, editor, Testament of Hope, San Francisco: Harper & Row, 1986, p. 211. [19] Advertisement for the U.S. Monetary War College, Insight (June 9, 1990), p. 27. [20] Ibid., p. XX.
|
|
|