|
منقولات روحيّة
قام المعلِّم اليوناني–الأرمني الأصل غيورغي إيفانوفتش غورجييف (المولود في العام 1872 والمتوفى في 29 تشرين الأول 1949)، بعد رحلات طويلة في الشرق بحثًا عن المعرفة الباطنية الحق، بتأسيس حركة قائمة على الاستنارة الداخلية عِبْر التأمل وتذكُّر الذات المشدَّد، فاجتذب إليه العديد من المثقفين المرموقين في أوروبا والولايات المتحدة. أنشأ في غابة فونتينيبلو (فرنسا) "معهدَ[ه] للتنمية المتناغمة للإنسان"، واستقر فيه اعتبارًا من العام 1922 مع عشرات من المريدين. كتب ثلاثية "في الكلِّ وكلِّ شيء" التي تشتمل على رسائل بعلزبول إلى حفيده، لقاءات مع أناس مرموقين (سيرة ذاتية، نَقَلَها المخرجُ الكبير بيتر بروك إلى الشاشة الفضية)، والحياة حقيقية فقط حين "أكون"، بالإضافة إلى كتيِّب صغير بعنوان بشير الخير الآتي. من بين مريديه نذكر: المعماري الكبير فرانك لويد رايت وزوجته، الرسامة جورجيا أوكيفري، الكاتبة كاثرين مانسفيلد، والصحافي ب.د. أوسبينسكي، الذي ساعدت مؤلَّفاتُه الدقيقة على انتشار تعاليم غورجييف في العالم قاطبة. النص التالي مدخل أوليٌّ إلى مقاربته للعمل الداخلي، وفاتحة لسلسة نصوص لاحقة، له وعنه، تعتزم معابر من خلالها تعريفَ قرائها بتعاليمه. د.أ. ***
تختلفُ صورة الله باختلاف كلِّ مجتمع؛ أي أنها تتوقف على عوامل بشرية: تاريخية وسياسية واقتصادية واجتماعية إلخ. ومن جهة أخرى، فقد اتَّسع الصراعُ الإيديولوجي العريق الذي شُنَّ باسم الحقيقة اتساعًا جديدًا ضمن الإطار غير المُقَوْنَن للعولمة: إذ أخذَتْ في الظهور نظرياتٌ لاهوتية متناقضة، دخلَتْ فيما بينها في تنافُس مباشَر بفضل وسائل التواصل الجديدة وتبادُل الأشخاص والأفكار أيضًا؛ وهي كثيرًا ما تجعل التوتر بين الأفراد والمجموعات أو الدول يحتد. بيد أن العروضَ المتنوِّعة للدين يمكن لها أنْ تخفِّفَ من صعوبة الحواجز العقائدية القديمة، وبالتالي من حدة النزاعات، وذلك من خلال تشجيع روحانية جديدة تكون منفتحة ومتسامحة ونسبوية relativiste و"توفيقية" إلى حدٍّ ما. وسنقوم فيما يلي بإجراء مقارَنة بين الغرب وبين العالم العربي الإسلامي.
لا ريب في أن للمعلِّم إيكهرت (حوالى 1260 – حوالى 1327) منزلة على حدة في تاريخ التصوف العالمي. فالمسائل التي طرحها الحكيم الريناني المتألِّه والتأويلات التي أتاحها هي عينها القضايا الكبرى التي شغلت التصوف، النظري والعملي، حول شَخْصَنَة الإله وطبيعة علاقته بالعالم وبالنفس الإنسانية. صحيح أنه تأثر لاهوتيًّا بتوما الأكويني، وصحيح كذلك أن إلهياته استمرار لنهج روحيٍّ أفلاطوني يمر من ألبرتوس الكبير (المذكور في الموعظة أدناه) وتييري الفرايبرغي، لكنه نسيج وحده من حيث دفعُه إلهياته حتى تخومها القصوى – تخوم العدم الصوفي التام الذي يشكل "مادة" الإله نفسها – ومن حيث ترجمتُه إلى لغة العوام خبرةً أراد لها أن تلبي حاجاتِ مستمعين متعطشين إلى الروحانية، كما يظهر من مواعظه بالألمانية، حيث جرأة العباراتِ الظاهرةِ التناقضِ تؤلِّف تأليفًا خلاقًا بين الخبرة الداخلية والفلسفة العالِمة – تأليفًا جلب عليه، في الوقت نفسه، تكفير الفقهاء واتهامهم له بالزندقة.
|
|
|