|
اللاعنف والمقاومةNonviolence and resistance
نصل الآن إلى رد فعل حركة "نساء بالسواد" على بدء عملية السلام مع الفلسطينيين... ومن ثم اغتيال إسحق رابين. كان النصف الأول من العام 1993 مُثبطٍ للعزيمة بشكل أكثر. وقد بدأ بإبعاد 415 فردًا من أعضاء حركة "حماس" من إسرائيل في كانون الأول (1992)، والذين حاولوا البقاء على قيد الحياة تحت ظروف شتاءٍ قاسٍ في جبال لبنان. وكان آذار شهرًا داميًا على وجه الخصوص، حيث قُتل 15 إسرائيليًا، معظمهم من المدنيين، على أيدي فلسطينيين من الأراضي المحتلة انتقامًا لعملية الإبعاد. وفي أواخر آذار، وفي محاولة لمنع الإرهابيين من دخول إسرائيل، فرضت الحكومة "إغلاقًا" على الفلسطينيين المقيمين في الأراضي، مانعة إيَّاهم من الدخول إلى إسرائيل ومن السفر بين الضفة الغربية وقطاع غزة. وقد جلب الإغلاق مشقَّة عظيمة على السكان الفلسطينيين في الأراضي المحتلة: فَقَدَ أكثر من 100000 من العاملين داخل إسرائيل دخلهم؛ وحِيل دون وصول الأطباء والمرضى عن المراكز الطبية؛ ولم يتمكن الأساتذة والطلاب من الوصول إلى معاهدهم التعليمية؛ وتقلَّص تدفق السلع الاستهلاكية، بما فيها الأغذية والأدوية، إلى حدٍّ كبير. وقد تم تخفيف هذا الإغلاق في النهاية، لكنه أبدًا لم يُلغَ كليًا، وكان يُعاد إلى وضعه السابق دوريًا، في محاولة لمنع الإرهاب أحيانًا، وأحيانًا أخرى كشكل من أشكال العقاب الجماعي جرَّاء الأعمال الإرهابية.
المهاتما غاندي أول من استخدم كلمة "اللاعنف" وقاد الهند إلى الحرية والاستقلال في العام 1947، بعد قرون من الاستعمار البريطاني الذي كان يعتبر الهند "درة التاج البريطاني". قبل غاندي بقرون طويلة مارس الأنبياء صلوات الله عليهم، وكثير من القديسين والمصلحين والمفكرين، اللاعنف كنهج يرفض الظلم والاستبداد، من استعمار واحتلال واستغلال وفساد. واللاعنف يرفض الظلم لأنه: 1. يرفض اللامبالاة. 2. يرفض الامتثال والإذعان، وكل الأفكار والثقافة التي تسوغ الركوع والخضوع وطأطأة الرؤوس. 3. يرفض التواكل، لأنه يعتمد التوكل، الذي يعني الأخذ بالأسباب. 4. يرفض الجهد العشوائي والتحليل الساذج والتشخيص غير الدقيق.
في كتابه ماهو إيماني؟، المنشور في العام 1884، يروي ليف تولستوي كيف اهتدى إلى مذهب المسيح وكيف غيَّر ذلك حياته كلها. إن فقرتي الإنجيل اللتين صارتا بنظره "مفتاح كل شيء" وفتحتا له معنى تعليم المسيح هما الآيتان 38 و39 من الإصحاح الخامس من إنجيل متَّى اللتان تلغيان شريعة "العين بالعين" وتدعوان المسيحي إلى عدم مقاومة الشر بالعنف: "سمعتم إنه قيل: العين بالعين والسن بالسن. أما أنا فأقول لكم: لا تقاوموا الشر". أراد تولستوي أن يفهم هذا الكلام بمدلوله المباشر، طاعنًا في صحة كل مراوغة تتيح الالتفاف عليه. فمؤداه بنظره واضح:
1. مقدمة لم يكن "اللاعنف" دومًا عنوانًا لمُقرَّراتنا التعليمية. كنا نتَّبع مناهجًا مختلفة لكي نُري الأطفال والشباب ما بوسعهم أن يفعلوه من أجل تطبيق اللاعنف في حيواتهم اليومية وضمن نطاق عائلاتهم. على سبيل المثال، نعلِّمهم كيف يشترون خضروات وسمكًا ولحومًا طازجة؛ فهناك طرق لاكتشاف جودة اللحوم والتحقُّق فيما إذا كانت لحم ماعز أم لحم غنم، محلية أم لا. فغالبًا ما كانوا يشترون منتجات رديئة فيدخلون في شجار مع أهاليهم. إنه عنف غير محبَّذ. لذا نجعلهم، بدلاً من ذلك، يحسُّون بالفاعلية والمسؤولية تجاه عائلاتهم. (نافذ العسيلي، مدير LOWNP) يبيِّن هذا المثال البسيط، بطرق متعددة، الرؤيا المميزة لجمعية المكتبة المتنقلة من أجل اللاعنف والسلام LOWNP، والتي مقرُّها الخليل (فلسطين). فعوضًا عن إلقاء المحاضرات حول اللاعنف، تتحرَّى LOWNP طرقًا من أجل الأطفال واليافعين لكي يختبروا أهمية اللاعنف بأنفسهم ويعززوا استخدامه العملي على المستوى الشخصي وضمن نطاق العائلة والمدرسة، وكذلك على المستوى الاجتماعي الأعم. فمن خلال مثل هذا التعليم القائم على التجربة في النشاط اللاعنفي يتعلَّم الناس التغلُّب على ما يحيط بهم من مظالم، والكفاح من أجل خلق مستقبل جديد تسوده العدالة الاجتماعية عبر وسائل سلمية، متسلِّحين بالأمل والمهارات. وتبتكر LOWNP حلولاً لمعالجة قضايا العنف والظلم من خلال نهجها اللارسمي في التعليم ومن خلال مختلف حملاتها اللاعنفية. فالعمل المباشر مع الناس، وضمن أحوالهم اليومية، يجعل من LOWNP منظمة مجتمعية متطورة ضاربة الجذور. فمنذ تأسيسها في العام 1986، كانت منظمة رائدة في مجال نشر ثقافة السلام واللاعنف في أوساط الأجيال الفلسطينيية الناشئة.
شكَّل الاعتداء الإسرائيلي على "أسطول الحرية"، الذي ضمَّ ناشطين عزل من مختلف الجنسيات والمعتقدات، ضربة مؤلمة جدًا للكيان الصهيوني زادت من عزلته الدولية التي اعتادها منذ نشأته أصلاً. فالوحشية الإسرائيلية شكَّلت استفزازًا للقيم الإنسانية في العالم الذي اعتبرت شعوبه ودوله أنها غير مبررة بتاتًا مع سفن تحمل مساعدات غذائية لغزة المحاصرة، ومن دون أن يكون لدى المشاركين أي سلاح سوى العزم على الانتصار للمبادئ الإنسانية العامة. في الحقيقة، اعتادت إسرائيل أن ترتكب مجازر واعتداءات وحشية تفوق بكثير ما حصل مع الناشطين الدوليين والعرب في المياه الدولية للبحر المتوسط، لكن حالات قليلة هي التي انتصر فيها العالم – أو اضطر للانتصار – للحق الإنساني ضد إسرائيل.
|
|
|