|
منقولات روحيّة
كثيرًا ما تقال هذه الجملة: "اعرف نفسك بنفسك"، وكثيرًا ما يخفى القصدُ منها؛ وبين هذا القول وذاك الغموض يعترضنا سؤالان: أولهما، ما هو المصدر الأصلي للجملة؟ وثانيهما، ما مدلولها الحقيقي وإلامَ ترمي من أغراض؟ قد يُخيَّل لبعض القراء، عند أول وهلة، أن السؤالين مفترقان، لا رابطة بينهما ولا صلة تجمعهما؛ لكنْ عند تدقيق النظر، والبحث والتمحيص، سيثبت لهؤلاء أن السؤالين مترابطان كل الترابط. إذا سألنا أغلب دارسي الفلسفة اليونانية عن الإنسان الذي فاه بهذه الحكمة لَما تردَّد فريق منهم في الإجابة بأن قائلها سقراط، بينما يقول فريق ثان: أفلاطون، ويقرر فريق ثالث بأنه فيثاغورث. ومن هذا التضارب في الرأي وذلك التباين في القول نستطيع الحكم بأن الجملة لا تَرد في كتاب لأحدهم بعينه باعتباره مصدرها. وقد يبدو حكمُنا هذا جائرًا، لكنه في الحق حُكم صحيح، تَثبُتُ للقارئ صحتُه عندما يعلم أن اثنين من أولئك الفلاسفة - هما فيثاغورث وسقراط - لم يخلِّفا شيئًا مسطورًا أو منقوشًا؛ أما ثالثهم، أفلاطون، فما من أحد - بالغًا ما بلغ من العلم بالفلسفة - يستطيع أن يميِّز على التحديد ما قاله هو نفسه أو ما قاله على لسان أستاذه سقراط الذي لم نعرف أكثر آرائه إلا بواسطة أفلاطون؛ وقد يكون أن أفلاطون استقى من مدرسة فيثاغورث بعض التعاليم التي بثَّها في محاوراته، كما استقى من سقراط نفسه. من هذا نرى أن من الصعب جدًّا تحديدُ نسبة بعض العبارات إلى أحد الثلاثة بالذات: فما يُنسَب إلى أفلاطون قد يُنسَب إلى سقراط، بينما قد يكون سابقًا لوقت كليهما جميعًا، فيكون صَدَرَ عن المدرسة الفيثاغورية، إنْ لم يكن من فم فيثاغورث نفسه.
مقدمة مساررة يسوع ليهوذا الإسخريوطي خلال أسبوع (و) قبل ثلاثة أيام من عيد الفصح. الرسالة الأرضية ليسوع حقق يسوع، وهو على هذه الأرض، العديد من المعجزات من أجل خلاص البشرية. وبينما كان بعضهم (يسير) على الصراط المستقيم، كان آخرون (يسيرون) في طريق الضلال. فنادى إليه اثني عشر تلميذًا، وحدّثهم عن أسرار العالم الآخر، وعما سيكون في نهاية الأزمنة. وهو غالبًا لم يكن يظهر لهم مباشرة بشخصه، وإنما كنا نجده كطفل بينهم. المشهد الأول: يسوع يناقش تلاميذه حول صلاة الشكر والأفخارستيا في أحد الأيام، و(بينما) كان يسوع مع تلاميذه في اليهودية، وجدهم جالسين معًا بخشوع. وعندما اقترب من تلاميذه المجتمعين الجالسين، (الذين) كانوا يقدمون صلاة الشكر للخبز قبل تناوله، ضحك، قال له تلاميذه: لماذا تضحك من صلاة الشكر التي نقدمها أيها المعلم؟ فنحن لم نفعل إلاّ الصواب. فأجابهم قائلاً: أنا لا أضحك منكم، فأنتم لا تفعلون هذا بمحض إرادتكم وإنما لاعتقادكم بأن هكذا يتم تمجيد ربكم.
في مجال الألم، البلاء le malheur شيء مختلف، خاص، لا يُختزَل. إنه مختلف تمامًا عن مجرَّد الألم. فهو يستولي على النفس ويدمغها في العمق بدمغته الخاصة به وحدَه، ألا وهي دمغةُ العبودية. إنَّ العبودية التي كانت تمارَس في روما القديمة هي مجرَّد شكلٍ ظاهر للبلاء. كان الأقدمون الذين يعرفون جيدًا هذه المسألة يقولون: "يفقد الإنسانُ نصفَ روحه عندما يصبح عبدًا." لا ينفصل البلاء عن الألم الجسدي، ومع ذلك فهو متمايز كليًا عنه. في الألم، كل ما لا يرتبط بالألم الجسدي أو ما شابهَ هو سطحي، وهمي، ويمكن القضاء عليه بإجراء مناسب يقوم به الفكر. وحتى في حالة غيابِ كائنٍ عزيز أو موتِه، فإن الجزءَ البسيطَ الذي لا يُختزَل من الحزن هو شيء أشْبهُ بألم جسدي، بصعوبة في التنفس، بمِلْزَمة تحيط بالقلب، أو بحاجة لا تُروَى، أو بجوع، أو بالفوضى شِبْهِ البيولوجية التي يسببها تحريرٌ عنيف لطاقة كانت إلى حينه يوجِّهُها تعلُّقٌ وفقدَتْ من يوجهها. الحزنُ الذي لا يتركَّز حول نواة أصلية كهذه هو مجرَّد رومانسية وأدب. الإذلالُ هو أيضًا حالة عنيفة لجسد الكائن الذي يريد أن ينتفضَ تحت تأثير الإهانة، ولكنه يجب عليه أن يتمالك نفسَه تحت إكراه العجز أو الخوف.
|
|
|