|
علم نفس الأعماق
يهدف هذا البحث إلى معالجة قضية التقنية العدوانية وعلاقتها بمأساة الإنسان المعاصر المنفعل بعقلٍ متدنٍّ أو تحتي يبرر العنف، ويسوّغ كل أنواع الإدانة، والإدانة المضادة، والاعتداء في سبيل إعلاء شأن معتقده أو موقفه الفكري المحتجز داخل نطاق مركزية الأنا الفردية، أو مركزية الأنا التجمّعية، أو العنصرية، أو العرقية، التي ترفض الحياة في نطاق المبادئ الإنسانية السامية. والحقّ أنّ الإنسان المعاصر يعاني من انفعال نفسي يتفاقم يومًا بعد يوم، ويحتمل أنه بلغ حدّه الأقصى في العصاب، وأدّى إلى فقدان التوازن الداخلي والتكامل المتبادل للوظائف النفسية التي تتميّز بها الشخصية الواعية، المحبّة والمتعاطفة، التي تسعى إلى تحقيق توافق وانسجام مع السلام الداخلي في الكيان، ومع السلام الخارجي في الحياة الاجتماعية والإنسانية.
مقدمة: التحليل النفسي بوصفه منهجية فلسفية إذا انطلقنا من التصور المألوف للفلسفة باعتبارها تساؤلاً عن الكينونة الأساسية للعالم فإن الإنسان يعتبر محورًا للتساؤل الفلسفي عبر العصور، لأن الإنسان كمحور للعالم هو المتسائل والمجيب بآن واحد. وهذه الجدلية بين السائل والمجيب تشكل امتدادًا موضوعيًا للجدلية التاريخية بين الإنسان والعالم الموضوعي. بدأت تلك الجدلية من انطلاق الإنسان من العالم لمعرفة نفسه، وبذلك الانطلاق البدئي وضع الخطوة الجبارة الأولى نحو المعرفة عن الذات في العالم من العالم، وبعد ذلك عاد الإنسان ليقلب ذلك التساؤل منطلقًا من الذات لمعرفة العالم. وهنا بدأت ثورة ثانية هي ثورة سقراطية منطلقة من ضرورة معرفة الإنسان لنفسه وعمادها معرفة العالم من خلال الذات. إذا كانت الثورة الأولى خلقت المعارف الطبيعية فإن الثانية خلقت ما يسمى بالعلوم الإنسانية التي محورها الإنسان في العالم، لهذا فإن تلك العلوم، ومن ضمنها علم النفس، لن تستطيع التخلي عن محورها الفلسفي المتسائل عن الذات في العالم، ومن هذا المنطلق فإن علم النفس كان وما يزال يدخل ضمن الإطار العام للفلسفة الباحثة عن كينونة الإنسان في العالم، حيث يؤكد العالم النفسي يونغ على هذا الترابط العضوي بين نمطي المعرفة النفسي والفلسفي قائلاً:
تمهيد يطرح هذا المقال قضيةَ التضادّ المطلق بين القَسِيمَيْن النفسانيين للأنا: قَسِيمِ الأنا الموضوعي في إطار تمثيلها الواعي وقَسِيمِ الأنا الذاتي في إطار تمثيلها اللاواعي، ليصار إلى سَبْر أغوار تضميناتهما في التحليل النفسي باعتباره فرعًا من فروع الدراسة معنيًّا في نهاية المطاف بشخص مُفرَد ومحدَّد. وهكذا، سيناقش المقال كيفية الترادف بين معنى القَسِيم الذاتي للأنا (اللاواعية) وبين معنى ذلك الشخص المُفرَد والمحدَّد بوصفه تعميمًا أو تجريدًا، يُشار إليه في التنظير اللاكاني، على الإجمال، بمصطلح "المُسْنَد إليه" the subject. سيتطرّق المقال، عندئذٍ، إلى المضمونين "السلوكيين" المتضادّين لهذا المصطلح: المضمون الفاعلي والمضمون المنفعلي، وسيتطرّق، من ثمّ، إلى وِضْعَته النظرية غير المبتوت في أمرها في مؤلفات فرويد، الأمر الذي كان، على الأرجح، داعيًا أساسيًا لأن يحتلّ المصطلحُ مكانَ صدارة في مؤلفات لاكان. فمن وجهتي النظر الفلسفية واللغوية كلتيهما، سيعرض المقال الأنواعَ الثلاثة المتميزة من المُسند إليه: المسند إليه اللاشخصي، والمسند إليه غير المعرَّف (أو غير المسمَّى)، والمسند إليه الشخصي، وسيحاول أن يروزَ مفاهيمَ هذه الأنواع الثلاثة، وذلك بالاستناد إلى المسألة المنطقية التي يضعها لاكان بوصفها مغالطةً جديدة new sophism. وعلى ذلك، سيشدّد المقال تشديدًا خاصًّا على مفهوم المسند إليه الشخصي (بالإضافة إلى مفهوم الأنا "الشخصية" التي تستكنّ فيه)، فيدلّ بذلك على المقايسة الثنائية بين القَسِيمَيْن الموضوعي والذاتي للأنا وبين التمثيلين الواعي واللاواعي للمسند إليه (من حيث كونه الشخصَ الناطقَ بلسان ضمير المتكلم المُفرَد "أنا")، على الترتيب.
|
|
|