|
إيكولوجيا عميقة
لقد طفح بك الكيل! الرسائل إلى الكونغرس لن تجدي نفعًا. فعلى الرغم من رسائلك، ومن ألف رسالة سواها، يبدو أنهم سوف يُصدِرون، مع ذلك، إجازاتٍ للمزيد من المنصَّات البحرية على مبعدة من ساحل كاليفورنيا. لذا فقد نظَّمتَ وأصدقاءك مظاهرةً في واشنطن أمام بناء مكتب دار ريبورن، بينما في الداخل تقوم اللجنة الداخلية للدار باستعراض أخير للقضية. في تلك اللحظة، يجري الاستماع إلى الشهادات دعمًا لإقامة المنصَّات، يقدِّمها مراوِضون[1] عن شركات النفط. وفجأة، يغادر وازِعٌ[2] من غرفة اللجنة من الباب الأمامي ويومئ إليك بالاقتراب منه. يقول لك بأن رئيس اللجنة سأله أن يختار أحد المتظاهرين عشوائيًّا وأن يدعوه إلى الداخل حتى تتمكَّن اللجنةُ من سماع وجهة نظر المحتجين. وبمحض المصادفة تمَّ اختيارُك. بعيد ذلك بقليل، تُدعى إلى الجلوس في غرفة اللجنة. يسأل الرئيس: "لماذا يجب علينا عدم الاستمرار في استخراج النفط على مبعدة من شاطئ كاليفورنيا؟" تجيب بأن القيام بذلك من الكبائر الخُلُقية. إذ ذاك تُسأل: "طيب جدًّا، بأيِّ معنى تعتقد أن ذلك من الكبائر؟ هل لك أن تدافع عن موقفك من فضلك – أي، هل لك أن تقدِّم للَّجنة أسبابًا توجِب عليها أن تتفق معك؟" بِمَ سوف تجيب حينئذٍ؟ هل سيكون ما سوف تقوله جديدًا، أم سيكون مما سبق للَّجنة أن سمعتْه كله (من غير طائل، على ما يبدو)؟ هل سيكون دفاعُك عن قضيتك قويَّ الحجة، منطقيًّا؟ واسع الاطِّلاع؟ مقنعًا؟ وحين يُطلَب منك أن تتفوَّه بشهادتك، هل ستفعل من غير أن تتروَّى فيما تقول؟ الكثيرون منكم تنتابهم، ولا ريب، مشاعرُ قلق على مستقبل البيئة الطبيعية ومصيرها. [...] ولكن هل أنتم على استعداد للدفاع عن هذه المشاعر؟ في يوتاه، حيث أقمت سنين عديدة، سيخبركم غالبيةُ المواطنين هناك بأن بحيرة پاول "تحسين" رائع على مشهد طبيعة يوتاه الجنوبية. ففي حين أن بضع عشرات من المخيِّمين وراكبي السيول البواسل وحسب شاهدوا غلين كانيون المحبوس ماؤه الآن، يستطيع عشرات ألوف ركَّاب الزوارق والصيادين والمتزلِّجين على الماء أن يتمتعوا به. يبدو أن الأرقام صحيحة، ولكن هل هذا يسوِّغ حَبْس الماء في غلين كانيون؟ – "المكان الذي لم يكن يعرفه أحد". إذا كنت تعتقد بأنه لا يسوِّغه، هل أنت مستعد لتقول لماذا لا يسوِّغه؟ يمكن كذلك في سهولة إيراد المزيد من الحالات: - قطَّاعو الخشب سيقولون لكم أنه إذا أجيز لهم أن يجتثوا أواخر الغابات الشمالية الغربية القديمة، قبل أن ينتقلوا إلى اجتثاث غابات ألاسكا وسيبيريا، فإن بيوتكم سوف تكلِّف أقل بما لا يستهان به. - أنصار الطاقة النووية سوف يقولون إنهم إذا بنوا مصانعهم فإن فواتير كهربائكم سوف تنخفض. - شركات النفط سوف تزعم بأن انسفاحات النفط، على كونها تدعو للأسف، خسائر لا مناص منها، لكنها مقبولة، لشرطنا الحضاري. - المستثمرون سيقولون لكم بأن بناء سدود جديدة على جبال سييرا الشمالية سوف يفيد اقتصاد ولاية كاليفورنيا برمَّتها. - الجميع سوف يزعمون بأنه إذا أجيز لهم أن يمرِّروا مشاريعهم فإن أناسًا أقل سوف يتعطَّلون عن العمل والناتج القومي الإجمالي سوف يستمر في النمو. هَبْ أنهم على حق! هل لديكم جواب عن مُقارَبة "الكلفة–الفائدة" هذه إلى صنع السياسة البيئية؟ هل يمكن لكم أن تقترحوا مُقارَبةً مختلفة إلى تحليل السياسة وأن تدافعوا عنها؟ فالقرارات البيئية يجب أن تُتَّخذ على كلِّ حال. فإذا كانت قواعد اتخاذ القرار الحالية ومناهجه غير ملائمة، ما هي البدائل التي يمكن لنا تقديمُها؟ هل درستم حجج المستثمِر؟ هل تقوم هذه الحجج على افتراضات غير مفحوص عنها، لكنها مع ذلك مريبة للغاية؟ ما هي هذه الافتراضات ولماذا هي مريبة؟ هل أنتم مسلَّحون لدحضها؟ لا تستهينوا بقوة إقناع حجج "المعارَضة"! فمَن يحاججون لصالح "النمو المستمر" و"التنمية" و"إخضاع الطبيعة" يدافعون عن مواقفهم انطلاقًا من مزاعم ومن وجهة نظر لطالما سيطرت على معتقدات الثقافة الغربية ومواقفها. فهذه المعتقدات والمواقف الراسخة المتعلقة بموضع الإنسان في العالم الطبيعي (الذي كثيرًا ما يُرى بوصفه "موضع الطبيعة في عالم الإنسان") هي من عمق التغلغل في نسيج ثقافتنا بحيث إن غالبية جيراننا، بل ونحن أنفسنا (ولنقر بذلك!)، نقبلها من غير نقد، وحتى من غير وعي. فأية معتقدات وأية مواقف؟ إنها، من حيث الأساس، معتقدات ومواقف تنطلق من وجهة نظر تُجِلُّ قَدْرَ قيمة نوع واحد – الإنسان العاقل – في الجملة الطبيعية، وتؤكِّد حقَّ هذا النوع في فَرْض إرادته على المتبقي من المسكونة الطبيعية. وهي وجهة نظر لا تحصر المصالح في أفراد النوع البشري وحسب، بل، أكثر من ذلك، تحصر اهتماماتها الزمنية في عمر جيل المرء وحده، أو، في أحسن الأحوال، في عمر المرء وعمر أولاده. فالميراث من الماضي فصاعدًا إلى المستقبل البعيد "مستهان به". إذا شعرنا بأن نظرةً بشريةَ التمركُز إلى الطبيعة هي نظرة حسيرة وغير ملائمة وزائفة، هل نحن على استعداد لتبيان كيفية ذلك؟ هل لدينا نظرة أفضل في خصوص مسؤولية الإنسان عن الطبيعة؟ هل نحن على استعداد لشرح هذا الخُلُق البيئي "الأفضل" وللدفاع عنه؟ وفيما نحن نسعى إلى القيام بذلك، أقترح أننا قد نجد بأن خُلُقًا بيئيًّا متسقًا ومعقولاً يجب أن يقوم على بعض المقدِّمات والمنظورات المنطقية التي لسنا على إلمام بها. غير أن الجمهور أو "أصحاب النفوذ" أقل إلمامًا بهذه المُقارَبات المختلفة جذريًّا إلى قضية مسؤولية الإنسان عن الطبيعة. وهذا لمما يعقِّد مهمتَنا تعقيدًا جديًّا. إن إحدى تجلِّيات تقدُّم البلدان اليوم وقدرة مؤسَّساتها على الاستمرار كنشاط مؤسَّساتي سياسي وإداري واقتصادي وتعليمي، في ظلِّ تحديات النمط الجديد لعولمة العمليات الاقتصادية، تقاس بنظام طاقاتها المتجددة وبقدرتها على اكتشاف منظومات إدارية ولوائح قانونية وأساليب بيئية تقنية حديثة وإعادة تطوير المنظومات الموجودة منها، مفتِّتةً بذلك البُنى البيئية الأدنى منها لتُلحِقَها بها... *** |
|
|