|
الفوائد البيئية والاقتصادية لمعالجة المخلَّفات العضوية (تكنولوجيا إنتاج الغاز الحيوي)
إن إحدى تجلِّيات تقدُّم البلدان اليوم وقدرة مؤسَّساتها على الاستمرار كنشاط مؤسَّساتي سياسي وإداري واقتصادي وتعليمي، في ظلِّ تحديات النمط الجديد لعولمة العمليات الاقتصادية، تقاس بنظام طاقاتها المتجددة وبقدرتها على اكتشاف منظومات إدارية ولوائح قانونية وأساليب بيئية تقنية حديثة وإعادة تطوير المنظومات الموجودة منها، مفتِّتةً بذلك البُنى البيئية الأدنى منها لتُلحِقَها بها. إن مشكلة التلوث البيئي تترأس القائمة مقارنةً مع المشكلات التي تشغل العالم اليوم. وعلى الرغم من أن إشكالية المحافظة على البيئة باتت مسألة شبه محلولة في البلدان الصناعية المتطورة في الوقت الحاضر، إلا أنها مازالت تؤرق الإنسان وتهدد حياته في البلدان النامية. لقد أشارت تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن أكثر من 1.3 مليار من سكان المدن في تلك البلدان، على امتداد العالم، يتنفسون هواءً ملوثًا بمحتوى من المواد الضارة يتجاوز أربعة أضعاف الحدود المسموح بها عالميًّا. كما ورد في تقرير البنك العالمي أن حوالى 3 مليون إنسان يموت سنويًّا كنتيجة أساسية لتلوث الهواء، ويعاني الكثيرون معاناة متزايدة من أمراض السرطان واحتشاء العضلة القلبية وصعوبات في التنفس، وبصورة خاصة الأطفال. إن الأسباب الرئيسية وراء ذلك تكمن في ارتفاع معدل الكثافة السكانية وما يرافقه من تزايد في استخدام وسائل التدفئة والطهو التقليدية، وتزايد عوادم وسائل المواصلات القديمة والمخلَّفات الصناعية والمنزلية. نظرًا للعواقب الكبيرة التي يمكن أن تنجم عن هذا التلوث البيئي تتَّجه الأنظار حاليًّا إلى كيفية إيجاد حلول مناسبة للحفاظ على سلامة البيئة والإنسان. إن المحافظة على هواء نقي، أو السعي إلى تنقية الهواء الملوث، كجزء لا يتجزأ من التلوث الإجمالي للبيئة، هو، في حدِّ ذاته، مهمة وطنية تفرض ذاتها بقوة، وذلك من أجل بناء مدن قادرة على الاستمرار في المستقبل – ولاسيما أن عدد سكان المدن في تزايد مستمر، حيث أكد تقرير الأمم المتحدة أنه سوف يعيش أكثر من نصف سكان العالم في المدن في العام 2050. هذه الأسباب مجتمعة تقتضي إحداثَ تغييرات جذرية وفعَّالة في شأن معالجة تلوث البيئة، وعلى رأسها مشكلة تلوث الهواء. إن استبدال المصادر الطاقية المتجددة بالمصادر الأحفورية التقليدية هو مشروع إيكولوجي وتاريخي واقتصادي هام. والشرط الأساسي للارتقاء إلى هذا المشروع الحضاري المتطوِّر هو إتقان أساليب بيئية تكنولوجية غير معقدة بغية الوصول إلى قاعدة للمصادر الطاقية البديلة. ولأن عصرنا الحالي هو عصر المعارف والمعلومات التي تتقادم وتتطور باستمرار، وتحتاج إلى تجديد ومتابعة دائمين، فإنه ينبغي على جميع العاملين في الميادين العلمية والاقتصادية والثقافية والسياسية والمنزلية المزيد من الاهتمام بشوؤن البيئة ومشكلاتها وطُرُق معالجتها والحؤول دون استفحالها. إن إمكانية توليد التيار الكهربائي والطاقة الحرارية ومواد الاحتراق (وذلك لاستخدامها كمصدر طاقة للمواصلات العامة، مثلاً) عن طريق استثمار المواد العضوية ذات المصدر النباتي والحيواني يُعتَبَر أحد أكثر أشكال الاستثمارات وعمليات تحوُّل الطاقة اقتصاديةً وجاذبيةً، ومن أهم المحاولات والمساهمات في مجال معالجة المشاكل البيئية والمحافظة على حماية المناخ والموارد الطبيعية. تزداد أهمية الطاقة الحيوية كأحد أشكال الطاقات المتجددة باستمرار. فعلى سبيل المثال، تسعى ألمانيا الاتحادية، بوصفها أحد أهم البلدان الصناعية في العالم وأكبرها، وذلك بالتعاون الفعَّال بين أصحاب القرار السياسي ووزارة البيئة وأصحاب القرار الاقتصادي والمجتمع المدني، إلى تغطية احتياجاتها من الطاقة عن طريق إنتاج الطاقة المتجددة (طاقة الريح، الطاقة الشمسية، الطاقة الجيوحرارية، إلخ)، بما فيها الطاقة الحيوية. وتسعى المؤسَّسات الألمانية إلى تحقيق زيادة استخدام الطاقة المتجددة لمضاعفتها مع نهاية العام 2010، بالمقارنة مع ما كانت عليه الحالُ في العام 2000، حيث إن من المقرَّر لمقدار إنتاج التيار الأخضر أن يتضاعف من 6.25% في العام 2000 إلى 12.5% في العام 2010؛ كذلك سيتم العمل على مضاعفة مقدار الطاقة الأولية من 2.1% في العام 2000 إلى 2.4% في العام 2010. ضمن هذا التوجه السياسي البيئي، لا ترى ألمانيا الاتحادية مَحَادًا عن استثمار طاقة المواد العضوية من أصل حيواني ونباتي؛ حيث إن من المخطَّط له، مع بداية العام 2030، أن تكون قد تمَّتْ تغطيةُ ربع احتياجات الطاقة في ألمانيا عن طريق إنتاج الطاقات المتجددة، على أن تتم تغطية 10% على الأقل من احتياجات الكهرباء والحرارة ومواد الاحتراق للسيارات، وذلك فقط عن طريق استثمار طاقة المواد العضوية. وبذلك تكون للمادة الحيوية الحصةُ الأكبر في تغذية المصادر الرئيسية للطاقة. وبالإضافة إلى الفوائد البيئية، فإن الكثير من الدراسات الاقتصادية تتنبأ بتأمين 200000 فرصة عمل كحدٍّ أدنى في العقود الثلاثة القادمة في ألمانيا، وذلك فقط في قطاع استخراج الطاقة الحيوية. فيما يلي سوف نعرِضُ لمثال واقعي يتم تطبيقه في البلدان المتطورة للتخفيف من حدة الانبعاث الغازي الضارِّ إلى الغلاف الجوي المحيط بالأرض، وذلك عن طريق جمع المخلَّفات العضوية ومعالجتها بطُرُق علمية واستغلالها في إنتاج التيار الكهربائي الأخضر والحرارة الخضراء والسماد الأخضر. المواد العضوية المقصود بالمواد العضوية حواملُ الطاقة من مصادر حيوانية ونباتية. ففي قانون الطاقات البديلة الصادر في ألمانيا بتاريخ 27/10/2001، وُضِعَتْ لوائحُ قانونية منظِّمة لطاقة المادة العضوية ولاعتبارات متعلقة بسياسة البيئة والطاقة والمناخ. فقد تم استبعاد بعض المواد العضوية، على الرغم من قابليتها للاستعمال كحوامل طاقية. والمخلَّفات والمواد العضوية التي يحظِّر هذا القانون استخدامَها هي: مواد الاحتراق الأحفورية، القمامة المختلطة، الورق والكرتون، الحمأة الناتجة عن المصارف والمصافي، المواد القماشية، الأعضاء الحيوانية، الغاز المنبعث عن مكبَّات القمامة وكذلك عن محطات الصرف الصحِّي. أما المخلفات والمواد العضوية التي يُسمَح باستخدامها فهي: النباتات وبقاياها وبقايا الحصاد، الفضلات والمنتجات الثانوية من أصل حيواني ونباتي الناتجة عن الاقتصاد الغابيِّ والزراعي، وكذلك اقتصاد الثروة السمكية، المخلَّفات العضوية الناتجة عن المطابخ والمطاعم وشركات تصنيع المواد الغذائية، الزيوت النباتية، الكحول المستخرج من المواد العضوية، بقايا الخشب الصناعي والنشارة الخشبية، وأيضًا الأخشاب المزروعة لفترات قصيرة ومدروسة لأجل هذا الهدف. طُرُق الحصول على الطاقة الحيوية من كتلة المادة العضوية إن الاستثمار الطاقي لكتلة المادة العضوية يتم بشكل مباشر عن طريق عمليات الحَرْق في محطات حَرْق خاصة، أو بشكل غير مباشر عن طريق تحويل المادة العضوية إلى غازات. وبناءً عليه، يمكن التمييز بين الطرق المختلفة التالية: · توليد التيار الكهربائي عن طريق حوامل الطاقة الحيوية ذات الشكل الصلب: مثلاً، عن طريق حَرْق الأخشاب. توجد في ألمانيا حوالى 80 محطة حَرْق، باستطاعة إجمالية قدرها 1.7 تيراواط ساعي في السنة. هذا وإن التحويل الغازي لمواد الاحتراق الصلبة (مثل الخشب) لا تزال في طور البحث والدراسة. · توليد التيار الكهربائي عن طريق حوامل الطاقة الحيوية ذات الشكل السائل: يتم الحصول على التيار الكهربائي عن طريق عَصْر النباتات الزيتية ومعالجتها وفق خطوات تقنية مدروسة؛ وهذا ما يُعرَف بإنتاج مواد الاحتراق الحيوية. توجد في ألمانيا 130 محطة من هذا النوع، باستطاعة إجمالية تتراوح بين 9 إلى 11 ميغاواط كهربائي. إن تكاليف توليد التيار الكهربائي بهذا الأسلوب مازالت مرتفعة جدًّا؛ ولذلك فإن حوامل الطاقة هذه يمكن استخدامها كمواد احتراق للمواصلات بالدرجة الأولى. · توليد التيار الكهربائي عن طريق حوامل الطاقة الحيوية ذات الشكل الغازي: إن طريقة تحويل الكتلة العضوية إلى حوامل طاقية ذات شكل غازي تُعتبَر التقنية الأساسية للاستثمار المستقبلي للطاقة الحيوية. ويتم الحصول على التيار الكهربائي عن طريق تخمير بقايا المواد العضوية (أطعمة، روث، مياه الصرف الصحي، مياه المعالجة الصناعية، إلخ). مبدأ تحرير طاقة الغاز الحيوي تعتمد تقنية إنتاج الغاز الحيوي على تفكُّك المواد العضوية وتحلُّلها إلى مكوِّناتها العضوية، وذلك بواسطة بكتيريا الميتان الخاصة؛ وهذا ما يُعرَف بعملية التخمير. وهذه العملية يجب أن تتم في ظروف لاهوائية، في درجات حرارة ملائمة للعمليات الحيوية التي تقوم بها البكتيريا الموجودة في مُفاعِل الغاز الحيوي (حوض التخمير). وبشكل عام، هناك ثلاثة مجالات حرارية يتم فيها توليد الغاز الحيوي، وهي: · التخمير البارد، وذلك ضمن مجال حراري يتراوح بين 15 إلى 20 درجة مئوية؛ وفيه تكون مدة بقاء المادة العضوية في المخمِّر طويلة نسبيًّا وكمية الناتج الغازي لكلِّ متر مكعب من حجم المخمِّر قليلة. · التخمير الساخن، وذلك ضمن مجال حراري يتراوح بين 25 إلى 40 درجة مئوية؛ وفيه تكون مدة بقاء المادة العضوية في المخمِّر متوسطة وكمية الناتج الغازي لكلِّ متر مكعب من حجم المخمِّر متوسطة. · التخمير الحار في مجال حراري يتراوح بين 40 إلى 65 درجة مئوية؛ وفيه تبقى المادة العضوية في المخمِّر وقتًا قصيرًا وكمية الناتج الغازي لكلِّ متر مكعب من حجم المخمِّر كبيرة. إن عملية التحلُّل اللاهوائي، التي تحدث عادةً في شكل طبيعي في أعماق البحيرات والتجمعات المائية وأعماق التربة وفي مكبَّات النفايات، تتم في المخمِّر على مراحل متعددة. المرحلة الأخيرة في سلسلة التفكُّك العضوي هي غازات الميتان التي تنتج بنسبة 55% إلى 65%، وغاز ثاني أكسيد الكربون بنسبة 35% إلى 45%، مع نسب ضئيلة جدًّا من الهيدروجين والأوكسجين والنتروجين ونترات الأمونيوم، وكذلك من كبريتيد الهيدروجين H2S. يُستخدم اليوم شكلان من أشكال منشآت توليد الغاز الحيوي: · المنشآت التي تستعمل فقط المنتجات الزراعية وبقايا الإنتاج الزراعي. · المنشآت التي تستخدم المنتجات الزراعية، بالإضافة إلى الفضلات العضوية من المنازل والمطاعم. هذا وينبغي التمييز بين المنشآت الريفية والمنشآت في المدن الكبيرة والصغيرة. إن منشآت الغاز الحيوي الموجودة في القطاع الزراعي تستخدم روث حظائر الأبقار والعجول والخنازير والمداجن وفضلاتها كمادة أساسية. كذلك، هناك حوالى 93% من المنشآت تعتمد على دمج المواد العضوية وتخميرها. ومن الجدير ذكره هنا أن كلاً من بقايا الحصاد والفضلات النباتية، الخبز اليابس، بقايا الأطعمة، المخلَّفات العضوية، الحشائش وبقايا الأعلاف، بقايا معامل الأغذية، بقايا الخضار والفاكهة، بقايا مصانع الألبان والأجبان، وفضلات مصانع معالجة السكر والشوندر السكري، تُعتبَر جميعًا موادًا قابلة للدمج. إن الاتجاه السائد اليوم في بناء منشآت توليد الغاز الحيوي واستثمارها يهدف إلى خلط ليس أكثر من مادتين مختلفتين، بكميات ثابتة ومدروسة، وبتدفق منتظم إلى حوض التخمير. هذا الإجراء يقود إلى عمليات تخمير أكثر استقرارًا وإلى نواتج طاقيِّة أعلى مردودًا وأكثر تجانسًا. إلا أنَّ هذا الشكل للتخمير يتطلب مراقبة وإدارة جيدين، كما يحتاج إلى اهتمام كبير بالشروط الحدِّية للتخمير. مثال تقريبي محتوى الطاقة في المتر المكعب الواحد من الغاز الحيوي هو 6.5 كيلوواط ساعي؛ وهذا ما يعادل 0.6 لتر من الوقود. إن إنتاج البقرة الواحدة من الروث يعادل حوالى 12 كغ في اليوم؛ ولقد تبين أن 100 بقرة تعطي في السنة الواحدة 62050 مترًا مكعبًا من الغاز الحيوي، أي بمعدل 620.5 مترًا مكعبًا لكلِّ بقرة في السنة، وبمعدل 1.7 مترًا مكعبًا في اليوم. محتوى الطاقة الإجمالي الناتج عن 100 بقرة سنويًّا هو 403325 كيلوواط ساعي من الكهرباء، أي ما يعادل 40000 لترًا من الوقود الحراري سنويًّا. أي أنه يمكن القول إن ناتج البقرة الواحدة من الطاقة يصل إلى حوالى 10 كيلوواط في اليوم. وهذا يعني أن مزرعة مؤلَّفة من سبع بقرات قادرة على إمداد منشأة صغيرة لإنتاج 10 متر مكعب من الغاز الحيوي يوميًّا، أي ما يعادل 65 كيلوواط ساعي، تكفي احتياجات أيِّ منزل مجهَّز تجهيزًا جيدًا بكافة اللوازم الكهربائية وتزيد عنها، حيث إن استهلاك المنزل (الألماني مثلاً) سنويًّا من الكهرباء يعادل وسطيًّا حوالى 3500 كيلوواط ساعي. ولقد بيَّنت إحدى الدراسات أنه يمكن إنتاج حوالى 500 مترًا مكعبًا من الغاز الحيوي بمعالجة 1000 كغ من الفضلات العضوية الناتجة عن المخرجات اليومية لمدجنة مؤلَّفة من 12000 دجاجة. تصل تكلفة توليد الكيلوواط الساعي الواحد في أثناء توليد الحرارة إلى حوالى 0.05 يورو، كما تبلغ تكاليف توليد التيار الكهربائي حوالى 0.1 يورو لكلِّ كيلوواط ساعي. منشآت الغاز الحيوي ومكوِّناتها يعود استثمار منشآت توليد الغاز الحيوي وتأسيسها في ألمانيا، وبشكل خاص في القطاع الزراعي، إلى ما يقرب من 60 سنة مضت. ويرجع الفضل في بناء النموذج الأول من هذه المنشآت إلى جامعة دارمشتات في العام 1947؛ كذلك تمَّ بناء منشأة ثانية في العام 1948 في مدينة أودنفالد. وقد ازداد عدد هذه المنشآت في ألمانيا ازديادًا ملحوظًا، وذلك في الفترة الواقعة بين نهاية العام 1999 وصيف العام 2003، وذلك من 850 منشأة في العام 1999 حتى 1700 منشأة في صيف 2003، وبنسبة مئوية بلغت 200%؛ ويُتوقَّع أن يكون العدد الإجمالي حوالى 2100 منشأة مع نهاية العام 2004. وقد تم تسجيل ازدياد واضح في الاستطاعة الإجمالية الوسطى من 45 ميغاواط كهربائي في العام 1999 إلى 175 ميغاواط كهربائي في العام 2003. إن هذه المنشآت موجودة بكثافة في إقليم بايرن بنسبة 45.6%، وبنسبة أقل تبلغ 17.2% في إقليم بادن فورتمبرغ، بينما تنخفض النسبة إلى 14.9% في إقليم نيدر ساكسِن. ولقد عُرِفَتْ منشآتُ معالجة المخلَّفات العضوية في عدد من دول العالم المختلفة، حيث يوجد اليوم حوالى 20 مليون منشأة صغيرة لتوليد الغاز الحيوي في الصين، وحوالى 200 ألف في الهند، بينما لا تزيد عن 10 آلاف في البرازيل. يمكن تلخيص المكوِّنات الأساسية للمنشأة بما يلي: · حوض التخمير (مُفاعِل الغاز الحيوي): ويمثل النواة الأساسية في المنشأة، ويتم تشغيله في أغلب الأحيان تحت درجات حرارة ثابتة، حيث تقوم البكتريا بعملية تجزئة المادة العضوية التي قد تبقى في المخمِّر مدةً تتراوح بين 10 و35 يومًا، وتتم تغذية جهاز التخمير بشكل مستمر أو متقطِّع وغير منتظم. · يمكن بناء هيكل حوض التخمير بشكل أفقي أو عمودي؛ والمواد المستخدمة قد تكون من البيتون، كما هو شائع في ألمانيا، أو من الصفائح الفولاذية بشكل قابل للفِّ، كما في الدانمرك، وأحيانا من البلاستيك. إن عملية التخمير يمكن أن تكون رطبة أو جافة، إلا أن معظم المنشآت في القطاع الزراعي تعمل على مبدأ التخمير الرطب. · حوض (مستودع) تخزين المواد العفنة التي لا تُستثمَر مباشرة. · حوض الإدخال: يفضَّل أن يكون على اتصال مباشر مع المخمِّر والمزرعة، مثلاً، أو الحظيرة أو حوض تجميع القمامة. · أجهزة تفتيت (طحن) المواد العضوية وفَرْزِها وتنقيتها من العناصر غير المرغوبة. · مضخات من أجل تغذية جهاز التخمير وتفريغه. · أنابيب نقل الغاز، عدَّادات، مكثِّفات، خزانات وأجهزة وقاية وحماية وأمان. · تجهيزات لاستخلاص المواد الكبريتية، مثل كبريتيد الهيدروجين H2S. · حوض لتخزين الغاز الناتج. · محطة لتوليد التيار الكهربائي والحراري الناتجين عن الغاز الحيوي. · محرك احتراق داخلي لتشغيل المحطة. هناك أحجام مختلفة للمنشآت، يمكن تقسيمها كما يلي: · منشآت صغيرة جدًّا، باستطاعة أقل من 50 كيلوواط. · منشآت متوسطة، باستطاعة تتراوح بين 50 و150 كيلوواط. · منشآت كبيرة، باستطاعة تتراوح بين 150 و500 كيلوواط. · منشآت ضخمة، باستطاعة أكبر من 500 كيلوواط. ولقد لوحظ أن المنشآت الصغيرة والمتوسطة هي الأكثر انتشارًا في القطاع الزراعي، حيث تنخفض تكاليفُ إنشائها بالمقارنة مع المردود الاقتصادي. إن اقتصادية استثمار توليد الغاز الحيوي وتكاليفها (مقاسةً إلى الاستطاعة الكهربائية أو إلى حجم المخمِّر) تتعلق بعوامل متعددة، نذكر منها: · جودة نوعية المادة المراد تخميرها. · المجال الحراري المراد التخمير ضمنه. · درجة جفاف المادة العضوية. · مقدار الناتج الغازي (الاستطاعة الكهربائية والحرارية) من المادة العضوية. مع ازدياد الاستطاعة المراد بلوغها، تنخفض التكاليف وتصبح المنشأة أكثر اقتصادية. وما يزيد من تكاليف المنشأة هو محاولة أتمتة عملها بإضافة تجهيزات أخرى (أجهزة التحكم والقيادة والقياس وجملة التجهيزات الإلكترونية الأخرى ذات أسعار عالية، كما هو معروف). الفوائد البيئية والاقتصادية الناتجة عن توليد الغاز الحيوي · استعمال الحرارة الناتجة لأغراض التدفئة في المنازل وفي الزراعات المحمية وبعض عمليات التجفيف الصناعي والزراعي، مثل تجفيف الحبوب ومعالجة الفضلات أو هدرجة بعض بقايا الأطعمة. بالإضافة إلى ذلك، فإن جزءًا من الحرارة يتم استخدامه لعملية التخمير اللاهوائي، وذلك للمحافظة على درجة حرارة التخمير المطلوبة. · توليد التيار الكهربائي وربْطِه إلى الشبكة الكهربائية العامة؛ وبذلك يمكن توليد الكهرباء بالدرجة الأولى في المناطق النائية والمزارع البعيدة. · السماد الناتج عن عملية التخمير اللاهوائي يُعتبَر سمادًا ذا مواصفات ممتازة وقيمة غذائية عالية للتربة؛ كما يتميز بتركيب متجانس، يسهِّل استهلاك النباتات له، وبخلوِّه بنسبة 80% من الروائح وعدم جاذبيته للحشرات والذباب. ونتيجة لعمليات التخمير اللاهوائية، يتم استهلاك الكربون والأكسجين والهيدروجين من المخلَّفات العضوية الطازجة، وتبقى العناصر الغذائية المهمة للنبات، مثل البوتاس والفوسفور والنتروجين، كما يتم القضاء أيضًا على الديدان الضارة وبذور الحشائش والنباتات الموجودة عادة في السماد غير المعالج. · إن كمية السماد العضوي الناتجة عن عملية التخمير اللاهوائي تعادل نسبة 90% من كمية الفضلات العضوية الواردة إلى حوض التخمير. وتلعب نوعية السماد دورًا هامًّا في تحسين بنية التربة؛ وينعكس ذلك إيجابًا على مردودية الإنتاج الزراعي والوضع الصحي العام لبرامج تربية المواشي. · يمكن استخدام الغاز الحيوي الناتج، كالغاز الطبيعي، في تشغيل المواصلات العامة، مثلاً، كما هي الحال في المدن النمساوية؛ وهذا ما يساهم بقسط كبير في حماية البيئة، وذلك عن طريق منع تسرب غاز ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي، وبالتالي التقليل من تضخُّم أثر الدفيئة الزجاجية greenhouse effect. إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن غياب محطات تعبئة الوقود الغازي تقلِّل من أهمية استخدام الغاز الحيوي كمواد للاحتراق. · إن تقنية إنتاج الغاز الحيوي تتناسب مع الخبرات الفنية والتقنية ومع الموارد المحلِّية المتوفرة في البلدان النامية، ويمكن استخدامها بتكاليف منخفضة ووسائل تكنولوجية بسيطة. · يمكن تكييف بناء وحدات توليد الغاز الحيوي بحسب احتياجات أيِّ مجتمع (مدينة، بلدة، قرية)، بغضِّ النظر عن درجة تطوره، مما يساهم في إدخال اللامركزية إلى سياسة إدارة المخلَّفات وعدم وجوب نقلها إلى المطامر والمحارق، حيث إن تكلفة التخلص من أطنان القمامة المتزايدة يومًا بعد يوم عالية جدًّا، ناهيك عن أن المطامر والمكبَّات الموجودة لم تعد قادرة على سدِّ الحاجة؛ كما أن إقامة مطامر جديدة ليس هو الحل الصحيح، بالإضافة إلى الأضرار البيئية الناجمة عن إطلاق الغازات السامة (غاز الميتان) إطلاقًا عشوائيًّا إلى الغلاف الجوي لتمارس دورها التخريبي في المناخ. · إن التخلص الآمن من المخلَّفات الزراعية والمنزلية باستخدام منشآت الغاز الحيوي يساهم مساهمة كبيرة في حماية المياه الجوفية من التلوث، كما يساهم في تحقيق المساندة الذاتية للمَزارع البيئية التي تسير في طريق التوجُّه نحو الزراعات البيئية والحيوية. · إن إنتاج الطاقة الخضراء واستخدامها يساهم مساهمة كبيرة في حماية البيئة، وخاصة الغلاف الغازي، من التلوث بالغازات الضارة التي تصدر عن تخمُّر المواد العضوية تخمرًا عشوائيًّا، بالإضافة إلى مساهمته الفعَّالة في تقوية الاقتصاد الزراعي وتأمين فرص عمل، مما له كبير الأثر في تخفيض الكثافة السكانية في المدن عن طريق توفير فرص عمل في الأرياف، بالإضافة إلى تحسين الوضع الصحي العام وخلق حالة من الفهم البيئي في البنية التحتية. آفاق تطور تكنولوجيا إنتاج الغاز الحيوي والمشكلات الراهنة هناك الكثير من الأبحاث الجارية لتطوير مردودية منشآت الغاز الحيوي، ولإيجاد طُرُق أكثر اقتصادية لتسريع استخراج الغاز الحيوي عن طريق تسريع العمليات البيولوجية والتحكم فيها، وتأمين مردودية عالية في أثناء تفكيك المادة العضوية وتطوير تجهيزات تقنية للتحكم بعملية تلقيم جهاز التخمير. هناك بحوث لتطوير أساليب أكثر فاعلية لتنقية الغاز العضوي وتنظيفه بغية الوصول إلى جودة تُعادِل جودة الغاز الطبيعي. وبهذا يمكن حقنه إلى شبكة الغاز العامة، ونقله في نهاية المطاف إلى محطات توليد الطاقة الكهربائية. هناك دراسات قائمة أيضًا بهدف نزع محتوى الغاز العضوي من مركب كبريتيد الهيدروجين H2S الذي يوجد بمقدار 100 ملغ في المتر المكعب الواحد من الغاز العضوي. فهذه النسبة، على الرغم من ضآلتها، تتسبَّب في إحداث أضرار في المنشأة، وخاصة في المحركات والتمديدات المستخدمة. إن إشكالية تقنية تغذية شبكة الغاز الطبيعي بالغاز الحيوي ما تزال في حاجة إلى المزيد من الدراسات والأبحاث لإيجاد الحلول التقنية العملية بأسعار مناسبة، وكذلك لإيجاد الحلول واللوائح القانونية التي تضبط هذه العملية. مازال هناك نقصٌ في الدراسات المتعلقة باستعمال الغاز الحيوي كوقود للمواصلات وفي المخططات الهادفة إلى الاستثمار الأمثل للطاقة الحرارية الناجمة عن تفاعلات المادة العضوية، حيث إن الحرارة تصل إلى حوالى 90 درجة مئوية. وكنقطة انطلاق من أجل تطبيق تقنية إنتاج الطاقة الناجمة عن تخمير المخلَّفات العضوية واستخدامها في الريف العربي، لا بدَّ من إجراء بعض الدراسات الأولية للحصول على المعلومات التالية: كمية المخلَّفات العضوية اليومية، أماكن وجودها، صلاحيتها للمعالجة والاستثمار، إمكانية جمع المخلَّفات الموجودة ونقلها وفرزها، اللوائح القانونية التي تضبط المخلَّفات، إمكانية تسويق الطاقة الناتجة، طُرُق تخطيط المنشآت، إمكانية الدعم المادي لتأسيس هذه المنشآت. إن دمج مبادرات القطاع الحكومي والخاص والمجتمع المدني في تخطيط إدارة المخلَّفات على مستوى المدن والأرياف هو البداية الصحيحة لحلِّ مشكلات المخلَّفات التي تتزايد حجومُها، مهدِّدة بوقوع كوارث بشرية وبيئية. كما أن المبادرة إلى تشجيع إنشاء جمعيات أهلية محلِّية لإدارة المخلَّفات المنزلية وفرزها هو عمل ذو قيمة بيئية، حيث من المفترض أن تعمل هذه الجمعيات على الارتقاء بثقافة المواطن البيئية وعلى حثِّ المواطنين ومساعدتهم وتشجيعهم على المحافظة على نظافة بيئتهم وعلى فرز المخلَّفات المنزلية اليومية لأجل معالجتها واستثمارها، أو بهدف إعادة تصنيعها من جديد. *** *** *** * المهندس على دريوسي باحث في هندسة التصميم والإنتاج؛ إيميله: daryusi@web.de. |
|
|