قال لي: فكر!
لماذا توقفت عن التفكير وعن صنع الحقائق وغرقت في بحر الأوهام التي تحكمها
هواجسك المجنونة؟
لماذا تعلِّق على حائط محبتي كل أخطائك، وتدعوا العالمين لسبي ولعني والسخرية
مني؟
لماذا توقفت عن صناعة المعرفة الحقة من أجل أن تسد فراغ نفسك بعالم حقيقي،
وتعالج مجاهيلك بقدرة عقلك على السمو والتطور والنضوج؟
لماذا هجرت لحظتك الروحانية النظيفة عن اكتشاف تطور معناي في معناك؟
على
الرغم
من أن آلهة إنسان الشرق القديم كانت تعيش في عالم ما ورائي غير منظور،
إلا أن الحد الفاصل بين عالمها وعالم البشر كان على درجة من المرونة
تسمح للآلهة بدخول عالم البشر ولبعض البشر بدخول عالم الآلهة. ففي
أسطورة آدابا البابلية، نجد الإنسان الأول المدعو آدابا (= آدم) يعيش
في متَّصَل زماني – مكاني مع إلهه إيا الذي خلقه، فكان قيِّمًا على
معبده في مدينة إريدو يخبز الخبز لإلهه ويصطاد له السمك في مركبه، وكان
الاثنان يتحاوران وجهًا لوجه. ثم إن آدابا صعد بعد ذلك إلى السماء
ومَثُلَ في حضرة كبير الآلهة آنو. وفي أسطورة إنانا والبستاني السومرية
نجد الإلهة إنانا وقد آوت إلى بستان لتستريح فيه من عناء السفر، ثم
أغفت، وبينما هي نائمة رآها البستاني ففتنه جمالها وضاجعها دون أن تشعر
به. مثل هذا الاتصال الجنسي بين البشر والآلهة كان ينجم عنه ولادة
أشخاص نصفهم من طينة البشر والآخر من طينة الآلهة، كما هو حال الملك
جلجامش الذي ولدته الإلهة ننسون بعد أن نام معها الملك السومري لوجال
بندا. وفي ملحمة أقهات الأوغاريتية نجد الإله كوثر – حاسيس يقوم بزيارة
لحاكم المدينة وقاضيها المدعو دانيال، فيجلس على مائدته ويأكل من
الطعام الذي أعدته دانتيه زوجة دانيال.
10- الإنسان الحقيقي
من هو إذن الإنسان الحقيقي؟ إنه في الحقيقة انبثاق عن العقل المُدبِّر الشمسي
(المَلك المُوكل بالنظام الشمسي)، وقبسٌ من ناره القدسية. وجوهر الإنسان هو من
أصل جوهر المُدبَّر، ويتخذ هذا الجوهر من الذات رداءً له - رداء يُحيطه ويمنحه
فرديته، ويبدو لنظرنا المحدود أنه يفصله لفترة عن سائر الحياة الربانية. وقصة
التشكُّل الأصلي لذات الإنسان، وتغليفها للجوهر، لطيفة وممتعة، لكنها أطول من
أن يسعها مجرد عمل أولي كهذا. ويمكن العثور عليها بكامل تفاصيلها في كتبنا التي
تتعامل مع هذا الجانب من الحكمة الإلهية.