مقهى العرفاني
وليد عبدالله
قال لي: فكر!
لماذا توقفت عن التفكير وعن صنع الحقائق وغرقت في بحر الأوهام التي
تحكمها هواجسك المجنونة؟
لماذا تعلِّق على حائط محبتي كل أخطائك، وتدعوا العالمين لسبي ولعني
والسخرية مني؟
لماذا توقفت عن صناعة المعرفة الحقة من أجل أن تسد فراغ نفسك بعالم
حقيقي، وتعالج مجاهيلك بقدرة عقلك على السمو والتطور والنضوج؟
لماذا هجرت لحظتك الروحانية النظيفة عن اكتشاف تطور معناي في معناك؟
لماذا ضخمت أقوالي وكتبي المقدسة حد الهوس، وقتلت أبنائي من أجل صراع
اللغة والكلام المقدس؟
هل كل هذا في سبيلي ومن أجل أن تعبدني؟ من أجل أن تحبني؟ من أجل أن
تتفوق على غيرك بي؟ من أجل أن تسلب حرية الآخرين باسم عبوديتك؟ اترك
نفاقك من أجل مجد فارغ واترك توسلك الفارغ من القيمة، وغادر هذيان
الآخرة، وتكاشف معي في لحظة ذاتك، ولا تتسر بإيمانك ودينك عني، وألعن
كوني فيك وأغيب إلى الأبد.
هل نسيت نفسك؟
أنت اكتشفت الدين كي يكون بيتك الذي تردد به أسمائي، وصَمَتُ عن هذا من
أجلك. وكان كوني أولى بصلاتك على نفسك، وعشقك ونضوج معارفك وتطور وعيك
أولى من كل الأذكار.
لماذا استهلكت نفسك بسواد حروفي المقدسة؟
لم أدعوك للعبادة لكي تكون قاموس سجونك المؤبدة وصلوات هزائمك المكررة.
كف عن هذا العمل، واهجر أصنامك المعممة والعائمة في بحر اللغة المقدسة
التي لا ساحل لها، والكلام المبعثر في الهواء، ولا تفتح أبواب ألسنتك
لمقابر تيجان الحروف المقدسة، ولا تدفن عقلك داخل كتابك المقدس، حينها
ستكون عبارة عن بقرة لونها صفراء تسر الناظرين، حلوب يشرب منها السادة
بشهوه فائقة ويذبحها العبيد بنشوة عظيمة.
تنظَّف بإخراج نفسك من وهم الوصول والعرفان ولغو المكاشفات والكرامات
ومعاجز الأولياء.
تطهَّر من أوهام تنال بها رضا ربك وتطش الكراهية على العباد...
تطهَّر من اطمئنان نفسك على حساب خوف الآخرين.
همس في أذني وقال: اعشق وصالح نفسك من أجلك.
ولا تكن الحرف المعطل في معناي.
*** *** ***