|
اللاعنف والمقاومةNonviolence and resistance
في التوطئة التي عقدها عمانوئيل كانط (1724-1804) على كتابه عقيدة الحق، طرح الفيلسوف "مسألة معرفة إنْ كان من الممكن فعلاً وجودُ أكثر من فلسفة". لا مناص، أولاً، من ملاحظة أنه قد وُجدت طُرُق عديدة للتفلسف، وأن هذه الطرق متنوعة وغالبًا متناقضة، وأنه كان لا بدَّ للأمر من أن يكون كذلك لأن كل واحدة من هذه الطرق "ذات جدارة". لكنه يؤكد أنه لمَّا كان لا يمكن أن يوجد "إلا عقل إنساني واحد فقط، ليس من الممكن لفلسفات عديدة أن توجد". ذلك أن من قبيل التناقض بالفعل القبولَ بإمكان وجود فلسفتين صحيحتين تتناولان الموضوعات نفسها.
ينبغي عدم الخلط إطلاقًا بين اللاعنف وبين التقاعس عن العمل أو السلبية. فاللاعنف هو فعل بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ بل هو أكثر قوة وفعالية من فعل العنف. والنشاط اللاعنفي ليس محصورًا في مجاله، بل هو مسار عمل يمكن اتباعه على كل الأصعدة. حينما تواجه مشكلة ما أفرادًا أو جماعات أو مجتمعات، يكون اللجوء إلى العنف هو السبيل الوحيد لحلها. بيد أن السبيل الأفضل هو محاولة حلِّ هذه المشكلة بالوسائل السلمية، وتجنب العنف والمجابهة. وقد تتخذ الوسائل السلمية أشكالاً شتى حسب طبيعة المشكلة التي تحدد أيًّا من هذه الوسائل قابلة للتطبيق على الحالة المعطاة. الإسلام دين يعلِّم اللاعنف. فقد ورد في القرآن أن الله لا يحب الفساد fasad، العنف. وتعبّر الآية 205 من السورة الثانية في القرآن بوضوح ما المقصود هنا بالفساد. فالفساد، أساسًا، هو ذلك الفعل الذي يفضي إلى اختلال النظام الاجتماعي، مُوقِعًا خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات.
هو المهاتما غاندي الوارث حكمة حضارة تتباهى بثراء معرفي عميق لم تدركه الحضارات اللاهية بثراء النقد الزائف. أغلب الكتب التي صدرت لمتابعة تجربة غاندي اعتنت بجوانب محددة منها، دون سبر أغوارها، دون تقصي الحكمة الحقيقية الكامنة في درسها الصعب. درس غاندي كان متشعبًا حدَّ الدهشة. بدأ بمناهضة الظلم والاحتلال للوطن وللفكر وللقلب معًا. لم يقاوم المحتل الأجنبي فقط، بل قاوم المحتل الحقيقي للعقل والقلب؛ قاوم الجهل، الجهل الذي ضلَّل البشريه كلها ودمَّر نقاء المحبة، أشاع الكراهية والعصبوية، المذهبية، الطائفية، أباح الحرب ودمارها الأبدي للحياة.
في أعقاب الحرب في آذار 1991، بعد انتهاء حرب الخليج بالنسبة لإسرائيل، كان لدى معسكر السلام متسع من الوقت للتعافي، بما فيه الوقفات الاحتجاجية لـ "نساء بالسواد". لكن معظم الوقفات الاحتجاجية لم تستأنف نشاطها في إسرائيل إطلاقًا بعد الحرب، ما عدا 12 وقفة فقط في كافة أنحاء البلاد. وفي القدس، حيث كان يحضر كل وقفة احتجاجية 120 امرأة في شهور التي سبقت الحرب، انخفض عدد الحضور الأسبوعي إلى 50، واستغرق الأمر نصف سنة شاقة لزيادة العدد إلى 80. وتعكس بعض حالات انخفاض عدد الحضور غضبًا تجاه الفلسطينيين الذين كانوا يهلِّلون لانهمار صواريخ صدام حسين على تل أبيب العاصمة. كما أن بعض النساء، على الأقل في القدس، كنَّ حانقات على الراديكاليات اللواتي ذررن التآخي في الريح. أما بالنسبة للنساء الأخريات، وخصوصًا في الوقفات الاحتجاجية الصغيرة في الكيبوتزات (2 - 5 نساء)، فقد كنَّ مرهقات جرَّاء سنوات من الاعتداء عليهن، ومثبطات الهمَّة بسبب استشرافهن للمزيد من الاعتداءات بعد الحرب. وقد أبطل توقف الحرب حالة القصور الذاتي للحضور. لكن بدا أن لسان حال بعض النساء يقول أنهن قدَّمن مساهمتهن، وجاء الآن دور الأخريات للقيام بقسط من واجبهن مهما ضَؤل.
|
|
|