|
منقولات روحيّة
قرأنا في التوطئة لدراسة في "إلهيات القبالة": "تنطلق القبالة من فرضية أن اللسان العبري هو اللغة الكاملة التي علَّمها الله للإنسان الأول." ثم استنسَبَ كاتبُ الدراسة إبداءَ تحفُّظه على "الادِّعاء الموهوم القائل باحتفاظ العبرية بعناصر اللغة الطبيعية صافيةً، بينما لا يمتلك القيِّمون عليها من هذه اللغة غير نُتَف وتحريفات." غير أن رأيه هذا لا يحول دونه والتسليم بأنه "يبقى مرجَّحًا أن تكون الألسنة القديمة قد تفرَّعت عن لغة حَرام واحدة ألَّفها مُلهَمون" وأنه "لا تزالُ ثمَّة جزمًا كلماتٌ تُعبِّر عن جوهر الأشياء ونِسَبِها العددية" وأن ذلك "ينطبق على فنون العِرافة أيضًا". فاستحسنَّا أن نزيدَ هذه المسألة تدقيقًا وتمحيصًا، وإنْ كنَّا نود لفت النظر، بادئ ذي بدء، إلى أن كاتبنا قد نظر إلى الأمر من منظار فلسفي بالأخص، بينما نعتزم نحن، جريًا على عادتنا دومًا، الوقوفَ عليه من الصعيد المُسارَري والنقلي حصرًا.
أمرٌ
واحدٌ بيِّن نوعًا ما، ألا
وهو أننا يجب أن نغيِّر طريقةَ عيشنا تغييرًا
كليًّا. يجب أن تتمَّ ثورةٌ جذريةٌ عميقةٌ في
حياتنا، ثورةٌ ليست سطحية، اقتصادية أو
اجتماعية، وحسب، ليست قَلْبًا للمؤسَّسة
القائمة لإحلال مؤسَّسة جديدة محلَّها، بل
علينا أن نهتم للكيفية التي يستطيع بها
الذهنُ البشري، المشروط إلى هذا الحد، أن
يكابد تحولاً جذريًّا، كيف يمكن له أن يحيا
ويعمل ويشتغل في بُعد مختلف كليًّا. هل يمكن
لطفرة في خلايا المخ بعينها أن تتم؟ تلك مسألة
أولى، وأرى أنها المسألة الكبرى، لأننا
نستجيب لكلِّ تحدٍّ بالمخ القديم، المخ
القديم التقليدي، الاعتيادي، الآلي، الذي
تمَّ إشراطُه طوال ألوف السنين. إنما الحياة
تحدٍّ دائم نستجيب له بالمخ القديم؛
والاستجابة آلية، أنانية، استجابة متمركزة
على الذات. وحين نسأل عن إمكان أن تكابد هذه
الخلايا المخية بعينها تحولاً جذريًّا،
طفرةً، علينا أن نتقصَّى خاصية الذهن الذي
يستطيع أن يدرك من غير أيِّ نوع من الجهد، من
غير قمع أو محاكاة أو امتثال. 1 إنه
اليوم، – مع الأسف، – في نظرنا نحن العرب
عمومًا، أكثر الرموز التي "نكرهها" على
الإطلاق. فهو، قبل كلِّ شيء، شعار "أعدائنا"
الذين نعاديهم منذ أواسط القرن الماضي بسبب
"اغتصابهم أرضَنا الفلسطينية" و"تشريدهم
شعبَها" – رمز نكرهه إلى حدِّ أن بعضنا بات
يرسمه في أيِّ مكان يستطيع كي يتمكن من
التنفيس عِبْرَه عن أحقاده تجاه مَن صار في
نظره "شيطانًا رجيمًا"! لكن الأمور لم
تكن يومًا – والحمد لألوهة لا يُحمَد على "مكروه"
سواها، لا على هذا الشكل ولا بتلك البساطة...
يقول تعالى في سورة سبأ (24-26)
مخاطبًا مجموع الإنسانية: قُلْ
مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِّنَ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضِ قُلِ اللهُ وَإِنَّا أَوْ
إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ
مُّبِيْنٍ * قُلْ لا تُسْأَلُوْنَ
مَا
أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا
تَعْمَلُوْنَ * قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا
رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا
بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ كلُّ
ما في الوجود يُحاور الإنسان، وكلُّ ما في
الإنسان يُحاور الكون. ولكي يكون هذا الحوار
مدركًا لفاعليته المنسجمة مع أبعاده
الوجودية الحقيقية، كان لا بدَّ من فاعل
– الإنسان الكامل، المهدي (ع) – يوجِّه
هذا الحوار إلى كشف حقائق الإنسان الكبرى.
|
|
|