|
علم نفس الأعماق
إن المبدأ التطوري الذي يدفعنا إلى التفتح الروحي لا يستمد فاعليَّته من معطيات اللحظة الراهنة وحسب، بل ومن تأثيرات الماضي والمستقبل. فإذا شبَّهنا دراما حياتنا بنوع من السيناريو، فإن سيرتنا قصةٌ تتواشج فيها عوامل "كَرْمية" (نسبة إلى كرما) تعود إلى وقت سابق مع المؤثرات القصدية للممكنات المستقبلية. مثلها كمثل البلوطة، التي هي في آن معًا نتاج مؤثرات ماضية (قيود وراثية، بيئية، كيميائية، إلخ) ومؤثرات مستقبلية أو ممكنات بيولوجية مشفَّرة، تمثل حياتُنا وظروفُنا تشابُكَ مؤثرات ماضية ومستقبلية معًا، تشاهَد في الرموز البارزة من خبرات الحياة اليومية. وهذه تتفاعل في سيرورة ديالكتيكية، لتعيد حياكة الموروث من الـكرما الماضي في إمكانات الضرورات المستقبلية، وتدنينا بذلك أكثر فأكثر من إشراقة تحقيق الذات.
لِمَ لا؟ الحب زهرةٌ من زهرات الحضارة، مافتئت تتفتح وتكشف عن بتلاتها أمام أعيننا المبهورة. لكن الحبَّ أيضًا يستحيل أحيانًا إلى برعم جامد، إلى وعد لا نَفِي به أبدًا، وتنال منه سلوكاتُنا البالية. ففي داخل كلِّ زوجين تتصارع قوتان: واحدة في وضَح النهار وأخرى في ظلمة جوف الأرض. فعلاقة مسيطِر/مسيطَر عليه وسيد/مسود علاقة لن تكفَّ منذئذٍ عن مدِّ جذورها إلى قطاعات النشاط في الحياة كافة. فلحدِّ الآن، مازال "قانون الأم" و"قانون الأب" يتعايشان معًا دون أن يتوصلا إلى استبعاد أحدهما الآخر، كما لم يحدث بينهما أي تحالف حقيقي على الإطلاق. فالأم أخضعت نفسَها إلى حدِّ إلغاء قانونها أحيانًا، لكن قوتها المبتلَعة ظلت موجودة، لاطية على استعداد لأن تنبثق متفجرةً عند أية فرصة تُتاح لها. لقد بُنِيَت العلاقةُ الزوجية على هذا اللاتناظر المرعب وعلى هذه البؤرة القابلة للانفجار. فكل شخص خاضع خانع يغذِّي في أعماقه، وإنْ عن غير وعي منه، أسبابَ تمرده؛ وكل استئثار بالسلطة يتضمن تصعيدًا للاستبداد كردِّ فعل على هذه الثورة الكامنة، وساعة الثأر آتية لا محالة، بحيث يصير المسيطِر بدوره مسيطَرًا عليه، مدفوعًا بجاذبية لا تقاوَم للخوض في الممكنات كافة. لكن هذه الوضعية تتصف حصرًا بأنها تظل مكبوحة ومتألِّمة، بما يُراكِم العنف. فلا السيطرة ولا الخنوع سيئان في حدِّ ذاتهما حينما يكونان عابرين؛ لكنهما، عندما يصيران مؤسَّسين، فإنهما يغذيان الحرب.
|
|
|