|
إضاءات
من الوهم الاعتقاد
بأن الإيمان يمكن أن يكون ذا قوة أكبر إزاء
عقل ضعيف; إنه، على العكس، يقع في خطر كبير –
خطر التهافت إلى مجرد أسطورة أو خرافة. وعلى
النحو ذاته، فإن عقلاً لا يجد إزاءه إيمانًا
راشدًا يفتقد إلى الحافز على الاهتمام بجدة
الكينونة وجذريتها. وعليه [...] فإنني
أوجِّه نداءً قويًا إلى الإيمان والفلسفة لكي
يستعيدا الوحدة العميقة التي تجعلهما قادرين
على التناغم مع طبيعتيهما، في احترام
لاستقلاليتهما المتبادلة. إن بارهيسيا [=
الجرأة المجاهِرة] الإيمان يجب أن
تقابِلَها جسارةُ العقل. نَعَتَتْ
صفحةُ "أديان ومذاهب" (النهار، الأحد
17/8/2003) أحد كتَّابها، سيمون نصار، السائل "أين
هو الله؟"، بأحد أصحاب "تجارب أليمة"
في الإيمان الديني – بينما معاناته الوجودية
العميقة تتخطَّى هذا النعت بأشواط، لأن
الدعوة التي توجَّهتْ بها صفحةُ الأديان إلى
مَن لا علاقة مؤمنة له بالخالق ليعبِّر عن
اختباره لا تفترض تصنيفًا يتعدَّى وصف
الاختبار بـ"تجربة أليمة". ولو أن السيد
نصار تلقَّى إجابة منطقية عن سؤاله المصيري
من كلِّ الديانات التي تحتكر معرفة الله لما
جاء رفضُه استقبالَ إلهٍ صوَّرتْه الأديانُ
متعاليًا عن الإرباك الوجودي الذي يصيب كلَّ
متفكِّر في ازدواجية الوجود. فالمؤسَّسات
الدينية التقليدية، التي ما أعطت جديدًا منذ
مئات السنين، تتناسى أن حركة التطور الروحي
البشري خارج الإيمان السطحي تتطلب نوافذ
جديدة على مفاهيم جديدة للوجود – بكلِّ وجوهه. ويصير التكرار مملاً في
النهاية! والمصيبة دائمًا هي أن أصحابه،
الناطقين بما قد يبدو وكأنه لسان حال "الجماعة"
– أية جماعة – لا ينتبهون إلى هذه النقطة.
لذلك تراهم يكتبون ويكتبون ويملئون المنابر
صياحًا، مهاجمين ذاك الذي يُفترَض أن يُجمِع
"الكلُّ" على عدائه – ذلك "الرجيم"
الذي يُفترَض أن نحمِّله، دائمًا وأبدًا،
بإصرار قد يصل إلى حدِّ البلاهة، مسؤولية
جميع مصائبنا؛ ما قد يدفع بنا، نحن القراء
المساكين، إما إلى حال من اللامبالاة وعدم
الاكتراث، كما هي اليوم حال معظم مثقفينا في
دنيا العرب، و/أو إلى الخروج عن المألوف،
والمخاطرة بسمعتنا، وربما حتى بأرواحنا، من
خلال التعمق في البحث والتمحيص فيما قيل
ويقال. الأمر الذي (قد) يوصلنا، بحكم "جهالتنا
المستحكمة"، النابعة من "طبيعتنا
الإنسانية الفاسدة"،
إلى نتائج قد تكون مغايرة لتلك التي توصَّل
إليها أولئك "العلماء الأفاضل"! وأحلم
أنْ ربما كانت هذه غاية البعض منهم في الحقيقة
– ومنذ البداية...
|
|
|