|
إضاءات
لا
يحتاج المهتمُ
للشأن السوري إلى كبيرِ جهدٍ كي يلحظ الموقع
الخاص والمتقدِّم الذي يحتلُّه ملفُّ
العَلمانية في الحوارات الدائرة اليوم داخل
الأوساط السياسية والثقافية: ربما كردٍّ
مباشر على تنامي مشاعر القلق والخوف من
التطرف الديني، وقد بات يصول ويجول في أكثر من
مكان ومحلَّة من بلدان الجوار؛ أو ربما
كمحاولة لتحديد الموقع المفترَض في عملية
التغيير الديموقراطي لبعض تيارات الإسلام
السياسي التي بدأت تُسفِرُ عن العقلانية
والاعتدال؛ أو ربما كردٍّ غير مباشر على
الخلافات التي شهدتْها تركيا بين
العَلمانيين والإسلاميين قبل الانتخابات
البرلمانية وبعدها، ثم انتخاب عبد الله گول
رئيسًا للجمهورية إثر فوز "حزب العدالة
والتنمية" بغالبية مقاعد البرلمان – فما
جرى هناك لا يخص هذا البلد وحده، بل يعني
بلداننا العربية جميعًا، وبالأخص سورية،
الأقرب جغرافيًّا، ويثير العديد من الأسئلة
الإشكالية عن أوضاع مشابهة تنتظر أجوبةً
وإيضاحات، وبخاصة حول الموقف من العَلمانية
ومن علاقة الدين بالدولة وبالسياسة عند
مجتمعات يتميَّز طابعُها الثقافي الخاص
بتشرُّب الدين شعبيًّا في بناها.
1 مهما تعدَّدتِ الآراءُ التي تتَّصل بظاهرة فَرْضِ الحجاب على المرأة المسلمة، فمن الممكن أن يقال عنها إنَّها جميعًا مجرَّدُ تأويلات. وهي، بوصفها كذلك، لا تُلْزِمُ أحدًا غيرَ أصحابها. فليس هناك نَصٌّ قاطعٌ يفرض الحجابَ وفقًا لما يُريد الأصوليون الدينيون. هناك تفسيرٌ لبعض المأثورات. لكن، هل يصحُّ، دينيًّا، أن يرتفعَ تَفسيرُ المأثور إلى مرتبة التشريع أو القانون؟! في كلِّ حالٍ، تبقى مسألةُ الحجابِ خِلافيَّةً. فبأيِّ حَقٍّ، أو بأيَّة سلطة، يفرض بعضُهم تأويلَه الخاصَّ على النَّاس كلِّهم، ويُجيز لنفسه أحيانًا أن يستخدمَ العُنفَ من أجل ذلك، لا ضدَّ المرأة وحدَها، وإنما كذلك ضدَّ الأشخاص الذين يخالفونه الرأي، وضدَّ المجتمع كلِّه؟! ولئن كانت مسألةُ الحجاب قديمةً داخل المجتمعات الإسلامية التي هي، إجمالاً، مجتمعات غير مدنيَّة – ويمكن لذلك تفهُّم صعوبتها وتعقُّدها –، فإنَّ موقف الأصوليَّة الإسلاميَّة في المجتمعات الغربيَّة المدنيَّة يثير مشكلاتٍ تُسيء إلى المسلمين الذين يعيشون فيها، بوصفهم أفرادًا، وتُسيء على نحو خاصٍّ إلى الإسلام ذاته، بوصفه رؤيةً للإنسان والعالم، للذات والآخر.
كلُّ "فكرة"
إنما هي "جواب" عن "سؤال". وليس من
"سؤال" يَظْهَر في ذهن الإنسان في منأى
عن ظرفَي "الزمان" و"المكان": ففي
سعيكَ إلى فهم نشوء سؤال ما وتفسيره ينبغي لك،
أولاً، أن تسأل: "متى" نشأ هذا السؤال و"أين".
فكل مَن يضْرِب صفحًا عن ظرفَي "الزمان"
و"المكان" لا يمكن له أبدًا أن يرى الحجم
الحقيقي لـ"الحقيقة الموضوعية" في
السؤال، لجهة حيثيَّات ظهوره. 4 من
الجلاء إلى الانقلاب الأول... في 26 نيسان 1946، كلَّف الرئيس شكري
القوتلي السيد سعد الله الجابري تشكيلَ
الوزارة[54].
لكن هذه الوزارة، التي كان من المفترَض أن
تتصدى لتركة الانتداب وتشرع في بناء هيكلية
الدولة المستقلة العتيدة ومؤسَّساتها، لم
تعمِّر طويلاً، لأنها سرعان ما اصطدمت بعدد
من العقبات، كانت أهمها الصراعات الداخلية
بين الوطنيين، على اختلاف اتجاهاتهم، بسبب عدم
وجود رؤية واضحة لما يجب أن يكون مصير البلاد
وتوجهاتها؛ الأمر الذي بدا حينذاك وكأنه
تنافُس على السلطة والمناصب، على خلفية
تأزُّم سياسي، داخلي وعربي ودولي. سلامٌ،
"حلاجَ الأسرار"، إلى كلِّ نَفَسٍ من
أنفاسك، وأنت تنثر جسدك فوق نهر دجلة كي
تتنفَّسه الكائنات كلها، فتصنع من أهل هذا
الماء والتراب أجيالاً سيقولون كلمتك: "أنا
الحق، أنا الإنسان"، ويكتبون مقالك بروح
المحبة والدعوة للسلام والتسامح. سلامُ
الروح والنفس الصادق وحقيقة الطهارة المطلقة
في الإنسان الذي يسعى إلى إنجاز إنسانيته كي
يحيا حيًّا بالحياة والمحبة والإبداع
والمعرفة الإلهية الحق. الحلاَّجيون
أبناؤك، الساكنون على ضفاف أنهار معرفتك،
يعبُرون إلى الحقيقة – الإنسان، الحرية – في
زمن مخيف! إنك
حقًّا عابرٌ كلَّ شي – ولا بدَّ من العبور!
يشكِّل حوارُ
الأديان منذ عقود أحد عناوين الجدل الفكري
والسياسي الدائر في العالم. انعقدت حوله
مؤتمراتٌ متعددة بين ممثلي الديانات
التوحيدية الثلاث، اليهودية والمسيحية
والإسلامية، استُحضِرَتْ فيها قضايا الخلاف
وإمكانات التوافق. تشكلت في الجامعات معاهد
أكاديمية متخصصة في الدراسات والأبحاث
الخاصة بالمنظومات الدينية ومذاهبها. من
الناحية النظرية، باتت غالبية المرجعيات
الدينية تعترف بضرورة هذا الحوار وتشجع عليه.
كرَّس الڤاتيكان في المجمع الثاني في
العام 1965 أهمية الحوار مع الإسلام، كما أكَّد
الأزهر أهمية التواصل أيضًا. لم يغبْ لبنان عن
هذا الموضوع، فكانت له هيئاته وممثلوه
ومرجعياته الطائفية.
|
|
|