إضاءات
|
|
|
آب 2003
|
في هذا الإصدار
|
|
على
الرغم من انطلاق حركة التنوير العربية الأولى
منذ منتصف القرن التاسع عشر وبدايات العشرين،
لم تتمكن الحركة الثقافية الوطنية من تحقيق
التواصل المعرفي المطلوب بينها وبين فكر
العقلنة والتنوير والديمقراطية للمنوِّرين
الأوائل. بل
جاءت اللبرالية، ومن بعدها الماركسية،
بالنسبة إلى الكثير من مثقفينا، نمطًا جديدًا
من الاغتراب، نمطًا شعبويًّا لفكرٍ مسطَّح
يتخذ لبوس عقيدة وحيدة الوجه والأبعاد.
الحديث عن الحقيقة ليس
بالأمر السهل، إذ يحمل في ثناياه الكثير من
المعضلات. فعندما يتم تناول مفهوم الحقيقة
بالمفرد يبدو، للوهلة الأولى، كأن ثمة حقيقة
واحدة ثابتة؛ بينما عندما يجري الحديث عن
الحقائق بصيغة الجمع، من حيث هي قضايا متعلقة
بجزء ما من هذه الظاهرة، من هذا العلم، فهنا
تحمل الحقيقة معنى جزئيًّا أو نسبيًّا. فيجري
الحديث، في إطار المعرفة العلمية، مثلاً، عن
أمر هو الحقيقة العلمية؛ ومن بعدُ تتفرع هذه
الحقيقة إلى حقائق علمية عديدة، كالحقيقة
الفيزيائية والحقيقة البيولوجية والحقيقية
السوسيولوجية؛ ويمتد المجال ليشمل حقولاً
معرفية في الوجود، كالحقيقة الفنية والحقيقة
الدينية وغيرهما.
إننا نعيش في عالم انهارت
حدودُه، كما انهارت مفاهيمُنا التقليدية عن
الزمان والمكان والمسافات. الثقافات
والمجتمعات ينفتح بعضُها على بعض ويتفاعل
بعضُها مع بعض على نحو غير مسبوق نتيجة
للثورات في المعلومات؛ وإننا نكتشف بشكل
متزايد بأن مصير كلٍّ منا ومستقبله يعتمد
اعتمادًا متعاظمًا على مصير ومستقبل الآخر،
مما يجعل التفاهم والاحترام والتعاون قضايا
جوهرية لتحقيق الأوجُه الإيجابية لتواكلنا
المتنامي. إن قدرتنا المتعاظمة على التعلم
واطلاعنا الأوسع على "الأجنبي" يمثل
نموًّا قويًّا في المعرفة ويشير إلى نقطة
انعطاف في الحضارة الإنسانية.
|