|
قيم خالدة
من إنجيل اللاعنف لست صاحب رؤيا. وما بوسعي أن أقوله عن نفسي هو أني شخص مثالي عملي. الذين يقصدهم دين اللاعنف ليسوا القديسين أو الريشي بل عامة الناس أيضًا؛ فاللاعنف شريعة جنسنا بينما العنف شريعة البهائم، وشريعة الروح الغافية في قلب العنيف الذي لا يعرف سوى قانون القدرة الجسدية. لكن كرامة الإنسان تتطلب الطاعة لقانون أسمى هو قوة الروح. لذلك أنا أعتقد أن الريشي الذين، من قلب العنف، اكتشفوا اللاعنف كانوا أكثر نبوغًا من نيوتن. لقد كانوا يعرفون كيف يستعملون السلاح، وخبروا عدم جدواه، وعلَّموا عالمًا يطمح إلى السلام أن طريق خلاصه ليس العنف بل اللاعنف. (الهند الفتاة، 11-8-1920، ص3) *** تعلمت درس اللاعنف من زوجتي، وذلك حين حاولت إخضاعها لإرادتي. إلا أن مقاومها الحازمة لرغبتي من جهة، وخضوعها الهادىء للألم الذي تسبب به غبائي من جهة أخرى، جعلني أخجل جدًا من نفسي، وشفاني من غباء الاعتقاد بأني خلقت لأحكمها. وفي نهاية الأمر أصبحت هي معلمتي في اللاعنف.
أُقرُّ بوجود الطاقة التدميرية، لكنها زائلة وعقيمة دومًا أمام الإبداعي الذي
هو الدائم. فإذا كان للطاقة التدميرية اليد الطولى، فستنهش كل الروابط المقدسة
– الحب بين الأبوين والطفل، الأخ والأخت، السيد والتابع، الحاكم والمحكوم.
يكفي أن يعبس الرأي العام في وجه العنف حتى يفقد كل قوته.
حين بدأت هذه الكتابة، توجَّه مئات الشباب من أمريكا الشمالية وأوروبا وأمكنة أخرى إلى أمريكا الوسطى وغيرها من المناطق لحماية العاملين في مجال حقوق الإنسان المهددين بوجودهم. وما زال عمل هؤلاء الشباب مجهولاً على نطاق واسع للجمهور الأمريكي، كما تصمت وسائل الإعلام صمتًا مُطبقًا على هذه التجربة الرائعة. ومع ذلك، إنهم موجودون هناك.
إذا استطاعت المقاومة السلبية أن تدحر الكراهية العرقية... فغاندي وزنوج مثل
كينغ سيُظهرون للعالم كيف تُدحَر الحرب نفسها. بعد حوالي ستة أسابيع على قصف هيروشيما وناغازاكي، اجتمعت مجموعة من العلماء النوويين البارزين في شيكاغو. وكان إنريكو فيرمي هو من استهل ردَّ الفعل المتسلسل: "الآن وقد أظهرت القنبلة قوتها المرعبة، البشرية مدعوَّة لمواجهة السؤال حول كيفية التعايش مع هذا الواقع". وكان العلماء مدركين بحدَّة أنَّ التاريخ قد شرع نافذةً لإمكانية نادرة بالنسبة لهم. فمن جهة، كان العالم مصدومًا ومشمئزًا جرَّاء الحرب المرعبة، ومن جهة أخرى، هم الذين خلقوا السلاح الذي انتهى إلى أن يكون مملوكًا تقريبًا بيد سلطة أشبه بالكهنوتية. ولا أحد آخر كان لديه تمامًا السمعة التي يتمتعون بها لتخطيط توجُّه للإنسانية يمكن أن يقود إلى السلام.
على مرِّ التاريخ الإنساني، منذ أقدم العصور وإلى يومنا هذا، كان العرفان أصدق تعبير عن العلاقة الحقيقية بين الإنسان وبين ذلك السرُّ العظيم الذي يحتضنه والمتواجد في قلبه – أقصد ذاته الداخلية الخاصة أو الألوهة. على مرِّ التاريخ الإنساني، كان هناك أناس تفاعلوا مع الحياة بعمق أكبر من سواهم، فأقاموا مع ذواتهم ومع العالم المحيط علاقةً تكاد أن تقارب حدَّ الكمال. وقد توصَّل هؤلاء البشر العاديين والخارقين معًا، بعقولهم وبقلوبهم، إلى فهم أعمق لأنفسهم وللسرِّ الكبير لهذا العالم، فهمٍ سرعان ما انعكس على من حولهم عرفانًا ما زلنا نعيشه بأشكال مختلفة حتى يومنا هذا.
|
|
|