|
علم نفس الأعماق
يُعتَبَرُ البحثُ في المشاكل المتعلِّقة بالمراحل
التي يمرُّ بها الإنسان في نموِّه من أصعب
المهام وأعقدها، لأنها تعني لا أقلَّ من
نَشْرِ ما انطوتْ عليه صورةُ الحياة النفسية
في كلِّيتها، من المهد إلى اللحد. وفي هذا
النطاق الضيق من هذا المقال، لا يمكننا
القيام بهذه المهمة إلا في الخطوط العريضة؛
وينبغي أن يكون مفهومًا تمامًا أننا لن نحاول
وصف الحوادث النفسية في مختلف المراحل، بل
سنقتصر بالأحرى على معالجة "مشاكل"
بعينها، أي على الأشياء الصعبة التي تبعث على
الشكِّ وتتسم بالغموض؛ باختصار، على المسائل
التي تسمح لنا بأكثر من جواب، بل تسمح لنا
بأجوبة هي عرضة للشكِّ على الدوام. ولهذا، سوف
يكون لدينا الكثير مما يجب أن نضيف إليه علامة
استفهام في أذهاننا. ولعل الأدهى من ذلك أن
تكون لدينا أشياء ينبغي لنا التسليم بها عن
إيمان، بينما ينبغي لنا أن نطلق لتخميناتنا
العنان بين الفينة والأخرى. هل الأزمة الحالية هي أزمة مساواة
المرأة مع الرجل؟ أم هي أزمة الرجولة؟ أم هي
أزمة هوية؟ إنها، في الواقع، هذه جميعًا. منذ
فرويد، نعلم أننا لسنا أسياد إرادتنا
بالكامل؛ إذ يدور فينا مشهدٌ آخر غير العقل هو
اللاوعي، مكان الرغبات المكبوتة الهاربة منا.
وقد حافظ المعالج النفسي كارل غ. يونغ على
لُباب النظرية الفرويدية، معتبرًا، من
ناحيته، أن اللاوعي، "كالماء الذي يحمل
السمكة ويسمح لها بالسباحة"، هو أيضًا
خزَّان كبير للإمكانات المخبوءة. يساهم هذا
الجزء المجهول فينا في تحقيق ذواتنا؛ ويسميه
يونغ باللامعقول. لو رفضْنا أخْذَ اللاوعي في
الاعتبار لارتدَّ إلينا عبر ضربات القدر.
يُعتبَر إنكارُه سذاجةً ويسبِّب لدى ناكريه
اضطرابات نَفْسجسمية وعصبية وجنسية وسواها.
يقودنا
التدبُّرُ في واقع حال البحث في مجال الظواهر
الخارقة في الغرب – لا محالة – إلى ضرورة
التفكير في انتهاج مسلك بديل، ينأى بنفسه عن
أن يكون نسخة مطابقة للمنهاج الغربي في
التعامل مع هذه الظواهر ويرنو إلى الأخذ
بتلابيب حقيقة ما يَحدُث فيها؛ كما يمكن
للعقل البشري أن يتأتى الوقوعَ عليها إذا ما
هو بادَرَ وأخذ بالأسباب الكفيلة بإيصاله
إليها. وإذا ما نحن أردنا أن نوجز بعضًا من أهم
الخصائص المكوِّنة لخطاب معرفي جديد يطمح إلى
الإحاطة المعرفية بهذه الظواهر غير المألوفة
فإن الواجب يقتضي منَّا أن لا نغفل عن استذكار
ما يلي...
|
|
|