|
دروس علم النفس التحليلي أطوار الحياة
يُعتَبَرُ البحثُ في المشاكل المتعلِّقة بالمراحل
التي يمرُّ بها الإنسان في نموِّه من أصعب
المهام وأعقدها، لأنها تعني لا أقلَّ من
نَشْرِ ما انطوتْ عليه صورةُ الحياة النفسية
في كلِّيتها، من المهد إلى اللحد. وفي هذا
النطاق الضيق من هذا المقال، لا يمكننا
القيام بهذه المهمة إلا في الخطوط العريضة؛
وينبغي أن يكون مفهومًا تمامًا أننا لن نحاول
وصف الحوادث النفسية في مختلف المراحل، بل
سنقتصر بالأحرى على معالجة "مشاكل"
بعينها، أي على الأشياء الصعبة التي تبعث على
الشكِّ وتتسم بالغموض؛ باختصار، على المسائل
التي تسمح لنا بأكثر من جواب، بل تسمح لنا
بأجوبة هي عرضة للشكِّ على الدوام. ولهذا، سوف
يكون لدينا الكثير مما يجب أن نضيف إليه علامة
استفهام في أذهاننا. ولعل الأدهى من ذلك أن
تكون لدينا أشياء ينبغي لنا التسليم بها عن
إيمان، بينما ينبغي لنا أن نطلق لتخميناتنا
العنان بين الفينة والأخرى. لو كانت
الحياة النفسية مؤلَّفة من حوادث ظاهرة
للعيان فقط – وهو الذي لم يزل عليه الحال في
المستوى الابتدائي – إذن لاكتفينا باعتماد
المذهب التجريبي اعتمادًا لا هوادة فيه. لكن
الحياة النفسية عند الإنسان المتمدِّن باتت
حافلة بالمشاكل إلى حدِّ أننا لم نعد نستطيع
التفكير فيها إلا من صيغة المشاكل؛ ثم إن
سياقاتنا النفسية باتت مكوَّنة من أفكار
وشكوك واختبارات تكاد أن تكون جميعها غريبة
تمامًا عن الإنسان البدائي وعقله الفطري
الخافي [= اللاواعي]. إن نشوء الواعية هو ما
ينبغي أن نردَّ إليه وجود المشاكل؛ إذ هي هبة
مريبة وهبتْنا إياها المدنية. وما خَلْقُ
الواعية في الإنسان سوى ابتعاده عن الفطرة،
ومعارضته فطرته بنفسه. فالفطرة هي الطبيعة،
وهي تسعى إلى تأييدها واستدامتها؛ أما
الواعية فلا تُنشِد إلا الثقافة أو التنكُّر
للطبيعة. وحتى حين نرجع إلى الطبيعة، بتأثير
من حنين روسُّو، فإنما "نثقِّف"
الطبيعة. ومادمنا غارقين في الطبيعة فنحن غير
واعين ونعيش في أمان الفطرة التي لا تعرف
المشاكل. كلُّ شيء فينا، مما لم يزل من
الطبيعة، ينفر من المشاكل، لأنها تثير فينا
من الشكوك ما لو استحكم لانعدم بإزائه اليقين
ونهض احتمالٌ لتفرُّق السُّبُل. وحيثما
تفرَّقتْ بنا السُّبُل أو تعددت، ابتعدنا عن
هَدْي الفطرة ويقينها، وأسلمنا أنفسنا إلى
الخوف. وعندئذٍ تصبح الواعية مدعوة إلى
القيام بما كانت تقوم به الطبيعة دائمًا حيال
أبنائها – أي إعطائنا القرار اليقين الذي لا
يتطرق إليه شكٌّ أو التباس. وهنا ينتابنا خوف،
هو من سمات بشريَّتنا نفسها، أن الواعية –
وهي غنيمتنا البروميثية – لن تستطيع أن تحلَّ
محلَّ الطبيعة في القيام بخدمتنا في نهاية
الأمر. وهكذا تجذبنا
المشاكل إلى حالة من اليتم والعزلة، حيث
تتخلَّى عنَّا الطبيعة وتقودنا إلى الوعي.
ليس أمامنا باب مفتوح آخر؛ وعندئذٍ نجدنا
مضطرين إلى اتخاذ القرارات واعتماد الحلول،
على حين كنَّا من قبلُ نَكِلُ أنفسَنا إلى
الحوادث الطبيعية. ولذلك كانت كلُّ مشكلة
تعترضنا تتيح لنا إمكانية اتساع الواعية،
لكنها تضطرنا أيضًا إلى وداع خافية الطفولة
وما كان يترتب عليها من ثقة في الطبيعة. هذا
الاضطرار حقيقة نفسية لها من الأهمية ما جعل
منها أحد التعاليم الأساسية الرمزية في
الديانة المسيحية، وهي التضحية بالإنسان
الطبيعي الصرف، أي بالكائن الساذج غير الواعي
الذي بدأ حياته المأساوية بأكل التفاحة من
الفردوس. إن سقوط الإنسان الذي ترويه التوراة
يُظهِر انبثاقَ فجر الوعي على أنه لعنة. والحق
أننا في هذا الضوء ننظر لأول مرة إلى كلِّ
مشكلة تجبرنا على مزيد من الوعي وتُبعِدنا
أكثر عن فردوس الطفولة غير الواعية. ما من
واحد منَّا إلا ويحلو له التهرُّب من مشاكله؛
ولو أمكنه الامتناع عن ذِكرها لامتنع، بل
لأنكر حتى وجودها. بودِّنا لو نجعل حياتنا
بسيطة، أكيدة، سَلِسَة – ولهذا السبب
عُدَّتْ المشاكل من المحرَّمات [= تابو].
وإننا نتخيَّر اليقين على الشكِّ، والنتائج
على الاختبارات، حتى بدون أن نرى أن اليقين لا
ينشأ إلا من الشكِّ، والنتائج إلا من
الاختبارات. والحق أن التنكُّر المتحايل على
المشكلة لا يورثنا القناعة، وإنما، على
العكس، يتطلب منا وعيًا أكبر وأعلى يمنحنا
اليقين والوضوح اللذين نحتاج إليهما. هذه المقدمة،
على طولها، بَدَتْ لي ضرورية لكي نبيِّن
طبيعة الموضوع الذي نتناوله. وعندما يتعيَّن
علينا أن نعالج المشاكل، نجدنا مضطرين
بالغريزة إلى رفض تجربة الطريق الذي يفضي بنا
إلى الظلام أو الغموض. لا نريد أن نسمع إلا
النتائج التي لا يشوبها التباس، ونريد أن
ننسى تمامًا أن هذه النتائج لا يمكن حصولها
إلا إذا أدلجنا في الظلام ثم خرجنا منه. ولكي
ندلج في الظلام لا بدَّ لنا من أن نستجمع جميع
قوى النور التي يتيحها لنا الوعي، أي أن نطلق
العنان للتخمينات، كما سبق أن قلت. ذلك أننا
في معالجتنا لمشاكل الحياة النفسية نقع
دائمًا على "مسائل مبدأ" تعود إلى
الميادين الخاصة بأكثر فروع المعرفة
اختلافًا، فنزعج رجل اللاهوت ونُغضِبه بما لا
يقلُّ عن إزعاجنا للفيلسوف وإغضابه، والطبيب
بما لا يقلُّ عن المربي؛ بل إننا نتلمس لنا
طريقًا في ميدان العالِم البيولوجي
والمؤرِّخ. هذا المسلك المسرف لا ينبغي لنا أن
نردَّه إلى غطرستنا، بل إلى كون النفس
البشرية مركَّبًا فريدًا من عوامل تشكِّل
بدورها موضوعات خاصة ذات خطوط من البحث بعيدة
المدى. ذلك أن الإنسان ينتج علومه من نفسه ومن
تكوينه المميَّز؛ فهي أعراض من نفسه. ولذلك لو
سألنا أنفسنا السؤال الذي لا مفرَّ منه: "لماذا
كان للإنسان، بكلِّ هذا التناقض الواضح مع
عالَم الحيوان، مشاكل؟"، لدخلنا في شبكة لا
فكاك منها من الأفكار التي تفتَّقتْ عنها
أذهانُ الآلاف من أصحاب العقول المرهفة على
مرِّ القرون. لن أقوم بأعمال سيزيف حيال
هذه المُربِكَة، وإنما سأحاول ببساطة أن أدلي
بدلوي في جملة محاولات الإنسان للإجابة عن
هذا السؤال الأساسي. لا مشكلة بلا
وعي. ولذلك ينبغي لنا أن نصوغ السؤال بطريقة
أخرى: كيف ينشأ الوعي؟ ما من أحد يستطيع أن
يجيب الجواب اليقين عن هذا السؤال؛ وإنما
بوسعنا ملاحظة الأطفال الصغار وهم في سياق
اكتسابهم الوعي. بوسع كلٍّ من الوالدين أن يرى
ذلك لو أعاره انتباهًا. وهذا ما نستطيع
ملاحظته: عندما يتعرف الولد إلى شخص أو شيء –
عندما "يعرف" شخصًا أو شيئًا – نشعر أنْ
قد صار عنده وعي. ولا شكَّ أن هذا يفسِّر لنا
لماذا حملتْ شجرة المعرفة في الفردوس مثل هذه
الثمرة المشؤومة. لكن ما هو
التعرُّف أو المعرفة بهذا المعنى؟ نقول إننا
"نعرف" شيئًا عندما نوفَّق إلى ربط إدراك
جديد إلى سياق قائم من قبلُ بطريقة تجعلنا نضع
في واعيتنا لا الإدراك الجديد وحده، بل سياقه
أيضًا. ولذلك تقوم "المعرفة" على رابطة
واعية فيما بين المحتويات النفسية. لا معرفة
بلا رابط فيما بين المحتويات، لأننا يمتنع
علينا عندئذٍ أن نعيها. إذن فأول طور من أطوار
الوعي يمكننا ملاحظته يتألف من مجرَّد الربط
بين محتويين نفسيين أو أكثر. وعند هذا
المستوى، تكون الواعية شيئًا متفرِّقًا ليس
أكثر، باعتبار أنها لا تمثل إلا بضع روابط؛
وأما المحتوى فلا نستذكره فيما بعد. ومن
الحقائق المقرَّرة أن الذاكرة المتصلة لا
وجود لها في السنوات الأولى من الحياة؛ وفي
أفضل الأحوال، لا توجد إلا جزر من الواعية
أشبه ما تكون بمصابيح منفردة، أو أشياء
مضاءة، في أعماق الظلام. لكن هذه الجزر من
الذاكرة ليست هي نفس الروابط الأولية فيما
بين المحتويات النفسية؛ إنها تحتوي على شيء
أكثر وشيء أجد. هذا الشيء هو هذه السلسلة
البالغة الأهمية من المحتويات النفسية
المترابطة التي تشكِّل ما ندعوه الأنيَّة.
والأنيَّة – شأنها كشأن سلسلة المحتويات
الأولية تمامًا – إنما هي موضوع في الواعية؛
ولهذا السبب يتحدث الطفل عن نفسه في بادئ
الأمر بصورة موضوعية، بصيغة الغائب. ولا ينشأ
الشعور بالذاتية أو "الأنيَّة" إلا في
وقت متأخر، بعد أن تكون محتويات الأنيَّة قد
شُحِنَتْ بطاقة خاصة بها (ويُحتمَل جدًّا أن
يكون هذا نتيجة للدربة والمران). ولا شكَّ أن
هذه هي اللحظة التي يبدأ فيها الطفل بالتحدث
عن نفسه بصيغة المتكلِّم. عند هذا المستوى
تتشكَّل بداية الذاكرة المتصلة. ولذلك هي
استمرار لذكريات الأنيَّة بصفة أساسية. في المرحلة
الطفولية من الوعي ليس ثمة من مشكلة بعد؛ لا
شيء يتوقف على الذات، لأن الطفل نفسه يظل
يعتمد كليًّا على أبويه. فكأنه لم يولد بعد
تمامًا، بل يظل محاطًا بجوِّ أبويه النفسي.
إنما تحدث الولادة النفسية، ومعها الشعور
بتميُّز الأنيَّة عن الأبوين، في مجرى
الأشياء الطبيعي، في سنِّ البلوغ وما يرافقه
من انفجار في الحياة الجنسية. فالتغيُّر
الفسيولوجي تصاحبُه ثورة نفسية. ذلك أن مختلف
الظواهر الجسمانية تمنح الأنيَّة نوعًا من
التوكيد يجعلها تؤكد نفسها بدون حدٍّ ولا قيد.
وهذا ما يسمى أحيانًا بـ"السن التي لا
تُطاق". حتى بلوغ هذا
الطور تظل حياة الفرد النفسية محكومة بنوازع
الغريزة ولا تصادف من المشاكل إلا أقلها، أو
هي لا تصادف مشاكل على الإطلاق. وحتى حين
تعترض القيودُ الخارجية سبيلَ النوازع
الذاتية، لا تجعل هذه القيود الفردَ في نزاع
مع نفسه. إنه حتى الآن لا يعرف حالة التوتر
الداخلي الذي تجلبه المشكلة. ولا تنشأ هذه
الحالة من التوتر إلا عندما يصبح القيد
الخارجي عقبة داخلية، أي عندما يتعارض نازعٌ
مع نازع آخر. وباعتماد المصطلح البسيكولوجي:
الحالة التي تحرِّضها المشكلة – حالة أن يكون
المرء في نزاع مع نفسه – إنما تنشأ عندما تظهر
إلى الوجود، إلى جانب سلسلة محتويات
الأنيَّة، سلسلةٌ ثانية تساويها في الشدة.
لهذه السلسلة الثانية، بما تشتمل عليه من
طاقة، أهمية وظيفية تساوي أهمية مركَّب
الأنيَّة، حتى ليمكننا أن ندعوها أنيَّة أخرى
أو ثانية، تستطيع في حالة معينة أن تنتزع
القيادة من الأولى. إن من شأن هذا أن يُحدِث
اغترابًا عن النفس؛ وهو الحالة التي تنذر
بوقوع المشكلة. نوجز ما
تقدَّم بما يلي: الطور الأول من الوعي الذي
يتكوَّن من التعرُّف أو "المعرفة" هو
حالة من الفوضى أو العماء. والطور الثاني –
وهو طور نشوء مركَّب الأنيَّة – هو طور
الأحادية. أما الطور الثالث فهو خطوة أخرى نحو
الوعي، وهو عبارة عن استيعاء المرء حالتَه
المنقسمة، وهو طور الثنائية أو الازدواجية. وهنا نبدأ
موضوع بحثنا الفعلي، وأعني به مسألة مراحل
الحياة أو أطوارها. قبل كلِّ شيء، ينبغي لنا
أن نتناول مرحلة الشباب. وتمتد هذه المرحلة
بصورة تقريبية ابتداءً من السنوات التي تعقب
سني البلوغ مباشرة حتى منتصف العمر، الذي
يمتد بدوره بين سنِّ الخامسة والثلاثين وسنِّ
الأربعين. ورُبَّ سائل
يقول: لماذا اخترت البدء بالمرحلة الثانية من
الوجود البشري؟ أليس في سنِّ الطفولة مسائل
صعبة؟ والحق أن حياة الطفل النفسية المركَّبة
مشكلة في الدرجة الأولى من الأهمية في نظر
الآباء والمربين والأطباء. لكن الطفل، إن كان
سويًّا، فليست عنده مشاكل حقيقية خاصة به.
إنما تنشأ المشاكل عندما يشبُّ الكائن البشري
عن الطوق وتُخامِره الشكوك حول نفسه ويغدو في
نزاع معها. نحن جميعًا
نعرف حقَّ المعرفة من أين تنشأ المشاكل في
مرحلة الشباب. فمطاليب الحياة بصورة عامة تضع
حدًّا لأحلام الطفولة لدى غالبية الناس. فإن
كان الفرد قد أُعِدَّ إعدادًا كافيًا، كان
انتقالُه إلى الحياة المهنية انتقالاً
سَلِسًا. أما إن كان متعلقًا بأوهام تتناقض مع
الواقع، فلا مفرَّ عندئذٍ من وقوع المشاكل. ما
من أحد يخطو خطوة في هذه الحياة إلا وعنده
مسلَّمات معينة – وقد تكون هذه المسلَّمات
خاطئة أحيانًا، أي ربما كانت لا تتناسب مع
الظروف التي يجد المرء نفسه فيها؛ وهي غالبًا
ما تكون تمنيات أو آمالاً بولغ فيها، أو مصاعب
قلَّلنا من شأنها، أو تفاؤلاً ليس له ما
يسوِّغه، أو قد تكون موقفًا سلبيًّا.
وبإمكاننا إعداد قائمة كاملة بالمسلَّمات
التي كانت سببًا في أولى مشاكل الوعي. لكن المشاكل
لا تنشأ دائمًا عن التضارُب بين المسلَّمات
الذاتية والوقائع الخارجية وحسب، وإنما قد
تنشأ أيضًا عن اضطرابات داخلية، مثلما هي
عليه الحال في الغالب. فقد تنشأ حتى حين تجري
الأمور في العالم الخارجي بصورة سَلِسَة
تمامًا؛ إذ غالبًا ما تنشأ المشاكل عن اختلال
في التوازن النفسي سببه الدافع الجنسي. وربما
يساوي الدافع الجنسي الشعور بالنقص الذي ينتج
من حساسية مفرطة. وقد توجد هذه الصعوبات
الداخلية حتى حين يكون التكيُّف مع العالم
الخارجي قد تحقق بدون جهد ظاهر؛ بل وحتى حين
يبدو الشباب الذين اضطروا إلى خوض كفاح مرير
في سبيل الوجود لا يعانون من مشاكل داخلية،
على حين أن الذين كان تكيُّفهم، لهذا السبب أو
ذاك، قد جرى رخوًا رهوًا، يعانون من مشاكل
جنسية أو من نزاعات نشأتْ عن شعورهم بالنقص. ومن الناس من
لهم أمزجة خاصة تخلق لهم المشاكل؛ وهؤلاء، في
الغالب، أناس معصوبون [= مصابون بالعُصاب]. لكن
من سوء الفهم الخطير خَلْطَ هذه المشاكل
بالعُصاب. فثمة فرق كبير بين الاثنتين:
المعصوب مريض لأنه لا يعي مشاكله؛ بينما صاحب
المزاج الصعب يعاني من مشاكل يعيها، لكن دون
أن يكون مريضًا. ولو نحن ذهبنا
نحاول استخلاص العوامل المشتركة الأساسية
التي تتفرَّع عنها المشاكل التي نجدها في طور
الشباب، لوجدنا، في جميع الحالات تقريبًا،
سمة خصوصية: تعلقًا متفاوت الظهور بالمستوى
الطفولي من الوعي، وتمردًا على القوى الحتمية
فينا وفيما حولنا، التي تميل إلى زجِّنا في
العالم. إن شيئًا فينا يريد أن يظلَّ طفلاً،
أو غير واعٍ، أو واعيًا – في أبعد الأحوال –
للأنيَّة فقط؛ هذا الشيء يريد أن ينبذ كلَّ ما
هو غريب، أو على الأقل يريد إخضاعه لإرادتنا؛
هذا الشيء لا يريد منا أن نفعل شيئًا، أو
ننغمس في شهوتنا إلى اللذة أو السلطة. ونلاحظ
في هذا الميل شيئًا أشبه ما يكون بعطالة
المادة، وهو أن نبقى على حالة، مازالت موجودة
حتى الآن، ذات مستوى من الوعي أصغر من الوعي
في طور الثنائية أو أضيق أو أكثر أنيَّة منه.
ذلك أن الإنسان في هذا الطور مضطر لأن يعترف
ويقبل بما هو مختلف وغريب عنه وأن يعتبره
جزءًا من حياته بالذات، نوعًا من "أنا
أيضًا". إن اتساع أفق
الحياة هو السمة الأساسية في طور الثنائية
الذي نتصدى له بالمقاومة. ومن الثابت أن هذا
الاتِّساع – أو هذا الانبساط، على حدِّ
تعبير غوته – يبتدئ قبل زمن من هذه المرحلة.
فهو يبتدئ عند الولادة، في اللحظة التي يغادر
فيها الجنين رحم أمِّه الضيقة، ثم يأخذ في
الاتساع شيئًا فشيئًا حتى يبلغ نقطة حَرِجَة
من ذلك الطور؛ وعندئذٍ يبدأ بمقاومته بعد أن
تُحدِق به المشاكل من كلِّ جانب. ماذا يحدث
للمرء لو تغيَّر وأصبح تلك الأنيَّة الأخرى،
الغريبة، الـ"أنا أيضًا"، وأجاز
للأنيَّة الأولى أن تتوارى في الماضي؟ ولعلنا
نحسب هذا الأمر قابلاً للحدوث. والحق أن الهدف
الحقيقي من التربية الدينية، بدءًا من الحضِّ
على التخلص من "آدم القديم"، رجوعًا في
الزمان إلى طقوس الولادة الجديدة لدى الأقوام
البدائية، إنما هو تحويل الكائن البشري إلى
إنسان مستقبلي جديد، وتهيئة فرص الانقراض
أمام أشكال الحياة القديمة. يعلِّمنا علم
النفس أنه، بمعنى ما، لا يوجد في النفس شيء
قديم، وفي نفس الوقت لاشيء يتلاشى نهائيًّا،
في الواقع. حتى القديس بولس لم يُترَك بدون
"شوكة في الجسد".*
ومن يَقِ نفسه من الجديد والغريب وينكفئ بذلك
إلى الماضي، يقع في نفس الحالة العُصابية
التي يقع فيها من يتواحَد مع الجديد ويتهرَّب
من الماضي. والفرق الوحيد بينهما أن أحدهما
اغترب عن الماضي، والآخر اغترب عن المستقبل.
من حيث المبدأ، كلاهما يفعل الشيء نفسه؛
كلاهما يستأثر بحالة ضيقة من الوعي. والبديل
هو كَسْر هذه الحالة بواسطة التوتر الملازم
لاصطراع الأضداد – في طور الثنائية –
وعندئذٍ تنشأ حالة من الوعي أوسع وأرقى. لو أمكن
الوصول إلى هذه النتيجة في المرحلة الثانية
من الحياة لكان الأمر مثاليًّا – لكنْ ههنا
المشكلة، لسبب واحد هو أن الطبيعة لا تهتم
أبدًا بمستوى أعلى من الوعي؛ وإنما الأمر
عندها هو على العكس من ذلك. ثم إن المجتمع لا
يقدِّر تقديرًا عاليًا هذه المآثر التي تجري
في داخل النفس؛ فهو يمنح جوائزه دائمًا
للأعمال لا للأشخاص – هؤلاء يكافَؤون، في
القسم الأعظم، بعد الموت. وإذا كان الأمر
كذلك، كان الحلُّ المخصوص لهذه المشكلة أمرًا
اضطراريًّا: نحن مضطرون إلى الاقتصار على ما
هو في متناولنا وإظهار استعدادات مخصوصة،
لأننا بهذه الطريقة نستطيع اكتشاف وجودنا
الاجتماعي. العمل
والمنفعة وما أشبه ذلك هي المُثُل العليا
التي يبدو أنها تنتشلنا من اختلاط المشاكل
المتزاحمة، وربما تكون هي نجمنا القطبي في
مغامرة امتداد حياتنا النفسية وتصليب عودها.
ولعلها تعيننا على ضرب جذورنا في العالم؛
لكنها لا تستطيع أن ترشدنا إلى تنمية واعيتنا
التي أعطيناها اسم الثقافة. على أيِّ حال، إن
هذا هو المسار الطبيعي في طور الشباب، وهو في
جميع الظروف خير من التخبُّط في مُضطَّرَب
المشاكل. ولذلك يتمُّ
حلُّ المعضلة على الوجه التالي: كلُّ ما
يعطينا إياه الماضي يتكيَّف تبعًا لإمكانيات
المستقبل ومتطلَّباته، فنقتصر على ما هو في
متناولنا؛ وهذا يعني أننا نزهد في جميع
الإمكانيات الأخرى. فإنسان يفقد جزءًا
قيِّمًا من ماضيه، وآخر جزءًا قيِّمًا من
مستقبله. ومَن منَّا لا يتذكر أصدقاء له أو
رفاق مدرسة كانوا شبابًا واعدين ومثاليين؛
ولكن، عندما التقينا بهم فيما تلا من السنين،
وجدناهم قد يَبِسَ عودُهم وتحجَّروا في قالب
ضيق. هؤلاء أمثلة على الحلِّ الذي أشرنا إليه. غير أن
المشاكل الخطيرة في الحياة لا تنحلُّ بصورة
نهائية أبدًا؛ وإذا ما بدت لنا أنها كذلك، كان
معنى ذلك أننا قد أضعنا شيئًا. إن معنى
المشكلة وتصميمها لا يكمن في حلِّها، على ما
يبدو، وإنما في العمل الدائب على حلِّها؛
وهذا وحده يحفظنا من السخف والتحجُّر. وهذا
ينطبق أيضًا على حلِّ المشاكل المتعلقة بطور
الشباب، وهو الحلُّ الذي ينهض على الاقتصار
على ما هو في متناولنا؛ لكن مفعوله غير دائم
ولا يستمر بمعنى أعمق. طبعًا، أن نحتل مكانة
في المجتمع، وأن نغيِّر طباعنا تغييرًا
يتلاءم كثيرًا أو قليلاً مع هذه الحياة، لهو
إنجاز بالغ الأهمية في كلِّ الأحوال. إنه صراع
نخوضه مع أنفسنا كما نخوضه مع العالم
الخارجي؛ وهو أشبه ما يكون بصراع الطفل
دفاعًا عن أنيَّته. ويجب أن نسلِّم بأن هذا
الصراع غير ملحوظ لأنه يحدث في الظلام. غير
أننا عندما نرى أوهام الطفولة، وسوابق
أفكارها، وعاداتها الأنانية، كيف تظل تتشبث
عنيدة فيما يليها من السنين – عندئذٍ ندرك
الجهد الذي بذلتْه في تكوينها. ثم إن هذا
ينطبق أيضًا على المُثُل العليا والقَناعات
والأفكار التي ترشدنا وعلى المواقف التي
تقودنا في إلى الحياة، التي في سبيلها نقاتل
وفي سبيلها نتألم ونحرز الانتصارات: إنها
تنمو بنموِّنا، حتى إنها لتصير إيانا
ظاهريًّا؛ ولذلك نُديمها مسرورين ونعدُّها
من الأمور البديهية، تمامًا مثلما يؤكد
الطفلُ أنيَّته في وجه العالم على رغم أنفه –
وأحيانًا لكي يناكد نفسه! وكلما دنونا
من منتصف العمر، وأفلحنا في تحصين أنفسنا
داخل منطلقاتنا الشخصية ومركزنا الاجتماعي،
بدا الأمر لنا كما لو أننا عرفنا المسار
الصحيح والمُثُل العليا ومبادئ السلوك
القويم، فنحسبها صالحة للأبد، ونجعل من
التمسُّك الدائم بها إحدى فضائلنا. نحن نغفل
كليًّا عن الحقيقة الأساسية، وهي أن المآثر
التي يكافئنا عليها الجميع إنما نجنيها على
حساب الانتقاص من شخصيتنا. إن جوانب كثيرة
جدًّا من الحياة، كان ينبغي لنا أن نختبرها،
تظل قابعة في بيت المؤونة بين الذكريات التي
تَرَاكَمَ عليها الغبار؛ حتى إنها لتكون في
أكثر الأحيان جمرات متقدة تحت الرماد. تُظهِر لنا
الجداول الإحصائية زيادة تواتر حالات
الاكتئاب الذهني عند الرجال الذين بلغوا سنَّ
الأربعين أو دنوا منها. أما النساء فتبدأ
عندهن المتاعب العُصابية بوجه عام في سنٍّ
أبكر بعض الشيء. في هذه المرحلة من الحياة –
بين الخامسة والثلاثين والأربعين – نرى في
النفس البشرية تغييرًا كبيرًا يجري إعداده.
في أوله، لا يكون التغيير واعيًا ظاهرًا، بل
علاماته غير مباشرة على تغيُّر يبدو أنه يصعد
من الخافية [= اللاوعي]. وفي الغالب يكون أشبه
بتغيُّر بطيء في طباع الفرد؛ وفي حالات أخرى،
ربما تعود إلى الظهور ملامحُ بعينها كانت
اختفت منذ سنِّ الطفولة؛ أو تبدأ تضعف بعض
الميول والاهتمامات، لكن تنهض ميول
واهتمامات أخرى محلَّها. كذلك كثيرًا ما يحدث
أن تتصلَّب المعتقدات والمبادئ – وخاصة
المبادئ الأخلاقية – التي سلَّمنا بها حتى
ذلك الحين وتقسو إلى حدٍّ نصل معه إلى التعصب
وعدم التسامح؛ وهذا يحدث عند نقطة ونحن ندلف
إلى الخمسين. عندئذٍ يبدو الأمر لنا كما لو أن
وجود هذه المبادئ قد تعرِّض للخطر، فيصبح من
الضروري تثبيتُها وتقويتُها. نبيذ الشباب
لا يظل صافيًا مع تقدُّم السن، بل غالبًا ما
يتكدَّر صفوُه. وبوسعنا أن نرى جميع المظاهر
التي ذكرناها أعلاه تبرز، عاجلاً أحيانًا أو
آجلاً أحيانًا أخرى؛ وهي على أوضح ما تكون عند
الأحاديين نوعًا ما. وعندي غالبًا ما يتأخر
ظهورها من جراء بقاء الأبوين على قيد الحياة؛
وعندئذٍ تكون الحال كما لو أن فترة الشباب قد
استمرت على خلاف ما ينبغي. لقد عانيت هذا
بصورة خاصة في حالات أناس عمَّر آباؤهم
طويلاً، حتى إذا مات الأب كان لموته فعل النضج
السابق لأوانه الذي يكاد أن يكون مفجعًا. أعرف رجلاً
تقيًّا كان يعمل راعي كنيسة. ولما جاوز
الأربعين أخذ يُبدي تزمتًا متناميًا لا يُطاق
في أمور الأخلاق والدين، وصار في نفس الوقت
حادَّ المزاج بشكل ظاهر؛ ثم أمسى ليس أكثر من
"عمود كنيسة" منخفض قابع في الظلام.
وظلَّ ماضيًا على هذا المنوال حتى بلغ
الخامسة والخمسين، حين استيقظ فجأة في إحدى
الليالي وقال لامرأته: "الآن أدركت أخيرًا!
ما أنا في الحقيقة إلا مجرد وغد." لكن هذه
المعرفة الذاتية لم تبقَ بدون آثار. لقد أنفق
سني عمره الأخيرة في حياة صاخبة بدَّد فيها
شطرًا كبيرًا من ثروته. من الواضح أنه شخص
ظريف جدًّا، قادر على الاستقصاء في كلا
النقيضين. إن تكرار
الاضطرابات العُصابية هو السمة العامة كلما
تقدَّم العمرُ بالإنسان: إنها تشي بمحاولة
نقل الاستعدادات النفسية الشبابية إلى ما
وراء وصيد ما يُدعى بسنِّ الكتمان. مَن منَّا
لا يعرف أولئك الشيوخ الظرفاء الذين ألزموا
أنفسهم دائمًا بتسخين طبق أيام الدراسة
وإيقاد لهب الحياة من ذكريات بطولة أيام
الشباب، ويلتزمون جهالة ميؤوسًا منها فيما
تبقَّى لهم من العمر؟ لكنهم بعامة يتمتعون
قطعًا بمزية، يخطئ من يستهين بها: هؤلاء ليسوا
بمعصوبين قطعًا، بل ثقيلون متجمِّدون، لأن
المعصوب بالأحرى شخص لا يستطيع أبدًا أن تكون
له الأشياء كما يريد لها أن تكون في الحاضر؛
فهو بالتالي لا يستطيع أن يستمتع بالماضي
أبدًا. والمعصوب، كما
أنه لم يستطع أن يتهرَّب من الطفولة فيما مضى،
كذلك هو الآن لا يستطيع أن يفترق عن شبابه؛
إنه يجفل من الأفكار الرمادية التي تُشعِره
بتقدُّم سنِّه؛ وهو إذ يشعر بأن المستقبل
أمامه أمر لا يُطاق، تجده يجهد دومًا لأن ينظر
إلى الخلف. وكما أن الشخص الطفولي يجفل من
المجهول في العالم وفي الحياة البشرية، كذلك
يخشى مَن تقدَّمتْ به السنُّ النصفَ الثاني
من الحياة؛ إذ يبدو له الأمر كما لو أن مهمات
مجهولة تحفُّ بها المخاطر مطلوب منه أن يقوم
بها، أو كما لو أنه مهدَّد بتضحيات وخسائر لا
يودُّ قبولها، أو كما لو أن حياته تبدو له حتى
الآن حياة جميلة غالية لا يمكنه الاستغناء
عنها. أو لعله – في
العمق – خوف من الموت؟ إن هذا لا يبدو لي
أمرًا محتمَلاً جدًّا، لأن الموت عمومًا لم
يزل بعيدًا؛ ولذلك لا يُنظَر إليه إلا في ضوء
مفهوم تجريدي. تُظهِر لنا الخبرة بالأحرى أن
الأساس والسبب في جميع صعوبات هذه النقلة
إنما يكمنان في تغير عميق ومميَّز يحدث في
دخيلة النفس. ولكي أصف هذا التغيُّر أشبِّهه
بمسار حركة الشمس اليومية – لكنها شمس لها
مشاعر الإنسان وواعيتُه المحدودة. في الصباح
تشرق الشمس من قلب بحر الليل، بحر الخافية،
وتطلُّ على العالم المتألِّق الذي يمتد
أمامها مسافة تتسع باطِّراد كلما عَلَتْ في
كبد السماء. وهي، إذ توسع ميدان فعلها كلما
عَلَتْ، تدرك أهميتها وترى أن هدفها هو
الوصول إلى أعلى ارتفاع ممكن حتى تُشيعَ
بركاتِها على أوسع نطاق. بهذا الإيمان تواصل
سيرها غير المتوقَّع سلفًا حتى تصل إلى
السَّمْت؛ وهو سير غير متوقَّع سلفًا لأن
مسارها وحيد فريد، ولا يمكن احتساب أعلى نقطة
فيه مقدمًا. حتى إذا كان الظُّهر بدأت بالنزول
– والنزول معناه عكس المُثُل والقيم التي
كانت عزيزة غالية عند الصباح. وعندئذٍ تقع
الشمس في تناقض مع نفسها، حتى ليُمسي الأمر
كما لو أن عليها أن تسحب أشعتها إلى الداخل
بدلاً من إصدارها؛ فما يلبث النور والدفء حتى
يخفتا وينطفئا في نهاية المطاف. كلُّ تشبيه
أعرج؛ لكن هذا التشبيه على الأقل ليس أعرج من
غيره. ثمة حكمة فرنسية توجز لنا ذلك في نوع من
الإذعان الساخر: "ليت الشباب يدري وليت
الشيخوخة تَقْدِر."** لحسن الحظ،
نحن البشر لسنا شموسًا تطلع وتغيب، وإلا
لكنَّا سرنا بعكس
قيمنا الثقافية. إلا أن فينا شيئًا يشبه
الشمس؛ فالكلام عن صباح الحياة وربيعها، وعن
مسائها وخريفها، ليس مجرد رطانة عاطفية. فنحن
بهذا لا نعبِّر عن حقيقة بسيكولوجية وحسب،
وإنما عن حقيقة فسيولوجية أيضًا؛ ذلك لأن
الانقلاب عند الظهيرة يغيِّر حتى من صفاتنا
الجسمانية. ويمكننا أن نلاحظ عند شعوب الجنوب
بصفة خاصة أن المرأة العجوز يخشوشن صوتها
ويعمق، ويطر شاربها، وتقسو ملامح وجهها،
وتتَّسم بغير ذلك من سمات الذكورة؛ كما
نلاحظ، من ناحية ثانية، أن الخصائص الجسمانية
المذكرة عندهم تخفِّفُ منها ملامحُ أنثوية،
كالسِّمنة ونعومة قسمات الوجه. في الآداب
الإثنولوجية حكاية شائقة تُروى عن قائد محارب
هندي أحمر، لما بلغ منتصف العمر ظهر عليه الروح
الأعظم في المنام، وطلب منه، منذ ذلك الحين
فصاعدًا، أن يجلس بين النساء والأطفال وأن
يرتدي ملابسهن ويأكل من طعامهن، فامتثل للحلم
بدون أن يفقد من هيبته. إن هذه الرؤيا تعبِّر
تعبيرًا صادقًا عن الانقلاب النفسي الذي يحدث
للإنسان في ظهيرة الحياة، أو عند بداية
انحدارها. فقِيَمُ الإنسان، بل وحتى جسمه،
كلُّ ذلك يميل إلى الخضوع للانقلاب نحو
النقيض. يمكننا تشبيه
الذكورة والأنوثة ومكوِّناتهما النفسية
بمخزن مواد معيَّن استُنفدَتْ منه في النصف
الأول من الحياة مقادير غير متساوية. فالرجل
يستنفد مخزونًا ضخمًا من مادة الذكورة،
ويتعيَّن عليه الآن أن يستعمل القليل الباقي
من مادة الأنوثة. وما يجري مع المرأة هو العكس
تمامًا؛ فهي تتيح لمخزونها المهمَل من مادة
الذكورة أن ينشط في أواخر أيامها. وترجح كفة هذا
التحوُّل في مجال النفس بأكثر من رجحانها في
المجال الجسماني. فكثيرًا ما يصادفنا امرؤ في
الأربعين أو الخمسين يصفِّي أعماله، فتقوم
امرأتُه بارتداء البنطلون وتفتح حانوتًا
صغيرًا تؤدي فيه أعمالاً تتطلب منها مهارة
يدوية في بعض الأحيان. ومن النساء كثيرات
ممَّن لا يكترثن بالمسؤولية الاجتماعية ولا
يستيقظ فيهن الوعي الاجتماعي إلا بعد سنِّ
الأربعين. ولقد بات من الشائع جدًّا في الحياة
العملية الحديثة – ولاسيما في الولايات
المتحدة – أن يحدث للناس انهيار عصبي في سنِّ
الأربعين أو بعده. ونحن لو درسنا ضحايا هذا
الانهيار عن كثب لوجدنا أن الشيء الذي انهار
إنما هو الأسلوب المذكَّر في الحياة الذي
ظلَّ يحتل الساحة حتى الآن؛ وأما الباقي
فرجلٌ متأنِّث. وفي الاتجاه المعاكس، يمكننا
ملاحظة النساء، في نفس هذه الميادين من
العمل، وقد نمَّين في النصف الثاني من الحياة
ذكورة غير شائعة وصرامة تُلقي بالمشاعر
والقلب على قارعة الطريق. وما أكثر ما يكون
هذا الانقلاب مصحوبًا بجميع أنواع الكوارث
الزوجية؛ إذ ليس من الصعب أن نتصور ما يحدث
عندما يكتشف الزوج مشاعره الرقيقة، والزوجة
ذكاءها الحاد. ولعل الأسوأ
من هذا كلِّه أن تكون هذه الميول عند أناس
مثقفين وأذكياء، لكنهم لا يعرفون شيئًا حتى
عن إمكانية حصول مثل هذه التحولات. فنجدهم
يخوضون غمار النصف الثاني من الحياة وهم
عُزَّل من السلاح تمامًا. أو لعلَّه توجد
كلِّيات لِمَن هم في سنِّ الأربعين،
تُعِدُّهم لما تبقى لديهم من العمر
ومتطلَّباته، مثلما تقوم الكلِّيات العادية
بإعداد الشباب لمعرفة العالم والحياة؟ كلا،
لا توجد ولا واحدة. فنحن نخطو خطواتنا في
عَصْر الحياة ونحن عُزَّل تمامًا؛ وشرٌّ من
ذلك أننا نتخذ هذه الخطوات ومعنا سوابق
افتراضات خاطئة بأن حقائقنا ومُثُلنا العليا
سوف تظل تخدمنا كما خدمتنا حتى الآن. لكننا لا
نستطيع أن نعيش عَصْر الحياة طبقًا لبرنامج
صبح الحياة، لأن الذي كان كبيرًا عند الصباح
أمسى صغيرًا عند المساء، وما كان صدقًا
صباحًا أمسى كذبًا مساءً. لقد بلغ مَن
تولَّيتُ معالجتهم ونقَّبتُ في حجرات نفوسهم
السرية، ممَّن كانوا في سنٍّ متقدمة، من
الكثرة حدًّا يمنعني من ألا أتأثر بهذه
الحقيقة الأساسية. على من
تقدَّمتْ به السنُّ أن يعلم أن حياته غير
سائرة صُعُدًا، ولا هي ماضية في التفتح؛ إنما
عليه أن يعلم أن ثمة سياقًا داخليًّا عنيدًا
يفرض على الحياة أن تتقلَّص. فالشاب يكاد أن
يأثم، لا بل من الخطر عليه، إذا هو أسرف في
الانشغال بنفسه؛ بينما الكهل من واجبه، لا بل
من الضروري له، أن يمنح نفسه اهتمامًا جادًّا.
فالشمس، بعد أن تكون قد أراقت ضياءها سخية على
العالم، تعود فتلملم أشعتها لكي تضيء نفسها.
كثير من الشيوخ، بدلاً من أن يفعلوا ذلك،
يفضِّلون الاهتمام بصحَّتهم حتى الوسوسة، أو
هم يصابون بداء البُخل، أو يصبحون عقائديين،
أو مهلِّلين للماضي، أو مراهقين إلى الأبد –
كلُّ هذه تعويضات يُرثى لها عن إنارة نفوسهم؛
لكنها عواقب لا بدَّ منها، تنتج عن التوهُّم
بأن النصف الثاني من الحياة يجب أن تحكمه
مبادئُ النصف الأول. قلت لتوِّي
أنْ ليست لدينا مدارس لِمَن بلغوا سنَّ
الأربعين؛ لكن هذا القول غير صحيح تمامًا.
فأدياننا كانت على الدوام هي هذه المدارس
فيما مضى؛ لكنْ كم منَّا يعتبرها اليوم كذلك؟
كم منَّا نحن، الطاعنين في السن، من تربَّى
ونشأ في هذه المدارس، وتمَّ إعدادُه من أجل
النصف الثاني من الحياة، ومن أجل الشيخوخة،
ومن أجل الأبدية؟ إن الكائن
البشري ما كان ليبلغ سنَّ السبعين أو
الثمانين لو لم يكن لهذا العمر الطويل معنًى
بالنسبة إلى النوع الذي ينتسب إليه. إن عَصْر
الحياة البشرية أيضًا يجب أن يكون له مغزًى
خاص به، ولا يمكن أن يكون مجرَّد استطالة
بائسة لصبح الحياة. لا ريب في أن صبح الحياة
يكمن في تنمية الفرد، في تَمَتْرُسنا في
العالم الخارجي، في إدامة نوعنا، وفي العناية
بأطفالنا. تلك هي الغاية البيِّنة للطبيعة.
ولكن حين يتم بلوغ هذه الغاية – وحتى يُغالى
في بلوغها – هل سيتواصل قُدُمًا كسبُ المال،
وتكثيرُ المكاسب، وتوسيعُ الحياة، فيما
يتعدى حدود العقل والمعقول؟ كلُّ مَن يجيء
بقانون الصبح – أي مقاصد الطبيعة – ليطبِّقه
على العَصْر يجب عليه أن يدفع ثمن فعلته ضررًا
يلحق بنفسه، تمامًا مثلما لا بدَّ للشاب
الناشئ الذي يحاول أن ينجو بأنانيته الطفولية
من أن يدفع ثمن هذا الخطأ فشلاً اجتماعيًّا.
ما كَسْبُ المال والحياة الاجتماعية والأسرة
والرفاهية إلا محض الطبيعة – وليست ثقافة.
فالثقافة تقع فيما يتعدى مقاصد الطبيعة. فهل
يمكن أن يُتَّفَق للثقافة أن تكون معنى النصف
الثاني من الحياة وقصده؟ نلحظ في
القبائل البدائية أن الشيوخ يكادون أن يكونوا
دومًا القيِّمين على الأسرار والقوانين؛ وفي
هذه يعبِّر التراث الثقافي للقبيلة عن نفسه.
فماذا عنَّا؟ أين حكمة شيوخنا – أين أسرارهم
النفيسة ورؤاهم؟ شيوخنا، في غالبيتهم،
يحاولون أن يُجاروا الشباب. ففي الولايات
المتحدة يكاد يكون من قبيل المثال أن يكون
الأبُ أخًا لأبنائه، وأن تكون الأم، إن أمكن،
الأخت الصغرى لابنتها. لا أدري كم من
هذا اللَّبْس يعود إلى ردِّ فعل على مبالغةٍ
أقدم في هيبة العمر، وكم يُرَدُّ منه إلى
المُثُل الزائفة. فلا ريب أن هذه موجودة، وهدف
الذين يأخذون بها يقع خلفًا، وليس في الأمام.
لذا فإنهم دومًا يكدُّون للنكوص القهقرى.
ينبغي أن نقرَّ لهؤلاء الأشخاص أنه من العسير
رؤية أيِّ هدف آخر يمكن أن يمنحه النصف الثاني
من الحياة غير هدف النصف الأول المعروف. توسيع
الحياة، المنفعة، الكفاءة، احتلال منزلة
مرموقة في الحياة الاجتماعية، وتوجيه
الأبناء الحاذق لترتيب زيجات مناسبة ومناصب
نافذة – أليست هذه الغايات كافية؟ لسوء
الحظِّ فإن هذا لا يؤمِّن ما يكفي من المعنى
أو الغاية لأشخاص كثيرين يرون في دنوِّ
الشيخوخة محض نقصان في الحياة، ويرنون إلى
مُثُلهم السابقة كمجرد شيء ذابل وبالٍ.
بالطبع، لو ملأ هؤلاء الأشخاص سابقًا دنَّ
الحياة وأفرغوه حتى الثمالة لشعروا بكلِّ شيء
شعورًا مختلفًا تمامًا الآن؛ لو أنهم لم
يستبْقوا شيئًا لالتهمت النيران كلَّ ما
يحترق حتى الاستهلاك، ولرحَّبوا بسكينة
الشيخوخة أحرَّ الترحيب. لكننا ينبغي ألا
ننسى أن فناني الحياة ثلة صغيرة وحسب، وأن
فنَّ الحياة هو أمْيَز الفنون وأندرها طرًّا.
مَن أفلح يومًا في ارتشاف كأس الحياة عن طيب
نفس حتى آخرها؟ لذا فإن عند أناس كثيرين وفرةً
متبقية من حياة لم يعيشوها – أحيانًا مواهب
ما كان لهم أن يحيوها مهما حَسُنَتْ نواياهم.
وهكذا يدنون من وصيد الشيخوخة بمطالب غير
مشبَعة، لا مفرَّ من أن تحوِّل أنظارهم إلى
الوراء. إنه لمما يصيب
مقتلاً بصفة خاصة من أمثال هؤلاء الناس أن
ينظروا إلى الخلف. فوجود تطلُّع وهدف في
المستقبل عندهم أمر لا يُستغنى عنه. لهذا فإن
الأديان الكبرى جميعًا وَعَدَتْ بحياة آخرة؛
فهي تمكِّن الإنسان الفاني من أن يحيا النصف
الثاني من الحياة بنفس المقدار من الدأب
والقصدية الذي بذله في النصف الأول. فإطالة
حياة إنسان اليوم وبلوغ منتهاها هدفان
معقولان؛ لكن فكرة الحياة ما بعد الموت تبدو
له محلَّ ارتياب وتتعدى التصديق. ومع ذلك فإن
انقطاع الحياة، أي الموت، لا يمكن القبول به
هدفًا عندما تكون الحياة بالغة الشقاء إلى
حدٍّ يطيب لنا معه أن نضع لها نهاية، أو عندما
نكون مقتنعين بأن الشمس تسعى إلى غروبها –
"لكي تنير أقوامًا بعيدين" – بنفس
العزيمة التي تُبديها وهي ترتفع في كبد
السماء. لكن الإيمان اليوم قد أضحى فنًّا بالغ
الصعوبة، حتى لقد بات الناس معه، ولاسيما
المثقفين من البشرية، لا يكادون يجدون طريقهم
إليه. لقد أدمنوا عادة التفكير أن الآراء،
فيما يخص المسائل المتعلقة بالخلود ومسائل من
هذا الغرار، متضاربة بشأنها وليس عليها
براهين مقنعة. وحين أصبح "العلم" هو
الشعار الذي يحمل وزن القناعة في عالمنا
المعاصر، رحنا نطالب ببراهين "علمية".
لكن المثقفين القادرين على التفكير يعلمون أن
برهانًا من هذا النوع شيء من قبيل المحال،
لأننا ببساطة لا نعرف عنه شيئًا. هل لي أن أشير
هنا إلى أننا، لنفس الأسباب، لا نستطيع أن
نعرف إن كان يحدث شيء لشخص بعد موته؟ لا
نستطيع الجواب لا سلبًا ولا إيجابًا. كلُّ ما
في الأمر أننا لا نملك عليه براهين علمية
محددة على نحو أو آخر، ولذلك نجدنا في نفس
الموقع عندما نتساءل إن كان كوكب المريخ
آهِلاً بالسكان أم لا. وسكان المريخ، إن
وُجِدوا، لا يعبؤون إن كنَّا نثبت وجودهم أو
ننفيه؛ فقد يكونون موجودين أو لا يكونون. وهذا
هو موقفنا من مسألة الخلود المزعومة – وهي
مسألة يمكننا أن نصرف النظر عنها. لكنْ هنا
يستيقظ فيَّ وجدان الطبيب ويحملني على قول
كلمة جوهرية في هذه المسألة. لقد لاحظت أن
الحياة الهادفة هي بعامة خير وأغنى وأوفر صحة
من الحياة التي لا هدف لها، وأنه خير للمرء أن
يواكب الزمن في جريانه من أن يسير بعكسه إلى
الخلف. في نظر المعالِج النفسي، الرجلُ
العجوز الذي لا يستطيع توديع الحياة يبدو
هزيلاً ومعتلاً في مثل الهزال والاعتلال الذي
يبدو على الشاب العاجز عن اعتناق الحياة.
والحق أن المسألة، في الكثير من الحالات، هي
مسألة نفس الشهوة الصبيانية ونفس الخوف ونفس
العناد والرغبة الطاغية عند أحدهما كما هي
عند الآخر. وإني – وأنا الطبيب – كلِّي قناعة
بأن اكتشاف هدف في الموت بوسع المرء أن يسعى
إليه لهو أمر صحي – إذا جاز لي أن أستعمل هذه
الكلمة – وإن الانصراف عنه أمر مُنافٍ للصحة،
وغير سوي، من شأنه أن يسلب الغاية من النصف
الثاني من الحياة. ولذلك أعتبر التعليم
الديني المتعلق بالحياة الآخرة موافقًا
لمنطق الصحة النفسية. أنا إنْ سكنتُ بيتًا،
وأنا عالم بأنه سوف ينهدُّ على رأسي في غضون
الأسبوعين التاليين، تُعطِّل هذه الفكرةُ
جميعَ وظائفي الحيوية؛ أما لو شعرت، على
العكس، بأني في مأمن، فإن بإمكاني السكن فيه
وأنا مطمئنٌ ناعم البال. كذلك من الأمور
المرغوب فيها في العلاج النفسي أن نعتبر
الموت نقلة ليس إلا – جزءًا من سياق حياة ذات
مدى ومدة لا تطالها معرفتُنا. رغم أن معظم
الناس لا يعرفون لماذا تحتاج أجسامهم إلى
الملح، إلا أن كلاً منهم يطلبه لكي يلبِّي به
حاجة غريزية. نفس الشيء ينطبق على أشياء النفس.
منذ الأزمنة الغابرة والسوادُ الأعظم من
الناس يشعرون بحاجة إلى الإيمان بديمومة
الحياة. ولذلك تفرض علينا مقتضيات العلاج ألا
نسلك في طرقات فرعية، بل في منتصف الطريق الذي
سلكتْه البشرية. وبذلك يكون تفكيرنا صحيحًا
تمامًا فيما يتعلق بمعنى الحياة، حتى وإن لم
نفهم ما نحن نفكر فيه. هل لنا أن نفهم
ما نحن نفكر فيه؟ إن التفكير الذي نفهمه ليس
إلا عبارة عن معادلة: ما يخرج منها ليس سوى ما
يدخل فيها. هذا هو عمل العقل. لكن ما وراءه ثمة
تفكير في الصور البدئية – في الرموز الأقدم
من الإنسان التاريخي، المركوزة فيه منذ أقدم
الأزمنة. هذه الصور أو الرموز حية أبدًا على
تعاقب الأجيال، ومازالت تكوِّن الأساس في
بنية النفس البشرية. ولا يمكننا أن نحيا ملء
حياتنا ما لم نتناغم مع هذه الرموز؛ والحكمة
هي العودة إليها. فالمسألة ليست مسألة إيمان،
ولا مسألة معرفة، بل هي موافقة تفكيرنا مع
الصور البدئية للخافية. إنها مصدر جميع
أفكارنا الواعية – ومن هذه الأفكار البدئية
فكرة الحياة بعد الموت. العلم وهذه الرموز لا
يتناسبان. إنها الشروط التي لا بدَّ منها
للخيال؛ إنها المعطيات الأولية – المواد
التي ليس يسعُ العلم أن ينكر ملاءمتها وصحة
وجودها ارتجالاً؛ إذ ليس له أن يعاملها إلا
على أساس أنها معطيات واقعية، تمامًا مثلما
يفعل عندما يكتشف وظيفة كوظيفة الغدة الدرقية
مثلاً. قبل القرن التاسع عشر، كانت الدرقية
تُعتبَر عضوًا لا معنى له، لا لشيء إلا لأنها
لم تكن مفهومة؛ كذلك من قِصَر النظر أن نقول
اليوم إن الصور البدئية لا معنى لها. وعندي أن
هذه الصور أشبه شيء بأعضاء نفسية؛ وإني
أعاملها بأقصى العناية. يحدث أحيانًا أن
يُملي عليَّ واجبي أن أقول لمريض متقدِّم في
السن: "صورتك عن الله، أو فكرتك عن الخلود،
ضامرة، وبالتالي فاستقلابك النفسي عاطل عن
العمل." إن دواء الخلود، أثاناسياس
فارماكون، القديم أعمق وأبعد معنى مما
يُخيَّل إلينا. وهنا أود أن
أعود لحظة إلى التشبيه بالشمس. إن الدرجات
المائة والثمانين من قوس الحياة يمكن تقسيمها
إلى أربعة أقسام: الربع الأول، وهو الواقع إلى
الشرق، هو الطفولة – وهي الحالة التي نخلق
فيها المشاكل لغيرنا، دون أن نكون على وعي
بمشكلاتنا الخاصة؛ إذ إن المشكلات التي نعيها
هي التي تملأ الربعين الثاني والثالث، على
حين أننا في الربع الأخير، في نهاية
الشيخوخة، نعود فننحدر إلى مستوى خَلْق
المشاكل لغيرنا، حين لا نكون فيها مبالين
بحالة الوعي. الطفولة ونهاية الشيخوخة
طَوْران مختلفان كلَّ الاختلاف جزمًا، لكنْ
يجمعها عنصر مشترك: الانغماس في الحوادث
النفسية الخافية [= اللاواعية]. ولما كان عقل
الطفل ينشأ عن الخافية، كانت سياقاتُه
النفسية – وإن كانت لا تُفهَم في يُسْر – ليس
من الصعب تبيُّنها مثلما هو من الصعب تبيُّن
السياقات النفسية لدى الطاعن في السن الذي
عاد ثانية فغاص في الخافية، وأخذ يتلاشى فيها
تدريجيًّا. الطفولة والشيخوخة طَوْران من
أطوار الحياة ليس فيهما مشكلات واعية، ولهذا
السبب لم أتطرَّق إليهما هنا. *** *** *** ترجمة: نهاد خياطة المراجعة على الأصل: ديمتري
أفييرينوس تنضيد: نبيل سلامة * إشارة إلى قوله: "ومخافة أن أتكبَّر
بسموِّ المكاشفات، أوتيت شوكة في جسدي..."
(2 كورنثوس 12: 7) (المحرِّر) **
« Si jeunesse savait, si vieillesse pouvait. »
|
|
|