|
منقولات روحيّة إنه
لمما يُحزَن له حتى التفجُّع أن ديناً – دين
إسرائيل – قيَّض له المخطط الإلهي أن يكون
بوتقة مقدسة تنصهر فيها الخبرات والمعارف
الروحية لكل الحضارات التي سبقته، ووسيطاً
لنقل هذه المعارف وتلك الخبرات إلى مناطق
أخرى من العالم – نقول: من المحزن أن ينغلق
دين بهذا السمو الكوني على نفسه في نوع من "الغيتو"
الروحي – هو اليهودية –، فيختص بـ"الإله
الأصغر"، "أمير هذا العالم"، ويحتكر
لنفسه ملكية الحقيقة المطلقة، لا بل وأن يصير، في آخر مراحل
انحطاطه، تجسيداً لعقيدة سياسية، عنصرية في ممارستها
التاريخية، جعلت
الدين "قومية"، واستماتت في استيطان أرض
خاصة بهذه القومية. أجل، إن مأساة هذا الدين
تلخص مأساة الإنسان نفسه في سعيه المستحيل
إلى تجسيد المطلق في التاريخ، جاهلاً، أو
متجاهلاً، أن "العَليِّ لا يسكن بيوتاً
صنعتها الأيدي" (أعمال الرسل 7: 48) من هنا مازال يصح في أبناء
هذا الدين خطابُ الناصري لهم منذ ألفي عام:
"الويل لكم [...] قد استوليتم على مفاتيح
المعرفة، فلم تدخلوا أنتم، والذين أرادوا
الدخول منعتموهم" (لوقا 11: 52)، ولن يتيسَّر
لهم أن ينعتقوا من عبودية الحرف إلى حرية
الروح إلا إذا كفُّوا عن اختزال دينهم إلى
مشروع سياسي قزم، وانفتحوا على التراث الروحي
الإنساني، وعرفوا موقعهم فيه، ويمَّموا
وجههم شطر "الإله الأكبر"، المطلق، كما
عاشته صفوةُ صفوتهم، نبضاً حياً في ما عُرِف
بـ"القباله" الكلدانية – اللب الذي
يلتقي فيه بنو إسرائيل مع الإنسان الأزلي في
سعيه إلى العودة إلى الينبوع الذي منه جاء،
وإليه سيُرجَع. أحمد تموز هذه
المختارات مستقاة من كتاب صغير من تأليف
رامي م. شابيرو – الرباني والشاعر والمؤلف –
لتعريف طلابه بالتعاليم اللاثنوية للقباله.
ولقد صاغ النص كأنه كُتِب لوالد والده (جدِّه
/زيده/) بقلم رِبْ يراشميل بن يتسرائيل. ومع
أن الرباني شخصية متخيَّلة، فإن تعاليمه
أصيلة. والتقديم يمثل قلب سرَّانية القباله.
إذا
قال الصوفي: "لا أرى شيئاً غير الله"، فهو
في حال وحدة شهود. وإذا قال: "لا أرى شيئاً
إلا وأرى الله فيه"، فهو في حال وحدة وجود.
ولعل هذا أوجز تبسيط ممكن لهذين الاصطلاحين
اللذين يختزلان التجربة الصوفية في كل
أبعادها. فحال وحدة الشهود هي حال الفناء،
وحال وحدة الوجود هي حال البقاء. والفناء
والبقاء متلازمان، لاينفك أحدهما عن الآخر؛
وكذلك وحدة الشهود ووحدة الوجود: فإذا كنت
فانياً عن شيء، فأنت لابد باقٍ بغيره؛ أو إذا
كنت باقياً في شيء فأنت، لامحالة، فانٍ عن
سواه. وهذا أمر طبيعي، بما أن الإنسان عاجز عن
جمع همَّته، أو تسليط انتباهه، على أكثر من
موضوع واحد في نفس اللحظة. هذه الورقة التي
أكتب عليها، إن فكرت فيها (طولها، عرضها،
لونها، إلخ.)، تعذَّر عليَّ أن أكتب عليها؛
وإن فكرت في الكتابة أو فيما أكتب، تعذَّر عليَّ التفكير في الورقة. في الحالة
الأولى،
يقال في المصطلح الصوفي،: أنا باقٍ بالورقة،
فانٍ عن الكتابة؛ وفي الحالة الثانية، يقال:
أنا فانٍ عن الورقة، باقٍ بالكتابة. |
|
|