موسى و... أبناء الإله الأصغر

 

أكرم أنطاكي

 

 

إلى روح المرحوم سالومون لانكري

 

قل آمنّا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل واسحق ويعقوب والأسباط والنبيون من ربّهم لا نفرّق بين أحد منهم ونحن له مسلمون.

(سورة آل عمران، 84)

 

1

صدق الله العظيم

أقولها وأحلم أنه ربما أطلّ ذلك الزمان الذي ينبغي فيه رفع المزيد من النقاب. ربما والله أعلم بات ينبغي علينا السير بقلوبنا خطوة نوعية أخرى إلى أمام نحو تلك الحقيقة التي لا يعلو عليها شيء. أن نعمق التأمل بكل شيء، وخاصة بكل الشرائع دونما استثناء، بحثاً عن الحكمة الإلهية المستورة التي نبتت في هذه الأرض، حيث " التين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين" (سورة التين 3)، قبل سواها، وولّدت ثلاث ديانات هزت، ولم تزل، العمق الإنساني السحيق.

والقلب، وبعض المعرفة، اللذان دفعاني إلى هذا الطريق، يوجهانني اليوم نحو أعماق سحيقة حيث، كما كانت الحال دائماً، تمتزج الحقيقة بالأسطورة، وابن الإنسان بالشيطان وبالإله، كما يمتزج، من خلال الشجرة، باطن الأرض بالفضاء.

والحق أقول، أني ترددت كثيراً قبل أن أتعرّض لذلك العمق الذي كان يجذبني منذ البداية، ولم يزل. ذاك الذي نقرّ به جميعاً كأصل للمسيحية وللإسلام معاً، ويُعرَف مجازاً بـ"اليهودية". ذلك العمق، ما هو في الحقيقة سوى جذورنا الإبراهيمية، بعمقها السرّاني، وأصولها التي، حين نفكر بها، تقودنا دائماً إلى شخص صوّره ميكيلانجلو يوماً كالإله بجلاله وعلى رأسه قرنان. وهذا كان اسمه موسى، وعنه تتحدث

تمثال موسى لميكلانجلو

2

الأسطورة

التي كانت أولاً مصرية وتقول إنه " كان لرمسيس الثاني قريب مميز من حيث الشخصية والذكاء يدعى أوزرسيف... وقد كُرِّس منذ صغره للكهنوت" وأن أوزرسيف هذا هو من سيعرف فيما بعد بموسى. وأيضاً...  

فإن الأسطورة التي كانت ثانياً وأيضاً بابلية (فالأسفار التي تشكل الشريعة الموسوية كانت كتبت، كما وصلتنا، في بابل على يد الناسخ عزرا والنبي نحميا سنة 458 قبل الميلاد على ما يقال)، تحدثنا من خلال أصولها الأولية أنه في سالف الزمان، في مملكة آكاد، في مدينة كان اسمها أزوبيرانو على ضفاف الفرات، ولد ملك اسمه سرجون، ".. كانت أمه أميرة و لم يعرف له أب؛ فعمّه كان حاكم تلك البلاد. كانت ولادته صعبة، حيث وضعته امّه في سلّة من الخيزران طلت قاعها بالقطران، وتركته لمياه النهر التي لم تغرقه، إنما حملته إلى آكي، ناقل الماء الذي انتشله واحتضنه في ثنايا حبه.. " تحدثنا أيضاً، كما وصلتنا من خلال العهد القديم، أنه في قديم الزمان في مصر ".. كان طفل عبراني.. حاولت أمه أن تخفيه من عنف المصريين الذين (كما يقال) كان حاكمهم قد أمرهم بقتل كلّ ذكر عبري يلد. فأخفته ثلاث أشهر. ولمّا لم تعد تستطيع أن تخفيه بعد، أخذت له سفطاً من بردي وطلته بالحمر والزفت وجعلت الولد فيه، ووضعته بين الخيزران على حافة النهر.. فنزلت ابنة فرعون إلى النهر لتغتسل، وكانت جواريها سائرات على شاطىء النهر، فرأت السفط بين الأعشاب، فأرسلت أمتها فأخذته. ولما فتحته رأت الولد فإذا هو صبي يبكي. فرفقت له.. ولمّا كبر الصبي جاءت ابنة فرعون فاتخذته ابناً لها، وسمته موسى، قالت لأني انتشلته من الماء.." (سفر الخروج 1 - 2)

 

ونتوقف هنا قليلاً أمام الاسم الذي يوحي فعلاً بالكثير، حيث، كما يقول اليوم كمال الصليبي، إن "... الاعتقاد السائد بين (علماء اللغات السامية) هو أن هذا الاسم ما هو إلا اللفظة المصرية /مس/ أو/مسو/ بمعنى "ولد" أو "ابن"، من الفعل /مسي/ بمعنى "وُلِد" أو"تمخّض". واللفظة هذه موجودة في أسماء علم بالمصرية القديمة، ومنها /أحمس/ و/تحتمس/، وهما من أسماء ملوك مصر المعروفين. ولكن، أيضاً حسب الصليبي، فإن "... الاسم موسى بالعبرية، (/موشه/ بالتصويت) هو اسم الفاعل من /مشه/، أي "انتشل" أو"خلّص". وبالفعل، يقابل هذا بالعربية /مسا/ أي "استخرج الأوساخ من فرج الناقة أو البقرة أو غيرها من إناث الحيوان"، ويقابله بالآرامية /مشا/ (تصويتاً من /مشيء/) بمعنى "غسل" أو"طهّر". وفي سفر الخروج، كما سبق ورأينا، شرح للسبب الذي أطلق من أجله هذا الاسم على موسى، لأنها انتشلته من الماء. كما انتشل هو، من بعدُ، إنسانية ذلك الأوان المعذبة من عبودية حامها الأرضيين.

وتلك الإنسانية المعذبة (السامية على هذه الأرض) التي أنقذها موسى، كان اسمها... إسرائيل...

وإسرائيل، كما جاء في العهد القديم (سفر التكوين 22-24)، هو يعقوب بن إبراهيم الذي صارع الإله، واسمه كلمة مشتقة من /إيل/. ولكن...

الأسطورة التي هي، ثالثاً، عربية تقول إن اسم /إيل/ ( بالعربية /آل/) يعني "الإله"... وإنه كان في زمن سحيق على هذه الأرض التي عرفت دوماً بجزيرة العرب، آلهة "... كل منها كان يمثل مفهوماً معيناً. ومن هذه المفاهيم ما كان طبيعياً محسوساً، ومنها ما كان حياتياً، ومنها ما كان معنوياً غير محسوس. فقد كان من بين آلهة الطبيعة، مثلاً /إيل شدّاي/ أو /آل سادي/، "إله الجبال"؛ و/إيل عليون/، "إله المرتفعات"؛ وسارة، /آل سرة/، "إلهة سراة" عسير التي كانت في الأصل عاقراً، حتى جاءها أبراهام، /أبورهم/، إله الندى والخفيف من المطر فدخل عليها وأخصبها. ومنها، كان /يصحاق/، إله الآبار الضاحكة أوالضحّاكة الذي ولدته إلهة السراة بعد أن دخل عليها أبورهم؛ وكانت زوج الإله الضحّاك /ربقة/، في العهد القديم /رفقة/، إلهة الخصوبة والحيلة النسائية؛ وكان له ابنان توأمان هما /عيسو/، إله الذكورة الجامحة وغير المسؤولة، و/يعقوب/، /آل عقبة/، إله الذكورة المسؤولة والنسل الصالح؛ وأيضاً... كان هناك /آل حياة/، إله المفهوم المطلق للحياة الذي كان متمثلاً بشجرة خاصة به في جنّة عدن؛ و/آل دعيا/، إله المعرفة المطلقة؛ وكان لكلّ من هذين الإلهين إله مساعد (أولنقل انعكاس أرضي): /آل حيّة/ (في التوراة /حوه/)، إلهة الأمومة التي كانت أماً لكل حيّ؛ و/آل حنيشة/، "الحنش"، إله الحكمة والدراية والخبرة؛ وأيضاً... كان هناك /آل نييح/ ("نوح" في التوراة) إله الحواضر وحلفائه... /آل ثابت/ في التوراة، أي الفلك، إله الثبات والاستقرار؛ و/آل قيس/ (في التوراة /قشه/)، أي "القوس"، إله الفصول الذي كان يسهر على الزراعة، فيحمي الأرض من السيول الجارفة التي كان يطلقها /آل عنان/ (في التوراة /عنن/، أي "السحاب")؛ وأيضاً، كان هناك /آل شافي/ (في التوراة /شفه/، أي لغة)، إله وحدة اللغات والمفردات الساهر على ديمومة التفاهم بالكلام بين البشر؛ ونقيضه /آل بلال/، إله البلبلة وعدم التفاهم والتنابذ. وأيضاً، وخاصة...

كان هناك كبير الآلهة، ذلك الذي كان في الأصل، كما يقول الصليبي، إله البراكين المتمثل بنار اليمن. وكان مسكنه في البداية بركان جبل ألهان (/هره ءلهيم/، أي "جبل الآلهة"، بشمال اليمن. وكبير الآلهة هذا كان اسمه في البداية /آل يماني/ أو /آل يمن/. وهو نفسه ذلك المعروف عند المصريين بـ/آمون/، والذي سيُعرَف من بعد بـ

3

/ي هـ و هـ/

ويدعى في عالمنا بـ"الله" وكان فيما مضى، كما أشرنا، يعرف بـ/إيل/ أو /آل/  

و للياء ذلك الحرف الأول من اسمه لون الضوء، كما يقولون، بينما تشع الحروف الثلاثة المتبقية متحولة كألوان قوس القزح..

  ضع الحرف الأخير من اسمه قبل الأول فيصبح... /هي هو/... أي اتحاد الأم الكلية (إيزيس عند المصريين)، التي هي أيضاً الحكمة الإلهية (بحسب القبالة)، بالعقل الأول (بحسب القبالة) أو أوزيريس الروح الخالق عند المصريين. بذلك يكون الخلق، وفهمنا له، الذي سيبقى قاصراً أبداً.

لأنه مع قصور فهمنا تحتجب إيزيس، كما تختفي لفظاً من خلال الحروف الأربعة المقدسة من اسمه تلك الهاء الأخيرة. فيصبح الاسم رمزاً... /ي هو/... وتصبح الألوهة مذكرة، كما أمسى الذكر من خلال قوته العضلية سيد بشريّتنا، وصار /هو/ إله عالمنا، ذلك الذي ندعوه بـ"الإله" أو "الله" الذي جمعه بالعبرية /ألهيم/، التي

تنبثق الروعة (أو الرهبة) عنها، أو لنقل /ألهيم صباوت/. ويصير النصر (أو الهزيمة) وفق فهمنا هو انعكاسها المذكر. أو لنقل /يهوه صباوت/ الذي أمسى "ربّ الجنود". ومن اتحادهما الذي هو الموت تنبثق الحياة. وأيضاً...

لما كان عقلنا وقلبنا لم يزل، وسيبقى حتى الأفق المنظور، قاصراً، فإن الحرف الأول من اسمه كان، رمزاً، ذلك العاشر بين حروف أبجديتنا الموروثة وفي الأبجدية العبرية، أي الياء. بيد أننا حين نجمع مكونات العشرة (10) جمعاً ثيوصوفياً فإنها تعيدنا من جديد إلى الأول، أوالـ 1، للدلالة (ربما) على أننا نبقى غير قادرين على إدراك وجهه الأكبر Macroprosopos إلاّ من خلال انعكاساته الكلّية التي منها الرحمة والرقّة والعدل؛ وهذه ما هي إلاّ "التاج الكلّي"، أو "قطر" الوجود، أو لنقل رمزاً /هـ هي هـ/ وقد عاد مؤنثاً بعد استبدال ياء بواوه... والمنبثقة حسب ابن عربي عن "الغيب المطلق" أو"غيب الغيب"، أو، بحسب القبالة، عن الـ /أين سوف/ القدّوس.

وهو الغيب نعود ونؤكد مرّة أخرى لأنه ليس، ولن يكون، بوسعنا إدراكه. فنحن في أفضل أحوالنا لم نزل، وسنبقى، بمجموعنا نتفاعل مع تلك "الصغرى" في الأعالي، التي نفهمها على أنها "الكبرى"، والتي هي آلهتنا التي تحمل صفاتنا. أي...

الألهيم وشرائعها كما استنّها موسى للرعاع، أو لنقل لعوام بشريتنا، في محاولة ربما كانت المحاولة الأعمق التي نعرفها ههنا، على هذه الأرض، لرفع تلك البشرية بمجموعها إلى السماء. وموسى هذا، كان بنظر عوامه إلهاً "... يكلِّم الربّ وجهاً إلى وجه كما يكلّم المرء صاحبه..." (سفر الخروج 33: 11) كان ربما، إلهاً أصغر تابعاً لـ/ي هـ و هـ/ ولكن

الأسطورة التي هي، رابعاً وأخيراً، عبرية، تقول إن كتابة ذلك الإنسان للأسفار الخمسة الأولى من العهد القديم قد جعلت منه، ومن جميع الذين كلّموا الربّ قبله، بشراً. وتلك الأسفار الخمسة الأولى من العهد القديم كانت المرجعية الأساسية لما نعرفه عن...

4

بني إسرائيل...

وتلك تقول في خطوطها العريضة إن "... بني إسرائيل الذين دخلوا مصر [هم] يعقوب [1] وبنوه، بكر يعقوب رأوبين [1]... ، وبنو رأوبين [4]... ، وبنو شمعون [6]... ، وبنو لاوي [2]... ، وبنو يهودا [5]... ، وبنو يساكر [4]... ، وبنو زوبولون [3]... ، ودينة بنت يعقوب [1]، وبنو جاد [7]... ، وبنو أشير [7]... ، وابنا راحيل امرأة يعقوب يوسف وبنيامين [2]... ، وبنو بنيامين[10]، وابن دان [1]... ، وبنو نفتالي [4] ، وابنا يوسف اللذان ولدا له في مصر نفسان [2] ، فجملة النفوس التي دخلت مصر من آل يعقوب سبعون نفساً..." (سفر التكوين 46: 8-27)

مما قد يعني والله أعلم ، إن فسّرنا الأمور تفسيراً عقلياً، أن الأسباط لم تكن سوى قبائل ساميَّة عبرت في حينه إلى مصر أيام حكم الهكسوس الساميين لتلك البلاد ما بين 1750 و 1580 ق م؛ وبالتالي، حسب كمال صليبي، فإن إسرائيل كان التحالف الجامع لتلك القبائل، وخاصة منها يوسف (الذي اكتسب معرفة المصريين)، والباقون، وعلى رأسهم يهودا (حسب وصية يعقوب)...

حيث نتابع مع الأسطورة (التوراتية) التي تقول إن يعقوب مات بعد أن عاش في أرض مصر 17 عاماً. وأنه، قبيل وفاته، ودّع أبناءه وأودعهم وصيته التي كانت كما يلي (سفر التكوين، 49: 3-27):

راؤوبين أنت بكر قوتي وأول قدرتي. فاضل في الشرف فاضل في العزّ. فُرْتَ كالماء: لا تفضل لأنك علوت مضجع أبيك. حينئذٍ دنَّسته على فراشي صعد. شمعون ولاوي أخوان سيفهما آلات جور. مجلسهما لا تدخلُه نفسي وفي مجمعهما لا تتحد ذاتي لأنهما في سخطهما قتلا إنساناً وفي رضاهما عقرا ثوراً. ملعون سخطهما فإنه شديد وغضبهما فإنه قاس. أقسّمهما في يعقوب وأبددهما في إسرائيل. يهودا، إياك يحمد إخوتك. يدك على قذال أعدائك. يسجد لك بنو أبيك. يهودا شبل أسد، من فريسة صعدت يا بني. جثم وربض كأسد ولبوة فمن ذا يقيمه. لا يزول صولجانٌ من يهودا ومشترع من صلبه حتى يأتي شيلو (بالعبرية /يبا شيله/، أو 358) وتطيعه الشعوب. رابط بالجفنة جحشه وبأفضل كرمة ابن أتانه. غسل بالخمر لباسه وبدم العنب رداءه. عيناه أشد سواداً من الخمر وأسنانه أشد بياضاً من اللبن. زبولون في سواحل البحر يسكن وعند مرفأ تخمه إلى صيدون. يسّاكر حمار ضخم رابض بين التخمّين, وقد رأى الراحة ما أجودها والأرض ما أنزهها، فانحنى كتفه للحمل وصار للمهنة عبداً. دان يحكم لقومه كأحد أسباط إسرائيل. يكون دان ثعباناً على الطريق وأفعواناً في السبيل يلسع رسغ الفارس فيسقط الراكب إلى الوراء [...] جاد يقحمه الغزاة وهو يقحم ساقتهم. أشير طعامه دسم وهو يعطي ملذات الملوك. نفتالي أيِّلة سائدة يردد أقوال الحسنى. يوسف غصن مفرع، غصن مفرع له عين قد امتدت إلى سور. قامرته أصحاب السهام ورمته واضطهدته. ولكن ثبت بمتانة قوسه وتشددت يداه على يدي عزيز يعقوب. من هناك الراعي صخر إسرائيل. من إله أبيك، الذي يعينك، ومن القدير، الذي يباركك، تأتي بركة السماء من العلوِّ وبركة الغمر الراكد أسفل وبركات الثديين والرحم. بركات أبيك تضاف إلى بركات آبائي إلى منية الآكام الدهرية. لتكن على رأس يوسف وعلى قمّة نذير إخوته. بنيامين ذئب يفترس. بالغداة يأكل غنيمة وبالعشاء يقسِّم السلب...

ما قد يعني للوهلة الأولى (ووصية إسرائيل لا يمكن المرور عليها مرور الكرام)، والكتاب الذي بين أيدينا قد خُطَّ، كما نعلم، في بابل القرن الخامس قبل الميلاد، أن المشرِّع قد خفِّض من رأوبين ويساكر؛ وخلط شمعون ولاوي؛ وكرَّس ملكية يهودا حتى يأتي المسيح (بالعبرية /مشيح/، أي أيضاً 358 حسب مكغريغور ماذرز) بمعونة دان وجاد وأشير؛ وأن زبولون هو من سكان السواحل؛ وأن يوسف هوالأقدس لدى إسرائيل، يدعمه نفتالي ويحرسه الذئب بنيامين. ونتعمق في التحليل الذي ينبهنا، مستعينين بعلم النفس، أن كل سبط يرمز من خلال صفاته إلى خاصية نفسية معينة، لنجد أن...

راؤبين هو الزاني الذي باركته السماء؛ وشمعون هو الغيرة المدعومة من قوى المجد؛ ولاوي الغرور الذي اصطفاه الإله؛ ويهودا الشجاعة والجشع والملذات هو الإنسان الذي يحرسه الملاك؛ وزبولون الرحمة والتقوى هو ابن البحار؛ ويسّاكر السذاجة هو ابن الأرض؛ ودان الغضب والكذب هو ابن النجوم؛ وجاد الحقود هو ابن الشمس؛ وأشير الفضيلة ونقيضُها هو القمر. ونفتالي هو الطيبة الفطرية و/أو الجنة المفقودة؛ ويوسف القداسة هو رمز الجبال حيث الألوهة ومعرفة المعالي؛ وبنيامين رمز الطهارة هو في النهاية قدس الأقداس وملجأ الإله. وأيضاً...

فإن ما يعمق وجهة النظر هذه هو ما تورده بهذا الخصوص العقيدة السرِّية لبلافاتسكي، حيث راؤبين الإنسان هو الدلو الذي "فار كالماء"؛ وشمعون ولاوي هما الجوزاء (لاتحادهما)؛ ويهودا هو الأسد واللبوة وشبل الأسد؛ وزبولون هوالحوت الساكن "في سواحل البحار"؛ ويسّاكر هو الثور، ذلك "الحمار الضخم الرابض". ودان هو العقرب الذي "يلسع رسغ الفارس"؛ وجاد الذي "يقحمه الغزاة وهو يقحم ساقتهم" هو الحمل؛ وأشير، "الطعام الدسم"، هو الميزان. ونفتالي، "الأيِّلة السائمة"، هو الجدي؛ ويوسف الذي "قامرته أصحاب السهام" هو صاحب القوس؛ وبنيامين الذي "بالغداة يأكل وبالعشاة يقسِّم" هو السرطان؛ وأخيراً، فإن العذراء التي لم تُذكَر هي دينة، الإبنة الوحيدة لإسرائيل؛ ما قد يعني - والله أعلم...

أن إسرائيل، كما سبق وأشرنا، هو رمز تلك الإنسانية (الساميَّة) الساعية إلى السماء من خلال أبنائها، الخطأة منهم والقديسين، وأن الجامع بين أبناء إسرائيل (الأسباط) جميعاً كان، وكما يفترض محقاً السيد كمال صليبي، عبادة /ي هـ و هـ/، ذلك الإله الأكبر بين تلك الآلهة التي كان يعبدها أولئك البشر؛ ذلك الإله الذي أضحى أوحداً، كما جاء في القرآن الكريم الذي قال على لسان فرعون الذي أقرّ به أن "... لا إله إلاّ الذي آمنت به بنو إسرائيل..." (سورة يونس، 10).

ومن خلال العهد القديم من الكتاب المقدس نتابع الأسطورة التي تقول إنه...

"... مات يوسف وجميع إخوته وسائر ذلك الجيل. ونمى بنوإسرائيل وتوالدوا وكثروا وعظموا جداً جداً وامتلأت الأرض بهم. وقام ملك جديد على مصر لم يكن يعرف يوسف..." (سفر الخروج 1: 6-8). "... فاستخدم المصريون بني إسرائيل بقسوة ونغَّصوا حياتهم بخدمة شاقة بالطين واللبن وسائر أعمال الأرض وجميع خدماتهم التي استخدموها كانت بقسوة..." (سفر الخروج 1: 13-14). الأمر الذي يمكن عقلانياً ربطه - والله أعلم - بإنهاء حكم الهكسوس لمصر على يد أحمس، أول فراعنة السلالة الثامنة عشرة، والبدء على يدهم ربما، باضطهاد من كان مرتبطاً بالعهد الهكسوسي السابق. وكانت أسطورة ذلك...

5

الكاهن والنبي...

ففي تلك الأيام، حسب الأسطورة العبرية، ولد "... من رجل من لاوي... زوج بابنة لاوي... ابن... جاءت به ابنة فرعون فاتخذته ابناً لها وسمَّته موسى. قالت لأني انتشلته من الماء..." (سفر الخروج 2: 1-10). ونتوقف هنا قليلاً للتأمل بما يورده العهد القديم عن انتماء موسى إلى لاوي حصراً. ونستعيد الكتاب، حيث لم يكن لاوي قبل موسى سوى ذلك السبط الذي، حسب وصية إسرائيل، كان مع أخيه شمعون "... سيفـ[ـه] آلـ[ـة] جور. مجلسـ[ـه] لا تدخله نفس [إسرائيل] وفي مجمعـ[ـه] لا تتحد ذاتـ[ـه] لأنـ[ـه] في سخط[ـه] قتل إنساناً وفي رضا[ه] عرقب ثوراً. ملعون سخط[ـه] فإنه شديد وغضبـ[ـه] فإنه قاس. أقسِّمـ[ـه] في يعقوب وأبدد[ه] في إسرائيل..." (سفر التكوين 49: 5-7). فنجدنا مضطرين أن نميز (لنجمع من بعد)...

أولاً: بين ذلك "اللاوي" الذي شتَّته يعقوب في وصيته لصفاته غير الحميدة، وذلك الآخر الذي أضحى من بعدُ، على يد موسى، السبط الثالث عشر، وحامي الشريعة. ونفسر هذا...

ثانياً: بأن الكتاب قد وُضِع بعد زمن موسى بكثير، في بابل عام 458 ق م على يد الناسخ عزرا والنبي نحميا، كما سبق وأشرنا. مما قد يعني...

ثالثاُ: أن المشرِّع، الذي يصر على انتماء موسى إلى إسرائيل (رمزاً، كما أفسرها، هذه الإنسانية التي باتت، من خلال صراعها مع الألوهة، ساعية إليها)، يؤكد في الوقت نفسه على أصوله الكهنوتية (المصرية)؛ خاصة وأنه لم يكن هناك قبل موسى أي كهنوت لدى بني إسرائيل. ولكن، ما يجمع الإثنين، أي لاوي المشتت حسب وصية أبيه (من قبلُ) وذلك الكهنوت الذي أضحى حامي الشريعة (من بعدُ) هو...

رابعاً: تلك الصفة التي ينسبها إسرائيل في وصيته إلى لاوي الذي "... في سخطه قتل إنساناً..." والتي دمغت موسى الذي في سخطه (أيضاً) من بعدُ، قتل مصرياً (المقصود من الحكَّام الجدد) رأه يضرب أخاً له. مما قد يعني، بكل بساطة، أن هذا الذي اختاره /ي هـ و هـ/ كان ملعوناً، كما كان لاوي حسب الأسطورة ملعوناً أيضاً. ونتذكر أن ذلك الإله /ي هـ و هـ/ كان قد حمى، منذ بدايات الخليقة، ولغايات لم نفهمها في معظمنا، تلك الإنسانية الضالة من خلال قايين الذي "... كلّ من قتلـ[ـه] فسبعة أضعاف يقاد به. وجعل [له] علامة [الختان؟] لئلا يقتله كل من وجده...".  

ونتأمل في طرافة المصادفة، ربما، ليست مصادفة، إنما رمز بمنتهى الأهمية. ونتابع حيث..

يحدثنا الكتاب أن موسى فرّ بعد قتله المصري لإلى مدين (جنوب الجزيرة العربية؟) حيث تزوج، كما تقول الأسطورة التي عادت عربية من /صفّورة/ ابنة /راعوئيل/ التي أنقذها وإخوتها من أيدي الرعاة. ورعوئيل قد يكون - والله أعلم - إله الرعي، كما يوحي بذلك اسمه. و بنات رعوئيل كنّ وصفن موسى الّذي أنقذهنّ بـ"المصري"، مما يؤكد الأصول المصرية لموسى الّذي لم تكن له من قبل أية علاقة بإسرائيل؛ اللهم إلاّ أن يكون إسرائيل، كما سبق وأشرنا، رمزاً إلى مجمل الإنسانية. ونسجّل هنا أنه كان لموسى من صفّورة بنت رعوئيل إبنان هما جرشوم وأليعازر

 

وحمو موسى كان اسمه أيضاً يترو (؟)، وكان كاهن مدين، أي أيضاً لاوي. وكان موسى يرعى غنم عمِّه حين "... ظهر له ملاك الربّ في لهيب نار من وسط... عليقة... تتوقد بالنار ولا تحترق..." (سفر الخروج 3: 2) ودعاه (وقد أضحى "الربّ") لإخراج "شعبه"، بني إسرائيل، من مصر. وكان هذا الحوار الذي نتوقف عنده قليلاً نظراً لأهميته، حيث قاوم موسى ربّه قائلاً...

"... من أنا حتى أمضي إلى فرعون وأخرج بني إسرائيل..."، فيجيبه الربّ: "... أنا أكون معك وهذه علامة لك...". ويسأل موسى ربَّه عن اسمه فيجيبه الله: "... أنا هو الكائن... قل لبني إسرائيل، الكائن أرسلني إليكم... الربّ إله آبائكم. هذا اسمي إلى الدهر وهذا ذكري إلى جيل فجيل..." وينبىء الربّ موسى بما سينزله بالمصريين الذين لن يوافقوا على إخراج المصريين من مصائب، ويدعوه وشعبه إلى "... سلب المصريين...". وأيضاً، أمام تردد موسى، كانت معجزة العصا-الحيّة واليد البرصاء. وأيضاً، أمام تردد موسى الذي تذرّع بأنه "... بطيء النطق ثقيل اللسان... ودعا[ه] الربّ ليبعث من [هو] باعثه..." أرسل /ي هـ و هـ/ إليه أخوه "... هارون وهوفصيح اللسان..."

ونسجل، من خلال بعض الاجتهاد السرَّاني، الملاحظات التالية:

1. إن هذا الكائن الذي أعطى اسمه لموسى قد يكون التجلِّي، على مستوى موسى، لتلك الألوهة التي ليس بوسعنا إدراكها تماماً، وبالتالي معرفة اسمها. فأسماء الألوهة، كما يقول أحد اكبر أساتذة اليهودية المعاصرين، الرابي أدين شتاينزالتس، في كتابه الرائع الوردة ذات الثلاثة عشر بتلة، "... ما هي إلا وسيلة للتعبير عن مختلف حالات تجلِّيات الألوهة في عالمنا، وخاصة فيما يتعلق بتلمُّس الإنسان لتلك التجلِّيات. ففوق تلك التسميات جميعاً، يوجد جوهر الألوهة بحدِّ ذاته، وهذا لا اسم له..." ما يعني...

2. أن موسى الذي عرف اسم اللامسمَّى هو بحدِّ ذاته إله أصغر تجلَّى من خلال ذلك الكاهن المصري الثائر ليحقق الحكمة المستورة. فمن يتابع بتمعن الأسفار الخمسة الأول من العهد القديم يلاحظ من خلالها، كما لاحظ محقاً أيضاً السيد كمال الصليبي، أن ذلك الموسى (وقد عدنا من جديد إلى الأسطورة العربية) كان إلهاً عبدتْه، حسب نفس المصدر، بعض القبائل العربية. فقد كان اسم هذا الإله موسى ابن عمرم، وكان أخاً لإلهين عربيين آخرين كانا يدعيان - ويا للمصادفة! - هارون ومريم. والأسطورة العربية تقول إن موسى كان تخلَّى عن ألوهته للربّ /ي هـ و هـ/، بينما لم يتخلَّ عنها هارون ومريم، مما عرَّضهما لانتقام إله البشر.

3. وما يؤكد - والله أعلم - ما أذهب إليه حول تلك العلاقة الخاصة جداً لموسى (رمزاً) بالألوهة هو ذلك التفسير القبالي لتلك العلاقة بين اسم موسى (أو /مشه/ بالعبرية و 345 وفق حساب الجُمَّل وحسب العقيدة السرِّية) واسم الإله كما كوشف به موسى على الجبل حين قال له الرب:ّ "... أنا هو الكائن..." (أو بالعبرية: /أهيه أشير أهيه/ أي، 21 + 501 + 21، وفق حساب الجُمَّل وفق نفس العقيدة السرِّية) والرقم الأول، أي اسم موسى، أو 345 هو الثاني مقلوباً، أي 543. وهذا قد يعني الكثير، كما سنرى، وقد لا يعني شيئاً. وأيضاً...

4. ربما - والله أعلم -، لأن الكتاب الذي بين أيدينا قد كُتِب لاحقاً، كما سبق وأسلفنا، في بابل على يد كل من عزرا ونحميا (وكلاهما كانا من يهودا)، من أضحى يُعرَف من بعدُ بلاوي، فإن من سيُعرَف بأخي موسى قد أضحى ذلك الكاهن النبي الناطق بلسان من جعله /ي هـ و هـ/ "... إلهاً لفرعون..." (سفر الخروج 7: 1). ولاوي الذي يجري التأكيد عليه ههنا هو ذلك الكهنوت الذي انبثق عنه وما سيؤول إليه من بعدُ، من خلال تلك العلاقة الخاصة جداً بين موسى ولاوي. ونتابع...

حيث "... مضى موسى وهرون فجمعا جميع شيوخ إسرائيل وخاطبهم هارون بجميع الكلام الذي كلَّم الربُّ به موسى وصنع الآيات على عيون الشعب فآمن الشعب..." (سفر الخروج 4: 29 و30).

"... وبعد ذلك، دخل موسى وهارون وقالا لفرعون: كذا قال الربّ إله إسرائيل أطلق شعبي لكي يعبدوا لي في البرية..." (سفر الخروج 5: 1) "... فقال لهما ملك مصر: لماذا يا موسى وهارون تعطلان الشعب عن أعمالهم..." (سفر الخروج 5: 4). وامام إصرار فرعون بأن لا يدع الشعب كانت تلك المصائب التي أنزلها /ي هـ و هـ/ به وبالمصريين من أتباعه والتي كان عددها إثنتا عشرة (أي بعدد الأسباط أو بعدد الأبراج حسب العقيدة السرِّية) وهي:

1. انقلب "... ماء النهر دماً والسمك الذي فيه مات..." و...

2. "... [فاض] النهر ضفادع..." غزت بيوت المصريين و...

3. "... [صار] بعوض في جميع أرض مصر..." و...

4. "... دخلت الذبّان بيت فرعون وبيوت عبيده وجمع أرض مصر بكثرة وفسدت الأرض من قبل الذبّان..." و...

5. "... ماتت مواشي المصريين بأسرها..." و...

6. "... صارت قروح وبثور في الناس وفي البهائم..." و...

7. "... أمطر الربّ برداً على أرض مصر فكان برد ونار متواصلة بين البرد شيء عظيم جداً لم يكن له مثيل في أرض مصر منذ صارت مصر أمة..." و...

8. "... غطى الجراد جميع وجه الأرض حتى أظلمت الأرض وأكل جميع عشبها..." و...

9. "... كان ظلام مدلهمٌّ في جميع أرض مصر ثلاث أيام..." و...

10. "... ضرب الربّ كل بكر في جميع أرض مصر... حيث لم يكن بيت إلا فيه ميت..." و...

11. كان سلب المصريين أمتعتعهم من فضة و... ذهب و... ملابس... بأمر من الله...

وكان الفصح، حيث "... في ذلك اليوم عينه أخرج الربّ بني إسرائيل من أرض مصر..." (سفر الخروج 12: 51)، وكان أن ارتحل يومها "... نحوستّ مئة ألف ماشٍ من الرجال خلا الأطفال..." (سفر الخروج 12: 27). ومع ذلك الخروج...

موسى يضرب الصخرة. لوحة مسيحية قديمة في أقبية مقبرة كوموديلو في روما

6

المعجزة...

 الّذي وجّه فيه الرب (شعبه) في الطريق الأطول، كانت تلك الكارثة الثانية عشرة والأخيرة التي حلّت بالمصريين، حيث..

12. "... مدّ موسى بيده على البحر فارتدَّ البحر عن انبثاق الصبح إلى ما كان عليه والمصريون هاربون تلقآءه فغرَّق الربّ المصرين وسط البحر...".

ونتوقف هنا قليلاً للتأمل في الحكمة من كل هذا، وعقلنا وما وصلنا من تاريخ مدوَّن يؤكد أن أحداثاً بتلك الرهبة والكارثية لم تقع قطعاً، كما وردت، على أرض مصر. ولكن الأسطورة الموسوية تؤكد من خلال ناقليها من أولئك البشر الذين جمعوا في القرن الخامس ق م ذلك الكتاب الذي أضحى مقدساً فعلاً، أن شيئاً ما عظيماً جداً، ومرعباً فعلا،ً قد حصل حقاً... ومن منظوري، ما زال مستمراً إلى الآن... وسيبقى...

وأتذكر أني، في زمن سحيق من حياة مضت، كنت ماركسياً - وكل ما في قصة موسى و"شعبه" و"إلهه" يذكِّر الماركسي السابق بذلك الطموح الأزلي للبشرية التوَّاقة إلى الانعتاق من ظلم واضطهاد حكامها الأرضيين. و"شعب" موسى كان أيضاً "شعب" فرعون الذي يجب أن لا يتعطل عن أعماله - ذلك الشعب الذي كان يخدم الحاكم وأتباعه.

وموسى في منظور قرننا كان "ماركس"، أو لنقل، ذاك الذي من عالم النخبة الذي تيقَّظ لحال العوام، فتمرد وقاد، من بعدُ، تلك العوام إلى حيث الحلم الإلهي والشقاء الأرضي. ولكن، هل كان موسى بالنسبة لشعبه مجرد كاهن ثائر (مجرد ماركس)؟! وهل كان ما قاده مجرد ثورة؟!

ميثولوجياً، كان موسى "إلهاً أصغر" جباراً ومعاقِباً بالنسبة إلى فرعون؛ وبالنسبة لشعبه، كان ذلك الذي اختاره /ي هـ و هـ/ لإنقاذهم من عبودية فرعون وقيادتهم إلى "أرض الميعاد" حيث السعادة (أي الحرية والانعتاق) و"ينابيع العسل" (أي الرخاء). ولكن، من خلال ذلك الفهم المادي للميثولوجيا، أترانا لا نستصغر مضمون الأسطورة الموسوية؟

ها قد مضت ثلاثة آلاف وخمسمئة سنة على ذلك الزمان الذي نفترضه زمان موسى، وبين أيدينا كتاب أضحى مقدساً ويُنسَب إليه، وبين ظهرانينا أمم تدَّعي ( من خلال يهودا وتشعباته المسيحية والإسلامية) الانتساب إليه. ولكن، لم لا نعترف ونقرّ أن هناك تشوهاً قائماً، من منطلق اننا كبشر نميل دائماً إلى تبسيط الأمور لتتراكب مع عقولنا؟

ليس بوسع أحد اليوم – والحق يقال - أن يتشبث بقصة موسى كما وردت في الأسفار الخمسة الأولى من العهد القديم. وقد كانت هناك قطعاً هجرات من الجزيرة العربية إلى بلاد الشام وما بين النهرين ومصر. وكانت هناك قطعاً ظروف بوسعنا اليوم تشبيهها بتلك الظروف المنعكسة من خلال العهد القديم، كحكم الهكسوس الساميين لمصر، وطردهم، من بعدُ، على أيدي المصريين. ولكن الشيء الأساسي يبقى، كما سبق وأشرنا، أن كوارث كالتي حلَّت بالمصريين لم تقع حتماً، أو خروجاً كذلك الذي صُوَّر لم يحصل قطعاً على أرض الواقع؛ حيث لم يحدث خروج لما يقارب المليوني إنسان دفعة واحدة من بلاد النيل و/أو من شبه جزيرة العرب. فستمئة ألف رجل، عدا الأطفال، تعني عملياً ما يقارب المليوني شخص، دفعة واحدة؛ وخاصة أنه في ذلك الزمان، ما كان لعدد جميع سكَّان وادي النيل أن يتجاوز ذلك العدد. ولم يكن ممكناً أن تنتقل تلك الكتلة البشرية المرعبة أربعين عاماً في الصحراء، تائهةً تبحث عن طريقها، دفعةً واحدة. ولكن...

رغم هذا، من خلال الكتاب المقدس، ومن خلال الأسطورة، فإنه من المؤكد أن شيئاً ما رهيباً قد حدث فعلاً، وسيبقى مستمراً حتى النهاية، "... حتى يأتي شيلو...".

ونستعيد قراءة الـ Pentateuque من البداية...

وقد بتُّ متفقاً تماماً مع من يقول إنه لابد لتفهُّم تلك الكتب الخمسة الأولى من العهد القديم، والتي تنسب بهذا الشكل أوذاك إلى موسى، من التمعن في أوَّلها، في البدء (/بيراشيت/، بالعبرية"، الذي تتكثف في سطوره خلاصة تلك الحكمة القديمة المقدسة. فـ"ذلك الكتاب الأغمض والأصعب من الكتب المقدسة [التكوين] يحتوي من الأسرار بمقدار ما يحتوي من الكلمات، وكل كلمة حتى، تخبىء العديد منها..."، كما قال محقاً يوماً القديس جيروم، أو كما قال أيضاً فابر دوليفيه: "... هو بنت الماضي الحُبلى بالمستقبل؛ فهو وريث كلّ علوم المصريين وحامل بذور العلوم المستقبلية، والحاوي على الأكثر عمقاً وسرَّانية في الطبيعة، ذلك الأروع من أن تتصوره النفس والأعظم من أن يتملَّكه العقل...".

وذلك الذي يصفه "التكوين" ولا يمكن وصفه كان - والله أعلم - مسيرة تحقيق الألوهة لذاتها من خلال المادة والروح والإنسان. وتلك كانت المعجزة.

فمن خلال "التكوين" نتابع كيف تجسدت روح الألوهة في المادة من خلال ذلك الذي خلقه الله "... على صورته... ذكراً وأنثى..." (التكوين 1: 27) - ذاك الذي كان في البداية سعيداً كحيوانات الجنة؛ ذاك الذي ذاق من ثمر شجرة المعرفة، من خلال ما ترمز إليه الحيّة والمرأة، فـ"... صار كواحد من [الآلهة] يعرف الخير والشر..." (تكوين 3: 12)، وبات عليه أن يطمح إلى "شجرة الحياة"؛ ذاك الذي، بسبب طموحه المشروع، بات محتماً عليه السير على طريق الصليب، فأخطا وتاه. وكان الإنسان الأول وبكره أول الخاطئين الذين حمتهم الألوهة.

ومن خلال سلالة آدم وقايين التي كان بكرها أخنوخ، استمرت إنسانيتنا من خلال الخطيئة والألم، واستمرت معها سلالة المعرفة. فكان شيت (رمز الشيطان)، وكان اسمه بكره - ويا للمصادفة! - أيضاً أخنوخ... أيضاً المعرفة...

وكانت ذرِّيات بشرية متعددة: خمس "ذرّيات أمَّهات" (حسب كتب الحكمة القديمة، ووفقاً للعقيدة السرِّية) قامت وضلَّت الطريق، فمحت الكوارث الأربع منها من خلال تزاوج أبناء الإله من بنات الناس، ربما، و/أو من خلال نوح ومن أنقذه الربّ (في الفلك)؛ ومنه، تفرقت أمم الأرض و استمرت الإنسانية؛ ومن خلالها استمرت تلك السلالة التي سعت إلى المعرفة منذ كان الإنسان والتي حمتها اللوهة منذ الأزل.

فكان /برهما/ الهندي، أو /أبورهم/ العربي، أو /أبرام/ الكلداني الذي أضحى /إبراهيم/، ووحيده إسماعيل و/أو إسحق... ومن إسحق كان يعقوب، أي إسرائيل الذي صارع الإله و"... [رأى] وجهه... ونجت نفسه..." (سفر التكوين 32: 30)، ومن خلاله، ذاك الشعب (الإنسانية). وأيضاً...

كان ذلك "الشعب"، كأي شعب في ذلك الزمان، كما هو اليوم، جاهلاً... وأصوله كانت الصحراء، أو لنقل، العدم... ومن العدم كان عبور تلك البهيمة البشرية إلى المعرفة التي كانت سائدة. وتلك في حينه كانت متجسدة على أرض مصر.

ومصر، على هذه الأرض وفي ذلك الزمان، كانت رمزاً للمعرفة، وكانت، من خلال فرعون وما يرمز إليه، هي الحاكم. وفرعون، حاكم ذلك الزمان والمكان، الذي كان استمرارية لسلالة معرفية عريقة، كان أضحى فاسقاً. والفسق، كما كانت الحال دوماً، هو طريق الانحطاط. والانحطاط هوالجهالة المؤدية بأصحابها إلى العدم من جديد.

وكانت أزمة عميقة جداً، حيث كان على المعرفة التي بدأ أصحابها يفتقدونها أن تستمر شاقَّةً طريقها في قلب أعماقها الإنسانية. وكان موسى (المصري) و/أو الكاهن (اللاوي) هو ابنها الذي قادها على ذلك الطريق.

فالحكمة الإلهية شاءت أن يكون أغلب الذين قابلوا الربّ مباشرة، وكلَّموه، كما تعددهم لنا أسطورة التكوين، وحتى موسى، من الخطأة.

فآدم وحواء، وقايين، وأبرام، ولوط، وإسحق، ويعقوب (إسرائيل)، وأخيراً موسى القاتل قبل أن يتعرَّف إلى ربِّه، قابلوا الربّ جميعاً، وكانوا جميعاً من الخطأة.

وموسى كان أيضاً ذلك الهارب من وجه عدالة مجتمعه الأرضي إلى الصحراء، إلى تلك الأرض القفر حيث تتصل السماء بالأرض ويختلي ابن الإنسان بالإله، فتكون تلك المراجعة المريرة للنفس ولما مضى.

لماذا أخطأت يا ترى؟ وأنا اليوم نادم على خطأي. وربّي يعلم أن نيَّتي لم تكن الخطيئة. لكنه الغضب، ذاك النابع من الجهالة وعدم القدرة على السيطرة على النفس. يا إلهي! لِمَ غضبت فأخطأت يا ترى؟ ألأني لم أستطع تحمل الظلم؟ والألوهة، إن وُجِدت، لا تقبل الظلم. ولكن، هل الغضب والقتل هما الطريق؟ ومن قتلتُه لم يكن كهابيل سوى أداة. نعم، أداة. ولكن، لم وُجِدت تلك الأداة؟ ومن وضعها على طريقي؟ يا إلهي! لكن ما حصل قد حصل. وتلك كانت مشيئة الآلهة. و...

من خلال تلك المراجعة المرَّة وهذه التساؤلات الجارحة، يضع موسى يده على الجواب الذي يقول أن من يدعوه بالأداة لم يكن سوى أداتها - هي - بهدف الوصول إليه - هو - الذي أضحى الأحقر بين أبنائها.و...

... ناداه الله من وسط العليقة وقال: موسى موسى... لا تدن إلى هنا اخلع نعليك من رجليك فإن الموضع الذي أنت فيه أرض مقدسة...

... أنا إله أبيك إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب...

... إني قد نظرت إلى مذلَّة شعبي... وسمعت صراخهم من قبل مسخِّريهم وعلمت بكربهم فنزلت لإنقذهم... وأخرجهم من تلك الأرض إلى أرض طيبة واسعة تدرّ لبناً وعسلاً...

وستكون أنت الأداة، فـ "...تعال أبعثك إلى فرعون وأخرج شعبي..."

يا إلهي! "... ومن أنا حتى أمضي إلى فرعون..." وأخرِج شعبي؟ ويجيبه الربّ: "... أنا معك..."

يا إلهي! و"... ماذا (سـ)ـأقول لهم؟..." فيهبه الربّ معرفة اسمه، أو لنقل... الغنوص أو المعرفة...

ولكن، "... قد لا يصدقونني ويسمعون لقولي بل يقولون لمَّا يتجلَّى لك الربّ..."، فيهبه الإله العصا التي تتحول إلى حيّة، أو لنقل تلك المقدرة النابعة من المعرفة، إلهاً أولاً؛ والرهبة التي تميت وتحيي ذلك الذي يصرّ على جهالته من خلال رمز "... اليد البرصاء" إلهاً ثانياً.

ولكني خائف "... لا أحسن الكلام... بطيء النطق ثقيل اللسان...". ولما كان لا يزال يحتج خائفاً، يرشده الربّ إلى أصوله، وتلك كانت هرون اللاوي أخوه من الظاهر الذي "... هو فصيح اللسان...".

ويقبل موسى، ومن خلال قبوله...

كان، رمزياً، سقوطُ الألوهةs  التي تجسدت من خلاله كإبن للإنسان... وغرقها في قلب تلك الإنسانية التي ابتلعها...

وكان، رمزياً أيضاً، استيقاظ وصعود تلك الإنسانية بمجموعها إلى الألوهة الكامنة في أعماقها r، من خلال ذلك الذي أراد أن يزرع في قلبها المعرفة الحقَّة أو الغنوص...

وكان هذا أعظم ما حصل من خلال الخروج، تلك المعجزة التي رمزها Y، أي ما يُطلَق عليه خطأ "نجمة داوود"، وهو في الحقيقة رمز سرَّاني في منتهى القداسة، ذو أصول آريَّة. وتلك كانت المسيرة التي بدأت في حينه، والتي لم يدرك فحواها حتى الساعة إلا صفوة الصفوة، والتي سنحاول - والله أعلم - تلمُّس بعض معانيها من خلال...

7

العدد...

"وكلَّم الربّ موسى في برِّية سيناء في خباء المحضر من اليوم الأول من الشهر الثاني من السنة الثانية لخروجهم من أرض مصر قائلاً: أحصوا جماعة بني إسرائيل بعشائرهم وبيوت آبائهم بعدد أسمائهم كل ذكر برأسه من ابن عشرين سنة فصاعداً... فكان بنو راؤوبين بكر بني إسرائيل ستة وأربعين ألفاً وخمس مئة. وبنو شمعون... تسعة وخمسين ألفاً وثلاث مئة. وبنو جاد... خمس وأربعون ألفاً وستّ مئة وخمسين. وبنو يهودا... أربعة وسبعين ألفاً وستّ مئة. وبنو يسّاكر... أربع وخمسين ألفاً وأربع مئة. وبنو زبولون... سبعة وخمسين ألفاً وأربع مئة. وبنو يوسف بنو أفرائيم... أربعين ألفاً وخمس مئة. وبنو منسّى... اثنين وثلاثين ألفاً ومئتين. وبنو بنيامين... خمس وثلاثون ألفاً وأربع مئة. وبنو دان إثنين وستين ألفاً وسبع مئة. وبنو أشير... واحد وأربعين ألفاً وخمس مئة. وبنو نفتالي... ثلاث وخمسون ألفاً وأربع مئة..." (سفر العدد 1: 1-43)، أي ما مجموعه فعلاً 603550، أو لنقل، إن جمعنا أرقامها، 19 جمعاً ثيوصوفياً (1 + 9 = 10) التي هي في النهاية 1. ونتوقف قليلاً هنا، لنسجل الملاحظات التالية:

1. إن الأعداد هي، كما سبق وأشرنا، رموز سنحاول قدر المستطاع سبر أغوارها...

2. إن الأسباط، وإن كانت ربما في الماضي قبائل، هي أيضاً، من وجهة نظرنا، وكما سبق وأشرنا، رموز لمختلف تشعبات تلك الخليقة الإنسانية التي اختارتها الألوهة لتتحقق من خلالها. و...

3. إن منسِّى الابن الأول ليوسف من "... أسنات ابنة فوطيفارع كاهن أون [أمون؟]..." (سفر التكوين 46: 19) الذي حلّ محلّ لاوي الذي لم يُحسَب هنا بين الإثني عشر، هو أيضاً كاهن، أولنقل مجازاً، لاوي...

ونتابع، حيث تمّ ترتيب الأسباط، كلّ ثلاثة منها مجتمعة، وفق الاتجاهات الأربعة، بدءاً من... الشرق، حيث يهودا ويسَّاكر وزبولون، أي ما مجموعه 74600 + 54400 + 57400 = 186400، أي 19 أو 10 أو 1... ثم الجنوب، حيث راؤبين وشمعون وجاد، أي ما مجموعه 46500 + 59300 + 45650 = 151450، أي 16 أو 7... ثمّ اللاويين في الوسط... ثم الغرب، حيث أفرائيم ومنسِّى وبنيامين، أي ما مجموعه 40500 + 32200 + 35400 = 108100، أي 10 أو 1... ثم أخيراً، الشمال، حيث دان وأشير ونفتالي، أي ما مجموعه  62700 + 41500 + 53400 = 157600 أي 19 أو 10 أو 1...

وكان الشعب هو المستوى الأول من المعرفة. وهو، رمزياً، عالم المريد المتمثل بانعكاسه المادي، الذي رمزه طوبل قايين "... أول صقيل لجميع المصنوعات النحاسية والحديدية..."، وحيث يقف يهودا مواجه بنيامين. فالأول بات يمثل الشرق، والثاني يمثل الغرب. ونتأمل في أن بولس، الذي من سبط بنيامين، كان من عرَّف بالمسيحية التي انبثقت من قلب إسرائيل وباتت تمثل الغرب. وأيضاً، كيف وقف الشمال ذلك الجانب العقلاني من المعرفة مقابل الجنوب، حيث الآخرون، وعلى رأسهم رأوبين، البكر وأول الأبناء. ونتأمل في مسيرة عالمنا، من بعدُ، حيث من الجنوب، من قلب أولئك الآخرين من أبناء إبراهيم، انبثقت تلك الديانة الساميَّة الثالثة. ومن الشمال، ولد ذلك الفكر العقلاني الذي ما جاء إلا ليعدل المسار. ونتأمل كيف أن مجموع الاتجاهات الأربعة هو 1 + 1 + 1 + 7 = 10، أي 1! ونتابع...

حيث من قلب ذلك الذي هو الأول كنتيجة ومحصلة، كان من خلال لاوي ذلك المستوى الثاني (الأعلى) من المعرفة...

فلاوي لم يختفِ، إنما أضحى ذلك الذي في الوسط، ذلك السبط الثالث عشر المنتقى من الربّ لخدمته، "... بدل كلّ بكر فاتح رحم من بني إسرائيل..." (سفر العدد 3: 12). فالربّ قال لموسى: "... أما سبط لاوي فلا تعدهم ولا تخصّ جملتهم فيما بين إسرائيل..." (سفر العدد 1: 49)، مما قد يفسَّر خطأ أن اللاويين، الذين هم أبناء "معرفة" مفترضون، ليسوا من البشرية (أو الظاهر). و"... بنو لاوي بأسمائهم هم جرشوم وقهات ومراري...". وعدد جرشوم منهم هو "7500 [أي 12 أو 3] ذكر من بني شهر فصاعد" ... و"مكانه جهة الغرب، وما يحرسه هوخبآء المحضر..."؛ وعدد قهات "8600 [أي 14 أو 5] ومكانه "جهة الجنوب، وما يحرسونه هو التابوت والمائدة والمنارة والمذبحان وأمتعة القدس..."؛ وعدد مراري 6200 [أي 8] ومكانه "جهة الشمال... وما يتولون حراسته ألواح المسكن وعوارضه..."؛ ورئيس رؤساء اللاويين هوأليعازر بن هارون... "الواقف شرقاً مع موسى وهارون وما تبقى من أبناء هارون أخو أليعازر أثيمار... [أي 4] وعدد اللاويين الذين عدهم موسى وهارون إثنان وعشرون ألفاً..." ونلاحظ أن عدد بكور بني إسرائيل كان 22273، ونسجل من خلال بعض الاجتهاد السرَّاني الملاحظات:

أولاً: إن اتجاه العدّ في هذا المستوى قد انعكس بالنسبة لسابقه، حيث يبدأ من الغرب الذي يخص جرشوم (عوضاً عن الشرق في المستوى الأول)، فالجنوب الذي يخص قهات، ثم الشرق الذي يخص آل موسى، فالشمال الذي يخص مراري...

ثانياً: نلاحظ أن هناك خطأً مقصوداً في هذا التعداد. فالعدد الفعلي الناجم عن تعداد عشائر اللاويين هو 7500 + 8600 + 6200 = 22300، وليس 22000، كما هو وارد في المجموع المعطى. و 22300 تعني 7؛ إن أضفنا إليها 4، وهوالعدد المعطى لآل موسى، نحصل على 11 أو 2، وهو رقم يتطابق مع المستوى الثاني (2) من المعرفة... أما 22000 فتعني 4؛ وهورقم يتطابق مع ما يفترضه الكتاب تعداداً لآل موسى وهارون (أيضاً 4). ونتذكّر أن الرقم 4 يرمز سرَّانياً إلى الجماد الأول، أو... الخلود...

هذا ونشير هنا إلى أن بعض المراجع الغربية للعهد القديم قد تنبهت لذلك (الخطأ) في المجموع الكلِّي للاويين فجعلت من عددها 8300. ولكن المراجع العربية الأصح، تصرّ على "خطئها".

ثالثاً: نلاحظ أن أبناء موسى المباشرين جرشوم وأليعازر 2 لم يسجلا عمداً بين آل موسى وهرون. وأن إبني هارون ناداب وأبيهو (أيضاً 2) قد قُتِلا لأنهما قدَّما لـ/ي هـ و هـ/ ناراً غريبة. وأيضاً...

رابعاً: نلاحظ أن مهمة أبناء هذا المستوى الثاني من المعرفة هو حراسة تلك الحقيقة الإلهية المقدسة والمختبئة في تابوت العهد الذي "... كل من يقترب منه يُقتَل..." فالحقيقة تبقى مرعبة، تقتل من لم يتهيَّأ لها من غير العارفين. والحقيقة هي الألوهة. وهذه تتجسد في عالمنا من خلال انعكاساتها. فالربّ كان قد قال لموسى أن ما ينظره منه هو "... قفا(ه) وأما وجهـ[ـه] فلا يرى..." (سفر الخروج). ونتذكر ما سبق وأوردناه، نقلاً عن سوانا، أن اسم موسى (أو /مشه/، أي 345) هو اسم الإله، كما عبَّر به لموسى على الجبل حين قال له: "... أنا هو الكائن..."، أو بالعبرية (/أهيه أشير أهيه/، أي 21 + 501 + 21 = 543) مقلوباً. ونتذكَّر أن للألوهة ولانعكاساتها بين أبناء الإنسان، أبنائها المختارين. ونتابع حيث...

خامساً: الفارق بين العدد المعطى للاويين (22000) وبكور بني إسرائيل (22273) هم أولئك الـ 273 المفتدون. و 273 تعني 12، التي تعيدنا مباشرة إلى الأسباط تعداداً. و 12 تعني 3. ونلاحظ، أيضاً، أن الفارق بين العدد الفعلي للاويين 22300 وذلك المعطى هو 300، أي أيضاً 3. والرقم 3، هو رقم مقدس يرمز إلى الألوهة التي رمزها بالمطلق أيضاً 1. وأيضاً، فإن الفارق بين العدد الفعلي للاويين، أي 22300، وعدد بكور بني إسرائيل 22273 هو 27، أي 9 أو 3 + 3 + 3. وأيضاً...

سادساً: نسجل أن هذا المستوى الثاني من المعرفة قد يرمز إلى عالم النبات، أو لنقل، عالم الذي كان جماداً فبات حياً يتوالد. وهو، ربما، مستوى ذلك الذي من قلب الشعب، ومن خلال سعيه الدؤوب إلى المعرفة، بات رفيقاً. والرفيق هو الجندي المدافع عن الحقيقة وحارسها حيث...

سابعاً: لا ننسى أن لاوي عند هذا المستوى الذي هو الشرع أو الظاهر، قد حلّ محلَّه في وسط "الشعب" ذلك الآخر... الباطن، من أبناء يوسف، أي منسِّى (بالعبرية /منشه/). والحق يقال إن أبناء الحقيقة الحقيقيون قد أضحوا مستورين وسط الشعب. ونتابع...

فقد انتقى الربّ لخدمته كلاً "... من ابن ثلاثين سنة فصاعداً إلى ابن خمسين سنة..." (سفر العدد 4: 2) من آل لاوي، كما يلي: من بني قهات 2750، أي 14 أو 5؛ ومن بني جرشوم 2630، أي 11 أو 2؛ ومن بني مراري 3200، أي 5؛ أي ما مجموعه 8580، أي 21 أو 3. ونلاحظ هنا أننا أضحينا في المستوى الثالث من المعرفة التي باتت مستورة (منسِيَّة) في قلب إنسانيتها. وهذا المستوى يرمز إلى عالم الحيوان. وهو يتجسد، أيضاً، من خلال "ابن اللعنة" الذي جعله الغنوص معلِّماً لرفاقه. والمعلِّم هو من بين حرّاس الحقيقة خادمُها. وتلك عند موسى كانت متمثلة رمزاً في القلب...

ففي وسط كل هذا، كان خبأ المحضر، أو لنقل، ذلك المستوى الرابع المحظور الذي عبَّر عنه ذات يوم الحسين بن منصور الحلاّج ببلاغة حين قال إن "الدائرة الأولى مشيئته، والثانية حكمته، والثالثة قدرته، والرابعة معلوماته وأزليته..." وهكذا، من خلال المسيرة الشاقة للإنسانية باتجاه الغنوص، كانت ملحمة مسيرة تلك الإنسانية نحومصيرها الذي ندعوه رمزاً بالـ

8

التيه...

فقد وجَّه الربّ إسرائيل في غير "... طريق أرض فلسطين مع أنه قريب لأن الله قال لعلّ الشعب يندمون إذا رأوا حرباً فيرجعون إلى مصر..." (سفر الخروج 13: 18) لذا "... كان الربّ يسير أمامهم نهاراً في عمود من غمام... وليلاً في عمود من نار ليضيء لهم ليسيروا نهاراً وليلاً..." (سفر الخروج 13: 31) تائهين في صحرائهم.

فالتيه ما هو- والله أعلم - سوى طريق تلك الإنسانية الباحثة من خلال الشقاء والألم عن أصولها؛ وهو أيضاً، في الوقت نفسه، صراع تلك الإنسانية القائم والمستمر مع تلك الأصول، أو لنقل، مسيرة تحقُّق ما لم يتحقق بعد، ودُعِي، رمزاً، بإسرائيل...

فإسرائيل ليس تلك الدولة المعيَّنة القائمة اليوم على أرضنا، مثلاً ناصعاً من أمثلة الجهالة الإنسانية؛ وليس قطعاً أيضاً تلك التي يفترض أنها قامت في أيام خوالٍ من خلال رمز داوود وسليمان؛ بل هو تلك الإنسانية التي ما زالت من خلال ماديتها جلفة وقاسية القلب؛ إنما التي هي، في الوقت نفسه، انعكاس خالقها الذي تسعى إليه من خلال صراعها المستمر مع ذاتها ولم تزل. فأحبها إلهها لأنه /هو هي/ و/هي هو/... كان ولم يزل.

ونستذكر مع التيه...

1. من خلال إسرائيل (الإنسانية)، تلك العلاقة التي كانت ولم تزل قائمة بين الإنسانية وواقعها...

2. من خلال لاوي وما سبق، تفاعل علاقة الحقيقة بالأعماق، وتدرُّج مستويات المعرفة، وضرورات الشريعة، ومخاطرها...

3. من خلال موسى، تلك العلاقة التي كانت ولم تزل قائمة بين المعرفة وأصولها. و...

4. من خلال كل ما سبق، وكخلاصة، نتلمس آفاق مسيرتنا الإنسانية...

فالتيه كان، ومازال، وسيبقى، مسار تلك الإنسانية حتى يأتي شيلو و/أو المسيح...

والتيه هو أيضاً ذلك التشكُّك الدائم والتنكُّر المستمر من إسرائيل (الإنسانية) للألوهة، سواء عند أية صعوبة تجابهها في طعامها و/أو شرابها، و/أو أمام المادة ومغرياتها. فالإله الفعلي لإسرائيل (الإنسانية) كان، بكل أسف، ولم يزل حتى الساعة، ذلك...

9

العجل الذهبي...

حيث لما "رأى الشعب أن موسى قد أبطأ في النزول من الجبل اجتمع الشعب على هارون وقالوا له: قم فاصنع لنا آلهة تسير أمامنا... [فصنع هارون لهم]... عجلاً مسبوكاً فقالوا: هذه آلهتك يا إسرائيل التي أخرجتك من أرض مصر. فلما رأى ذلك هارون بنى أمامه مذبحاً ونادى وقال: غداً عيد الربّ. فبكّروا في الغد وأصعدوا المحروقات وقرّبوا ذبائح سلامة وجلس الشعب يأكلون ويشربون ثم قاموا يلعبون..." (سفر الخروج 32: 1-6) . وتلك كانت، ولم تزل، مأساة إسرائيل (الإنسانية) عموماً. وتلك كانت، ولم تزل، مأساة اليهودية منها خصوصاً. فكما عبَّر عنها، بمنتهى البلاغة، أحد أبرز أبناء اليهودية المعاصرين، المغفور له كارل ماركس في "مسألتـ(ـه) اليهودية"، من خلال ربطه اليهودية بالجشع الرأسمالي. والنتيجة كانت...

أنه حين واجه ابن المعرفة (موسى آنذاك) واقع وحقيقة شعبه، "... اتقد غضباً فرمى باللوحين من يديه وكسرهما في أسفل الجبل..." (سفر الخروج 32: 19). واللوحان هما "صنعة الله والكتابة هي كتابة الله منقوشة على اللوحين..." (سفر الخروج 32: 16)، وهما، بالتالي، رمز الحقيقة التي لم يكن ممكناً للعوام استيعابها. وكسرها ما هو إلا للتأكيد على ذلك. وأيضاً، من خلال موقف هارون اللاوي، التأكيد على أن الكهنوت، عند المحكّ، يمكن أن يكون أسوأ المدافعين عن الحقيقة.

ونتابع، حيث كان، أيضاً وأخيراً، وليس بعد حصراً وآخراً، أنه حين " أقام إسرائيل بشطيم وأخذ الشعب يفجرون مع بنات موآب [اللواتي] دعون الشعب إلى ذبائح آلهتهن فأكل الشعب وسجدوا لآلهتهن وتعلق إسرائيل ببعل..." (سفر العدد 25: 1-2)، كانت الضربة حيث تناقص العدد عموماً. وكان، رمزاً، ذلك التعداد الثاني حيث اختلط الحابل بالنابل. ونسجل هنا، والجميع يقرّ أن الكتاب قد سُجِّل في بابل على يد الناسخ عزرا والنبي نحميا، أن التعداد الثاني فقد رمزيته، وأصبح مادياً، حيث قد لا يكون انتقاص أو زيادة تعداد بعض الأسباط سوى محاولة من المشرِّع للتأكيد، من خلال هذا التعداد، على أهمية بعض هذه الأسباط (كيهوذا ولاوي) على حساب سواها التي تناقص عددها، وبالتالي، قلَّت أهميتها...

وكان أنه حين غاصت الحقيقة في الأعماق مجدداً - والألوهة لا يمكن أن تتخلَّى عن أبنائها - أن أصبح الملاذ الممكن في حينه، ربما، ولم يزل حتى الساعة هو...

10

الشريعة...

فجدلية الحياة ونسبية الإنسان هما اللذان فرضا، ولم يزالا، على كل تلك الحقائق النسبية المتمثلة بالأديان والعقائد، "سماوية" كانت أو غير سماوية، أن تتحول بشكل أو بآخر، إلى شرائع...

والشرائع - أية شرائع - هي ضمن ظروفها مبرَّرة. فالحقيقة صعبة جداً، وتفهُّمها ليس، مع الأسف، في متناول العوام. فالجهالة المحيطة، وما يتبعها من تفسخ أخلاقي من خلال المادة، هي، ربما، أكبر برهان على ذلك. والشرائع، بحكم الجهالة الإنسانية، مازالت، حتى يومنا، مبرَّرة، وستبقى، مع الأسف، كذلك للأفق الإنساني المنظور.

والشريعة الموسوية، التي هي تلك النابعة من بابل، والمستقاة من تلك التي استنَّها في حينه حمورابي لـ"رعاعه"، هي في الوقت نفسه شريعة الدينين الآخرين المنبثقين عنها. وهذه يمكن تلخيصها بما يعرف بالوصايا العشر التي تقول:

1. "أنا هو الربّ إلهك... لا يكن لك آلهة أخرى أمامي..."؛ مما يعني أن الإنسان كان مايزال عبداً للمادة ولشهواته المجسَّدة لما أضحت تمثِّله آلهته. وهذا ما تؤكده الوصية الثانية...

2. "لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً ولا صورة [و]... لا تسجد لهنّ وتعبدهنّ..." - هاتان الوصيتان اللتان جسَّدهما الإسلام بـ"لا إله إلا الله"... وأيضاً...

3. "لا تنطق باسم الربّ إلهك باطلاً..."؛ مما يعني أن الكذب كان هو الشائع، وأنه لم تكن ثمة، كما هي الحال الآن عموماً، مقدسات. وهذا ما تؤيده الوصية الرابعة...

4. "أذكر يوم السبت لتقدّسه..."؛ مما يعني أن جزءاً من وقت الإنسان (المادة) يجب أن يُخصَّص للتأمل في أعماقه (الألوهة)...

5. "أكرم أباك وأمك..."؛ مما يعني أنهما، أساس كل عائلة - والعائلة هي ذلك الشكل الأرقى لأية علاقة إنسانية حتى تاريخه -، كانا محتقرين...

6. "لا تقتل..."؛ مما يعني أن القتل كان هو السائد...

7. "لا تزن..."؛ مما يعني أن الزنى كان هو القاعدة...

8. "لا تسرق..."؛ مما يعني أن السرقة كانت هي القانون...

9. "لا تشهد على قريبك زوراً..."؛ مما يعني أنه لم يكن هناك أي إحساس بالعدل. فما كان سائداً من الوجهة الأخلاقية كان أيضاً، وأخيراً، ما حرَّمته تلك الوصية العاشرة التي تقول...

10 "لا تشته بيت قريبك، لا تشته امرأته ولا أمته ولا ثوره ولا حماره..." (سفر الخروج 20: 2-17). ونكتفي بهذا القدر فـ...

تلك ما كانت سوى شريعة بشرية على أعتاب الخروج من همجيتها؛ شريعة شعب كان يهدد أبناءه بالقتل إن هو"... اضطجع مع بهيمة..." (سفر الخروج 22: 19)؛ شريعة كان إطارها، رمزاً، تلك "... الرعود والبروق والجبل المدخن..."، ووعاؤها أناس "... [يـ]ـرتعدو[ن] فوقفوا من بعيد وقالوا لموسى: تكلَّم أنت معنا فنسمع. ولا يتكلّم معنا الله لئلا نموت..." (سفر الخروج 20: 18-19) ...

شريعة جاءت مع اللوحين الآخرين، بعد أن كسر موسى اللوحين الأولين (الحقيقة)، كما جاء حقاً في سفر الزاهر ... شريعة كان حاملها هارون، ومطبِّقها يهودا، كرموز لمعارف ذلك الزمان وللجهالة الإنسانية. ولكن، ورغم كل شيء...

لا نستطيع سوى الإقرار بأن تلك الشريعة ما كانت لتخلو من رموز بمنتهى العمق والسرَّانية، كذلك الذي يدعو، مثلاً وليس حصراً، إلى "... مدن في عبر الأردن نحو مشرق الشمس ليهرب إليها كل قاتل يقتل صاحبه بغير قصد وهو غير مبغض له من أمس فما قبل فيهرب إلى إحدى تلك المدن فيحيا..." ( تثنية الاشتراع 4: 41-42). فموسى ههنا كان يستذكر ماضيه ربما. وموسى، من خلال ذلك أيضاً، إنما كان يدعو، وإن من خلال الرمز، إلى ما ليس بوسع رعاعه أن يدركوه من تدابير تلك الألوهة التي جعلت منه ذات يوم "إلهاً أصغر". ونكتفي بهذا القدر ههنا، ونتابع، حيث...

كان يهودا، رمزاً، سلطة العوام في حينه وذراعها المحارب، ولم يزل كذلك إلى اليوم من خلال أي نظام إنساني قائم، مهما اختلفت تسميته؛ وكان لاوي يمثل معرفتها (المفترضة) وسط جهالتها السائدة؛ وكان الكهنوت الذي، مهما تبدل شكله، مازال أداة أية سلطة دنيوية قائمة وحامي شرعها. ونسجل هنا أن ذلك الكهنوت وتلك الشريعة ما كانا سوى الممكن. لذا احتجبت الحقيقة في قلبه - إن لم نقل خلفه. وهذا ما كان يعلمه من خلال...

11

الشيطان أو... الإله معكوساً...

عند أبناء المعرفة (كميكلانجلو مثلاً)، موسى هو الرمز الثالث والأهم لبدء خروج إنسانيتنا من همجيَّتها، ولتيهنا الإنساني الذي مازال مستمراً. وموسى، كما جاء حقاً، "... لم يقم من بعد نبي في إسرائيل كـ[هو] الذي عرفه الربّ وجهاً إلى وجه..." (سفر تثنية الاشتراع 34: 10)، كانت مأساته، ولم تزل مأساتنا، أنه عرف الألوهة "من الخلف"، أو لنقل، من خلال انعكاسها الأرضي. وإن كان ومازال مؤكداً أن مشروعه كان ولم يزل هو الأعظم بين مشاريع بني الإنسان: أن تصبح تلك البهيمة البشرية المفترضة "شعباً" مصطفى للألوهة...

وأقف حالماً ومتسائلاً عن ماهية ذاك الذي ندعوه، على خطا موسى، إلهاً. وأحلم، وقلبي يقول لي أن...

هو نحن. وهو الكون. وهو المطلق والعدم. ومن خلاله...

هو الكمون، إن شئتم، وهو الحركة والمادة والطاقة. وأيضاً...

هو ذاك الألم في قلوبنا، وتلك السعادة، وتلك المحبة. وأيضاً...

هو كل ما نعلم وسنعلم. وخاصة، هو كل ما نجهل وسنبقى جاهلين. وأيضاً...

هو موسى، وبوذا، والمسيح، وأحمد... وهو أنتِ، نعم أنتِ تحديداً يا حبيبتي. ولكن...

وأحلم...

أن موسى في الحقيقة لم يوجد. ولكنه، على مستوانا، كان هارون. فموسى هو الباطن، وهارون هو الظاهر. موسى هو المستور، وهارون هو المعلَن. ولما كان المستور لا يستطيع الكلام، فقد كان بالتالي رمزاً "... ثقيل اللسان..."، وكان المعلَن بالمقابل فصيحاً. وأيضاً...

كان موسى، من خلال /ي هـ و هـ/، تلك الصورة المقلوبة من الألوهة، أو لنقل، مجازاً، ذاك الذي ندعوه "شيطاناً"، كما نحته ميكلانجلو. وأفكر أن موسى كان طوال حياته وحيداً وسط شعبه، كإبليس بين ملائكة الربّ...

وأحلم...

أنه في اليوم السابع، انطلق ملاك من حضرة الربّ، بمشيئة الربّ، فأضحى الحلقة الظاهرة. وكان الزمان من دهر الداهرين. وذاك المحدود من اللامتناهي.

وكان إلهنا... لا إله إلاّ هو... ذاك الذي ما عرفناه كالحلاج إلا من خلال نقيضه...

وأحلم...

أن إبليس ما هو سوى اسم من أسمائه. فقد أعطي الكائن العديد من التسميات وأغلبها كان ولم يزل، لجهالتنا، مخيفاً...

فقد كان الخصم، لأن جهالتنا وضعت المادة مقابل الروح، ولأن الزمان، كما نراه، يوجِّه أصابع اتهامه إلى الجميع.

فارتعدوا أيها البشر، وتجنبوا الخطيئة، ولا تنطقوا بدعائه إلا راجفين. فهذا هو شرعكم، وذاك هوعذابكم.

لأن شيطانكم أمسى قاضي قضاة الألوهة وحامل سيفها. وهو... صاحب الميزان والقياس والعدد...

وابن المعرفة يعلم أن الشيطان كان، ولم يزل، الإله الأوحد لكوكبنا.

وأحلم...

أن القضية قد لا تتعدى، في النهاية، ذلك الصراع في عقولنا وقلوبنا، من خلال عدم تمكُّننا من الجمع بين المعلَن والمستور؛ بين ما نفترضه طليقاً وليس بوسعنا تلمُّسه، وذاك الذي مازالت تقيِّده ماديَّتنا لأنه ليس بوسعنا فهمه؛ بين ما نعلم أنه الظاهر ولا ندركه، فنلوِّث أنفسنا من خلال جهالتنا ونصارعه.

وكلا النقيضين في النهاية هو... كلمة الإله...

وأحلم...

أن هذا ما كان يعلمه موسى - ولم يفهمه الآخرون، بدءاً من راؤبين (البكر أو السلف)، مروراً بيهودا ولاوي (الحاضر كان ولم يزل)، وصولاً إلى بنيامين (الشباب والمستقبل).

لذا نجد أن موسى (الإنسان)، إن وُجِد، مات في النهاية ولم يدعه الحقّ يدخل أرض أحلامه. فمكانه كان وسيبقى بين أبنائه. وبالمقابل، نجد أن أبناؤه، وقد تحول الرمز في قلوبهم إلى مادة، دخلوا تلك الأرض القفر حيث الدموع والألم، حاسبين، ومازالوا، لجهلهم، أنها تجسيد ما حلموا به.

فالحلم كان، ومازال، بالنسبة للإنسانية جمعاء، هو...

12

أرض الميعاد...

وأرض الميعاد هي تلك "[الـ]أرض [الـ]ـطيبة [الـ]ـواسعة [التي] تدرّ لبناً وعسلاً..."  حيث...

"... صعد موسى من صحراء موآب إلى جبل نبو إلى قمة الفسجة تجاه أريحا فأراه الربّ جميع الأرض... وقال له الربّ: هذه هي الأرض التي أقسمت لإبراهيم وإسحق ويعقوب قائلاً لنسلِكم أعطيها قد أريتكها بعينك ولكن إلى هنا لا تعبر. فمات هناك موسى عبد الربّ في أرض موآب بأمر من الربّ. ودفنه في الوادي في أرض موآب تجاه فغور ولم يعرف أحد قبره إلى يومنا هذا..." (سفر تثنية الاشتراع 34: 1-6).

وأرض الميعاد هي، رمزاً، تلك التي وعد الربّ بها إسرائيل إنْ "... أطاع أمر الربّ إلهـ[ـه] حافظاً جميع وصاياه... [فـ]ـتحلّ عليه جميع بركاتها وتشمله... ويبارك في المدينة ويبارك في الصحراء. ويبارك ثمر بطنـ(ـه) وثمر أرضـ(ـه) وثمر بهائمـ(ـه)... ويبارك في دخولـ(ـه) ويبارك في خروجـ(ـه) (فـ)يقيمه الربّ شعباً مقدساً..." (تثنية الاشتراع 28: 1-9) ... ولكن...

لما كان إسرائيل-الإنسانية، ولم يزل، حتى الساعة يصارع ربَّه، فإنه...

كان، ولم يزل، لمأساته "... ملعوناً في المدينة وملعوناً في الصحراء و... ملعوناً ثمر بطنه وثمر أرضه و... في دخوله ملعوناً وفي خروجه و... مستعبداً لأعدائه..." (تثنية الاشتراع 28: 16-47)، حيث ردّه "... الربّ إلى مصر على الطريق التي [كان يفترض أن] لا يراها أبداً..." (تثنية الإشتراع 28: 68).

أي لنقل طريق التيه، طريق التيه الذي كان وما زال يفترض أن يخرج منه. وهو لم يدخل، حتى الساعة، أرض الميعاد، تلك "... الـ[أرض] [الـ]طيبة [الـ]ـواسعة [التي] تدرّ لبناً وعسلاً..."

تلك التي، إن قبلنا اللغة المادية للماركسية المعاصرة، كان عليها، كما كان يجب أن يكون للجميع عليها، "من كلّ حسب قدرته، ولكلّ حسب حاجته..."؛ تلك الأرض حيث تسود العدالة والمحبة والإخاء بين أبناء الإنسان. وأيضاً، تلك التي، إن تجاوزنا، كما كان يفترض، ماديَّتنا، تشهد مجيء شيلو أو المسيح، وتحقق ألوهتنا فعلاً كأبناء للإنسان... ولكن...

حتى الساعة، لم يتعرَّف الإنسان، لماديَّته، على تلك الألوهة التي تحتضنه كامنة في أعماقه. وحتى الساعة، مازال الإنسان، الذي خرج، رمزاً، من عبوديته وجهالته على يد موسى، تائهاً في صحرائه القفر، وعبداً لعجله الذهبي. و...

حتى الساعة، مازال إسرائيل، يهودياً كان أم مسيحياً، مسلماً كان أم بوذياً، هندوسياً كان أم ماركسياً، من خلال شرعه، عبداً لإلهه الأصغر الذي ابتدعه بنفسه، على مستواه وشاكلته.

فهذا كان، ومازال، قَدَر الإنسانية (إسرائيل) ومصيرها، وسيبقى حتى "... تمام ألف سنة، بعد ذلك، سيحل زمن يسير..." (رؤيا يوحنا 20: 3) - إن شاءت الآلهة...

*** *** ***

المراجع

الكتاب المقدّس، العهدان القديم والجديد

القرآن الكريم

مخطوطات البحر الميت

H. P. Blavatsky, La Doctrine secrète

H. P. Blavatsky, Isis dévoilée

André Meher, Moïse et la vocation juive

Guy Cassaril, Rabi Simeon Bar Yochai et la Cabale

S. L. MacGregor Mathers, The Kabbalah Unveiled

Edouard Schuré, Les Grands Initiés

Adin Steinsaltz, La rose aux treize pétales

ندره اليازجي، ردّ على اليهودية واليهودية المسيحية

ندره اليازجي، ردّ على التوراة

كمال الصليبي، التوراة جاءت من جزيرة العرب

كمال الصليبي، خفايا التوراة وأسرار شعب إسرائيل

كارل ماركس، المسألة اليهودية

إليان هاليفي، المسألة اليهودية – القبيلة، الشريعة، المكان

الحسين بن منصور الحلاّج، كتاب الطواسين

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود