|
4 العوامل
المؤثرة – 1
(مقاربة
أولى)
مما
سبق وعرضنا فيما متعلق بالبلدان العربية،
بوسعنا القول إن العوامل المؤثرة الرئيسية
على أوضاع المرأة في هذه البلدان هي عوامل
اقتصادية واجتماعية وسياسية، داخلية وخارجية.
وتؤثر هذه العوامل مجتمعة، أو كل منها على
حدة، على المجتمعات والبلدان، وخاصة على
أوضاع المرأة فيها. ونبدأ بـ... الذي
نعني به مجمل تلك الشروط المؤثرة إيجاباً أو
سلباً على الحال المعيشية للسكان، بما ينعكس
من خلال ظروف صحية و/أو تعليمية أفضل أو أسوأ.
وأيضاً، نعني الظروف التي تؤثر على الانسجام
و/أو التباعد بين مختلف الشرائح الاجتماعية (الطبقات).
كما نعني أيضاً درجة انفتاح المجتمع على
العالم، ونوعية اقتصاده: هل هو اقتصاد
ليبرالي حر أو (مازال) اقتصاداً "اشتراكياً"
تسيطر عليه الدولة. المرتبط
بشكل وثيق بالعامل الاقتصادي أعلاه؛ وهو عامل
يكتسب أهميته خاصة من اختلاف وتمايز البلدان
العربية بعضها عن بعض من حيث النسيج
الاجتماعي والمستوى الثقافي ودرجة انفتاحها
على العالم الخارجي. ونلاحظ هنا أن الإحصاءات
تسلط الأضواء على بعض جوانب واقع يمكن تلخيصه
كما يلي: 4
– 2 – 1
التركيب الإثني والتركيب الديني للبلدان
العربية: وكما هو مبين في الجدولين التاليين...
و...
من
هذه الجداول يمكننا استنتاج ما يلي: أنه
رغم كون الأغلبية العظمى من سكان البلدان
العربية عرب ومسلمون سنَّة إلا أنه توجد في
هذه البلدان (كما هو مبيَّن في الجداول أعلاه)
أقلِّيات عرقيَّة (إثنية) و/أو دينية (أحياناً
أكثريات) ليسوا عرباً و/أو ليسوا مسلمين
سنَّة، مما يشكل عامل تنوع يؤثر (غالباً بشكل
إيجابي وأحياناً بشكل سلبي) على الأوضاع في
هذه البلدان. مثلاً... -
في المغرب وموريتانيا والجزائر هناك وجود
بربري قوي. (ملاحظة تتعلق بالمغرب حيث
الأغلبية السكانية ليست من المسلمين السنَّة).
(1) -
في مصر، حيث تتجانس التركيبة الإثنية، هنالك
تنوع ديني: فـ94% من السكان هم مسلمون سنَّة، و6%
مسيحيون أقباط. (1) (2) -
في السودان حوالى نصف السكان ليسوا عرباً،
إنما أفارقة. وما لا يقل عن 28% من السكان ليسوا
مسلمين (عبادات محلية ومسيحيون). (2) -
في العراق 25% من السكان ليسوا عرباً (20% أكراد و5%
تركمان وآشوريون). وحوالى 63% ليسوا مسلمين
سنَّة (60% مسلمون شيعة و3% مسيحيون). (1) (2) (3) -
في الأردن، حيث 98% من السكان عرب (من بينهم 50%
فلسطينيون) و92% مسلمون سنَّة؛ فإن 2% من السكان
من غير العرب (شركس وأرمن)، و8% ليسوا مسلمين (حوالى
6% منهم من المسيحيين) (2) -
في الأراضي الفلسطينية المحتلة 95.2% من السكان
عرب (4.8% مستوطنون يهود) و83.74% مسلمون سنَّة (10.89%
يهود و5.36% مسيحيون) (1) (2) -
في سوريا، حيث يضم التركيب الإثني، إضافة إلى
العرب الذين يشكلون 90% من السكان، أكراداً
بحدود 9% وغيرهم 1%. أما التركيب الديني، إضافة
إلى المسلمين السنَّة الذين يشكلون 72% من
السكان، فيشمل 12% علويين و7.5% دروز وغيرهم و6.5%
مسيحيين. (1) (2) (3) -
في لبنان، حيث يشكل العرب 93% من السكان (الباقون
أكراد)، هنالك تنوع ديني وحيد من نوعه في
العالم العربي. فتعداد المسلمين السنَّة هو 20%
من السكان، والمسلمين الشيعة 35%، والدروز 10%،
والمسيحيين 30%. (1) (2) (3) -
في عُمان، حيث نسبة العمالة الأجنبية 26.5% من
السكان، فإن 81% من السكان ليسوا من السنَّة
إنما من الأبايضة والشيعة. (3) -
في العربية السعودية، حيث 32% من السكان عمالة
أجنبية، هنالك ما لا يقل عن 10% من الشيعة في
المناطق الشرقية. -
في البحرين والكويت وقطر والإمارات، حيث نسبة
العمالة الأجنبية تتراوح ما بين الـ37% والـ 80%
من السكان، فإن نسبة الشيعة ما بين الـ16% والـ70%.
(3) (4) -
في اليمن هنالك نسبة 47% من الشيعة. (1) (3) (1)
نذكر
أنه فيما يتعلق بالجزائر، المغرب، تونس، مصر،
العراق، سورية، لبنان واليمن كان هناك في هذه
البلدان وجود تاريخي لأقليات صغيرة، لكن
مزدهرة، من اليهود الذين غادر معظمهم بعد
الاستقلال و/أو بعد قيام دولة إسرائيل. وإن
بقي قسم ضئيل جداً في كل من تونس والمغرب... (2)
لأسباب
معظمها اقتصادي وسياسي انخفضت نسبة وعدد
المسيحيين بشكل ملحوظ في عدد من البلدان
العربية. ففي مصر، انخفضت نسبتهم إلى 6% (بعد أن
كانت 10% في الخمسينات). وكذلك في فلسطين
والأردن والعراق وسورية (حيث كانوا حوالى الـ15%
في أوائل الخمسينات) وفي لبنان (حيث كانوا
حوالى الـ50% في أوائل الخمسينات). (3)
يختلف
الشيعة عن السنَّة من حيث جواز الاجتهاد في
الشريعة. (4)
لا
يشمل قطر حيث الشيعة قليلو العدد. العوامل
المؤثرة – 2 (فيما
وراء الأرقام) لأنه
ليس بوسع الأرقام قياس و/أو تقويم كل شيء؛ إذ
إن هناك عوامل مؤثرة أخرى لا يمكن الإحاطة بها
إحصائياً وتمييز البلدان العربية بعضها عن
بعض. من ضمن هذه العوامل سنتطرق بإيجاز إلى: 5
– 1: الخلفية الثقافية والحضارية للبلدان
العربية لأنه،
منذ القدم، كانت سوريا ومصر والمغرب وتونس
أكثر تحضراً من غيرها، لأن مدنها – دمشق وحلب
وبيروت والقاهرة والإسكندرية والدار البيضاء
والرباط وتونس – مدن عريقة مزدهرة ذات تراث
ثقافي معروف منذ القدم. وأيضاً، لأن معظم سكان
هذه المدن هم من التجار الذين هم تقليدياً
أكثر انفتاحاً من غيرهم على العالم الخارجي.
فقد كانت هذه البلدان، بالتالي، أول من تأثر
بالحضارة الغربية الحديثة – منذ أواخر القرن
الثامن عشر – في الوقت الذي بقيت فيه باقي
البلدان العربية منعزلة، كالسعودية أو
الإمارات، التي كان معظم سكانها الأصليين
بدواً رُحَّلاً أو صيادين والتي لم تنفتح على
العالم الخارجي إلا متأخراً جداً، في أواخر
القرن التاسع عشر أوائل القرن العشرين مع
بدايات استثمار النفط. وقد
نجم عن هذا الانفتاح الأبكر والأعمق على
العالم الخارجي، وخاصة على الحداثة الغربية
ومؤثراتها، تغيرات عميقة في قلب المجتمعات
المدنية لكلٍّ من سورية ولبنان ومصر وتونس
والمغرب. وكان من ذلك نشوء نخبة متوسطة الحال
ومثقفة، إلى جانب تراثها بالعلوم والقيم
والمفاهيم الغربية، قادت في حينه المعارك
الثقافية والسياسية في بلدانها من أجل
الحداثة والاستقلال، تلك الفئة – النخبة
الحقيقية – التي خفَّ تأثيرها اليوم كثيراً،
ولكن التي لم تزل تشارك في معارك بلدانها من
أجل الحقوق المدنية والسياسية. ونتذكر أنه
بفضل هذه الفئة وعمق تأثيرها الاجتماعي في
حينه باشرت النساء المصريات نضالهن المطلبي
من أجل حقوقهن منذ أواخر القرن التاسع عشر،
وفي سوريا منذ أوائل القرن العشرين. وأيضاً
وخاصةً، بفضل هذه النخبة وعمق تأثيرها في
حينه، تحقَّق في هذه البلدان نوعٌ من الفصل
الأعمق بين الدين والدولة، فصل مازال سائداً
فيها حتى تاريخه، الأمر الذي جعل أوضاع
المرأة في هذه البلدان أفضل من غيرها... 5
– 2: الدين والأصولية والدولة: كما
هي الحال في لبنان (الذي يمكن اعتباره من أفضل
وأكثر البلدان العربية ليبرالية)، حيث لا
يوجد دين للدولة؛ وكذلك في سوريا، حيث يجب فقط
أن يكون رئيس الدولة مسلماً. وهذا ما يجعل
الفارق بين هذين البلدين وبين البلدان
العربية الأخرى أكثر وضوحاً؛ إذ إن الإسلام
هو دين الدولة الرسمي لجميع البلدان العربية،
ما عدا لبنان وسوريا – وإن كان تطبيق أحكامه
يختلف من حيث الصرامة من بلد إلى آخر... كما
هي الحال في تونس حيث سيطر الرئيس (الراحل)
بورقيبة على البلاد حوالى الـ31 عاماً، قمع
خلالها الأصولية الإسلامية وثبَّت حقوقاً
للمرأة تتجاوز تلك التي حصلت عليها في أكثر
البلدان العربية تقدماً. وكما
هي الحال، إلى حدٍّ ما، في الأردن والعراق،
الأقرب نسبياً هنا، ومن حيث الشكل، من
النموذج السوري. فالإسلام في هذين البلدين هو
الدين الرسمي للدولة، لكن النظام القضائي
فيهما يعكس خليطاً أكثر تأثراً بالقوانين
البريطانية، بينما تطبَّق الشريعة الإسلامية
على القضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية.
وأيضاً... فإن
تطبيق وتفسير قوانين الشريعة الإسلامية
متسامح جداً في المغرب والجزائر، حيث يعكس
النظام القضائي خليطاً من القوانين الفرنسية
والتفسير المتسامح للشريعة الإسلامية. وفي
مصر، حيث تراثها الاجتماعي والثقافي عربي
وإسلامي من دون شك، ولكن حيث من الواضح جداً
في نفس الوقت ذلك البعد الكوزموبوليتي
لثقافتها، المتأثرة أيضاً بالثقافة الغربية. لكن
الأمور تبدو مختلفة حين ننظر إلى العربية
السعودية، حيث القانون هو أحكام الشريعة
الإسلامية المطبَّقة وفق المذهب الحنبلي (الأكثر
محافظةً). وكذلك الحال من حيث الشكل في
الإمارات وبلدان الخليج الأخرى، حيث يثبت
الدستور أسس نظام قضائي قائم على أحكام
الشريعة، ولكن حيث يعكس الواقع وتطبيقاته
مزيجاً من القوانين الإسلامية والمبادئ
الغربية، مما يجعل من الإسلام المطبَّق في
هذه البلدان أقل صرامة منه في العربية
السعودية. وأيضاً... نلاحظ
أن النظام العسكري والإسلامي الحاكم في
السودان لم يستطع حتى الساعة تطبيق القوانين
الإسلامية وفرض الإسلام كدين للدولة على
البلاد بأسرها. والأسباب في ذلك هي التنوع
الكبير في التركيبة الإثنية والدينية للبلد،
مما جعل قسماً هاماً من سكانه يرفضون حلاً
كهذا. وأيضاً، نلاحظ أنه في اليمن وعُمان (المجاورين
للعربية السعودية)، حيث الإسلام هو دين
الدولة، لكن حيث تفسير وتطبيق شريعته أقل
تشدداً من العربية السعودية، فإن السبب هو
تنوع التركيبة الإثنية لسكان هذين البلدين
الذين يتبعون بمعظمهم فروع و/أو مذاهب
إسلامية أخرى. فالسنَّة في اليمن شافعيون
والشيعة زيديون، بينما قسمٌ هام من سكان
عُمان هم من الأبايضة (بينما في السعودية فإن
السنَّة هم من الحنابلة). وأيضاً... نلاحظ
أنه في ليبيا، حيث الإسلام هو دين الدولة،
وحيث التركيبة الإثنية والدينية متجانسة،
فإن التطبيق المتسامح نسبياً للشريعة يعود
بشكل خاص للتأثير الإيجابي لدول الجوار،
ونعني تونس ومصر وإيطاليا وأوروبا. وإذا
تركنا جانباً الصومال، أفقر البلدان
العربية، حيث لا توجد حالياً لا دولة ولا
شريعة، فإننا نلاحظ أن موريتانيا، حيث معظم
السكان من البربر وحيث التركيبة قبلية، فإن
الإسلام المطبَّق في هذا البلد الساعي لأن
يصبح دولة يحمل في طيَّاته الكثير من
التأثيرات الغربية. ولكن... نظرة
متأنية للوجه الآخر من الحقيقة يُظهِر، في
جميع البلدان العربية على الإطلاق، بما فيها
مصر وإلى حد أقل سوريا، تصاعداً للمدِّ
الأصولي، الأمر الذي ينعكس سلباً على أوضاع
السكان عامةً وأوضاع المرأة بشكل خاص.
وتُعتبَر الظاهرة المتنامية للنساء
المحجَّبات والرجال الملتحين معبِّرة جداً
عن هذا الواقع وذات دلالة.
نفوذ
أصولي متنامٍ تعود مسبِّباته بشكل جزئي إلى
الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
وإلى الظروف السياسية السائدة في هذه البلدان
والمجتمعات، حيث يعمل قسم هام من القوة
العاملة خارج بلاده (بشكل عام في العربية
السعودية وبلدان الخليج). وذلك لأن... العربية
السعودية وبلدان الخليج بلدان غنية نسبياً،
وفيها تتوفر فرص هامة للعمالة العربية
والإسلامية؛ الأمر الذي نجمت عنه زيادة في
نفوذ هذه االبلدان بشكل عام، سواء في المنطقة
العربية أم في العالم، مشيرين هنا إلى واقع أن
هذا النفوذ قد ازداد بشكل ملحوظ خلال فترة
الحرب الباردة، حين كانت القوى الغربية،
وبشكل خاص الولايات المتحدة الأمريكية، تدعم
بقوة هذه البلدان بشكل عام والحركات الأصولية
الموجودة فيها بشكل خاص؛ الأمر الذي أدى إلى
تزايد نفوذ تلك الحركات في كلٍّ من العالمين
العربي والإسلامي، حيث كانت التربة مهيئة
لاستقبال طروحاتها. لأن
الإسلام عميق الجذور في المجتمعات العربية،
ولأن ثقافته هي السائدة فيها وأحياناً من
خلال أشكالها الأكثر محافظة، كما هي الحال
التي سبق وأشرنا إليها في العربية السعودية
"حيث يقوم الحكم على أساس شريعتها المنبثقة
من تعاليم الرسول وإرث المسلمين الأوائل
الذين هم السلف الصالح. وحيث تسود هذه
القوانين فإنها تحدد الحقوق والواجبات
المدنية والدينية، وكذلك المسؤوليات لكل من
الحاكم والمحكوم. فالشرع مُنزَل من عند الله
وليس من صنع بني البشر. وهذا الشرع يفسره
ويشرحه "علماء"، رجال دين، لا علاقة لهم
بالحضارة الغربية التي لا يفقهونها. ودرجة
وعيهم هذه تنعكس من خلال فتواهم (سلباً) على
الأوضاع في بلدانهم وفي مختلف أنحاء الوطن
العربي، وخاصة منها ما يتعلق بالمرأة
وأوضاعها. ولكن... كانت
الأوضاع تبدو مختلفة في نهايات القرن التاسع
عشر وبدايات القرن العشرين عما هي عليه اليوم.
ففي مصر وبلاد الشام كان يقود المجتمعات
الإسلامية أناس ذوو ثقافة رفيعة جداً،
منفتحون لقيم وضرورات الحداثة، وعلى احتكاك
عميق بالثقافة الغربية. من هؤلاء، نعدد من أجل
الذكرى، وعلى سبيل المثال لا الحصر، عبد
الرحمن الكواكبي والأمير عبد القادر
الجزائري في سورية، الشيخ عبد الله العلايلي
في لبنان، جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده في
مصر (بعض هؤلاء كان حتى من الفرمسون!). أما
اليوم فإن الذين يقودون المجتمعات الإسلامية
في سورية ومصر، كما في مختلف أقطار الوطن
العربي، أناس، إن أبعدنا جانباً ثقافتهم
القرآنية، لا علاقة لهم بالقيم والحضارة
الغربية. فالمرجعية في هذه البلدان باتت
اليوم "سعودية". حول هذا الموضوع نستشهد
بما جاء على لسان أحد العلماء والمرجعيين
المصريين، د. نصر حامد أبو زيد؛ ففي إحدى
المقابلات الأخيرة معه قال: "... كان ذلك
خلال فترة التحالف بين مصر والعربية السعودية
والولايات المتحدة أن اكتملت الهيمنة
السعودية على المؤسَّسة الدينية المصرية (فهذه
المؤسسة، التي كانت أشعرية، تحولت اليوم إلى
وهابية). لقد غزت القيم والمفاهيم البدوية
مدنيَّتنا...". أو
لنقل أنها "أعادت غزوها" ثانية، مع كل ما
يحمله هذا الاجتياح من مظاهر مخيفة، كالرجال
الملتحين والنساء المحجبات – تلك الظاهرة
التي عالجتها بعمق د. فاطمة المرنيسي (من
المغرب) في كتابها ما وراء الحجاب حيث
قالت: "... إنه مجرد أداة ووسيلة تستعملهما
المرأة من أجل الدخول إلى دائرة الحياة
العامة. فتلك الدائرة مازالت حتى الساعة
ذكورية وفق فهمها الإسلامي... إنه ضرورة لأنه
يحمي المرأة ووجودها ضمن حلقة مازالت ترفضها
بشكل عام...". تحليل عميق ودقيق يربط هذه
الظاهرة، من حيث الجذور، بعوامل اجتماعية
وسياسية أكثر منها دينية. ونلاحظ
بهذا الخصوص أنه، مع غياب وجهات النظر الأخرى
(الديموقراطية)، انتشرت الأفكار الأصولية
بعمق عبر ما ندعوه اليوم بالعولمة، بمساعدة
التقنيات الغربية كالدِشْ والإنترنت. وهذا
ما يقودنا إلى...
لأنه
لا توجد في عالمنا دولة تعيش بمفردها و/أو
بوسعها أن تكون كذلك. وتلك حال البلدان
العربية التي أضحت، بسبب أهمية موقعها
الجيوسياسي، وثيقة الارتباط بحلقات تأثير
الآخرين، وخاصة الدول الغربية؛ الأمر الذي
انعكس عليها خلال تاريخها الحديث سلباً
وإيجاباً: إيجاباً،
بمعنى الحداثة وانعكاساتها الإيجابية
الثقافية والمدنية وما يرافقها من نهوض
اقتصادي عام؛ و... سلباً،
بمعنى ما تتسبب في تمزيقه من نسيج اجتماعي في
هذه البلدان، من خلال ما يرافقها من جشع
واستغلال اقتصادي و/أو طبيعة الأنظمة القمعية
والفاسدة التي تنجم عنها. والموضوع
عميق ومتشعب (ويتجاوز الإطار الذي رسمناه
لهذه المقاربة) ويشكل موضوعاً بحدِّ ذاته.
لكننا، رغم هذا، نجد من الضروري إلقاء بعض
الضوء حوله... لأن
الحداثة هي – اجتماعياً – التحول من مجتمع
تقليدي، ريفي وزراعي، إلى مجتمع مدني وصناعي.
وتلك كانت حال البلدان العربية عند بدء
احتكاكها بالحضارة الغربية الصناعية
المنتصرة. وتلك مازالت حالها عبر الحداثة حتى
هذه الساعة. وأيضاً لأن... للحداثة
وجهان: الأول (وهو وجهها الإيجابي) دينامي،
تقدُّمي، يتطلع إلى المستقبل ويؤمِّن الوفرة
والازدهار؛ والثاني، المرئي أيضاً ومباشرة (وهو
وجهها القبيح)، شرسٌ، يُبرِز مشاكل جديدة،
كالعزلة والفقر والجريمة والتلوث. وتلك هي
أيضاً حال معظم البلدان العربية (إن لم نقل
جميعها)، وقد تجاوزت بعض أوجه الحداثة فيها
الحدود، مولِّدة ردود فعل سلبية، كما هي
الحال، مثلاً، في دمشق وبيروت والإسكندرية
وحلب والقاهرة، حيث -
هاجر سكان الريف إلى المدن التي أمست مكتظة،
مما دفع سكانها إلى تركها من أجل إعمار ضواحٍ
سكنية جديدة في الريف المحيط، الذي أضحى
مرتبطاً بالمدينة، رغم شكله شبه الريفي؛ وكما
هي الحال اليوم في دمشق التي أضحت أقرب إلى
تجمُّع للقرى منه إلى المدينة الحقيقية.
وأيضاً... -
السأم من رتابة المنتجات الصناعية التي
اكتسحت الأسواق والعودة إلى الاهتمام مجدداً
بالمنتجات اليدوية والطبيعية. وأيضاً... -
حركات الاحتجاج المتصاعدة ضد العقلنة
والرتابة التي يمكن تلمُّسها من خلال تلك
الحركات المتتالية من الثقافات الشبابية
وذلك الانبعاث الديني الذي طبع المجتمعات
الصناعية السابقة. وأيضاً... -
انبعاث الحركات العرقية والدينية التي عادت
من جديد لتؤكد على هويتها. وأيضاً... -
وفي كل مكان، تصاعد الحركات الثقافية
والقومية. -
إلخ... ونعود
إلى إحصائيات وتقويمات الأمم المتحدة
المتعلقة بالمرأة للعام 2000، لنؤكد على
انعكاسات ما سبق وأوردناه من وثائق على... فنلاحظ
ما يلي: آ
– رغم أن معدل الخصوبة يتناقص في العالم
العربي من حيث المعدل العام (عودة للجدول 2 – ب
وللبيان المنبثق عنه والتالي مباشرة) فإننا
نلاحظ أنه مازال أحد أعلى معدلات العالم. وهو
يتراوح ما بين الـ2.2 في لبنان (حد أدنى) و7.6 في
اليمن (حد أقصى) – ملاحظين بهذا الصدد أن معدل
الخصوبة في سورية (3.7) يُعتبَر معدلاً عالياً
جداً فيما لو قورن بالمعايير العالمية
المقبولة. 7
– معدل الإنجاب ما
يعني أنه مع زيادة عدد النساء اللواتي هن في
سن الإنجاب سيستمر عدد سكان البلدان العربية
بالتزايد بشكل مأسوي. هو معدل تزايد سنوي
يتراوح ما بين الـ1.1 في تونس (حد أدنى) و4.2 في
الصومال (حد أقصى) و2.5 في سورية. (عودة للجدول 1
– ب وللبيان المنبثق عنه والتالي مباشرة.) 8
– المعدل السنوي للتزايد مما
يعني أن عدد سكان هذه البلدان الفقيرة،
سيتضاعف خلال فترة وجيزة، كما هو مبين في
الجدول التالي: 9
– مدة التضاعف السكاني ب
– تُعتبَر نسبة المراهقين في العالم العربي
من أعلى النسب في العالم، حيث 46% من السكان هم
في سن أصغر من الـ15 سنة في الأراضي الفلسطينية
المحتلة (حد أقصى) و25% هم تحت الـ15 سنة في
الإمارات العربية المتحدة (حد أدنى). هذا
وتُعتبَر نسبة 40% السورية من النسب العالية. (عودة
للجدول 1 – آ وللبيان المنبثق عنه والتالي
مباشرة.)
10
– نسبة الذين أعمارهم أقل من 15% ج
– إن النسبة المئوية للذين هم فوق الـ60
عاماً، وحيث النساء أكثر من الرجال، هي أقل في
البلدان العربية منها في البلدان المتقدمة.
وما بين الـ3 إلى 7% من النساء في العالم العربي
(5 % في سورية)، مقارنة بنسبة تصل إلى الـ18% في
الولايات المتحدة و23% في فرنسا (عودة للجدول 1
– آ وللبيان المنبثق عنه والتالي مباشرة)؛
مما يعني توقع سني معيشة أقل في هذه البلدان. 11
– نسبة الذين أعمارهم فوق الـ60 عاماً ونلاحظ
في هذا المجال أن التوقع العمري الأعلى في
لبنان وتونس هو الأفضل في الوطن العربي، و... د
– بالتالي، فإنه "رغم تزايد أعمار السكان
حول العالم إجمالاً وتناقص الولادات"، فإن
سكان العالم العربي يبقون شباباً وتبقى طبيعة
مجتمعاتهم ذكرية بشكل أساسي. هـ
– لأن مقولة إنه "رغم كون النساء يتجاوزن
الرجال عدداً في معظم البلدان فإن الرجال
مازالوا أكثر من النساء في بعض بلدان آسيا"،
إن لم نقل في معظم البلدان العربية، تستحق بعض
التوقف. (راجع الجدول رقم 1 آ والبيان المتعلق
به والمبين أدناه مباشرة.) 12
– النسبة المئوية للنساء بالنسبة للرجال فالمقاربة
الأولية للأرقام الواردة في البيانات
الإحصائية بهذا الخصوص تبدو وكأنها غير
واقعية. مثلاً... -
النسبة المئوية % للنساء مقارنة بالرجال في
بعض بلدان شبه الجزيرة العربية (ما عدا اليمن)
والمتحولة ما بين الـ87 في السعودية (حد أعلى)
والـ55 في قطر (حد أدنى) تعكس بشكل واضح ما قد
يبدو للوهلة الأولى مريباً فيما يتعلق
بالنساء. لكن الجواب على هذا التساؤل وتبرير
هذا الخلل يمكن ردُّه ببساطة للعمالة
الأجنبية، الذكرية في معظمها، الموجودة في
هذه البلدان، كما لاحظنا سابقاً. وأيضاً... -
من نفس المنظور، يمكن تفسير الأرقام في
البلدان العربية الأخرى، حيث نلاحظ نفس
التفوق الذكري، وإن اختلفت النسبة، الأمر
الذي يبدو غريباً، وخاصة فيما يتعلق ببلدان
كالعراق 97% وإيران 95%، رغم أن هذه البلدان عانت
من سنوات حرب طويلة، وبالتالي من خسائر بشرية
هامة، وخاصة بين الذكور. فنلاحظ أن الإجابة
تكمن في الطابع الشاب المميز لهذه البلدان. -
لأن النسبة المئوية للذين يعيشون فوق الـ60
عاماً قليلة في هذه البلدان. ونوضح ما لاحظناه
من خلال الإحصاءات التي تُجمِع على نقطتين:
الأولى متعلقة بالنسبة المئوية للذكور
المتفوقة على نسبة الإناث عند الولادة (بحدود
الـ1.05) في جميع أنحاء العالم؛ والثانية التي
تؤكد أن النساء بحكم بنيانهن الفسيولوجي
يعمِّرن أكثر من الرجال إجمالاً؛ الأمر الذي،
إن ربطناه بالازدياد الإجمالي لنسبة
للمسنين، يفسر لماذا أصبحت النساء أكثر من
الرجال في الدول المتقدمة بشكل خاص. وهذه عكس
الحال في البلدان العربية، حيث نسبة الشباب
كبيرة ونسبة كبار السن قليلة، الأمر الذي
يجعلها ذكورية. و
– رغم ضآلة المعلومات التي تقدمها إحصاءات
الأمم المتحدة المتعلقة بالهجرة النسائية
فقيرة، بشكل عام، وفيما يتعلق بالبلدان
العربية، بشكل خاص (راجع الجدول 1 – ب والجدول
اللاحق المتعلق به)، الذي بوسعنا من خلاله
تقدير مدى انعكاسات الأوضاع الاجتماعية
والاقتصادية على المرأة في هذه البلدان. 13
– النسبة المئوية للهجرة للنساء بالنسبة
للرجال كما
هي الحال في... ·
العربية
السعودية وبلدان الخليج، حيث تمنع الأوضاع
الاجتماعية المرأة من حرية السفر من دون
موافقة راعيها الذكر؛ و/أو... · الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تعيق سفرهن، سواء في لبنان، حيث حال النساء جيدة، أو في اليمن، حيث ليس بوسعهن تحمل تكاليف المغادرة؛ و/أو... · الأسباب التي تدفع للسفر (نساء ورجال) في بلدان كالجزائر ومصر وسورية... مؤكدين
هنا أن مزيداً من التعمق والدراسة يجب أن يتم
لموضوع الهجرة الذي يعكس المشاكل الفعلية
للنساء والرجال في هذه البلدان.
من
كل ما أوردناه سابقاً ربما أمكن استخلاص
نتيجة وحيدة تقول إن أوضاعنا ليست برَّاقة،
لا بل هي صعبة جداً عموماً، وفيما يتعلق منها
بالمرأة خصوصاً. وبالتالي،
فإنه، فيما يتعلق بنا كمثقفين في البلدان
العربية وفي سوريا، فإن أول ما يمكن أن نوصي
به هو بذل كل الجهود للتعمق في مشكلات
مجتمعاتنا، وخاصة منها تلك المتعلقة بتطورها
الاقتصادي والثقافي، وخاصة ذلك المتعلق
بالديموقراطية وحقوق الإنسان. يجب
المزيد من التعمق في واقع مجتمعاتنا والمزيد
من التفهم في المعطيات الإحصائية المتوفرة.
وفي كل بلد، يوجب الأمرُ المزيدَ من الدراسات
المتعلقة بالأوضاع الاقتصادية والثقافية
والصحية؛ وكذلك المزيد من التعمق في دراسة
ظاهرة الهجرة لأهمية ما يمكن أن تعكسه من
وقائع. وأيضاً،
يجب القيام بالمزيد من الدراسات المعمقة من
مقاربات أكثر علمية وأكثر إنسانية لتراثنا
وثقافتنا الإسلاميين، وعلاقة هذا التراث
وهذه الثقافة بالثقافات المحيطة في المنطقة
وفي العالم، وخاصة فيما يتعلق بالمرأة،
متذكرين هنا أنه يجب عدم النسيان إطلاقاً
أننا، رغم كوننا عالم صغير واحد، إلا أننا
سنبقى متمايزين بخصائصنا وفهمنا ومستويات
وعينا للحقائق المحيطة، ومذكِّرين، بهذا
الخصوص، ضرورة الاستعانة بأكثر المثقفين
استنارة في عالمنا العربي – أشخاص كمحمد
شحرور وجودت سعيد في سوريا. ***
*** *** |
|
|