إضاءات
هذه
المقابلة الدمشقية مع د. نصر حامد أبو زيد
حملتُها بين أوراقي شهوراً عدة، وكنت أتمني
أن تُنشَر في مصر التي يحملها أبو زيد في
قلبه، رغم المنفى. أما الجولة الصغيرة في
أحياء دمشق القديمة، وصولاً إلى مقبرة باب
الصغير، حيث يرقد جثمان الشاعر نزار قباني،
فآهٍ لو أنها كانت ممكنة في شوارع مدينة
القاهرة! لكن مصر النهضة والثقافة والمؤسَّسة
الجامعية باتت اليوم تضيق ليس فقط بفكر نصر
حامد أبو زيد، بل بوجوده الجسدي على أرضها،
وحتى بكتبه التي سُحِبَت من المكتبة العامة
في الجامعة.
قد
يقول قائل إن الفكر الحرَّ والنقدي محكوم
عليه أن يبقى أقلَّوياً، لكن المصيبة الكبرى
أن عناصر التخلف والتقليد الأعمى
واللاعقلانية صارت اليوم ثقافة تلفزيونية
جامعة يروِّج لها في أوساط الملايين أشخاصٌ
من أمثال الداعية عمرو خالد، ومن قبله الشيخ
محمد متولي الشعراوي؛ هذا في الوقت الذي
تُغلَق فيه أبواب المؤسَّسات الأكاديمية
العربية، وعلى رأسها الجامعة المصرية، في وجه
آخر ممثلي تيار النهضة العربية الذي بدأ
بالشيخ محمد عبده وطه حسين، ويجب أن لا ينتهي
مع نصر حامد أبو زيد. لكن هذا الأخير لم يُحرَم
فقط من بلده وأهله ومنصبه الأكاديمي، لكنه
حُرِمَ أيضاً من طلابه ومُنِعَ، زوراً
وبهتاناً، من أن يزرع في عقول الأجيال
الجديدة الفكر النقدي العقلاني الذي أخذه
عمَّن سبقوه وطوَّره، والذي بدونه لا قيامة
للعرب وللمسلمين من سباتهم الطويل.
محنة
نصر حامد أبو زيد هي محنة الثقافة العربية في
عصرنا الراهن؛ وكرامة أستاذ الجامعة الجريحة
هي كرامة البحث العلمي واستقلاليَّته
المستباحة على مذبح الإيديولوجيا القروسطوية
بمكوِّنيها الرئيسين: السلطة السياسية
المستبدة، والسلطة الدينية المتحجِّرة.
ورهان نصر حامد أبو زيد هو رهان المستقبل،
والإسلام المنفتح، والتسامح الديني، والحرية
المستعادة.
يبقى
رجاءٌ أخير عند قراءة هذه المقابلة: أن لا
يستلَّ جندُ الظلمات والتكفير سيوفهم من
أغمادها ويصرخون مجدداً: "وإسلاماه!"
ولعلهم يقبلون – ولو لمرة! – أن يفتحوا
عقولهم للتأمل والنقاش. فالقلم ينادي القلم،
والفكر ينادي الفكر. وأين للسيوف الصدئة أن
تنال من هذا الفكر المتألق!
محمد
علي الأتاسي
من
الممكن تتبُّع جذور مفهوم الاغتراب alienation
عميقاً في كتابات أوائل المفكرين الإغريق.
فمن سقراط، إلى نظرية الفيض عند أفلوطين، ثم
الأفلاطونية الحديثة، فانتقالها فيما بعد
إلى اللاهوت المسيحي. ثم سارت هذه الموضوعات
قُدُماً إلى الأمام حين بدأت تسقط عنها
أرديتُها وتفسيراتُها الميتافيزيائية
القديمة مع التغيرات العلمانية التي طرأت على
الفكر الأوربي في عصر التنوير.
|