|
دراسات
ثيوصوفية
(2
من 3)
جهاد
الياس الشيخ
5 السلسلة
الكوكبية يتمايز
الوعي والطاقة أكثر فأكثر كلما أوغل التجلِّي
في الإفصاح عن ذاته، بنزوله من المستويات
العليا إلى المستويات الدنيا. فالطاقة energy
تنشئ المادة التي تشكل نسيج الكون أو النظام
الشمسي تحت تأثير الوعي consciousness
الذي هو الباعث والمحرض على التعيُّن
والتمايز والتنوع في الكون بأسره. فالطاقة
الإلهية، في اهتزازاتها الأولية، تبدأ
بالتمايز من الأعلى، وصولاً إلى المادة
الفيزيقية التي تكون هي أيضاً مشبعة بالوعي
الإلهي الكامن؛ إذ إنه لا توجد في الكون مادة
ميتة، حيث يقول لنا العلم نفسه إنه توجد في
حبة رمل صغيرة طاقة ووعي كامنان ينزعان
للإفصاح عن ذاتهما. على
المستوى الأخير، المستوى المادي الذي هو "مختبر
كوني" – على رأي أحد الأصدقاء –، تفصح
الحياة عن ذاتها بأكثف أشكالها وأدنى
اهتزازاتها. إنه عالم السببيةcausality
،
عالم السبب والنتيجة، الفعل ورد الفعل، حيث
يجب على الإنسان عملُ أفضل ما لديه للوصول إلى
مستويات أكثر شفافية وأكثر رقة، والاتحاد
باللوغوس الشمسي، وبالتالي الاتحاد بالشمس
المركزية. بالنسبة
للإنسان، نستطيع القول إنه على المستوى
المادي (الذي هو مؤلف من سبعة مستويات تحتية)،
تعبِّر الشعلة الإلهية عن ذاتها كوعي فردي
منبثق عن الوعي الإلهي. ولذلك فإن المستويان
الأعليان التحتيان للمستوى المادي هما فوق
مستوى الإدراك البشري. فالشعلة الإلهية التي
ندعوها بالموناد Monad
هي عبارة عن وعي وطاقة. فعلى كل المستويات
يرتدي الوعي غلافاً ("مركبة"، "شكلاً"،
أو "جسماً") مصنوعاً من الطاقة. ومن خلال
هذا الجسم تُعبِّر الشعلة الإلهية عن نفسها
في مستوياتها الخاصة. وهذا ما سندرسه لاحقاً
بالتفصيل عند حديثنا عن تقسيمات الجسم
الإنساني السباعية. أين
توجد السلسة الكوكبية؟ وممَّ تتشكَّل؟ النظام
الشمسي السباعي يبدأ من انبثاق اللوغوس
المتجلِّي ماهة Mahat
أو براهما Brahma.
وهذا اللوغوس هو ثالوث، كما ذكرنا سابقاً؛
ويعطي بدوره سبعة أشعة Rays،
أو سبع سفيرات Sephiroths،
كما في القبَّاله السرانية، أو سبع برجابتي
Prajapati
في الهندوسية، بحيث يصير مجموعها، مع الثالوث
السابق ذكره، عشر سفيرات أو أشعة، لتمثل
جميعاً النظام الشمسي Macrocosm.
وإذا ما فصلنا الثالوث الأعلى تبقى لدينا فقط
سبع سفيرات دنيا، تمثل السلسلة الكوكبية Planetary Chain.
وقد عرفنا أن للنظام الشمسي Cosmos
سبعة مستويات؛ والمستوى الأخير هو المستوى
المادي الأكثر كثافة والأقل اهتزازاً.
والسلسلة الكوكبية عبارة عن سلسلة مؤلفة من
سبعة كواكب متوضِّعة على المستويات الأربعة
الدنيا للنظام الشمسي. وحسب الرسم التوضيحي
رقم 2 فالكوكب D
هو كوكبنا الأرضي، وهو الوحيد المنظور في
السلسلة الكوكبية؛ أما الكواكب الستة
الباقية فتوجد على المستويات الثلاثة التي
تعلو المستوى المادي: ثلاثة كواكب على القوس
الهابط A-B-C،
وثلاثة كواكب على القوس الصاعد E-F-G؛
وهي جميعاً غير مرئية لأنها توجد على مستويات
أكثر شفافية من مستوانا المادي. وبحسب السيدة بلافاتسكي فإن
"السلسلة الكوكبية متوضِّعة على المستويات
الأربعة الدنيا لعالم الأشكال rupa،
والمستويات الثلاث العليا تنتمي لعالم
النماذج arupa". وتتابع قائلة: "من بين الكواكب السبعة،
وحده كوكبنا الأرضي في سلسلتنا الكوكبية يقع
على المستوى المادي، أي يكون منظوراً، بينما
الستة الباقية تقع خارج هذا المستوى، وتكون
بالتالي غير منظورة." وقد وَرَدَتْ جملة في إحدى
كتابات السيدة بلافاتسكي H.P.Blavatsky سببت بلبلة في أذهان بعض الدارسين حول
مكان وجود السلسلة الكوكبية في النظام
الشمسي، وهي الجملة التالية: "الكواكب
السبعة، أو السلسلة الكوكبية الأرضية،
موجودة على ثلاثة مستويات مادية ومستوى روحي
واحد." لقد أدَّت هذه العبارة إلى اعتقاد
بعضهم بأنها موجودة على المستويات الثلاثة
التحتية من المستوى المادي الأخير للنظام
الشمسي؛ وبالتالي فإن الكواكب الباقية A-G
موجودة على المستوى النوراني astral.
لكن هذا في الحقيقة خطأ جسيم. فإذا نظرنا إلى
الرسم التوضيحي رقم 2 الممثل للنظام الشمسي في
مستوياته السباعية رأينا أن المستويات
الثلاثة العليا تدعى بعالم النماذج،
والمستويات الأربعة الدنيا تدعى بعالم
الأشكال. وبالتالي فتوضُّع السلسلة الكوكبية
يكون على المستويات الأربعة الدنيا (عالم
الأشكال) في النظام الشمسي الذي يكون المستوى
المادي فيه هو الأخير. والكواكب لا توجد في
التقسيمات التحتية للمستوى المادي، إنما
وحده كوكب D موجود على هذا المستوى؛ أما
الكوكبان C-E
فيوجدان على المستوى النوراني؛ والكوكبان B-F يقعان
على المستوى العقلي؛ أما الكوكبان الأخيران
A-G
فيقعان على
المستوى الإشراقي. لماذا؟ لأن السيدة بلافاتسكي والحكيم
الفيدنتي الهندوسي سوبَّا راو Subba Row
يعتبران أن المستويات المادية
والنورانية والعقلية في النظام الشمسي هي
مستويات مادية، على الرغم من شفافية
اهتزازاتها الذرية. واستعمال كلمة "مادية"
هنا استعمال مجازي مقارنة بالمستويات العليا
التي تأتي بعدها، مثل المستوى الإشراقي. بذلك ندرك أن العبارة السابقة
التي تقول بوجود السلسلة الكوكبية على ثلاثة
مستويات مادية ومستوى واحد روحي تعني
المستويات الثلاثة الأخيرة في النظام الشمسي
(مادي – نوراني – عقلي)، والمستوى الروحي
الواحد هو المستوى الإشراقي. وقد أوردنا أعلاه قول
بلافاتسكي إن "السلسلة الكوكبية متوضِّعة
على المستويات الأربعة الدنيا لعالم الأشكال"،
أي على المستويات الأربعة الدنيا للنظام
الشمسي؛ وهي تضيف "أما المستويات الثلاث
العليا [للنظام الشمسي] فهي تنتمي لعالم
النماذج". وتضيف قائلة: "وحدهم
المعلِّمون الكبار يستطيعون تجاوز المستوى
المادي روحياً والدخول في مستويات أعلى من
النظام الشمسي Cosmos،
ولكن ليس إلى ما وراء هذا النظام." "فعلى
الحدود المتاخمة للمستويين النوراني astral والعقلي mental من
النظام الشمسي يستطيع الإنسان أن يتذكر
أعماره السابقة، وهو المكان الذي تحدث فيه
الرؤى الروحية السامية." ومن جهة ثانية، فإن "الهالة
الذهبية، أو الغلاف الروحي الذي يحيط بالنظام
الشمسي، يحوي كل كارما Karma النظام الشمسي
السابق؛ وإن الحكماء يدخلون في الغيبة
الروحية samadhi بدءاً من المستوى الرابع
للنظام الشمسي أو مستوى بودهي buddhi الإشراقي، ولكنهم يصلون للمستوى السابع، مستوى الهالة الذهبية أو مستوى Adi عندما يدخلون في النيرفانا Nirvana". وإذا عرفنا أن الأنظمة الشمسية
بأجمعها تشكل، بحسب المفهوم الهندوسي، الجسم
المادي للألوهة أدركنا أن النظام الشمسي
السباعي يوجد على المستوى المادي الأخير
للكون اللامتناهي Kosmos. بعد أن قدمنا صوراً عن النظام
الشمسي، نلفت الانتباه إلى أن نشوء الحياة
على سلسلتنا الكوكبية الأرضية، سلسلة
الكواكب من +A
إلى
+G،
مرتبط بنشوء الحياة على السلسة الكوكبية
القمرية. فكما ذكرنا أن في كل سلسلة كوكبية في
النظام الشمسي توجد سبع سلاسل كوكبية يحوي كل
منها سبعة كواكب، واحد منها فقط منظور، وهو
كوكب D على المستوى المادي
والستة الباقية في مستويات عليا غير منظورة.
إذاً فالسلسة الكوكبية القمرية تحوي أيضاً
سبعة كواكب، واحد منها فقط منظور، هو كوكب D
القمر الذي نراه. وسنبدأ الآن بالبحث في كيفية
دخول موجة الحياة على السلسلة الكوكبية
القمرية، بدءاً من الكوكب A إلى
الكوكب G، قبل انتقالها إلى السلسلة
الكوكبية الأرضية. في الرسم التوضيحي رقم 1 شاهدنا
توضُّعات السلسلة الكوكبية الأرضية، بدءاً
من الكوكب A حتى الكوكب G. ولكي نبحث نشوء الحياة منها سنوضح في
الرسم التالي رقم 2 نشوء الحياة على السلسلة
الكوكبية القمرية وانتقال الحياة منها إلى
السلسلة الكوكبية الأرضية.
جدول توضيحي رقم 2 للسلسلتين
الكوكبيتين الأرضية والقمرية (المستوى
الأول إشراقي–روحي، الثاني عقلي، الثالث
نوراني، الرابع مادي) عندما تبدأ موجة الحياة
بالحلول على كوكب A في السلسلة القمرية تبدأ
الموناد Monad بعملها وتطورها،
فتقوم موجة الحياة بالدوران على الكوكب نفسه
سبع مرات، وتقوم بسبع حلقات، محيية بذلك أول
مملكة عنصرية. وبعد انتهاء عملها، تهبط
المملكة العنصرية الأولى إلى كوكب B وتعمل فيه سبع حلقات جديدة. وفي
هذه الأثناء تهبط المملكة العنصرية الثانية
على كوكب A وتعمل سبع حلقات أيضاً. وبعد
انتهاء الحلقة السابعة تنتقل إلى كوكب B، فيما المملكة العنصرية الأولى،
الموجودة على كوكب B، تهبط بعد انتهاء حلقاتها
السبعة إلى كوكب C،
فيما تدخل المملكة العنصرية الثالثة على كوكب
A. وبعد انتهاء عملها تهبط إلى
الكوكب B، بينما المملكة العنصرية
الثانية تهبط من B إلى C، والمملكة العنصرية الأولى
تهبط من C إلى D. وفي هذه الأثناء تدخل المملكة
المعدنية إلى كوكب A
وتنهي سبع حلقات، ثم تنتقل إلى B؛ بينما المملكة العنصرية
الثالثة تهبط من B إلى C، والمملكة العنصرية الثانية
تنتقل من C إلى D، والمملكة العنصرية الأولى من D إلى E؛ بينما تبدأ المملكة النباتية
بالدخول إلى كوكب A.
ويستمر الأمر هكذا حتى دخول المملكة
الحيوانية، وبعدها الإنسانية. وبانتهاء تطور المملكة
الإنسانية على الكواكب السبعة تنتهي جولة Rounder،
أو دورة كوكبية واحدة، لتعود
بعدها موجة الحياة بالحلول من جديد على
الكوكب A
وتكرار الدورة الثانية على السلسلة القمرية
لإحياء الممالك السبع (ثلاث عنصرية + واحدة
معدنية + واحدة نباتية + واحدة حيوانية + واحدة
إنسانية). وبعد انتهاء كل دورة، قبل بدء دورة
جديدة، تدخل الكواكب في حالة إظلام أو غيبوبة. وهكذا تستمر موجة الحياة في
عملها حتى إنهائها سبع جولات أو دورات، ليصبح
لدينا ما دعوناه سابقاً باسم مانفنتارا manvantara. وفي نهاية الدورة السابعة على
كوكب G من السلسة القمرية، أي بعد
انتهاء مانفنتارا واحد، تنتقل موجة الحياة
إلى السلسلة الكوكبية الأرضية. وبدلاً من
دخول الكواكب السبعة في غيبوبة فإنها تبدأ
بنقل "مبادئها"، أو عناصر الحياة
والطاقة الموجودة فيها، إلى السلسلة الأرضية.
وكل كوكب ينقل مصادره إلى الكوكب المقابل في
السلسلة الجديدة. أي أن كوكب A في السلسلة القمرية ينقل طاقته إلى كوكب +A في
السلسلة الأرضية؛ وكذلك كوكب B القمري إلى كوكب +B الأرضي؛ وهكذا
دواليك، حتى تدخل السلسلة القمرية القديمة في
حالة تحلل أو راحة كوكبية planetary
pralaya،
وبذلك تبدأ الحياة على السلسلة الجديدة –
سلسلتنا الأرضية – وتتكرر فيها نفس الحلقات
والدورات على كواكبها السبعة لإحياء الممالك
السبع (عنصرية، نباتية، إنسانية، إلخ). بعد أن أخذنا فكرة عامة واضحة
عن نشوء الحياة في السلسلة الأرضية، سنحصر
بحثنا في تطور المملكة الإنسانية، على الكوكب +D المنظور فقط، الذي
هو أرضنا التي نحيا عليها؛ ولن نتطرق لتطور كل
الممالك الباقية، سواء على الكوكب +D أو على بقية
الكواكب، لأننا عرفنا كيف تعمل موجة الحياة
على الكواكب، ولأنه لا أحد يعلم تفصيلات هذا
التطور على تلك الكواكب (باستثناء بعض
العارفين الأنقياء الكبار). إذاً سنحاول
التمهيد لتطور المملكة الإنسانية على كوكبنا
الأرضي المنظور: الكوكب +D. كما ذكرنا سابقاً، لدى دخول
موجة الحياة (ترافقها الموناد) على كوكب +D،
تقوم بسبع حلقات دورية،
منشئة بذلك سبع ذريات بشرية أمَّهات Mother-races.
وكل ذرية بشرية أم تحوي سبع ذريات بشرية تحتية.
ففي سلسلتنا الأرضية دارت موجة الحياة من
كوكب +A إلى +G ثلاث
مرات؛ أي أنها أنهت ثلاث جولات، وبدأت
بالجولة الرابعة. وقد أنهت عملها على الكواكب +A و +B و
+C.
أي أنه أصبحت لدينا ثلاث جولات ونصف؛ وهي الآن
متوضعة على كوكب +D.
وبوصولها إلى هذا الكوكب تبدأ بالقيام بسبع
حلقات منشئة، كما قلنا، سبع ذريات بشرية
أمهات. وقد أنهت الحلقة cycle الرابعة وبدأت بالحلقة
الخامسة؛ أي، بمعنى آخر، أنشأت أربع ذريات
بشرية أمهات، وبدأت بخلق الذرية البشرية
الخامسة. أي أن سكان هذا الكوكب هم من الذرية
البشري الخامسة (مع تقسيماتها السباعية
التحتية). ولكي نحدد الأمور بدقة أكثر، نقول
إننا في الذرية البشرية الأم الخامسة (الجنس
الآري). ولكن كل ذرية بشرية أم تحوي سبع ذريات
بشرية تحتية؛ ونحن بالتحديد في الذرية
البشرية التحتية الخامسة للذرية البشرية
الأم الخامسة. وبعد ظهور واندثار الذريتين
البشريتين التحتيتين السادسة والسابعة،
تنتهي الذرية البشرية الأم الخامسة، ليبدأ
ظهور الذرية البشرية الأم السادسة (مع
تقسيماتها السباعية). ولكن الدراسات الباطنية
تخبرنا أن في ذريتنا البشرية الخامسة كائنات
إنسانية سامية من الذرية البشرية السادسة؛
وهذه الكائنات نادرة جداً، ومن بينها البوذا؛
ولكن حضوره بيننا خاضع لسرٍّ كوني مستغلق على
الأذهان البشرية. ومن جهة ثانية، نود أن
نذكِّر القارئ بأن موجة الحياة، في اجتيازها
السلسلة الكوكبية الأرضية، بدءاً من كوكب A إلى كوكب G، تقوم
بجولة كاملة. وفيما يخص سلسلتنا الأرضية فإن
موجة الحياة قد بدأت بالجولة الرابعة. في دوران الجولة الأولى على
الكوكب D،
كوكبنا الأرضي، كان "الإنسان" عبارة عن
كائن أثيري لا يتمتع بالذكاء، ولكنه فائق
الروحانية، وقد تطور شيئاً فشيئاً بظهور
ذرياته البشرية السبع في الجولة الأولى، لكنه
بقي أثيري الشكل. أما في الجولة الثانية، فكان
أيضاً أثيري الشكل وعملاق؛ ولكن جسمه الأثيري
بدأ شيئاً فشيئاً بالتكثف والتصلب، وبقي
روحانياً وأقل ذكاء، لأن العقل يتطور ببطء
وصعوبة. وفي الجولة الثالثة يصير له جسم
مادي صلب، وشكلٌ خارجي شبيه بقرد ضخم. ولكنه
صار أذكى وأكثر حيلة، وأمسى أقل روحانية. وعلى
القوس الهابط من السلسلة الكوكبية تأخذ
روحانيَّته بفقد توقدها شيئاً فشيئاً؛ بينما
على القوس الصاعد بدأ يصير أكثر عقلانية. وفي الجولة الرابعة، الحالية،
على كوكب D
الأرضي، بدأ الفكر بالتطور بسرعة. والذريات
البشرية الأمهات كانت في البدء بكماء صامتة؛
ولكنها ما لبثت أن بدأت بمعرفة "اللغة".
وفي هذه الجولة، في الذرية البشرية الرابعة –
الأطلنطية – التي تسبق ذريتنا البشرية
الحالية – الآرية – أصبحت اللغة أكثر
تنظيماً والمعارف أكثر وفرة. ففي بداية
الذرية البشرية الأم الرابع وُجِدَت العلوم
والفنون والآداب والفلسفة في الحضارات،
وكانت تنتقل من أمة إلى أمة، ومن حضارة إلى
حضارة. أما في نهاية الذرية البشرية الأم
الرابعة فقد بدأت الذات الروحية، أو الأنيَّة
العليا Ego،
صراعها
مع الجسم المادي والعقل لإظهار طاقاتها
الكامنة والمتسامية على المادة. وكما بينَّا،
فإننا الآن في الجولة الرابعة وفي الذرية
البشرية الأم الخامسة؛ وبقيت لدينا الذريتان
البشريتان السادسة والسابعة اللتان ستصبحان
أكثر فطنة وروحانية. أما الجولتان الخامسة
والسادسة والسابعة فلا يعرف عنهما شيء إلا
حكماء الحضارة الكبار. جدير بالذكر أن انتهاء تطور كل
ذرية بشرية أم، قبل البدء بظهور ذرية بشرية
جديدة، يترافق بحدوث طوفان وزلازل وكوارث
تؤدي إلى فناء الذرية البشرية القديمة لتتاح
للذرية البشرية الجديدة فرصة الظهور. كما
يواكبه أيضاً زوال القارة التي كانت تعيش
عليها، والتي تجسد قمة التطور الإنساني،
وبزوغ قارة جديدة يتجسد عليها الضيف الجديد،
الذرية البشرية الجديدة، لإكمال عملية
التطور الإنساني. كما حدث للذرية البشرية
الرابعة، سكان قارة أطلنطس، التي غرقت تحت
الماء مع القارة التي كانت تعيش عليها. ونجد
لذلك تلميحاً في رسالة القديس بطرس عن اختفاء
أرض قديمة وسماء قديمة وبزوغ أرض جديدة وسماء
جديدة. وكلامُه يفيد الماضي وليس المستقبل
كما يعتقد الكثيرون. كما تحدث عنها أفلاطون في
كتبه ومحاوراته. ونستطيع القول إن كتاب النبي
أخنوخ ليس سوى سرد تاريخي بحت عن الذريات
البشرية الثالثة والرابعة والخامسة، وليس
كتاب تنبؤات، كما يتراءى لبعض اللاهوتيين.
والقديس أوغسطينوس، من جانبه، يقول: "الكنيسة
ترفض كتاب أخنوخ بسبب أقدميته على بعض الكتب
اللاهوتية." وهذا يدل فعلاً على وجود معرفة
كافية للأسرار الكونية في حضارات تعود إلى ما
قبل المسيحية. وفي كتاب النبي حزقيال يتكلم
النبي على ظهور "خمسة ملوك أُطيح بهم وبقاء
ملكين للمستقبل". وهذا رمز للذريات البشرية
الخمس التي ظهرت للوجود وبقاء ذريتين بشريتين
للمستقبل. ويبدأ ظهور الذرية البشرية السادسة
عند اندثار ذريتنا البشرية الخامسة الحالية. رغم غرابة هذا الموضوع، فإن بعض
"أسلافنا" كان يعرف هذا التطور البشري،
ويدرك أنه قد ظهرت للوجود أربع ذريات بشرية
أمهات وتلاشت. ولهذا السبب فإن العارفين
ببواطن الأمور من الهندوس قد قاموا باختيار
أربعة كتب مقدسة فقط من الفيدا الخاصة
بتعاليمهم، لأنهم كانوا يعرفون عن أمر
الذريات البشرية الأربع التي سبقت ذريتنا
البشرية الخامسة الحالية، ويعرفون أنه يرافق
نشوء كل ذرية بشرية كشفٌ إلهي. إذاً هناك أربع
كشوف إلهية قد تجلَّت على كوكبنا الأرضي؛
ولهذا اختاروا أربعة كتب فقط من كتبهم
المتعددة. ولهذا السبب نفسه نعرف إصرار
القديس إيريناوس على اصطفاء أربعة أناجيل فقط
من كل الأناجيل التي كانت موجودة في تلك
الحقبة واعتبارها كنسية رسمياً، واستبعاد
بقية الأناجيل. ثمة ملاحظة ثانية نوردها في هذه
الدراسة قد تثير دهشة الكثيرين، ألا وهي أن
كلمة "الله" في اللغات القديمة قاطبة
مؤلفة من أربعة حروف، مثل الله، Θεός، Zeus،
Dieu، حورس، يهوه،
إلخ (طبعاً أتكلم هنا عن اللغات القديمة، وليس
عن بعض اللغات الحديثة، كالإنكليزية التي اسم
الله فيها عبارة عن ثلاثة حروف فقط: God). إن السبب الذي حدا بالحكماء لتسمية الله
بحروف أربعة لا يعود فقط إلى ظهور واندثار
ذريات بشرية أربعة، ولا إلى بداية الجولة أو
الدورة الكونية الرابعة على سلسلتنا
الأرضية، وإنما أيضاً لسبب وجيه جداً
وسرَّاني، لم يكن يدركه إلا حكماء الحضارة
الإنسانية، وهو أن فيراج Viraj أو Shiva،
اللوغوس
الكوكبي، يدعى في الدراسات السرَّانية
بالإله المتجلِّي؛ وهو الذي يبدع، كما ذكرنا
سابقاً، المستويات الدنيا الأربعة للنظام
الشمسي. وللأسف الشديد، لم يكن الناس
العاديون يتصورون وجود إله "أعلى" مرتبة
من هذا الإله المتجلِّي الذي يدعوه الناس
الله ويقدمون له الصلوات والأضاحي! ولم
يكونوا يدركون أنه لا توجد في الكون إلا حقيقة
واحدة، وحيدة، وأنه لا يوجد إله (الله) إلا
المطلق، وأن العقل الكوني النسبي Mahat ليس إلا انبثاقاً من المطلق،
وهو عبارة عن عقل ووعي محدَّد بالمستويات
السبعة للنظام الشمسي؛ وبتلاشي الكون يعود
هذا العقل للاستغراق من جديد في مصدره
الأساسي، ألا وهو المطلق. وهذا ما نراه في
كتاب الهندوس الـبْـهَـغَـفـَدغيتا، حيث
يتكلم المطلق قائلاً: عندما يطلع النهار، كل ما هو
متجلٍّ يولد من اللامتجلِّي. وعندما يهبط الليل، يتلاشى
المتجلِّي في "ذاك"، اللامتجلِّي. يوجد في الحقيقة شيء أعلى [أسمى]
من اللامتجلِّي؛ إنه لامتجلٍّ آخر، أبدي، خالد،
لا يتلاشى عندما تفنى كل الأشياء. هذا اللامتجلِّي الآخر، هو
اللافاني، وهو يدعى "الطريق الأسمى". وأولئك الذين يبلغونه لا
يعودون مرة ثانية للتجسد. هذا هو مكان إقامتي السرمدي. إن المطلق يعلِّمنا أنه عند
طلوع النهار، أي عند بدء المنفنتارا، يظهر
النظام الشمسي للوجود، بما فيه العقل الكوني
النسبي، أو التذهن الكوسمي Cosmic
Ideation، والله
اللامتجلِّي، أو اللوغوس الأول اللامتجلِّي.
وعند حلول الليل، أي بحلول الراحة الكونية pralaya،
يتوارى الكون
والعقل الكوني النسبي في اللوغوس الأول
اللامتجلِّي. ولكن هناك شيء أسمى من اللوغوس
الأول اللامتجلِّي: إنه لامتجلٍّ آخر؛ إنه
المطلق السرمدي اللافاني الذي ليست له بداية
ولا نهاية، الكلِّي الحضور والقدرة؛ منه تصدر
الأشياء كلها وإليه تعود بعد انتهاء تطورها
الكوني. إنه العقل الكوني المطلق بارابراهمان. *** |
|
|