|
البرنامج البنَّاء من
الجوهري ألا يبقى النضال اللاعنفي ضد الظلم
أسير استنكاراته وإداناته، بل أن يتمكن من
إعداد مشاريع بديلة تتيح بِناء العدل ومن
اختبار هذه المشاريع. ففي الوقت الذي تنفِّذ
فيه حركةُ المقاومة برنامجَ لاتعاون، ينبغي
عليها وضع "برنامج بنَّاء". وينطوي هذا
البرنامج، بالتوازي مع تنظيم المؤسسات
والبُنى الاجتماعية التي نشجبها ونرفض
التعاون معها، على تنظيم مؤسسات وبُنى تتيح
إيجاد حلٍّ بنَّاء للمشكلات المطروحة، وذلك
دون أن ننتظر الحلَّ النهائي للنزاع. فبدلاً
من الاكتفاء بالطلب من السلطة الخصم أن
تقدِّم حلاًّ عادلاً للنزاع الجاري، ينبغي
القيام بإدراج هذا الحل في الواقع وذلك
بتقديم الدليل على واقعية تنفيذه. فالمقاومون
لا يريدون للوضع أن يتغير وحسب، بل يبادرون
إلى تحقيق هذا التغيير الذي من أجله بوشر
الكفاح. بذا فإن في إمكان مَن يرفضون دفع جزء
من ضرائبهم احتجاجًا على النفقات العسكرية
الباهظة للحكومة أن يقرروا إعادة توزيع المال
المحصَّل من أجل تمويل عمليات تأهيل على
الحلِّ اللاعنفي للنزاعات. يتطلب
تحقيق البرنامج البنَّاء مشاركةً فعالة حتى
ممَّن هم ضحايا الظلم حصرًا، وذلك بدعوتهم
إلى استرداد حقوقهم بأنفسهم. فالعمل اللاعنفي
ليس عبارة عن مطالبة المرء بحقوقه، بل عن استردادها
ما أمكن. والبرنامج البنَّاء ينبغي أن يتيح
لهؤلاء الذين ما انفكوا في وضع تبعية داخل
البُنى السياسية والاقتصادية القائمة
إمكانيةَ الاضطلاع بقَدَرهم والمشاركة
مباشرةً في إدارة شؤونهم الخاصة. بالإضافة
إلى ذلك، يتيح تنفيذ البرنامج البنَّاء
للعديد من الأشخاص غير المستعدين لتجشم مخاطر
العمل المباشر أن يحشدوا طاقاتِهم وينخرطوا
في الكفاح. بذا
فإن العمل اللاعنفي، بتحقيقه البرنامجَ
البنَّاء، لا يعود يستمد قوامه مما يعارضه
وحسب، بل ومما يقدِّمه ويحققه أيضًا. يريد
البرنامج البنَّاء أن يبيِّن أن مبادئ
اللاعنف وطرائقه لا تتيح إعمال استنكار
المجتمع فحسب، بل يجب عليه أن يتيح الاضطلاع
بـإدارة هذا المجتمع. ترجمة: محمد
علي عبد الجليل
|
|
|