في معرض ردِّه على المسؤول السابق في الحزب السوري القومي الاجتماعي فايز صايغ،
يتطرَّق المنظِّر والمفكِّر السوريُّ (اللبناني) ومؤسس الحزب المذكور أنطون
سعادة (1904-1949) إلى الفلسفة الوجودية عند الفيلسوف الروسيِّ نيكولاي برديايف
(1874-1948). وبحسب سعادة فإنَّ دافعه إلى تناول هذا الموضوع هو محاربة الفلسفة
"الأنانية" و"الفوضوية" التي بدأ صايغ بترويجها في صفوف الحزب، مصنِّفًا إياها
أفكارًا هدَّامة للقومية والأمة. ولا يفوت سعادة أن يؤكِّد على أن أيَّ تحليل
شامل لهذا المذهب، ممثلاً ببرديايف، سيتطلَّب قراءة جميع كتب الفيلسوف المذكور،
ولكنه يكتفي ببعض المراجعات من الكتاب الذي يعتمد عليه صايغ في دعواه الوجودية
أو "الكيانية"، وهو كتاب "عبودية الإنسان وحريته" أو كما في ترجمته الإنكليزية
"العبودية والحرية"، والصادر في لندن عام 1944. وهكذا يصرِّح سعادة في مستهلِّ
مقاله المعنون "مدرسة الأنانية ومحبة الذات تعاليمها الفوضوية الغريبة"،
والصادر عام 1947، بأنَّه "لو... كان لنا وقت وكان موضوع فايز صايغ يستحق كل
هذا العناء لعمدنا إلى قراءة كل كتب برديايف التي جمعها فايز صايغ وجعلها مع
كتب أخرى زاده للكتابة، ولكننا سنكتفي بنقاط ارتكاز لمذهب الشخصية الفردية
الأنانية الفوضوية من كتاب برديايف المذكور، وهي النقاط التي تسرَّبت إلى أوساط
القوميين الاجتماعيين عن طريق عمدة الثقافة وعمدة الإذاعة اللتين تولاهما فايز
صايغ، بالاتفاق مع نعمة ثابت على خيانة الزعيم والقضية القومية الاجتماعية."
ارتبطت
نظريَّة غاندي عن طبيعة الإنسان إلى حدٍّ بعيدٍ بوجهتيِّ نظره تجاه الله
والدين. كانت معقَّدة، وفي مواضع كثيرةٍ شديدة الغموض، وغير متماسكةٍ. في
اختصار، مع المجازفة ببعض مخاطر التبسيط الشديد، اعتقد بأنَّ ثلاث حقائقٍ
جوهريَّة تميِّز الكائنات البشريَّة: أولها أنها تعتبر جزءًا مكمِّلاً للكون؛
ثانيها، يرتبط وجود أحدهما على وجود الآخر بالضرورة، ينموان معًا أو يموتان
معًا؛ وثالثها، إنَّها كائنات رباعيَّة الأبعاد، تتكوَّن من: الجسد، الماناس
manas
(العقل)، الأتمان atman
(الروح)، والـ سوابهافاswabhava
(البنية النفسيَّة والأخلاقيَّة المميزة لكلِّ فرد)، والتي
بتفاعلها مع بعضها تفسِّر تصرُّفاتهم وتشكِّل منظومتهم الأخلاقيَّة. وسوف
نتناول كلاً منها على حدة.