الإنسان
وعي بالذات. إنه واع بذاته، واع بحقيقته وبكرامته الإنسانيتين. وهو بهذا يختلف
اختلافًا جوهريًا عن الحيوان الذي لا يتخطَّى مستوى مجرد الإحساس بالذات.
والإنسان يعي ذاته في اللحظة التي يقول فيها - لأول مرة - أنا. وإن فهم الإنسان
بفهم "أصله" يعني فهم أصل الأنا الذي يكشف عنه الكلام.
والحال أن تحليل الفكر أو العقل أو الفهم، إلخ، وبصفة عامة، تحليل السلوك
المعرفي التأمُّلي المنفعل لكائن أو "لذات عارفة" لا يكشف لنا أبدًا لماذا ولا
كيف تنشأ كلمة "أنا"، وبالتالي لماذا وكيف ينشأ الوعي بالذات، وأقصد حقيقة
الواقع البشري. فالإنسان المتأمِّل "ينغمس" فيما يتأمُّله. والذات العارفة تضيع
في الموضوع المعروف. لذا فإن التأمُّل يكشف عن الموضوع لا عن الذات. الموضوع،
لا الذات، هو الذي ينكشف لنفسه في عملية المعرفة وعن طريقها. والأفضل أن نقول
إنه ينكشف كعملية معرفة. إن الإنسان الذي ينغمس في الموضوع الذي يتأمُّله لا
يستطيع أن "يعود إلى ذاته" إلا عن طريق رغبة كرغبة الأكل على سبيل المثال.
فرغبة موجود (واع) هي التي تجعل من هذا الموجود "أنا" وتكشف عنه كذلك عندما
تدفعه أن يقول "أنا". الرغبة هي تحول الوجود المنكشف لذاته بواسطة ذاته في
المعرفة (الصادقة) إلى موضوع ينكشف لذات بواسطة ذات متميزة عن الموضوع ومعارضة
له. فالإنسان يتشكَّل وينكشف - لنفسه وللآخرين - في رغبته وعن طريقها. والأفضل
أن نقول إنه، كرغبة وكرغبته هو، يتكوَّن وينكشف كأنا، كالأنا المخالف اختلافًا
جوهريًا للاأنا والمعارض له معارضة جذرية. الأنا (الإنساني) هو أنا الرغبة. إنه
أنا راغب.
دائمًا
يستوقفني صوم رمضان لأن الله عند المسلمين يقول إنه له. في الحقيقة كل صوم له
إذ يصبح بقوة وجهة المؤمن. وأنا المسيحي أحس حقًا أن الصوم له لأنه ابتغاء وجه
الله وحده إذ لا أحد يصوم لنفسه. وإذا كان الصوم في حقيقة النفس يوحِّدها بالله
فالموحدون بالله هم معي وأنا معهم أكلت أم أمسكت، وفي عمق الحب المسيرة واحدة.
إذا شاركت المسلمين روحيًا في صومهم بلا أداء أليس رمضان لي؟ وما أنا بعالم
كلام ولكن العاشقين منهم يفهمونني. أنا أقبلت على رؤية الإسلام بما فيه الكفاية
لأعلم أن لغة العاشقين ليست سهلة على اتباعه. ولكني لا أستطيع أن أشق طريقي
إليهم إلا بالعشق. من هنا إن رمضان يعبر بي وأنا أعبر به لأن روحيته تستبقيني
في الصوم الكبير عندنا.
تناول أفلاطون (347 - 427 ق.م.) مباحث الفلسفة المختلفة: المعرفة، والوجود،
والقيم بالدراسة والتحليل، وعرض أثناء تناوله لهذه المباحث كثيرًا من القضايا
الفلسفية، ومن هذه القضايا مسألة "قدم العالم وحدوثه" فقد أدلى فيها بدلوه -
مثل كثير من الفلاسفة في مختلف عصور الفلسفة – وصرح أثناء تناوله لهذه المسألة
بأن العالم حادث؛ بل إن نفرًا من الباحثين يرى أن أفلاطون منح العالم صفة
الأزلية واستخدم في ذات الوقت الرمز والتشبيه في قوله بحدوث العالم، مما أدى
إلى تعثر فهم موقفه الحقيقي من مسألة "قدم العالم وحدوثه"، أعني هل يقول: بقدم
العالم أم بحدوثه؟! وعمومًا فإن أول من زعم قول أفلاطون بحدوث العالم تلميذه
أرسطاطاليس (322 – 384 ق. م.) في كتابه الطبيعة.