|
منقولات روحيّة
1 - في الإيمان بالله: المريد (م): هل أنت مؤمن بالله؟ رامي شابيرو (ش): كل شيء يتوقف على ما تعنيه بكلمات "أنت"، و"تؤمن"، و"الله". فإن كنتَ من خلال كلمة "أنت" تعني الذات الحرة المستقلة والمتمايزة عن الكون، عندئذ تراني أواجه مشكلة. فحتى يكون لدي شعور بالأنا (وهنا أجد أن عليّ، بكل معرفة وتواضع، الغوص في تناقضات اللغة) عليَّ أن أتجاهل معظم ما أنا هو حقيقةً. فكر بهذه الطريقة: تخيل أن رئتيّ تتمتعان بوعي ذاتي، فهل تراهما ستقولان عن نفسهما: "نحن رامي"؟ كلا، لأنهما ستعرفان أنهما جزء من منظومة أكبر تتألف من القلب، والمعدة، والجلد، والعضلات، والعظم، إلخ. وما ينطبق على رئتي، ينطبق أيضًا على هذه المنظومة الأوسع. فلماذا الإشارة إلى جسدي والقول:"هذا هو رامي"، في الوقت الذي يشكل فيه جسدي جزءًا من منظومة أوسع هي هذا الكوكب؟ وهكذا: هذا الكوكب بحاجة إلى الشمس وإلى المنظومة الشمسية. كما أن المنظومة الشمسية بحاجة إلى المجرة، والمجرة بحاجة إلى الكون، إلخ. ما يعني أنه من باب التعسف والتضليل الإشارة إلى الجسد والقول بأن هذا هو أنا، في الوقت الذي من أجل أن أحيا، أنا بحاجة إلى الكون كله. ما يعني أن هناك فقط ذاتًا واحدة وهي الكاملة بحد ذاتها.
أبتي، لقد كان لطفًا منكم أنْ كتبتم لي رغم كل شيء. كان غاليًا عليَّ حصولي على كلمات ودية منكم لحظةَ الرحيل. ذكرْتم لي أقوالاً رائعة للقديس بولس. ولكنْ آمَلُ ألاَّ أكونَ أعطيتُكم، وأنا أعترف لكم ببؤسي، انطباعًا عن إنكاري لرحمة الله. آمَلُ ألاَّ أكونَ قد سقطْتُ أبدًا وألاَّ أسقطَ بتاتًا إلى هذه الدرجة من الدناءة والجحود. لا أحتاج إلى أي رجاء ولا إلى أي وعد لكي أؤْمنَ بأنَّ الله واسع الرحمة. أعرف هذه السعة بيقين الاختبار، لقد لمستُها. وما عرفتُه منها بالاحتكاك يتجاوز قدرتي على الفهم والامتنان إلى درجة أنَّ ملذَّاتِ النعيم الأخروي لا يمكنها أنْ تضيفَ شيئًا إلى ذلك بالنسبة لي؛ مثلما أنَّ جمْعَ لانهايتَينِ ليس جمعًا في نظر العقل البشري.
كثيرًا ما تقال هذه الجملة: "اعرف نفسك بنفسك"، وكثيرًا ما يخفى القصدُ منها؛ وبين هذا القول وذاك الغموض يعترضنا سؤالان: أولهما، ما هو المصدر الأصلي للجملة؟ وثانيهما، ما مدلولها الحقيقي وإلامَ ترمي من أغراض؟ قد يُخيَّل لبعض القراء، عند أول وهلة، أن السؤالين مفترقان، لا رابطة بينهما ولا صلة تجمعهما؛ لكنْ عند تدقيق النظر، والبحث والتمحيص، سيثبت لهؤلاء أن السؤالين مترابطان كل الترابط. إذا سألنا أغلب دارسي الفلسفة اليونانية عن الإنسان الذي فاه بهذه الحكمة لَما تردَّد فريق منهم في الإجابة بأن قائلها سقراط، بينما يقول فريق ثان: أفلاطون، ويقرر فريق ثالث بأنه فيثاغورث. ومن هذا التضارب في الرأي وذلك التباين في القول نستطيع الحكم بأن الجملة لا تَرد في كتاب لأحدهم بعينه باعتباره مصدرها. وقد يبدو حكمُنا هذا جائرًا، لكنه في الحق حُكم صحيح، تَثبُتُ للقارئ صحتُه عندما يعلم أن اثنين من أولئك الفلاسفة - هما فيثاغورث وسقراط - لم يخلِّفا شيئًا مسطورًا أو منقوشًا؛ أما ثالثهم، أفلاطون، فما من أحد - بالغًا ما بلغ من العلم بالفلسفة - يستطيع أن يميِّز على التحديد ما قاله هو نفسه أو ما قاله على لسان أستاذه سقراط الذي لم نعرف أكثر آرائه إلا بواسطة أفلاطون؛ وقد يكون أن أفلاطون استقى من مدرسة فيثاغورث بعض التعاليم التي بثَّها في محاوراته، كما استقى من سقراط نفسه. من هذا نرى أن من الصعب جدًّا تحديدُ نسبة بعض العبارات إلى أحد الثلاثة بالذات: فما يُنسَب إلى أفلاطون قد يُنسَب إلى سقراط، بينما قد يكون سابقًا لوقت كليهما جميعًا، فيكون صَدَرَ عن المدرسة الفيثاغورية، إنْ لم يكن من فم فيثاغورث نفسه.
|
|
|