|
بحثًا عن الحلِّ: ب – في لعبة الأمم
كما في الثورة، كما في الرواية، الخاتمة هي الفصل الأصعب الذي يتوجب اكتشافه... 1 لعل إحدى أهم ميزات الأيام العصيبة التي نعيش أنها جعلت شعبًا بكامله يهتم بالجغرافيا السياسية. فالإنسان السوري العادي، ببساطته وعفويته، بات يحلل ويناقش خلفيات ما يجري من أحداث تختلف المواقف والتقويمات حولها بين مؤيدين للنظام يربطون كلَّ ما يجري بـ"مؤامرة كونية" ضد ما يعتقدون أنه حكم "ممانع" تؤيده أغلبية الشعب، وبين معارضين لهذا النظام يربط الكثير منهم ما يجري بمؤامرة كونية معاكسة للأولى تعطي هذا النظام الفرصة تلو الأخرى، ومنذ أكثر من عام ونصف، كي يسحق معارضيه، ويقتل شعبه ويقمع تطلعاته المشروعة. والجميع يفكِّر ويتساءل ويتابع باهتمام بالغ الأخبار والتحليلات. والكلُّ يضرب الأخماس بالأسداس محاولاً فهم ما يجري وإلى أي مآل ستقودنا الأحداث. فما من أحدٍ من المعارضة والثوار، إلا ويتساءل لماذا تدعم إيران وروسيا والصين النظام السوري؟ ولماذا تستخدم روسيا والصين حقَّ النقض (الفيتو) في مجلس الأمن ضد قرارات تدين هذا النظام؟ ولماذا لا يقدِّم من يسمون أنفسهم "أصدقاء سورية" دعمًا "ماديًا" للثورة، فيتدخلون بشكل فعَّال لوقف المجازر التي ترتكب؟ ولماذا يكتفي العرب بالدعم اللفظي؟ والجميع يتساءل لماذا لا تتدخل بشكلٍ مباشر تركيا التي كانت حتى أمس قريب تقيم علاقات ودية مع نظام الحكم القائم في سورية وأصبحت اليوم تساند الثوار؟ وما هي يا ترى خلفيات موقف إسرائيل الذي يفترض أن يكون "النظام الممانع" من ألدِّ أعدائه؟ وعلى أرض الواقع يستمر الفلتان وتستمر "الدولة البربرية"[1] في قتل مواطنيها وتستمر الحالة البربرية التي أوصلتنا إليها رعونة السلطة التي تحكمنا في التفاعل. لهذا ترانا نحاول كغيرنا التفكير في هذه الأمور. ما يدفعنا إلى المزيد من التعمق...
2 لأننا حين نفكر بروسيا و/أو بإيران و/أو بالصين تجدنا نبدأ التفكير بالخلفيات التي تدفع هذه الدول الكبيرة إلى اتخاذ المواقف التي تتخذها من الشعب السوري. ونبدأ بمحاولة فهم خلفيات الموقف الروسي متأملين في الأوضاع الروسية بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، متسائلين قبل كلِّ شيء، حول طبيعة المشاكل الحقيقية التي تواجهها روسيا، والتي هي قطعًا ليست ابنة يومها. لأنه يكفي أن ننظر إلى خريطة هذا البلد المترامي الأطراف، الذي هو أكبر بلد في العالم من حيث المساحة[2]، والذي له واجهات بحرية تطل على أكثر من 14 دولة، كي نفهم من هذه النظرة الأولية السريعة الأسباب التي تدفع روسيا إلى السعي الدائم للوصول إلى المياه الدافئة، لأن مشكلة روسيا الرئيسة الأولى أنها بلد مقيد جغرافيًا.
حيث أنه إذا كانت لروسيا شواطىء بحرية طويلة، إلا أن المنافذ البحرية لهذه الشواطىء شبه مغلقة. فشمالاً، يحدها المحيط المتجمد الشمالي، الذي يغطيه الجليد بالكامل ما يقارب الستة أشهر سنويًا. وجنوبًا، هناك بحر قزوين المغلق الذي تتقاسمه روسيا مع إيران. كما تتحكم تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي والتي تسيطر على مضائق البوسفور والداردانيل، بمدخل البحر الأسود المنفذ الروسي الوحيد إلى تلك المياه الدافئة. ونلاحظ أيضًا... أن روسيا بلد بارد، حيث يقع أكثر من نصفها شمال خط العرض 60، الذي هو مستوى شمال كندا وغروينلاند. فهذه المنطقة هي منطقة سهول تسمح بتدفق الكتل الهوائية الباردة التي مصدرها القطب الشمالي إلى داخل البلاد، ما يجعل من تلك السهول التي يسمونها بالتايغا والتوندرا مناطق مجمدة بشكل شبه دائم، أي أن الزراعة فيها شبه مستحيلة. ونتمعن أكثر فنجد أن مساحة الأراضي الروسية الصالحة للزراعة هي 24% من المساحة الكلية للبلاد. كما أن المساحة المستثمرة زراعيًا من الأراضي الصالحة للزراعة لا تتجاوز الـ4.5% من المساحة الكلية للبلاد. وأيضًا... الكلُّ يعرف أن لدى روسيا أكبر مساحة من الغابات في العالم، ما يجعلها البلد الأهم في صناعة الأخشاب والورق. كما أن لديها احتياطي كبير من مختلف أنواع الثروات الطبيعية، وخاصةً منها الغاز والنفط. لكن، على الرغم من أهميتها البيئية المتنوعة، وأهميتها السياحية الكبيرة، وأهمية ثرواتها الطبيعية، فإنه ما من شكٍ أن الموقع الجغرافي لروسيا يؤثر كثيرًا على الأوضاع المعيشية في هذا البلد الذي يشكل الروس فيه 80% من السكان، أمَّا الباقون فمن أصول إثنية ولغوية متنوعة. وأيضًا... نلاحظ أن معظم سكان روسيا يتمركزون في المدن، ما يجعل التوزع السكاني على مجمل مساحة البلاد غير متوازنٍ. أي إن شئنا أن نكون أكثر دقة، يسكن ما بين الـ40 إلى 60 شخص في الكم2 في المناطق الغربية والجنوبية من روسيا. مقابل شخص واحد في الكم2 في بعض مناطق أقصى الشرق الروسي. كما ونلاحظ أن عدد سكان روسيا في تناقص مستمر منذ عدة عقود. فمنذ انهيار الاتحاد السوفياتي إلى اليوم، تناقص معدل الأعمار وخاصةً عند الرجال. كما تناقص معدل الإنجاب عند النساء ليصبح 1.5. وكذلك تناقص عدد السكان الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة. ما يعني أن روسيا بلد هرم. إضافةً إلى ذلك، هناك حركة هجرة قوية إلى الغرب عامةً وإلى الولايات المتحدة خاصةً. والنتيجة، أن روسيا التي كان عدد سكانها 148 مليون نسمة عام 1990، أصبح عدد سكانها أقل من 140 مليون عام 2010. وأيضًا... إذا كان لاجدال في أن روسيا تكاد تعادل الولايات المتحدة من حيث القوة العسكرية، وتكاد تنافسها في تجارة الأسلحة[3]. وإذا كان الوضع الروسي يبدو، من حيث الظاهر، جيدًا اليوم بسبب كون هذا البلد، كما سبق وأشرنا، غني بالثروات الطبيعية وبالمناجم، وبالغاز وبالنفط. وإذا كان الاتحاد الأوروبي الذي هو الزبون الأول لروسيا يستورد أكثر من 25% من البترول والغاز الروسيين. فإن المشكلة هي أنه إذا رغبت روسيا في أن تصبح (كالصين مثلاً) منافسة اقتصادية فعلية للأوروبيين وللأمريكان، فإنه يتوجب عليها تنمية سوقها الداخلية. وهذا الأمر ما زال صعبًا جدًا، لعدم رغبة المستثمرين الغربيين المخاطرة في مشاريع طويلة الأمد في بلد ما زال بالنسبة لهم غير مضمون سياسيًا. ونتوقف عند هذه النقطة قليلاً، لنتساءل حول... من يحكم روسيا اليوم؟ أو لنقل ما هي طبيعة النظام السياسي القائم فيها؟ ولماذا ما زال هذا البلد يعتبر، في نظر البعض، غير مضمون سياسيًا؟ لأنه إن كان يصح القول إن الاقتصاد الروسي لم يعد اليوم اقتصادًا اشتراكيًا، لا بل إنه على وشك أن يتحول بالكامل إلى الرأسمالية، إلا أن وصول ضابط استخبارات سوفييتي سابق – السيد فلاديمير ﭙوتين – إلى رأس السلطة في العام 1999، واحتفاظه بمقاليد هذه السلطة إلى الآن – سواء كرئيس للدولة أو كرئيس للوزراء – هو أمر ملفت للانتباه فعلاً. حول هذا الموضوع يتحدث المحلل والباحث الفرنسي جان روبير راﭭيو في كتابه من يحكم روسيا[4]، يقول: ... إن وصول عميل سابق في الـKGB إلى رأس السلطة في روسيا... قد لفت الانتباه إلى أهمية ما يمكن تسميته بشبكات التواطؤ الافتراضية للعملاء السابقين لهذا الجهاز في روسيا ما بعد الاتحاد السوفييتي. ونحن، إن كنا نؤكد في هذا السياق على ضرورة عدم الانجرار وراء ذلك المنحى الإعلامي الواسع الانتشار الذي يعتبر أن التحول إلى الرأسمالية والديمقراطية في روسيا اليوم مجرد غطاء لمشروع واسع يهدف إلى خلق اقتصاد غير شرعي يقوده العملاء السابقون للـKGB، فإنه ليس بوسعنا إلا أن نلاحظ أن العملاء السابقين لهذا الجهاز يشكلون فعلاً شبكة نفوذ واسعة على أرض الواقع. كما أن لهذه الشبكة امتداداتها التي تصل إلى أعلى مستويات الدولة وإلى كل القطاعات الاقتصادية والمجتمعية الروسية (كالطاقة والقطاعات المالية والبنوك المجمع العسكري-الاقتصادي ومؤسسات الأبحاث العلمية). ورغم أنه ليس هناك ما يثبت وجود "صلات قربى" بين هذه الشبكة الواسعة من العملاء القدماء للأمن السوفيتي وبين أية مافيا إجرامية قائمة، إلا أن هذه العلاقات السرية المترامية الأطراف تشكل على أرض الواقع شبكة تواطؤ ذات خلفية استخباراتية جامعة لم تتأثر سمعتها البتة بسقوط الاتحاد السوفييتي. وذلك سواء من منظور أبنائها، أو من منظور قسم كبير من الرأي العام الروسي الذي ما زال بمعظمه متمسكًا بالإرث الرمزي لسلطة كانت، على عكس ما تبدو اليوم، مهيمنة فعلاً... ونتساءل، محاولين من هذا المنظور التفكير فيما يدفع النظام القائم في روسيا اليوم إلى اتخاذ المواقف التي يتخذها من النظام السوري، ونلاحظ: - أولاً: إن أمورًا كثيرة قد تغيرت منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، فجميع الدول التي كانت تدور في فلك تلك الدولة، بما فيها دول البلطيق، تحولت تجاه الغرب، وتحديدًا تجاه الاتحاد الأوروبي ونموذجه الاقتصادي والسياسي. الأمر الذي أدى إلى.. - ثانيًا: إلتحاق الدول التي كانت تدور في فلك روسيا آنذاك، وكذلك بعض الدول التي كانت جزءًا منها، بحلف شمال الأطلسي أو أنها تحاول اليوم الانضمام إلى هذا الحلف (كأوكرانيا وجورجيا). ما يعني والله أعلم... - ثالثًا: أن هذا الواقع غير المريح هو الذي يجعل روسيا تشعر بأنها قلعة محاصرة من قبل الغرب الذي نجح في إسقاط النظام السياسي الذي كان قائمًا فيها. وأن هذا الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة ما زال إلى اليوم، يحاول إضعافها و/أو يهددها. وبالتالي... من هذا المنظور يمكن إذن تناول الموقف الروسي من الأوضاع الحالية في سورية ودعمها للنظام القائم فيها. مشيرين إلى أن النظام السوري المرتبط مع الاتحاد السوفييتي بتحالف استراتيجي منذ العام 1980، هو من حيث خلفيته المخابراتية، نظام حكم مشابه للنظام القائم في روسيا اليوم. وأيضًا، وإن باختصار شديد... تجدنا أمام حالة مشابهة، حين نتفكر بالموقف الصيني الذي يتطابق إلى حدًّ كبير، حول ما يجري في سورية، مع الموقف الروسي. ونلاحظ بهذا الخصوص تحديدًا أن موسكو حاولت منذ فترة، وما زالت تحاول، التقرُّب من الصين اقتصاديًا واستراتيجيًا، فكانت تلك المعاهدات الاقتصادية التي وقِّعت بين البلدين عام 2009، والتي سمحت لبيجين باستغلال بعض المناطق الحدودية الروسية شبه النائية القريبة من الصين...
فإلى المشاريع القائمة في هذه المناطق النائية يتوجه اليوم العديد من العمَّال الصينين، الأمر الذي يمكِّن بيجين من تأمين بعض احتياجاتها في موارد الطاقة من جهة، كما يسمح لموسكو بتطوير تلك المناطق التي لا وجود فيها (تقريبًا) للسلطة المركزية للدولة من جهة أخرى. ما يفسِّر بالتالي، بعض خلفيات التناغم القائم اليوم بين هاتين الدولتين حول عدد من الملفات العالمية الساخنة والحساسة، كالملف النووي الإيراني مثلاً، والملف السوري ليس حصرًا. حيث نجد أنفسنا أمام بلدين تتعارض تطلعاتهما مع تطلعات واشنطن من جهة، وتوحدهما مصالح مشتركة من جهة أخرى. ونتمعن قليلاً من ثم بالمصالح التي تربط هتين الدولتين بإيران الحليف الاسترتيجي الأول للنظام السوري. فنجد أن روسيا هي اليوم المزود الأول لإيران بالأسلحة[5]، كما أنها أيضًا الدولة التي حلَّت، بعد سقوط الشاه، مكان الولايات المتحدة في دعم وتطوير البرنامج النووي الإيراني. أمَّا الصين، الفقيرة جدًا بموارد الطاقة، فهي تستورد من إيران حوالي 25% من احتياجاتها النفطية. وهذا ما يقودنا إلى المزيد من التفكير في الوضع الإيراني الحالي وعلاقته بالأوضاع السورية. ونلاحظ في هذا السياق ما يلي: - أولاً: إن نظام الحكم القائم في إيران منذ سقوط الشاه وقيام الجمهورية الإسلامية في العام 1979، هو نظام يستند إلى مرجعيتين أساسيتين، حيث المرجعية الأولى دينية – إسلامية شيعية – يمثِّلها المرشد الأعلى للجمهورية أية الله علي خامينائي، بينما المرجعية الثانية قومية فارسية يمثلها رئيس الجمهورية. ونلاحظ أن هاتين المرجعيتين اتحدتا منذ انتصار الثورة ضد عدو أساسي أسمي بـ"الشيطان الأكبر"، والذي هو (طبعًا) الولايات المتحدة الأمريكية. ونتفكر في خلفية هذا الموقف فنجد... - ثانيًا: أن إيران، كروسيا، أسيرة جغرافيتها السياسية. فهي أيضًا بلد "محاصر" من قبل الولايات المتحدة التي تحيطها بحلقة من القواعد العسكرية. ففي غرب إيران تنتشر القواعد العسكرية الأمريكية بدءًا من تركيا، مرورًا بالعراق، وصولاً إلى الخليج (العربي–الفارسي) حيث تتواجد أهم تلك القواعد، إضافةً إلى إسرائيل، حليفة الولايات المتحدة، والتي هي اليوم القوة العسكرية الأعظم في الشرق الأوسط. وشرقًا هناك قواعد أمريكية في أفغانستان وباكستان. وكذلك الأمر جنوبًا في المحيط الهندي. ونتفكر...
- ثالثًا: أن إيران التي يشكل الشيعة 90% من سكانها، قد تعرضت خلال العقود الأخيرة إلى العديد من الاعتداءات والتهديدات. ففي العام 1946، أي مباشرةً بعد الحرب العالمية الثانية، غزت روسيا السوفييتية شمال ذلك البلد وحاولت أن تقيم فيه جمهورية سوفييتية كردية[6]. كما رعت الولايات المتحدة وبريطانيا الانقلاب العسكري الذي أطاح في العام 1953 بالحكومة الوطنية لمصدّق الذي كان قد أمم النفط الإيراني. وأيضًا، في العام 1980، هاجمها العراق المدعوم في حينه من دول الخليج ومن الولايات المتحدة، ما أدى إلى حرب طاحنة بين البلدين استمرت ما يقارب الثمانية سنوات، فقد فيها البلدان ما يزيد عن المليون قتيل. وأخيرًا، في العام 2001 غزت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها أفغانستان التي تحد إيران مباشرة من الشرق. وفي العام 2003 غزت الولايات المتحدة العراق الذي يحد إيران مباشرةً من الغرب. وبالتالي فإنه... - رابعًا: من منظور جغرافي سياسي قومي وعقائدي ومذهبي، يمكننا فهم سياسة إيران تجاه ما يواجهها من تحديات. مع التأكيد على أن الخطوط العريضة لهذه السياسة هي: آ: تحاول إيران بناء شبكة واسعة من التحالفات والمصالح مع عدد من القوى الدولية والإقليمية المحيطة بها و/أو القريبة منها. كتركيا التي تزودها إيران بما لا يقل عن 30% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي، أو الصين التي تستورد من إيران ما لا يقل عن 18% من احتياحاتها من النفط والغاز، أو روسيا التي تعتبر اليوم المزود الأول لإيران بالأسلحة، والتي ساعدتها في بناء برنامجها النووي الذي تخلى عنه الغرب أثر سقوط الشاه عام 1977. وأيضًا... ب: تحاول إيران بناء منظومة دفاعية قوية تمكِّنها ليس فقط من الدفاع عن نفسها، وإنما أيضًا من الردِّ على القوى الإقليمية والدولية التي تهددها، وعلى رأس هذه القوى طبعًا الولايات المتحدة وإسرائيل. لذلك، ومن هذا المنظور، يمكن أن نفسِّر تمسُّك إيران ببرنامجها النووي الذي يؤهلها لأن تصبح، كالهند وباكستان و... إسرائيل، قوة نووية ليس بوسع أحدٍ أن يهاجمها. وأيضًا وخاصةً... ج: فيما يتعلق بالنظام السوري، تسعى إيران إلى خلق محور داعم لها، ومهدِّد لخصومها، مستفيدةً في ذلك من المتغيرات التي حصلت في العراق حيث أصبح الشيعة، الذين كانوا مضطهدين أيام صدام حسين، والذين يشكلون أكثر من نصف سكان العراق، في موقع المسؤولية. كما تدعم إيران حزب الله الممثل الرئيسي للشيعة في لبنان. وتدافع بشراسة عن النظام السوري "الأقرب إليها طائفيًا" والمتحالف معها منذ أكثر من ثلاث عقود لأسباب ذرائعية ذات خلفية مذهبية... ويدفعنا نفس المنطق، في المقابل، إلى للتفكير بالأوضاع في تركيا الجارة الشمالية لسورية، والتي يحكمها منذ العام 2002 حزب الحرية والعدالة AKP الإسلامي السني المعتدل برئاسة السيد رجب طيب أوردغان.
فنجد أن هذا البلد، الذي يشترك مع سورية بأكبر حدود برية [حوالي الـ870 كم2، يشكل من حيث موقعه الجغرافي السياسي مفترق طرق تتلاقى عنده عدة عوالم هي: - العالم الروسي السلافي الذي يحد تركيا شمالاً (البحر الأسود "روسيا" وبلغاريا وجورجيا). وأيضًا... - دول آسيا الوسطى، ذات الثقافة التركية، التي كانت حتى (البارحة) جزءًا من الاتحاد السوفياتي، شمالاً وشرقًا. وأيضًا... - بلدان الشرق الأوسط كإيران والعراق شرقًا وسورية جنوبًا. - أمَّا غربًا فتنفتح تركيا من خلال البحر الأبيض المتوسط وبحر إيجه على اليونان والاتحاد الأوروبي. ونلاحظ أن تركيا، ذلك البلد الواسع الذي تقارب مساحته الـ800000 كم2، والذي يقارب عدد سكانه الـ80 مليون نسمة، حوالي الـ20% منهم من الأكراد الذين يسكنون في جنوب شرق تركيا بدءًا من حدودها مع إيران، فالعراق، فسوريا[7]، (هذا البلد) الغني بمياهه وبثرواته الباطنية، هو بلد فقير بمصادر الطاقة من نفط وغاز. حيث تستورد تركيا اليوم معظم نفطها من أذربيجان ومن العراق، كما أن إيران تؤمن اليوم حوالي 30% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي. وأيضًا... رغم أن 85% من الاستثمارات في تركيا تأتي من الاتحاد الأوروبي، ورغم أن حوالي 50% من الصادرات التركية هي إلى الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر شريكها الاقتصادي الأول. الأمر الذي يفسر إلحاح تركيا الدائم كي تصبح عضوًا في هذا الاتحاد. إلا أننا نلاحظ في المقابل، وخاصةً منذ وصول حزب الحرية والعدالة AKP إلى السلطة في تركيا، انفتاحًا تركيًا متزايدًا باتجاه جيرانها الشرق أوسطيين جنوبًا وشرقًا، وخاصةً منهم إيران والعراق و... سورية. وهو واقع يمكننا بعض الشيء من فهم السياسة التركية تجاه ما يجري اليوم من أحداث في سورية. حيث أنه، ورغم أن تركيا اليوم هي المتعاطف الأول والداعم الرئيس للثورة في سورية، ورغم أنها الدولة الأكثر قدرةً على حسم الصراع فيها لصالح الثوار، إلا أن عليها أيضًا أن تحسب حسابًا جيدًا لجيرانها الآخرين الذين تربطها بهم مصالح اقتصادية واستراتيجية هامة، كإيران الشيعية مثلاً وروسيا ليس حصرًا. إضافةً إلى أنها تتشارك مع بعض الدول المحيطة بها، وخاصةً منها سورية، بمشكلة صعبة ومعقدة هي المشكلة الكردية. كما أن تركيا لم تضمن بعد موقفًا داعمًا قويًا من قبل الولايات المتحدة وحلف الأطلسي، الجهة الوحيدة القادرة على لجم أي تهديد مباشر أو غير ماشر يمكن أن يشكله لها ذلك "الدبُّ" المتربص شمالاً، والذي دخلت عدة حروب معه عبر التاريخ. وننتقل إلى الجانب الآخر من الطيف الجغرافي المحيط بسورية، لنتفكر قليلاً بـ... الموقف الإسرائيلي مما يجري اليوم في سورية من أحداث، فتجدنا ونحن نتمعن من منظور جغرافي وسياسي في وضع إسرائيل وموقعها في المنطقة أمام مشكلة يتفق جميع الباحثين على أنها المشكلة الرئيسة في الشرق الأوسط. لهذا، ولأنه ليس بالإمكان الإحاطة بكل جوانب هذه المشكلة من خلال محاولة متواضعة كالتي نقوم بها حاليًا، فإننا سنحاول فيما يلي التركيز على بعض العوامل الأساسية المؤثرة على سياسات هذا البلد، والتي يمكن أن يكون لها، من منظور جغرافي وسياسي، علاقة بالأزمة السورية. وهذه العوامل يمكن تلخيصها بما يلي:
- أولاً: إن هذه الدولة، التي ساعد العالم الغربي على إيجادها في المنطقة من أجل حلِّ مشكلته اليهودية[8]، والصغيرة من حيث مساحتها التي لا تتجاوز الـ20770 كم2، والتي يبلغ عدد سكانها حوالي الـ7.6 مليون نسمة (76.4% منهم يهود والباقي أي 23.6% منهم عرب غالبيتهم من المسلمين السنة)، هي بلد محاصر جغرافيًا بسبب الطبيعة الإثنية والدينية التي قام على أساسها؛ والتي لم ينجح إلى الآن في تجاوزها[9]. ونتوسع أكثر فنجد... - ثانيًا: إن حدود هذا البلد الذي خاض منذ تأسيسه وحتى اليوم عدة حروب مع جيرانه[10] قد تجاوزت بمراحل تلك التي حددت له من قبل الأمم المتحدة عام 1947. كما أن إسرائيل ما زالت تسعى إلى قضم كامل الأراضي الفلسطينية، وإلى الاحتفاظ بهضبة الجولان التي احتلتها من سورية عام 1967. وأيضًا...
- ثالثًا: نلاحظ أن التركيبة السكانية لإسرائيل قد تغيرت كثيرًا في السنوات الأخيرة، وخاصةً فيما يتعلق باليهود الذين يشكلون أغلبيتها المطلقة. حيث يشكل اليهود الذين ولدوا في إسرائيل 67.1%، بينما اليهود الذين من أصول أوروبية أو أمريكية 22.6%، واليهود الذين من أصول أفريقية 5.9%، واليهود الذين من أصول أسيوية 4.2%. ونشير بهذا الخصوص أنه خلال العقدين الأخيرين، وتحديدًا منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، هاجر ما لا يقل عن مليون يهودي من أصل روسي إلى إسرائيل. الأمر الذي انعكس بعمق على تركيبتها الديموغرافية وعلى التوجهات السياسية لهذا البلد. حيث نرصد... - رابعًا: وفيما يتعلق بالتوازنات السياسية الداخلية والسياسة الخارجية بعض الملامح والتوجهات الملفتة للانتباه، والناجمة عن تلك التغيرات في التركيبة السكانية ليهود إسرائيل، نحددها كما يلي: آ: تقلص كبير في قوة ونفوذ الأحزاب اليسارية الإسرائيلية كحزب العمل وحزب ميريتز، لصالح الأحزاب اليمينية كالليكود وكاديما والأحزاب الدينية[11]. ب: تعمق الخلافات مع الولايات المتحدة الشريك والداعم الأساسي لإسرائيل، وخاصةً فيما يتعلق بالمسألة الإيرانية، حيث تحاول إسرائيل دفع الولايات المتحدة إلى اتخاذ مواقف أكثر جذريةً فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني. ج: تحسن العلاقات الاقتصادية والسياسية بين إسرائيل وروسيا. ونتذكر بهذا الخصوص، أن روسيا اشترت من إسرائيل في العام 2010 معدات حربية بحوالي 6.7 مليار دولار[12]. - خامسًا: وفيما يتعلق بمصادر الطاقة، وبعد اكتشاف مخزون كبير للغاز الطبيعي في محازاة الشواطىء الشرقية للبحر الأبيض المتوسط، نلاحظ أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة من بين الدول المطلة على شرق البحر المتوسط التي بدأت باستثمار الأعماق القريبة من شواطئها. إن كل هذه الوقائع يكمن أن تفسر بعض الشيء الموقف الإسرائيلي (شبه الصامت) مما يجري في سورية تحديدًا، وفي الشرق الأوسط بشكل عام. ونسجل فيما يتعلق بالأوضاع السورية أنه من مصلحة إسرائيل إطالة أمد الصراع الجاري في دولة ناصبتها العداء منذ نشأتها، وأيًا كان الطرف الذي سيخرج منتصرًا من هذا الصراع في النهاية. ونصل أخيرًا إلى الموقف الأمريكي والمواقف الغربية تجاه ما يجري في بلدنا من أحداث. ونجد أنفسنا هنا تحديدًا، في قلب ما يمكن تسميته دوامة لعبة الأمم... في النتيجة والخلاصة... وتجدنا حين نعود فنتساءل عن الأسباب التي جعلت روسيا والصين في مجلس الأمن تمتنعان عن التصويت فيما يتعلق بليبيا، ما مكَّن الدول الغربية من استصدار قرار ملزم بالأغلبية من هذا المجلس وتحت البند السابع[13]، ويسمح بالتدخل العسكري الدولي في هذا البلد، ونقارن هذه الأسباب بتلك التي تجعل هتين الدولتين تعرقلان، فيما يتعلق بسورية التي تعيش منذ أواسط آذار 2011 أوضاعًا مماثلة إن لم نقل أوضاعًا أسوأ بكثير من تلك الليبية، استصدار قرار مماثل من قبل مجلس الأمن باستعمالهما حق النقض[14]. و/أو حين نتساءل في المقابل عن الأسباب التي جعلت الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين لا تحسب أي حساب للاعتراضات اللفظية الصينية الروسية فيما يتعلق بالحالة الليبية، فتتدخل وتؤمن انتصار المعارضة الليبية على نظام القذافي. وعن تلك الأسباب التي تدفعها اليوم إلى اتخاذ مواقف مسايرة للصين ولروسيا فيما يتعلق بالحالة السورية، بحجة أن هناك فرق بين الحالتين (السورية والليبية) كما يقولون. فإننا نجد أنفسنا أمام مفارقة ملفتة للانتباه فعلاً. ونتمعن المزيد... لأن هذا الفرق أو الاختلاف لا علاقة له البتة بحقوق الإنسان التي يفترض أن تكون واحدة بالنسبة للجميع. بمعنى أن هذه الحقوق الإنسان يمكن أن تطبق في مكان ولا يمكن أن تطبق في مكانٍ آخر. كما أن هذا الاختلاف لا علاقة له بمبدأ فرض الأمن الإنساني من الأعلى الذي طبق في الحالة الليبية، لا ينطبق على الشعب السوري الذي يذبح من قبل حكومته. إنما (هذا الفرق أو الاختلاف) هو بكل بساطة لأن المبادىء والقيم تأتي في المرتبة الثانية بالنسبة للجميع، حين تتعارض هذه المبادىء والقيم مع المصالح الجغرافية السياسية والاقتصادية للدول صاحبة العلاقة بالموضوع. فالوقائع تقول... - أولاً: إن روسيا والصين قد مررتا للغرب وللولايات القرار 1973 المتعلق بليبيا ليس حبًّا بالشعب الليبي، إنما لإدراكهما التام للأهمية الجغرافية والسياسية لليبيا ولنفطها بالنسبة إلى الغرب الذي فهم جيدًا في المقابل خلفية الموقف الروسي والصيني الذي اقتصر آنذاك على النقد اللفظي الخجول. لكن في المقابل... - ثانيًا: لا ترغب هتان الدولتان اليوم، ولأسباب كثيرة، تمرير نفس الشيء – مجانًا – فيما يتعلق بالحالة السورية. والغرب يفهم هذا جيدًا أيضًا. لذلك نراه يراعي هتين الدولتين، ولا يصعِّد من موقفه تجاههما، مكتفيًا بالتصعيد اللفظي وببعض الدعم اللوجيستي الخجول للثوار السوريين من تحت المنضدة. وهو واقع علينا أن نفهمه جيدًا، وإن كان لا يروق لنا. لأنه... - ثالثًا: ورغم الأهمية الجغرافية السياسية الكبيرة لموقع سورية بالنسبة للغرب إلا أن أهميتها تبقى صغيرة حجمًا بالنسبة لأهمية روسيا الشريك الاقتصادي الهام لأمريكا وبريطانيا وفرنسا في مجموعة الثمانية[15] G8، وللصين التي هي مع روسيا من الدول العشرين التي تتحكم بـ80% من الاقتصاد العالمي[16] G20. لذلك، نجد أن الغرب يراعي روسيا فيما يتعلق بالقضية السورية التي تبدي روسيا اهتمامًا بها، فيمدُّ لها الحبل، لتتصرف فيما ترتئيه من حلول لقضية يعلم جيدًا أنها ليست في النهاية لصالحها. وأيضًا... - رابعًا: يجب أن لا ننسى أن للولايات المتحدة أولوياتها الاستراتيجية فيما يتعلق بالصراعات الدولية، وخاصةً في منطقة الشرق الأوسط حيث يبدو أن الأولوية هي للملف النووي الإيراني الذي لم يتقرر حسمه بعد. لكلِّ ما سبق، نتوصل إلى استنتاج أساسي يقول إنه لا يجب التعويل على أي تدخل دولي فاعل خلال الأشهر القادمة (أي جتى نهاية العام 2012 وانتهاء الانتخابات الأمريكية)، لا بل من الأصح القول إن مثل هذا التدخل المباشر لن يحصل على الإطلاق. ما يعني أن توازنات القوى في الصراع الدائر حاليًا على الأرض السورية هي التي ستقرر في النهاية شكل التسوية بين المتحاربين. ونسجل أخيرًا... بهذا الخصوص، أن النظام قد فهم – وإن من منظوره الأرعن – تلك التعقيدات الجغرافية السياسية المحيطة أكثر بكثير مما فهمتها المعارضة التي عولت بمعظمها على إمكانية حدوث تدخل دولي مباشر يوقف حمام الدم الحاصل، والذي يبدو أنه سيستمر لبعض الوقت مع الأسف. لأن الأمور لم تصبح مثالية بعد في عالمنا الذي ما زالت تتحكم به المصالح وتغيب فيه المبادىء والقيم. لأن النظام العالمي، القائم منذ الحرب العاليمة الثانية إلى الآن، والمتجسد بالأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها و/أو المنبثقة عنها، ما زال نظامًا قيد البناء، وسيبقى هكذا للأفق الإنساني المنظور. ونكتفي حاليًا بهذا القدر... *** *** *** [1] هذه العبارة من وحي كتاب المرحوم ميشيل سورا Michel Seurat L’Etat de Barbarie أو الدولة البربرية الذي يصف فيه الأوضاع السورية في أوائل الثمانينات. [2] مساحة روسيا تتجاوز الـ17 مليون كم2. [3] تأتي روسيا في المرتبة الثانية في العالم بعد الولايات المتحدة في تجارة الأسلحة. [4] Qui dirige la Russie par Jean-Robert Raviot – Editions Lignes de Reperes. [5] تعتبر روسيا ثاني مورد سلاح في العالم بعد الولايات المتحدة. [6] جمهورية ماهاباد. [7] مع الإشارة إلى أن قسمًا من الأكراد الأتراك، وخاصة في منطقة هاتاي أو سنجق اسكندرون، هم من الطائفة العلوية. [8] راجع بهذا الخصوص الإعلان الصادر بتاريخ 2 تشرين الثاني 1917 عن وزارة الخارجية البريطانية، والمعروف بإعلان بلفور. [9] المقصود هنا الطبيعة اليهودية للدولة. [10] جرب عام 1948 التي رافقت نشوء دولة إسرائيل، حرب عام 1956 أو لنقل العدوان الثلاثي على مصر، حرب عام 1967 التي احتلت إسرائيل بموجبها سيناء والضفة الغربية والجولان، حرب تشرين 1973 التي استردت الدول العربية فيها بعضًا من كرامتها التي أهدرت عام 1967، الاجتياح الإسرائيلي للبنان في حزيران 1982، وأخيرًا الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان عام 2006. [11] كما هو واضح من التركيبة الحالية للكنيس الإسرايلي: Kadima 28, Likud-Ahi 27, YB 15, Labor 13, SHAS 11, United Torah Judaism 5, United Arab List 4, National Union 4, HADASH 4, The Jewish Home 3, New Movement-Meretz 3, Balad 3. مع ملاحظة أن حزب العمل الذي كان له 13 صوت قد انشق فأصبح له 8 أصوات بينما تحول الخمسة الباقون إلى حزب الاستقلال الذي يقوده وزير الدفاع الإسرائيلي الحالي يعود باراك. [12] La Russie et Israel entre mefiance reciproque et cooperation bilaterale – Igor Delanoe (Fondation pour la recherche Strategique). [13] القرار 1973 تاريخ 17/03/2011. [14] يحق لمجلس الأمن فقط، والمؤلف من ممثلي 15 دولة منهم خمسة أعضاء دائمين يملكون حق النقض، و10 أعضاء ينتخبون لمدة سنتين من بين أعضاء الجمعية العامة، إصدار قرارات ملزمة في قضايا أساسية تتعلق بالأمن والسلام الدوليين. [15] مجموعة الثمانية أو الـ G8 هي مجموعة الحكومات الثمانية صاحبة الاقتصاد الأكبر في العالم. وهي تضم كل من فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، اليابان، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة، كندا وروسيا ويتوقع أن تتسع قريبًا لتضم الصين. [16] مجموعة العشرين أو الـG20 هي مجموعة لوزراء مالية ومدراء البنوك المركزية في البلدان العشرين صاحبة الاقتصاد الأقوى في العالم وهي الأرجنتين، أوستراليا، البرازيل، كندا، الصين، الاتحاد الأوروبي، فرنسا، ألمانيا، الهند، أندونيسيا، إيطاليا، اليابان، المكسيك، روسيا، المملكة العربية السعودية، جنوب أفريقيا، كوريا الجنوبية، تركيا، بريطانيا، والولايات المتحدة. |
|
|