|
اللاعنف والمقاومةNonviolence and resistance
الطفولة سمعت عن "نساء بالسواد" للمرة الأولى في أوائل كانون الثاني 1988. فقد أخبرتني صديقتي ميري أنها سمعت بمجموعة من النساء يتظاهرن كلَّ يوم جمعة في ساحة قريبة، حاملاتٍ لافتاتٍ تطالب بإنهاء الاحتلال. قالت إنها تعتزم الانضمام إليهن ودعتني إلى الحضور، لكنِّي اعتذرت منها. وحين عادت من المظاهرة ذلك اليوم، أخبرتني أنه على الرغم من اقتصار الحضور على 15 امرأة فقط، فقد بدا من الصواب في نظرها الوقوف جنبًا إلى جنب مع مجموعة من النساء احتجاجًا على الاحتلال. قالت إن هذه هي المرة الثالثة التي تتظاهر فيها النساء، وإنهن يعتبرن أنفسهن صاحباتِ وقفة احتجاجية ويعتزمن الوقوف مدة ساعة واحدة أسبوعيًّا. وسألتْ ميري فيما إذا كنتُ أودُّ الذهاب الأسبوع التالي، فأجبتها بأني سأفكر في الأمر.
ليس
تفاقُم العنف وانتشارُه هو
الملمح الأبرز في حياة المشرق السياسية منذ
ثلاثة عقود، بل ندرةُ التفكير فيه والإحاطة
به كذلك، نظريًّا وعمليًّا. الموقف التحريمي
الذي تطوَّر في أوساط المثقفين حيال العنف
تخطَّى ممارسته والدعوة إليه إلى التفكير
فيه، من دون أن يؤثر على انتشار العنف؛ فقد
تسبَّب التحريمُ، بالأحرى، في إعاقة فهمه
والسيطرة العقلية عليه. ويلتقي في تفسير هذا
الموقف واقعان: في المقام الأول، فَقَدَ
العنف العربي إبان العقود ذاتها قيمته العامة
والتغييرية أو «الثورية». لقد كان عنف أنظمة
أو منظمات ثورية، أو هو حروب وطنية، وفاعلوه
هم دول أو تنظيمات تطمح إلى إقامة دول؛ وكان،
تاليًا، أمرًا مرغوبًا، يجري التبشيرُ به أو
التنظيرُ له. أما اليوم، فهو عنف حروب أهلية،
أو عنف منظمات إسلامية متطرفة، أو عنف أنظمة
دكتاتورية لا أفق لها، أو بالطبع عنف قوى
معادية: إسرائيل ثم أمريكا. وهو، في جميع
الحالات، عنف مضاد للدولة. كذلك تغيَّر
السند الإيديولوجي للعنف: فقد كان قوميًّا أو
اشتراكيًّا، وصار اليوم دينيًّا أو أهليًّا.
|
|
|