|
اللاعنف والمقاومةNonviolence and resistance
لست قديسًا ولا غارقًا في الخطيئة. أبقى متفائلاً، ليس لأنَّه بوسعي تقديم أي دليل على أن الحقَّ سيزدهر، إنما بسبب إيماني الذي لا يتزعزع بأن الحقَّ سينتصر في نهاية المطاف... لأن أساس وحينا هو فقط الإيمان بأن الحق سينتصر حتمًا. (هاريجان، 9-8-1942، ص262) *** لم أدَّعي يومًا بأني زاهد؛ فالزهد مرده صرامة الأشياء. أنظر إلى نفسي كصاحب بيت يعيش حياة خدمة متواضعة، كغيري من العاملين الذين يعيشون على صدقات الأصدقاء... والحياة التي أعيشها سهلة ومريحة بمجملها، هذا إن فهمنا الراحة بأنها مجرد حالة ذهنية. ومن هذا المنظور، لديَّ كل ما أحتاج إليه ولا أتعب نفسي باكتناز أي شيء خاص. (الهند الفتاة، 1-10-1925، ص338)
لا يمكن للعين أن تخطئ تغيرًا في المزاج العام بدأ يتصاعد في الآونة الأخيرة، تحت ضغط العنف الأمني وانعدام أي أفق لتغيير موازين القوى لصالح الثورة حتى اللحظة. حيث بدأ الكثيرون بالتساؤل حول جدوى النضال اللاعنفي، خاصة بالشكل الذي تجلى عليه في الثورة السورية، متمثلاً بشكل وحيد هو التظاهر، وقاصرًا، إن على الصعيد الميداني أو الإعلامي، عن مواجهة أصوات متعالية باتت ترى في عسكرة الثورة والمطالبة بإجراءات دولية ذات طابع عسكري، مخرجًا وحيدًا لانتصار الثورة. وليس أقدر على الحديث عن هذه القضية من نشطاء داريا، أيقونة النضال السلمي في سوريا. ومن هؤلاء، الناشط الميداني وأحد القيادات الشبابية في المدينة، أسامة نصار، الذي اعتقل للمرة الأولى عام 2003 ضمن ما بات يعرف بـمجموعة شباب داريا. واعتقل للمرة الثانية في عام 2007، ثم اعتقل وزوجته الحامل في اعتصام وزارة الداخلية بتاريخ 16-3-2011 وأفرج عنه بعد نحو أسبوعين، وكان الاعتقال الرابع في الأول من أيار من قبل المخابرات الجوية، حيث أفرج عنه بعد نحو شهرين، ومنذ ذلك الوقت يعيش متواريًا، حاله كحال معظم النشطاء الميدانيين.
مباشرةً بعد إصداره الأمر بالهجوم البري على العراق، في شباط عام 1991، خاطب الرئيس بوش أمَّته، قائلاً: «مهما كنتم تفعلون في هذه اللحظة، رجائي لكم التوقف والصلاة من أجل جنودنا في الخليج. ليبارك الله الولايات المتحدة الأمريكية». ويخامرني الشعور بأنه في اللحظة عينها كان الكثير من المسلمين يصلُّون أيضًا إلى ربِّهم لحماية العراق والجنود العراقيين. كيف يمكن للرب أن يعرف أية أمة يدعم؟ الكثير من الناس يصلُّون للرب لأنهم يريدون منه تحقيق بعض احتياجاتهم. فإذا كانوا يرغبون في التنزه، فربما سألوا الله يومًا مشمسًا صافيًا. وفي الوقت نفسه، قد يصلِّي المزارعون الذين يلتمسون مطرًا أغزر من أجل طلب معاكس. فإذا كان الطقس صافيًا، قد يقول المتنزِّهون: «الله في صفِّنا؛ لقد استجاب لصلواتنا». لكن إن كان الطقس ممطرًا، فسيقول المزارعون إن الله قد سمع صلواتـ"هم". هذه هي الطريقة التي نصلي بها عادةً.
بعد خمسين عامًا مضت على رحيل غاندي – اغتيلَ في العاشر من كانون الثاني/يناير 1948 – يبدو أنَّ البشريةَ لم تسمعْ رسالةَ اللاعنف التي أرادَ أنْ يقدِّمَها للعالَم. فالعنف هو دائمًا المادة الأولى لأخبارنا اليومية ومازال يُغرِق تاريخَنا في غياهب الظلمات. فاليومَ كما في الأمس، يرى قليلٌ جدًا من الناس أنه من المنطقي التأكيد على أن اللاعنف الذي يطرحه غاندي هو في الحقيقة الحكمةُ التي من شأنها أنْ تتيحَ للبشر التصديَ للتحديات التي يواجهونها في النهاية هذه للعصر. ما هي الصورة التي يأخذها الغربيُّون اليومَ عن غاندي، وما هي الفكرة التي يُكَوِّنونها عن اللاعنف الذي عاش لأجله ومات لأجله؟ لا ريب في أن الجميع تقريبًا يعرِفون اسمَ هذا الهندي ووجهَه؛ ويعرفون على الأرجح أنه ثارَ على الاحتلال الاستعماري لبلاده وناضل من أجل تحرير شعبه رافضًا اللجوءَ إلى أسلحة العنف الفتَّاكة. لكنهم إذا أقرُّوا بسهولةٍ بأن اللاعنف هو مثال أعلى مثير للإعجاب فإنهم لا يعتقدون مع ذلك بأنه يمكن أنْ يكون ذا فائدةٍ ما لهم من أجل أنْ يواجِهوا مواجهَةً واقعيةً وفعَّالةً الأحداثَ التي تشكِّلُ هنا والآنَ نسيجَ تاريخهم.
|
|
|