يؤلِّف هذا الموضوع
بين مجالين يحظيان مِن طرفي باهتمام مستديم.
فخلال حياتي كلِّها كانت للرياضة الروحية،
بمعنى الالتفات إلى العلاقة الأوسع التي
تترسَّخ فرديتي ضمنها – مع الله، أو أية
تسمية أخرى مقبولة – منزلةٌ مهمة جدًّا.
وبالمثل، فقد انخرطتُ طويلاً في العمل مع
أناس يعانون من مشكلات صحية ذهنية: أولاً
كمتطوعة لدَوْرٍ في نصرة المستفيدين من
الخدمات في أكثر من مجال، ثم، في السنوات
العشر الأخيرة، كاختصاصية نفسية إكلينيكية.
وخلال عملي كمعالِجة مع أناس يعانون من
الذهان استطعت أن أتفكَّر في التداخل بين
الذهان والروحانية، وأن أتصل بأولئك الذين
كتبوا في الأمر وبحثوا فيه. وبصفة خاصة،
اتصفتْ أطروحةُ مايك جاكسون ودراساتُه
اللاحقة التي تناولتْ بحثَه في مجال التداخل
بالخصوبة؛ وكذلك كتاب بيتر تشادويك الخط
الفاصل، حيث أعانني التفكُّر في خبرته
عونًا خاصًّا في استخلاص النتائج من مرويَّات
الخبرات الصوفية النمط لدى الانهيار المبكر
التي كنت أسمعها من بعض المرضى الذين كنت أشرف
على علاجهم.
لقد حاولنا في كتاب حديث، متمِّم
لكتب سابقة ومكرَّس للخيال الشعري، أن نُظهِر
الفائدة التي يقدِّمها المنهج الفينومينولوجي [=
الظاهراتي] من أجل مثل هذه الاستقصاءات. إذ إن
المقصود، حسب مبادئ الفينومينولوجيا [=
المذهب الظاهراتي]، أن يظهر بوضوح تامٍّ وعيُ
الذات المندهشة بالصور الشعرية. ويبدو لنا أن
هذا الوعي، الذي تريد الفينومينولوجيا
الحديثة أن تُلحِقَه بكل ظواهر النفس، يعطي
قيمةً ذاتيةً مستمرة لصور ليس لها، على
الأغلب، سوى موضوعية مشكوك فيها. إنها
موضوعية عابرة. وحين نُلزِم أنفسنا بعودة
منظَّمة إلى أنفسنا، وإلى بذل جهد إيضاحي في
حدوث الوعي، أو فيما يخص صورة من الصور لشاعر
من الشعراء، فإن المنهج الفينومينولوجي
يقودنا للدخول في محاولة تواصلية مع وعي
الشاعر الخلاق. وهكذا تصبح الصورة الجديدة –
الصورة ببساطة – وبكلِّ بساطة، أصلاً
مطلقًا، أصلاً للوعي. ففي ساعات الاكتشافات
العظيمة تستطيع الصورة الشعرية أن تكون رشيم
الشاعر، رشيم كونٍ متخيَّل أمام حلم يقظة
الشاعر. وينفتح وعيُ الاندهاش بكلِّ سذاجة
أمام هذا العالم الذي خلقه الشاعر. وإن الوعي،
من غير ريب، مُعَدٌّ لاستثمارات كبرى. وإنه
ليتكون بقوة بالأحرى، فيهبُ نفسَه لأعمال
يمضي تناسقُها من الأفضل للأفضل. فلـ"وعي
العقلانية"، خصوصًا، فضيلة الدوام؛ وهي
تطرح قضية صعبة على الفينومينولوجي. إذ
المقصود بالنسبة له أن يقول كيف يتتابع الوعي
في سلسلة من الحقائق. ولكن، على العكس من ذلك،
حين ينفتح الوعيُ المتخيِّل على صورة منعزلة
فإنه – على الأقل للوهلة الأولى – يتحمل
مسؤوليات أقل. وإذا وُضِعَ الوعيُ المتخيِّل
حيال صور منفصلة فإنه يستطيع حينئذٍ أن يحمل
مواضيع تربوية أصيلة لمذاهب فينومينولوجية.