إن عقائد تجمع شيئًا نسميه «واقعية» مع ما يشبه كثيرًا تلطيفًا
(داخليًا، استشرافيًا، متواضعًا، متأصلاً، الإنسان محوره،أدنى) كانت
متناغمة منذ قرون مع عصرها. كان كانط هو الأب الأقدم لها [...]
بلاكبرن
S. Blackburn،
في
P. Clark & B. Hale, Reading Putnam
تناول
النقاش في الفصول السابقة بشكل خاص مسألة عامة هي الواقعية العلمية،
وقد رأينا أنها يمكن أن تعالَج أحيانًا بشكل منفصل عن المسألة الأكثر
تحديدًا، أي مسألة واقعية الأشياء المدروسة وواقعية خصائصها. كانت
الواقعية المستقلة لدسبانيا وريدهيد تمثيلاً ممتازًا لإمكانية الدفاع
عن شكل مخفَّف من الواقعية العلمية دون ربط مصيرها بمصير تأكيد وجود
لأجسام يفترض أنه يتم التقصي والبحث عنها. الفصل الحالي والفصلان
التاليان سيكونان على العكس مخصَّصين لتقدير تنوعات أقوى للواقعية حيث
سنركز على تفصيل الأجسام والكينونات النظرية: الذرات والجسيمات والـ
"حالات" والحقول و"الفراغ الكمومي"، إلخ.
يشير
الثراء الذي ميز الإبستمولوجيا بوصفها فلسفة لتاريخ العلوم إلى حركة
الفهم القوية من لدن الإنسان، الذي وصفه ديلتاي بالكائن التاريخي،
ارتباطًا بخبرته الدائمة وقدرته على التفاعل مع دوائر المعرفة والحياة.
وفضلاً عن قوة الترابط بين الإنسان والتاريخ والعلم، فإن هوية
الإبستمولوجيا تبدو ملتبسة وغير واضحة على نحو دقيق، خاصة بعد ابتعادها
عن الصفة الوضعية نتيجة لتطور العلوم الإنسانية، وبروز فروع معرفية
جديدة مثل تاريخ العلوم، واللسانيات، والجينالوجيا، والأركيولوجيا،
والهرمنيوطيقا. هذه الفروع كانت بعيدة عن الإبستمولوجيا، لكنها أصبحت
اليوم تتقاطع مع اهتمامات معرفية متعددة، وهو ما يسمح برصد مدى تعالق
الإبستمولوجيا مع الأركيولوجيا، على نحو ما نجد لدى ميشيل فوكو في
كتابه حفريات المعرفة بعدما ساهم غاستون باشلار في بناء صرحها
الجديد الذي سيمكنها من مصاحبة الفلسفة. وسنتمكن مع جورج كانغليم من
رصد العلاقة الشائكة بين التاريخ الإبستمولوجيا مادامت هذه الأخيرة هي
العقل الجدلي المشاغب بأسئلته بتعبير صاحب العقل العلمي الجديد.