أنا أظنُّ أنَّه على المستوى الروحي العميق ليس ثمَّة عمر! فلقد يمكنني
وأنا طفلٌ أن أختبرَ ما يختبره الكبير، فالصغير في خبرته الروحية يكون
كبيرًا، والكبير بخبرته الروحية يعود طفلاً. هذا ما علَّمتني إيَّاه
خبرتي في طفولتي وهو أنَّ هناك شيئًا عميقًا على المستوى الروحي لا عمر
له، وهو أمرٌ يمكنني أن أختبرَه الآن كما اختبرتُه وأنا في الثامنة.
وصلت شيئًا فشيئًا إلى الصليب، وإلى شخصية المسيح. وشعرت أكثر فأكثر أنَّ هناك
حبًا صافيًا. وأحسست أنَّ هذا الحبَّ الصافي هو من الله. وهو حبٌّ بلا مصلحة،
حبٌّ متألم. شعرت أنَّ المسيح لم يكن في ضيقٍ من الناس الذين يصلبونه، بل كان
حزينًا من أجلهم، من أجل جهلهم، من أجل عُقَدِهِم، من أجل مشاكلهم. لقد أدركت
وأنا ولد، أنَّ وراء شرِّ أولئك الناس ألمًا يدفعهم لارتكاب هذا الشَّرِّ. كما
أدركت أيضًا أنَّ المسيح لا يهتمُّ كثيرًا بألمه، ولا بشرِّ الآخر، بل بالألم
الذي وراء هذا الشَّرِّ. ففي صمته حنانٌ لألمهم لا غضبٌ على شرِّهم، وهو يثبت
لهم بهذا الحنان، حبَّه لهم حبًّا بالله!
يحمل
اسم ابن يَزْدَانْيَار في التراث الصوفي شخصيتان، أولهما: أبو بكر
الحسين بن علي بن يَزْدَانْيَار، التي تروي المراجع أنه قدَّم نقدًا
للتصوف في عصره، واختُلف فيه باعتباره معادٍ للصوفية، أو ناقد يريد
الإصلاح، واحتفت كتب التصوف على الرغم من ذلك بالرواية عنه سواء
المعاصرين له أو من أتوا من بعده كعبد الرحمن السلمي، أو المتأخرين
كالإمام الشعراني.
والشخصية الثانية التي تحمل هذا الاسم، هو: أبو جعفر السّعيديِّ محمد بن الحسين
بن أحمد بن إبراهيم بن دينار بن يَزْدَانْيَار الهمذاني الصوفيُّ. ويُعرف
بالقاضي. وهو صاحبُ كتابِ روضةِ المُريدين، ويرد اسمه في مقدمة الكتاب
على النحو التالي: الشيخُ أبو جعفر محمد بن الحسين بن أحمد بن يَزْدَانْيَار.
يقولُ عن سبب تأليفه لكتابه:
ملخص
لقد كان للخبرات الإنسانية على الدوام ذلك البعد الروحاني سواء في الصحة أو
السقم، بحيث تصبح الروحانية مقبولة كإحدى محددات الصحة ولا تقتصر على كونها
ملكية حصرية تندرج ضمن إطار الدين والتنسك. وخلال السنوات الأخيرة أصبحت
الروحانية مجالاً للبحث في العلوم العصبية سواء من حيث فهم حالة الأمراض
العقلية أو توسيع نطاق التدخل العلاجي الذي يبدو مجالاً واعدًا. أما الصوفية
فهي تقليد روحاني سائد في الإسلام أثرت فيه الأديان العالمية الرئيسية
كالمسيحية والهندوسية، ويسهم هذا التقليد على نحو كبير في مجال الصحة الروحية
لعدد كبير من الناس داخل العالم الإسلامي وخارجه. وبالرغم من أن الصوفية قد
ظهرت خلال بدايات الإسلام بحيث برز فيها عدد من الشخصيات الصوفية المعروفة، إلا
أنها لم تبلغ أوجها إلا في القرون الوسطى وذلك بظهور العديد من التعاليم
الصوفية وتلك الشخصيات البارزة التي تبنتها. وتهدف الصوفية إلى الاتصال بالله
عبر الإدراك الروحي الذي تعد الروح فيه وسيطًا للقيام بذلك الاتصال، بحيث ترى
في الله ليس مجرد سبب وجود كل ما هو كائن بل إنه يمثل الوجود الحقيقي الوحيد،
ويمكن للصوفية أن تكون صلة وصل لفهم مصدر الخبرة الدينية وأثرها على الصحة
العقلية.