|
إضاءات
مقدمة وملخص تنفيذي تعالج هذه الورقة مفهوم العلمانية، كونه مفهومًا قد حاول أن يتضمن قضايا العلاقة بين الدين والدولة بطريقة تصبح معها الدولة دولة مدنية لكل مواطنيها بشكل متساوٍ وبدون أي تمييز، كما وتتمتع في إطارها الأديان بالحرية الكاملة لممارسة شعائرها الدينية بدون قيود أو ضوابط تعسفية، وفي نفس الوقت بدون سطوة دين على دين آخر، وبدون فرض الأديان قيودًا وأعمالاً تعسفية على غير المتدينين، كما وعلى قوانين الدول التي يفترض أن تكون قوانينًا مدنية. وبناء على طلب "ملتقى الحريات الفلسطيني" فقد قسمت الورقة إلى عدة محاور: المحور الأول هو مفهوم العلمانية بين وضوح المضمون والتباس المعنى (لاسيما الترجمة العربية إلى كلمة "العلمانية" وما تثيره هذه الكلمة من القياسات)، والمحور الثاني لمناقشة نشأة العلمانية، فيما جاء المحور الثالث ليناقش السؤال المتعلق بالمنشأ الديني للعلمانية، لاسيما لجهة إدعاء بعض الباحثين أن العلمانية ذات جذور مسيحية، كما وناقش المحور محاولات تأصيل العلمانية عربيًا وإسلاميًا، وبيَّن المحور الرابع أن العلمانية ليست أوروبية فقط، وقدم أربعة نماذج لها وناقشها بالتفصيل، وهذه النماذج هي: نموذج الفصل بين الدين والدولة، نموذج الكنيسة (الدين المعتمد)، نموذج المجتمعات المحلية المعترف بها، ونموذج "الاحترام المتساوي لكل الأديان". وهي نماذج نشأت في دول مختلفة بعضها أوروبي وبعضها خارج أوروبا كما يبيِّن هذا القسم. وحاول القسم الخامس، بعد ذلك، توضيح العناصر والمكونات المشتركة بين نماذج العلمانية الأربعة، فيما جاء المحور السادس ليعالج علاقة العلمانية والديمقراطية، ويقدم النماذج الأربعة غير العلمانية، وغير الديمقراطية، وهي: نموذج الدولة الثيوقراطية، نموذج الدولة الدينية، نموذج الدولة العلمانية شكلاً والقامعة لحريات مواطنيها، ونموذج العلمانية المطلقة. أما القسم السابع فقد ناقش حالة العلمانية في الوقت المعاصر في العالم، وجاء القسم الثامن كخاتمة وخلاصات.
يُعد الكاتب والمناضل المارتينيكي فرانز فانون (1925 – 1961) أحد أبرز من كتبوا عن مناهضة الآخرين، العالمي والمحلي، في القرن العشرين. ألهمت كتاباته ومواقفه كثيرًا من حركات التحرر في أرجاء العالم لعقود عديدة. توفي فانون بمرض سرطان الدم في 6 ديسمبر 1961، عن ستة وثلاثين عامًا، ونُقل جثمانه من أحد مستشفيات واشنطن إلى قاعدة من قواعد الثوار الجزائريين في تونس. وعلى بُعد ستمائة متر داخل الأرض الجزائرية تمت مراسم الدفن والوداع، على نحو ما أوصى فانون! ففي الثانية والنصف من بعد ظهر يوم 12 ديسمبر، رفع خمسة عشر من الجنود جثمان فانون على نقالة مصنوعة من فروع الأشجار، ساروا بها في صمت مهيب عبر الأحراش قاصدين أرض الجزائر. عبروا الحدود التونسية تحرسهم من فوق التلال المشرفة قوات من ثوار جيش التحرير الوطني. ولم يكن ذلك العبور ممكنًا دون اتصالات رسمية بجهات متعددة، منها الحكومة التونسية، واستحكامات عسكرية، والأهم، احتضان أهالي المنطقة للموكب في منطقتهم المشتعلة بحرب الثوار الجزائريين ضد الآخر الفرنسي.
السوداوي، ليس عندي غير شيء واحد أقوله له: "انظرْ إلى المدى البعيد." فالسوداوي يكاد دومًا أن يكون امرءًا يغالي في القراءة. العين البشرية لم تُصنَع لمثل هذه المسافة بتاتًا؛ فالأمداء البعيدة هي ما ترتاح إليه. حين تعاين النجوم أو أفق البحر، فإن عينك تكون مستريحة تمامًا؛ وإذا كانت العين مستريحة كان الرأس حرًّا والمشية أكثر ثباتًا؛ كل شيء يستريح ويلين حتى الأحشاء. لكنْ لا تحاولنَّ البتة أن تليِّن نفسك عامِدًا؛ فالإرادة فيك، حين تطبِّقها على نفسك، تشدُّ كل شيء بالوَرْب وينتهي بها الأمرُ إلى خنقك. لا تفكرْ في نفسك؛ انظرْ إلى المدى البعيد. الصحيح أن السوداوية داء؛ والطبيب يقدر أحيانًا أن يخمن سببه ويصف الدواء؛ لكن هذا الدواء يعيد انتباهك مركوزًا في جسمك، وهمُّك أن تتبع نظام الحِمْية من شأنه بالضبط أن يُبطل مفعوله؛ لذا فإن الطبيب – إذا كان حكيمًا – يحيلك إلى الفيلسوف. لكنك، حين تهرع إلى الفيلسوف، ماذا تجد؟ تجد امرءًا مغاليًا في القراءة، يفكر كصاحب النظر الحسير، وحزينًا أكثر منك.
بوسع القيادة التكاملية تقدير الآثار المترتبة على اتساع رقعة الفقر وحدَّته على البشرية جمعاء؛ فالفقر كوكبي بطبيعته. ويلحظ زويرِب بفطنة أن الإخفاق في مكافحة الفقر في بقعة من العالم هو إخفاق في كل البقاع؛ فمع الفقر، الكل خاسرون. ولكون البشر جميعًا على ترابط مع بعضهم البعض، فـ"فقرك هو فقري، إن لم يكن هو شغلي الشاغل" (2008، ص 7). والفقر مثال جليٌّ على تعدد الأزمات، وهو المصطلح الذي يستخدمه موران (1999 آ) لتوصيف وضع لا تحتله مشكلة واحدة كبيرة بمفردها، بل سلسلة من المشاكل المتداخلة والمترابطة. ففي هذا الوضع، هناك ارتكاس بَيْني بين مختلف المشاكل والأزمات والتهديدات. فالفقر عملية معقَّدة يتداخل فيها ما هو اجتماعي مع ما هو طبيعي (فان بريدا، 2008). وبما أن تعددية الأزمات هذه من صنع الإنسان، فإنها تقع ضمن نطاق قدرته على معالجتها. بيد أن هذه المعالجة تستلزم طرائق جديدة في التفكير والعمل (مِنشو، 2007).
تبقى الملاحظات حول الفن والفضاء والتداخل بينهما موضع تساؤل، حتى لو عبَّرنا عنها في صيغة توكيدات. هذه الملاحظات محصورة بالفنون التشكيلية، وبفن النحت من بينها. الهياكل المنحوتة هي أجسام. ومادتها، المؤلفة من مواد مختلفة، تصاغ بشكل متنوع. ويقع هذا الصوغ عبر التحديد بوصفه تعيينًا لحدٍّ مطوِّقٍ ومستبعِد. بهذا يلج الفضاء إلى المسرح. وعندما يصبح ممتلئًا بالهيكل المنحوت يتلقى الفضاء طابعه الخاص كحجم مغلق ومخترَق وفارغ. تلك الحالة المألوفة، لكن، المحيِّرة أيضًا. الجسم المنحوت يجسِّم شيئًا ما. هل يجسِّم الفضاء؟ هل النحت احتلال للفضاء، هيمنة على الفضاء؟ هل النحت بهذا، يماثل الاستيلاء التكنولوجي العلمي على الفضاء؟ بالطبع، النحت، بوصفه فنًا، يتعامل مع الفضاء الفني. إن كلاً من الفن والتكنولوجيا العلمية يغيِّر الفضاء ويشتغل عليه لغايات مختلفة وبأساليب مختلفة.
العلمانية التي ما انفكَّت تثير سجالات لم تهدأ في العالم العربي والإسلامي حتى اليوم، باتت بحاجة ماسَّة إلى إعادة نظر، بعيدًا عن التبسيط والنمذجة التي لحقت بهذا المفهوم وأضرَّت به بشدة. فالنقاشات التي تدور حول العلمانية في الإسلام تنطلق من أداة قياس هي التجربة الأوروبية، ولعل هذا أول إشكالات التعاطي مع الأمر. فإذ تحيلنا التجربة الأوروبية إلى حروبٍ دينية استمرت قرونًا، فإن الاستقراء الدقيق للتاريخ العربي والإسلامي يشير بوضوح إلى أن القيمة الجوهرية للعلمانية، ونعني "حريَّة الفكر" وما إليها من احترام التنوع الديني، كانت مزدهرة في التاريخ الإسلامي المبكِّر قبل أن تتبلور في أوروبا بعد قرونٍ من الحروب الدامية.
إثر قيامي بنشر هذا البحث على صفحات موقع معابر خلال الأعوام 2003 - 2004، وصلني الكثير من ردود الفعل التي كان بعضها طريفًا، وبعضها الآخر أكثر عمقًا، ولكن جميعها تستحق التوقف عندها والتأمل بها. الأمر الذي دفعني إلى المزيد من التفكير فيما كتبته حول هذا الموضوع الشائك والمعقد. وبالتالي، إلى كتابة هذه الخاتمة المتأخرة لهذا البحث المتواضع من أجل توضيح بعض الأمور والإجابة عن بعض التساؤلات المشروعة. فبعض من قرأ النصَّ في حينه بعث إليَّ برسائل تسألني حول كيف بوسعه الانتساب إلى هذه الأخوية. ما يعني ربما أنه قد فهم مما طرحته أني عضو فيها، و/أو أنَّ ما بيَّنته من وقائع حولها قد أعجبه. وهذا موقف مشروع ولكن لا علاقة لي به على الإطلاق، حيث أنَّ قصدي الوحيد من هذه المحاولة كان تبيان وقائع توضِّح إيجاب وسلب ذلك التنظيم المسارِّي النقلي المفترض وليس الترويج له أو لسواه، فهذا الأمر لا يعنيني!
ب. رموز الطبيعة أو الإلهام الروحي للطبيعة: لقد نظر الصوفي إلى الطبيعة بوصفها تعينات وفيوضات مادية للجمال الإلهي فحاول استنطاقها والتوصل من خلالها إلى فك شيفراتها التي يخاطبنا بها العلو، وهذا يئول بنا إلى فرق جوهري يحيل إلى اختلاف أساسي بين نمطين: الأول عيني حسي خالص في وضع لاتجاوزي، والثاني عيني حسي يتعالى بواسطة الكيف الحسي الخيالي إلى تركيب شهود عياني لسريان الألوهية في الطبيعة التي تحولت، من خلال الموقف الروحي والتشكل الغنوصي للتجربة الصوفية في إهابتها بالعلو المحاديث، إلى شيفرة أو شيفرات يقرأ الصوفي فيها، بضرب من الكشف، لغةً ذات حدين إحاليين أحدهما حسي فيزيائي والآخر روحي إلهي، فيرسي تصورًا عرفانيًا للطبيعة يعتقد في سريان الجوهر الإلهي فيها جامدها وحيها، وتحليلاً للعلاقة بين الوحدة والكثرة المنبثقة فيها، فعالم الطبيعة، على حد قول ابن عربي، "صور في مرآة واحدة بل صورة واحدة في مرايا مختلفة".
|
|
|