|
الرمز الشعري واغتراب اللغة في المنظور الصوفي 2
ب. رموز الطبيعة أو الإلهام الروحي للطبيعة: لقد نظر الصوفي إلى الطبيعة بوصفها تعينات وفيوضات مادية للجمال الإلهي فحاول استنطاقها والتوصل من خلالها إلى فك شيفراتها التي يخاطبنا بها العلو، وهذا يئول بنا إلى فرق جوهري يحيل إلى اختلاف أساسي بين نمطين: الأول عيني حسي خالص في وضع لاتجاوزي، والثاني عيني حسي يتعالى بواسطة الكيف الحسي الخيالي إلى تركيب شهود عياني لسريان الألوهية في الطبيعة التي تحولت، من خلال الموقف الروحي والتشكل الغنوصي للتجربة الصوفية في إهابتها بالعلو المحاديث، إلى شيفرة أو شيفرات يقرأ الصوفي فيها، بضرب من الكشف، لغةً ذات حدين إحاليين أحدهما حسي فيزيائي والآخر روحي إلهي[1]، فيرسي تصورًا عرفانيًا للطبيعة يعتقد في سريان الجوهر الإلهي فيها جامدها وحيها، وتحليلاً للعلاقة بين الوحدة والكثرة المنبثقة فيها، فعالم الطبيعة، على حد قول ابن عربي، "صور في مرآة واحدة بل صورة واحدة في مرايا مختلفة"[2]. ولظهور الوجود الواحد الحق في مرايا الحقائق والأعيان فإن العارف يستطيع، عن طريق التراسل، أن يصل إلى جوهرها ويضايف بينهما وبين الحقائق العلوية. وبذلك يحدث التضايف بين المفاهيم المجردة والمرائي المادية والتعينات التي عينها الوجود الحق. وبالطبع لا نستطيع أن نحصي كل الرموز المأخوذة من الطبيعة، ولكن نقتطف منها بعضها. 1. رمز الطير: نظرت العرفانية الصوفية إلى الطير نظرة خاصة رمزوا بها عن النفس الكلية والروح المنفوخ في الصور المسواة، كما يقول الكاشاني: الورقاء هي النفس الكلية التي هي قلب العالم وهو اللوح المحفوظ والكتاب المبين[3]. والنفس هنا لا تعني الحقيقة الذميمة في الجسد الترابي، ولكن ربما رمز الشعراء بالطير إلى الروح، وهو رمز ميثولوجي صورت الروح بواسطته على هيئة طائر ذي رأس إنساني يحلق بعيدًا عن الجسم بعد الموت، ولكنه يتعشقه فيعود إليه كرة أخرى. وفي تراث الشعر الصوفي اكتسبت صورة الطير الدلالة ذاتها، ورمز الشعراء بها إلى تذكُّر الروح عالمها المثالي الأول، وحنينها إليه حنين الغريب إلى وطنه. ويظفر القارئ بهذه الدلالات في قصيدة ابن سينا العينية، وفي رسائل الطير، والمنظومات المطولة كالقصيدة المعروفة بـمنطق الطير لفريد الدين العطار...[4] الذي استخدم الطير أسلوبًا رمزيًا في صياغة شعرية حافلة بخيال واسع وصور مبتكرة متنوعة كما اتضح في كتابه منطق الطير[5]. وكان لهذا السبق لابن سينا والعطار أثرهما فيمن جاء بعدهما من شعراء الصوفية الذين استخدموا الحمام (الورق) الذي يشير إلى الروح التي تحن إلى مصدرها النقي، فنجدها في تنازع بين العلو والهبوط، تشدو تارة وتبكي أخرى. يقول ابن الفارض في التائية الصغرى:
ولولاك ما استهديت برقا، ولا شجت فؤادي فابكت إذ شدت ورق أيـكة كنى بالورق عن الروحانيات الكاملات من أرواح المشايخ المحققين، وبالأيكة عن الجسم المختلف المزاج والطبيعة، وجمع الورق لكثرة اختلاف مشارب الأرواح وإفراد الأيكة لاتحاد الجسماني من العناصر والطبائع. فكل ورقاء على غصن من تلك الشجرة الواحدة[7]. ويكون البكاء والفرح على قدر قرب تلك الروح من حقائقها التي تبحث عنها أو بعدها عنها. وكان عفيف الدين التلمساني مغرمًا بذكر مظاهر الطبيعة الغنَّاء ومنها الطير والحمام على وجه الخصوص. يقول:
وورق حمائم في كل فن إذا نطقت لها لحن صواب وفيها:
وللأغصان هينمة تحاكي حبايب رق بينهم العتــاب ويقول:
على عطفة حتى من الورق غيرتي ألم ترها هاجت على الغصن الرطب[10] ومن خلال هذه الأمثلة وغيرها[12] في شعر التلمساني نلاحظ تخطي الشاعر لرمز الحمام ككون محسوس، وينعطف منه تجاه الحياة الباطنية وما تحمله النفس والروح من مجاهل وأعماق. فمثلما تحلق الطيور فرحًا ومرحًا وغناء، كذلك تحلق الروح فرحًا وغناء بحالة الاتحاد والفناء الذي يحقق لها القرب من المصدر النقي الذي يمثل الوطن الأصلي لها، وتبكي إذا نأت عنه، وتتطلع إلى العودة إليه مرة أخرى. يقول أبو الحسن الصباغ:
حمام الأراك ألا فاخبرينــا بمن تهتفين ومن تندبينــا في هذه الأبيات، وفي غيرها التي يقول في مطلعها:
أتبكي حمام الأيك من فقد إلفها واصبر عنـه كيف يكـون فعلام تبكي الحمام؟ إنها تبكي على فقد إلفها. وهنا إشارة إلى النفس والروح اللذين يبكيان لفقدانهما مصدرهما النقي. وهكذا يمثل الطير أو الحمام وسيلة ربط بين العلو والأرض، حيث أن الروح تتطلع إلى العلو ولكن الأرضي المادي يجذبها إليه ولا يوافق على فقدها، ولذا فهي تبكي. 2. رمز الظباء والغزلان: يوظف الصوفية من الطبيعة رمز الغزال الذي تردد في الشعر العربي إشارة إلى الجمال، ولكن مع النفور وعدم الاستقرار، ولذلك نرى شعراء الصوفية يحسنون توظيف هذا الرمز بدلالتيه. يقول التلمساني:
غزال الحي من أثلاث نجد لوجهك وجهتي وهواك قصدي إذا كان الغزال هنا ملمح جمال ورمز للذات الأهية التي يوجه إليها وجهه ويدين بهواها، منذ أخذ عليه العهد وهو في عالم الأرواح قبل خلق الأجساد، في يوم عرف عند الصوفية باسم "ألست" إشارة إلى قوله تعالى: "أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى". (الأعراف). ويرمز للذات النافرة عنه الجامحة بهواها عن مواصلته بظبي فلاة شرود:
وظبي فلاة آنس فكأنــــه لرائيه عند الالتفات شرود فالرؤية الفنية للتلمساني مختلطة بتجربته الصوفية وأفكاره الفلسفية التي لا يمكن تنحيتها جانبًا أثناء تحليلنا لشعره، ومن ثم فلفظ الظبي يمثل الذات الإلهية في حسنها وتعينها، ويؤكد هذا المعنى ابن الخيمي في قوله:
بالشعب من شرقي نجد غزال حلو الجنايات مليح الســلال وفي قصيدته: ما ضر من ملك فؤادي بأسره لو لم يضع بعض الجميل بهجره[18] يقول فيها:
لم اسمه بالشمس حيث طلوعه ما كان إلا فـــي دجنة شعـره في المثالية حدث تضايف بين الذات الإلهية كمحبوبة عليا حقيقية وبين الرموز التي ترمز إليها والمعاني الروحانية التي تتعلق بها. ولأن الرمزية بصفة عامة كانت مذهب الجمال الأمثل وكانت مظهرًا صرفًا للجماليات[20] فالرمزية الصوفية تفوق الرمزية الفنية وارتباطها بالجمال وبحثها عن مواطنه، ولهذا نرى الشاعر يرمز إلى الذات الإلهية بالغزال في جماله ورشاقته، وكذلك بالشمس في ملاحتها وضيائها، ولكنها محجبة خلف غلالة من الكثرة المادية. وهذا الرمز ليس بجديد، ونجده عند ابن عربي في قوله: بذي سلم والدير من حاضر الحمى ظباء تريك الشمس في صورة الدمى[21] وفي قوله: فللظبي أجيادًا وللشمس أوجها وللدمية البيضاء صدرًا معصما[22] ويفسر ابن عربي هذا الرمز في شرحه لـترجمان الأشواق بقوله و"للشمس أوجها" من قوله عليه السلام: "ترون ربكم كما ترون الشمس"[23]. والشمس هنا رمز أنثوي، وكذلك الغزال. ويغلف ابن الخيمي ذلك بحديثه الرائع عن الجمال، ويضع في طريق المتلقي القرائن الدالة على المعنى الحقيقي مثل كون الله في القلب، لأن "القلب بيت الله" كما جاء في الحديث الذي كان لمعناه شأن كبير عند الصوفية، وقرينة أخرى في كون ذكر هذا المحبوب شافع لغفران الذنوب. ويستخدم ابن الفارض رمز الغزال مشيرًا به إلى الجمال والحسن الإلهي، وكذلك إلى النفس النافرة حينًا والطبيعة حينًا آخر، ففي قصيدته: صد حمى ظمأى لماك لماذا؟ وهواك قلبي صار منه جذاذا[24] يقول فيها:
عنـت الغزالة والغزال لوجهه متلفتًا، وبـــه عياذًا لاذا فالغزالة والغزال إشارة إلى النفس الإنسانية التي ألهمت صوابها. يقول النابلسي: كنى بالغزالة عن الروحانية الإنسانية المشرقة على العالم الجمساني، وبالغزال عن القلب الإنساني المتلفت بالفكر والخيال إلى عالم الإمكان. كنى بالحمى عن قلب العارف أيضًا، وكنى بالظبي عن جناب الغيب المطلق الذي لا يزال نافرًا عن الحصول لكمال تنزهه عن مدار العقول...[26] * * * ت. الرموز الدالة على الاغتراب: إنَّ الصوفي - كما أسبقت في الفصل الأول - كان في حالة اغتراب دائمة، لا تنقطع داخل وطنه وخارجه، بينه وبين ذاته، وكذلك كان دائم الشعور باغتراب الروح عن موطنها الأصلي الذي تحن إليه وتتطلع إلى اجتياز كل العقبات التي تمنعها من الوصول إليه[27]. وورد في شعر الصوفية بعض الرموز الدالة على الاغتراب نتناول أهمها فيما يلي: 1. رمز الناقة والعيس: رمز شعراء الصوفية للنفس الإنسانية السالكة إلى ربها بالعيس والناقة والوجناء التي يركبها المريدون حتى توصلهم إلى مراتب المعرفة والولاية، وهذا يعني أنها وسيلتهم في سفرهم إلى الله. يقول ابن الفارض:
يا راكب الوجناء، بلغت المنى عج بالحمى، إن جزت بالجرعاء ويقول في قصيدة أخرى:
يا راكب الوجناء، وقيـت الـردى إن جبت حزنًا، أو طويت بطاحا نلاحظ التكرار بين الرمزين مما يعطينا دلالة على حرص ابن الفارض على ذكر الملامح البدوية والصحراوية ذات الدلالة في شعره، والتي تجمع أذواقه في صور مادية وطبيعية، وكذلك تدل على معايشته لتجربة روحانية واحدة. يقول النابلسي: كنى بالوجناء، أي الناقة الشديدة، على النفس المطمئنة فإنها شديدة القوة لإطمئنانها على أمر الله تعالى القائمة به، وهي نفس السالك الصادق في سلوكه، فإنه راكبها وهي مطمئنة معه ومطاوعة له، وكنى بالحمى عن الحضرة الإلهية، يعني أقم في مراقبتها، وكنى بالجرعاء عن مقام المجاهدات النفسانية والمكابدات الإنسانية في طريق الله تعالى[30]. ويقول في موضع آخر:
وهل نزل الركب العراقي معرفـًا وهل شرعت نحو الخيام شرائع الركب كناية عن الأولياء العارفين بربهم، وقوله: "قلائص" كناية عن النفوس الإنسانية في حال سلوكها في طريق الله، وهي حاملة أثقال التكاليف الشرعية وعهود المشايخ"[32]. ونلاحظ هذا الرمز كذلك عند ابن دقيق العيد في مثل قوله:
لقد بعدت ليلى وعز وصالها كما عز بين العالمين مثالها في هذه القصيدة نلاحظ أسلوبًا مكتملاً من الحب العذري والاغتراب للوصول إلى جانب هذه المحبوبة التي عز وصالها فتحركت الأنفس شوقًا - على الرغم من ضعف قدرتها -، في سفرها تركب مطايا الأجسام التي تفارقها عند وصولها إلى بغيتها. وفي قوله: "ولكنها جسم"، أي ما زالت تتعلق بالجسم الترابي وبصفاته الكثيفة، ولم تصل بعد إلى اللطافة المرجوة. ولا يخلو ديوان من دواوين الصوفية من رمز الناقة، لأنه يدل على صدق مجاهداتهم وسلوكهم المستمر إلى الله والرياضة النفسية التي يتبعونها لتنقية نفوسهم من شوائب الذنوب، حتى تصبح روحانية لطيفة، وهذا ما نلحظه في قول علي بن منصور الأرمنتي (ت 695 هـ):
أقول وقد لاحت بروق عـلى قبا وعنق اشتياقي عن رفاقي لا يلوى وبعد أن وصلت إلى مرادها يقول ابن عطاء الله السكندري:
قف بالديار فقد بدا مغناهــــا فلمن يسير وما المراد سواها يمزج الوقوف على الديار بوصف الناقة، ويسقط على الأنماط الفنية الموروثة رموزًا وتلويحات يحكمها بناء عرفاني يستمد كيانه من ذاته، وهذا ما لاحظناه في رمز الناقة الذي ألبس – على يد الصوفية – لباسًا جديدًا معبقًا بروائح التقوى. ويشير بالحادي إلى الله الذي يسوق النفوس إلى مستقر الرحمة والرضوان. 2. رمز الأماكن البدوية والحجازية: مثَّلث الأماكن البدوية والحجازية رمزًا صوفيًا ذا طبيعة غنوصية لما ترمز به على القرب من الحضرة الإلهية، ومن ثم أحالتها الصوفية رموزًا وتلويحات مشوبة بالوجدان والمعرفة، فخطت بها خطوات نحو تجريد ميتافيزيقي، والغوص فيما تنطوي عليه صورها من كيف حسي مفعم بالإيحاء. ونأخذ من ابن عربي مثالاً على التلويح بهذه الأماكن الحجازية. يقول في ترجمان الأشواق:
ألا يا ثرى نجد تباركت من نجد سقتك سحاب المزن جودًا على جود أراد ثرى نجد مركب العقل وسحائب المعارف تسقيه على علم وخمسين حجة عمر المركب في هذا الوقت...[36]. فلقد أخذت الأماكن منحىً معرفيًا غنوصيًا بإشارتها إلى أمور معنوية لا يصل إلى جوهرها إلا العارفون. ولذلك أكثر منها شعراء الصوفية في القرن السابع بطريقة مفرطة، وهذا نابع من مقدار ما في داخلهم من أسرار وفيوضات أرادوا الرمز لها بأمور ذات شرف لقربها من أماكن الفتوحات الإلهية. ولضيق المجال ننتخب بعض الأمثلة السريعة التي يستطيع القارئ القياس عليها، فابن الفارض، مثلاً، كان يكثر من ذكر أماكن الفتوحات وخصوصًا الحجازية منها، وربما يعود ذلك إلى مقامه في الأراضي الحجازية طيلة خمسة عشر عامًا. ويتضح ذلك بجلاء في قصيدته: سائق الأظعان يطوي البيدطي منعمًا عرج على كثبان طي[37] فمن ينظر إلى هذه القصيدة يجد أنَّ ذكر الأماكن فيها وصل إلى ستة وثلاثين موضعًا، وجميعها تحمل دلالات وتلويحات تتفاعل مع غيرها في البناء الفني للصورة الكلية، وخصوصية الرمز في الصورة تكمن في تحقيق نوع من التفاعل في السياق العام به، تتجدد علاقات المعنى وتتوالد وبه يتحرك المعنى بقدرة الإيحاء الذي يعوض النقص في الدلالة المعجمية[38]. ونأخذ بعضًا من أبيات هذه القصيدة للدلالة على الرمز بهذه الأماكن:
خففي الوطء، فبالخيف سلمـ ـت على غير فؤادي لم تطى في رحلته إلى الله يناشد العيس أن تخفف الوطأ فإنها لا تدوس إلا على قلوب المحبين وكنى بالخيف عن مقام الهيبة والجلال في حضرة القرب من الله الحق المتعالي. الجرعاء كناية عن مقام المجاهده في الله وأضافها إلى الحمى أي حمى الحضرة الإلهية. كنى ببطحاء وادي سلم عن عالم الأرواح الذي هو الوادي المقدس... وبطحاؤه موضع قبول الفيض الإلهي...[40] ونشعر من تحليل النابلسي أنه يحاول إخضاع النص لمفاهيم وقياسات فلسفية قد تعارف عليها الصوفية الكبار في مسألة تأويل النص، إلا أن طبيعة النص - كما نلاحظ - يتحكم فيها فيض نفسي يحيط بها ويتغلغل في ثناياها، ويكفي أن نذكر أن الشاعر كانت تتلبسه حالات خاصة بين الصحو والإغماء، وهذه الحالات كانت عنده تمهيدًا للإبداع. وكان ابن الخيمي مفرطًا - كأستاذه - في حشد الأماكن الحجازية والبدوية في قصائده، وكأنه أراد لفت انتباه القارئ إلى مقدار ما في داخله من أسرار أراد أن يبثها من خلال هذه الأماكن بالإضافة إلى توفر روح التفصيل والتوضيح لما في داخله من مشاعر. ولا نعدم ذكر الأماكن في أيَّة قصيدة من قصائده، خصوصًا وأن ديوانه، كما أسلفت، معزوفة شوق نحو المحبوب الأعظم، وكل ما يشير إلى حضرته أو يمثل تعينات لجماله المطلق. وهذا ظاهر في قصيدته: لم توف أشواقي ولا لوعاتــي حق الهوى لكم ولا عبراتي[41] التي يقول فيها:
لو أن دمعي في الغوير يكون في تلك الديار وغنيت عن دعواتي إنَّ الأماكن الحجازية وما يدور حولها مثل: (الغوير، ذي الاثلات، منعرج الثنية، الخيف) كلها ترمز عنده إلى أماكن الحضرة الإلهية، وتجلي النور المحمدي ومهابط الوحي بالواردات الإلهية، ومن ثم فالبكاء على عتباتها بسبب ما أصابه من الاغتراب وانقطاع الأنس عنه. وما يؤكد الرمز في هذه الأماكن قوله:
ورعى الإله على المصلى حيـرة ما زلت أرعاهم علـى العـلات فهؤلاء القوم إشارة إلى الذات الإلهية التي بحجب الحسن والنور، ولكنها أرسلت بفيض حسنها على الماديات فصارت انعكاسًا لهذا الجمال المطلق. أما عفيف الدين التلمساني، وإن كان حريصًا على تجريد الأماكن وتحويلها إلى رموز على مواجيده وأسراره، إلا أنه لم يحشدها في شعره، ولم يثقل بها النص الشعري، ولكن ذكرها وفق ما يقتضيه الموقف النفسي، وهذا راجع إلى أنه موغل في الرمز لا يعطي قيادة لمن أراد اقتناصه من قريب، إلى جانب عدم وضوح التجربة الحجازية في شعره كسابقيه، ولم يكن مغرمًا بذكر تفصيلات التجربة، مما جعل قصائده قصيرة نوعًا ما، كما أسبقت، يركز فيها على دفقات شعورية مركزة، يرسل خلالها الرمز مركزًا أو غير مشتت ولا متفرق الإيحاءات، كقوله:
متى زرتم نجدًا فإني أراكـــم تضوع عليكم نفحة من شذى نجد فـ"نجد" ترمز إلى مواطن الحضرة الإلهية، وكذلك "حمى ليلى" أي خدرها ومأمن وجودها، ولذا فهو يشتاق إليهما ويذرف الدمع بل الدم على بعده وفراقه عن الحبيب الكامن فيهما. ونلاحظ في البيت الثالث ذكر التلمساني للفظ العرب مصغرًا (عريب) وهو لفظ ذكره التلمساني كثيرًا، ويشير به إلى مهد الرسالة المحمدية وما يحتوي عليه من الأماكن المقدسة، مما يجعله مناسبًا للإشارة به إلى الحضرة الإلهية ومكمن الأرواح الطيبة. ومثلما كانت الأماكن العربية مكانًا لتلقي الوحي فإنها أيضًا مكان لتلقي الواردات الإلهية. والعرب بالتالي إشارة إلى الذات الإلهية والمقامات المحمدية، وهذا واضح من تعليق النابلسي على بيتي ابن الفارض في التائية الصغرى:
وعرج بذياك الفريق مبلغــا سلمت عريبًا، ثم عني تحيتي وقوله "عريبًا" تصغير عرب من العروبة، وهي إشارة إلى المقامات المحمدية المشار إليها في البيت قبله[46]. ويقول التلمساني:
عرب نجد منا قبلتم فريقــا وفريقا بلحظكم تأسرونـــا ويؤكد رمزية لفظ العرب ارتباطه الدائم عند التلمساني بالأماكن المقدسة، وما تمثله من إشارة إلى الحضرة الإلهية[48]، وهذا واضح في المثال السابق الذي يعبر فيه عن شوقه إلى الذات الإلهية بل الفناء فيها بالموت الإرادي الذي فقد فيه السمير، ومن ثم يقتبس من الآية القرآنية معنى لسمير جديد معرض للهجر. ويدعم الصوفية هذا الرمز برمز الأسماء البشرية خصوصًا اسمي (سعد وسعيد) الذي تردد في ثنايا قصائدهم. يقول ابن الفارض:
يا أخت سعد من حبيبي جئتـــي برسالة أديتها بتلطــــــف يعلق النابلسي بقوله: أخت سعد كناية عن روحه المنفوخة فيه من روح الله، عن أمر الله؛ فكأن روح الله الذي هو أول مخلوق هو السعد المحض الذي لا شقاء معه، وهو روح أرباب العصمة من الأنبياء عليهم السلام. وتنكير سعد للتعظيم، والروح المنفوخة في غيرهم أخت لأنهما صادران عن أمر الله تعالى، وقوله برسالة يريد بالرسالة هنا العلوم الإلهية والمعارف الربانية والحقائق الرحمانية...[50] فاسم سعد قد تجرد من صفته كاسم يشار به إلى إنسان، وانتقلت منه طبيعته أو بعض متعلقاته، وهي صفة السعد المحض الذي لا شقاء معه لتشير إلى روح الله. ويقول التلمساني:
عيناك إن سلبت نومي بلا سبب فالنهب يا أخت سعد شيمة العرب ويقول:
وصل على رغم الحسود إليك سعدًا يا سعيــد إنه ينحي شخص "سعد" جانبًا لأنه نهائي، ويستعير منه صفة "السعد" اللانهائية للإشارة بها إلى عالم المثال. وحدث ذلك عن طريق تجاوز المادة وخلق المعادل الموضوعي بين أمرين جوهريين، وهو أول رمز يكتسب هذه الصفة. ويقول عبد الغفار الأقصري:
وهم نهاية آمالي ومرتجعـي إليهم آل قصدي وانتهى الطلـب ويقول محمد بن أحمد بن عبد الرحمن المعروف بالشيخ تاج الدين الكندي المولود في قوص 646 هـ:
يا سعد عرج بالمطى لروضها فبعرفه قد أرشد الظعـان فالأمثلة السابقة ترمز بـ"سعد" إلى الذات الإلهية التي تدلي بحديثها إلى قلوب العارفين الذين وصلوا إلى درجة العرفانية بعد اجتيازهم لمقامات السلوك، ولذلك يأتي هذا الاسم دائمًا مع الظاعنين الراحلين، أو بمعنى آخر المغتربين الذين يفارقون صفاتهم الترابية، ويعرجون إلى ربهم فيركبون مطاياهم ويحدوهم الحادي أو "سعد" الذي يشار به إلى الله لما بين الرمز والمرموز له من عامل مشترك وهو تحقيق السعادة للخلق. * * * ث. رموز العبادات: لم تكن العبادات (الصلاة، الزكاة، الصوم، الحج) عند الصوفية مجرد شعائر يؤديها المسلم أداء ظاهريًا وكفى، وإنما ينظرون إليها نظرة ذوقية خاصة عمادها الذوق وقوامها التحقيق، حيث تمثل تطهيرًا للقلب من النقائض الكونية والآفات الدنيوية التي تتعلق بها النفس الإنسانية. يقول الجيلي: أصلي إذا صلى الأنام وإنما صلاتي بأني لاعتزازك خاضع[55] فالحب لله هو الأساس في عباداتهم التي عاشوا فيها تجربة روحية وإيمانية عالية. ويؤسس ابن عربي باطن الشريعة على أساس أنه انعكاس لباطن الوجود، فكما أن للوجود ظاهرًا أو باطنًا، وكما أن للإنسان كذلك ظاهرًا وباطنًا، فالخطاب الإلهي يتضمن بالضرورة هذين الجانبين: الظاهر والباطن. ومن المنطقي إذن أن يكون للشريعة ظاهر وباطن، فالشريعة تطل من حيث الباطن، وليس من المعقول أن يكون الله سبحانه في خطابه إلى البشر قصد مخاطبة ظاهرهم دون باطنهم[56]. فاحتاج ذلك إلى التأويل للوصول إلى الحقائق المستورة خلف الظاهر. ونأخذ مثالاً لابن الفارض لبيان حقيقة ذلك. يقول:
أصلي فأشدو حين أتلو بذكرهـا وأطرب في المحراب وهي إمامي يوجه الضمير في قوله ذكرها "إلى المحبوبة الحقيقة والحضرة الإلهية"[58]، وفي هذا دلالة على أنه إنما يعيش هذه المناسك بروحه لا بجسده، فالحج رمز للسفر الروحي وأول مراحله الحسية التي رأى فيها "البيت" (العالم) وإدراكه إدراكًا حسيًا. وفي الحج الثاني أدرك البيت وصاحب البيت أي إدراك "الاثنينية" إدراكًا عقليًا، وفرق بين الله والعالم. وفي الحج الثالث أدرك بقلبه شهوده الكل الذي لم يميز فيه بين البيت وصاحب البيت. فمراتب الحج ثلاث: إدراك الحسي فإدراك العقلي فشهود قلبي، أو فردية فثنوية فوحدة مطلقة تنمحي فيها الكثرة العقلية والحسية. وهذه المرتبة الأخيرة: مرتبة الفناء أو التوحيد الصوفي[59] التي نلمحها – أيضًا – في قول ابن الفارض في نفس المعنى:
وفي حرم من باطني أمن ظاهـري ومن حوله يخشى تخطف جيرتي فعبادته عبادة خصوص الخصوص الذين يتطلعون من خلال ظاهر العبادة إلى تزكية باطنهم. يقول الهجويري: اعلم أن الصلاة عبادة يجد فيها المريدون طريق الحق من البداية إلى النهاية، وتتكشف فيها مقاماتهم[61]. وأما الصوم - كما يذكر ابن الفارض- فهو صوم عما سوى الله أي الخلوة بالله والفناء فيه بالاغتراب عن الخلق وعن نفسه حتى تسمو، فيتمكن من مشاهدة الحق، فثمرة الجوع المشاهدة؛ لأن المجاهدة قائدته، فالشبع مع المشاهدة خير من الجوع مع المجاهدة؛ لأن المشاهدة معترك الرجال والمجاهدة ملاعب الصبيان، فالشبع بشاهد الحق خير من الجوع بشاهد الخلق[62]، وبذلك يستطيع الوصول عن طريق أتباعه لخطى الشريعة إلى المعرفة الإلهية التي يرجوها. ويفرق التلمساني بين نوعين من الصلاة في قوله: إذا صفت الأقدام منا وأمنا صلاة شهود لا صلاة تحجب[63] فالصلاة – عنده- ليست صلاة حركات وسكنات، وإنما تنضاف إلى ظواهرها حقائق تجعل منها صلاة شهود لا تحجب بالشكل الظاهر عن حقيقة هذا الفرض، وهي في حقيقتها معراج للوصول إلى الخالق سبحانه. يقول ابن الخيمي:
يا حسن سجادة المصلى وهو يناجي ذاك الجنابا فالنفس البشرية عند سجودها بين يدي خالقها تعرف حقيقتها، وتذل وتخضع لبارئها، وتجاهد من أجل مفارقة الأغيار، حتى لو كان زخرف السجادة التي تؤدى فوقها الصلاة؛ لأن هذا الزخرف يمثل نوعًا من الحجاب الذي يجب تجاوزه للوصول إلى الحقائق العلوية دون شاغل، فيحظى بالأنس والقرب من المحبوب. جـ. الخمـر الصوفي: مثَّل الخمر بابًا كبيرًا من أبواب الشعر العربي، وكان له عمق تاريخي يمتد - كما يقول د. محمد مصطفى هدارة - قبل الشعر الجاهلي، فالخمر، كما تروي الأساطير القديمة، قد عرفتها الإنسانية منذ نشأتها الأولى، ووصلت في بعض البيئات إلى حد التقديس، حتى أن اليونانيين جعلوا لها إلهًا هو باخوس كما تصوره الأساطير الإغريقية[65]. ولم تأخذ الخمر حقها من الوصف والتعبير الأدبي المتعمق سوى في العصر العباسي، حيث استبدت شهوة الشراب بشعرائه فجعلتهم أسرى وعبيدًا لها، حتى إنهم في حديثهم عنها يصورونها معشوقة قد عشقوها، وتفانوا في حبها، وقد استطاعت هي أن تأسر قلوبهم وتسخرهم لها[66] فعبروا عن عواطفهم من خلالها، وربما بثوا بها بعضًا من آرائهم في الحياة، كما حدث في شعر أبي نواس الذي توسع في وصفها ولم يفته شيء من معانيها المعنوية أو الحسية. وورث المصريون الميراث الفني في وصف الخمر عن السابقين، وصار لهم في ذلك جولات لعب فيها خيال الشعراء، فظهر في شعرهم بعض المعاني الجديدة التي لم تخطر على بال الشعراء السابقين[67]. وكثرت عوامل الاغتراب النفسي والاجتماعي فلاذ كثير من شعراء العصرين الأيوبي والمملوكي إلى الخمر، وشغفوا بوصفها والاستغراق في عالمها هربًا من الواقع. فكما لاذ الصوفية بعالمهم إلى الباطني لاذ أدباء الخمر بعالمهم الحسي، يتفيأون فيه ظلال اللذة، ويجدون في عالمهم الكؤوس والأقداح ما ينسيهم الواقع أو يتلمسون عنده النسيان. حتى إذا وصلنا إلى شعراء الصوفية نراهم يستلهمون تراث الشعر الخمري بصورته وأخيلته وأساليبه، ولم تستلهم ما حفل به من مجون وإباحية، وإن كان هذا لا ينفي أن بعض الغلاة والإباحيين من فرق الصوفية كالمطاوعة والقلندرية كانوا يعاقرونها في الخفاء. وهكذا نخلص إلى حقيقتين أساسيتين: الأولى أن للخمريات الصوفية بواكير ترجع إلى النصف الأخير من القرن الثاني الهجري، والثانية أن الصوفية أفادوا من شعر الخمر الذي ازدهر في العصر الأموي وازداد ازدهارًا ونماء في العصر العباسي، وألموا منه في ألفاظهم التوفيقية بمصطلحين يسيطر عليهما طابع التقابل الوجداني، فعندهم أن السكر يقابله الصحو، كما أن البسط يقابله القبض...[68]. وإذا كان الشعراء السابقون وقفوا عند ظاهر الخمر ولم يتعمقوا في بواطنها، فإن شعراء الصوفية لم يقفوا عند السطح وتوغلوا إلى حقيقة السكر والخمر، حيث أعملوا فيهما الخيال ومزجوهما بالذوق الصوفي، وبثوا فيهما مواجيدهم وأذواقهم، حتى صار وصفها ترجمة لحياتهم الروحية ورمزًا للمحبة الإلهية، ولمقدار ما وصلوا إليه من أحوال. فاستندوا إلى مسميات الخمر الحقيقية ومتعلقاتها من السكر والشراب والري والصحو، ويعبرون بذلك عما يجدونه من ثمرات التجلي، ونتائج الكشوفات، وبواده الواردات، وأول ذلك الذوق ثم الشرب ثم الري، فصفاء معاملاتهم يوجب لهم أدق المعاني، ووفاء منازلاتهم يوجب لهم الشرب، ودوام مواصلاتهم يقتضى لهم الري. فصاحب الذوق متساكر، وصاحب الشرب سكران، وصاحب الري صاح، ومن قوى حبه تسرمد شربه وأنشدوا:
عجبت لمن يقول ذكرت ربي فهل أنسى فأذكر ما نسيت فإذا كان الصوفي يتبع ميراث السابقين بعراقته وتقاليده، فإنه يتجاوزه ويتجاوز كذلك ظاهر الشريعة الذي يحرم الخمر المادية تحريمًا قاطعًا. ويلجأ الصوفي إلى التأويل لإيجاد أوجه إلتقاء بين جوهر الخمر، وما يحدث للصوفي من نشوة وتغيب أثناء الفناء في الذات الإلهية. فالسكر والغلبة "عبارة صاغها أرباب المعاني للتعبير عن غلبة محبة الحق تعالى، والصحو عبارة عن حصول المراد"[70]. ويعني السكر عند الصوفية أن يغيب عن تمييز الأشياء، ولا يغيب عن الأشياء، وأن لا يميز بين مرافقه وملاذه، وبين أضدادها في مرافقة الحق... والصحو الذي هو عقيب السكر هو أن يميز فيعرف المؤلم من الملذ فيختار المؤلم في موافقة الحق، ولا يشهد الألم بل يجد لذة في المؤلم... وانشدوا لبعض الكبار:
كفاك بأن الصحو أوجد كآبتـي فكيف بحال السكر والسكر أجدر وهكذا يكون السكر عند الصوفية مختلفًا عن السكر الناتج عن الخمر المادية في كونه يعقبه الصحو، ولا يعني الصحو هنا مفارقة حالة السكر بصورة تامة، وإنما الترقي إلى حال أرقى هو حال "صفاء العشق والذوق بأحدية الجمع والفرق"[72]. وبهذا تعمق الصوفية في حقيقة الخمر، وأخذوا منها أثرها، وتحولوا به إلى رمز يعبرون به عن حالهم. يقول عبد الحكيم حسان: والصوفية في كلامهم عن الحب يعمدون في رمزهم إلى جانب آخر هو جانب الخمريات، فهم يتكلمون عن الحب على أنه شراب[73]. وإذا بدأت في تناول الرمز الصوفي بالخمر عند شعراء الصوفية في مصر، نجد أنفسنا بالطبع أمام أبي حفص عمر بن الفارض الذي صوَّر نشوته بالحب الإلهي بنشوة الخمر، فاتخذ نفس لغة شعراء الخمر السابقين بما تحتوي عليه من دنان وسقاة وكؤوس، ولا شيء من ذلك إنما هو جمال الذات الإلهية التي دلع في قلبه الحب، وكأنما شرب من إناء قدسي رحيقه المسكر فهو لا يني منتشيًا ولا يني منجذبًا، وكأنه في غيبوبة لذيذة توشك أن تسلبه حواسه[74]. يقول ابن الفارض في تائيته الكبرى:
سقتنــي حميا الحب راحة مقلتــي وكأسي محيا من عن الحسن جلـت يستخدم ابن الفارض نفس ألفاظ الخمر الحقيقية من (شراب وحميا وقدح وشمول وحال وسكر وصحو) ولكنه يلجأ إلى تراسل الحواس، حيث تأخذ عينه صفة كفه التي تسقيه خمر المحبة الإلهية حيث تنعمت في الجمال الإلهي، فسرى أثر الخمر في عروقه وشعر بنشوته، وصارت روحه المحبوبة كأسه الذي يشرب منه، فأهلكه وأفناه حتى أوقع أصحابه في الوهم، لعدم إدراكهم، لأنهم من عشاق الصورة فكأن الجمال شراب، والحب حمياه، وهذا كله موهبة من الله. عندما ذهب صحوه مكنه سكره من المباسطة مع الحق، فأخبره بما أصابه من أثر العشق والهيام بالمحبوبة التي عاهدها بالولاء والإيمان يوم الصحو الميثاقي في عهد الربوبية المأخوذ على الذر. ونلاحظ أن المقطعة مثقلة بالمصطلحات الصوفية التي اندرجت في السياق فانطبعت عليها روح الرمز مثل: (السكر، الصحو، السر، النشوة، البسط، القبض، الخلوة، الجلوة، الصبابة، الوجد، المحو، الفقد، الإثبات، الفناء، الحضور، الشرب، الوهم)، فكلها مصلحات تشير إلى أحوال شريفة يعيشها الصوفي في تجربة الارتقاء لدرجة وصوله إلى النشوة والسكر، ثم الصحو بعد ذلك. وهكذا تقترن رمزية الخمر عند ابن الفارض بالحب الإلهي الذي ملك عليه كيانه، وكذلك بالمعرفة والفيوضات الإلهية التي وردت على قلبه، فأعقبت إبداعًا ذا قيمة كان يأتيه في الغالب بعد صحوه من غيبته[76] وسكره بغير مدامة. والرمزية الخمرية عند ابن الفارض رمزية ميتافيزيقية تصحبها نظرة فلسفية إلى النفس والكون، قبل أن تكون نظرة فنية في الأداء الشعري يتخطى المحسوس وتجرده وتنحو نحو الباطن بكل ما فيه من مجاهل وأعماق وتخطى المحسوس يتم في الآونة التي تنطوي فيها الذات باطنة في خفايا الروح وزوايا النفس عن ذلك العالم الحقيقي، وتلك نظرة مثالية تحتذي ما كان يحاوله الرمزيون من نقل الإحساس بالعالم الخارجي منعكسًا على صفحة الذات الشاعرة[77]. وقد تجلت موهبة ابن الفارض الفنية، وقدرته على صياغة الرمز الشعري من الخمر المادية، في قصيدته الميمية التي تعد أروع ما كتب من شعر الخمر الصوفي على الإطلاق؛ ففي هذه القصيدة يبدو ابن الفارض شاعرًا بحق، لا مجرد صوفي يصوِّر مراحل الطريق والفناء والشهود والعروج القدسي كما في قصيدته نظم السلوك. وهو هنا يصنع رمزه الشعري في تصوير بديع، ويقدم عملاً مكتمل البناء. فالقصيدة من مطلعها إلى ختامها في موضوع واحد هو الخمر، والرمز فيها رمز فني لا اصطلاحي قابل للتأويل[78]. ويبدأ ابن الفارض قصيدته بقوله:
شربنا على ذكر الحبيب مدامـــة سكرنا بها من قبل أن يخلق الكرم من بداية هذه القصيدة لا يستطيع القارئ إلا أن يحكم عليها بأنها في وصف الخمر المادية؛ لما يرى من صفاتها المتبدية من خلال الأبيات. إلا أن القصيدة تبدأ بتصوير الخمر في صورة أسطورية رمزية محملة بمعان وإيحاءات عميقة، حيث يرمز بها إلى المحبة الإلهية بوصفها أزلية قديمة، منزهة عن العلل، مجردة عن حدود الزمان والمكان. ولذلك يرى النابلسي أن هذه القصيدة مبنية على اصطلاح الصوفية؛ فإنهم يذكرون في عباراتهم الخمرة بأسمائها وأوصافها، أو يريدون بها ما أدار الله تعالى على ألبابهم من المعرفة أو من الشوق والمحبة، والحبيب في عبارته عن حضرة الرسول عليه الصلاة والسلام، وقد يريدون ذات الخالق القديم جل وعلا[80]. وهذه الخمر مثل المحبة: قديمة أزلية ظهرت بواسطتها الأشياء وتجلت الحقائق وأشرقت الأكوان وهي الخمر الأزلية التي شربتها الأرواح المجردة فانتشت، وأخذها السكر واستخفها الطرب قبل أن يخلق العالم[81]. ويؤكد ابن عربي هذا المعنى في قوله:
واشرب سلافة خمرها بخمارها واطرب على غرد هنالك ينشد ويعلِّق على البيتين بقوله: قال تعالى "وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ" (محمد 15)، وصرفه إلى المعاني والمعارف التي يكون عنها السرور والابتهاج والفرح، وإزالة الغموم والتجريد من الكم والكيف والهياكل. وجعل الخمر سلافة... فهي علوم ربانية ومعارف قدسية إلهية تورث ما ذكرناه... هذا ذكر ما جاء به الناطق الفرد المنشد في خطابه في نعت هذه العلوم الخمرية ومرتبتها والتنبيه على أصلها وأصل عطريتها وقدمها[83]. وكون الخمر الإلهية تحمل علومًا خاصة، فهذا يسوغ لنا قبول أبيات ابن الفارض على وجهها الرمزي، حيث بثَّ فيها علومًا ومواجيد خمرية، فقد شرب هو والسالكون خمرة، والمعنى بها هنا شراب المحبة الإلهية الناشئة عن شهود آثار الأسماء الجمالية للحضرة العلية، فإنها توجب السكرة والغيبة بالكلية عن جميع الأعيان الكلية. وقوله: "من قبل أن يخلق الكرم" يعني أن مساره المذكور سابق في الحضرة العلمية قبل ظهور كل مقدور، وهو خمر الوجود الحق، والخطاب الصدق، ولكن بالندمان عن السالكين في طريق الله تعالى. وكنى بإنائها عن النفس الإنسانية، فإن الختم واقع عليها بالتجلي[84]. وبعد أن يوضح الشاعر بعض طبيعة هذه الخمر، يبدأ في وصفها بوصف خاص نابع من خصوصية هذه الخمر الإلهية، وأيضًا خصوصية الحالة التي تتلبسه ساعة الإبداع. يقول:
يقولون لي: صفها فأنت بوصفهــا خبير، أجل، عندي بأوصافها علـم ويذكر القرينة في قوله:
وقالوا شربت الإثم كلا، وإنمـا شربت التي في تركها عندي الإثم لأن الوصف والقرينة كلاهما نابع من المقدمات التي سبقت بأزلية هذه الخمرة النابعة من أسبقية المحبة الإلهية الدالة على التوحيد الخالص، وشهود الحق بالحق، والتحقق بفناء ما سواه، أما الخمر الممتزجة فحري أن تكون رمزًا عرفانيًا على مزج الوجود الحق بصور الكائنات العدمية...[87]. ويفرق ابن الفارض – من خلال وصفه للخمر – بين الروح والجسد في قوله: "فأرواحنا خمر، وأشباحنا كرم" ولعلنا نلاحظ هذا التجريد المثالي في وصف الخمر العرفانية بالخلوص من كثافة العناصر، فهي صافية لطيفة نورانية بها قامت الأشياء، وإليها اشتاقت أرواح العرفاء حتى اتحدت بها[88]. وهكذا نقل ابن الفارض الحديث عن الخمر من مجرد وصف حسي، إلى حالة وجدانية ميتافيزيقية تتجاوز الواقع، وتنفذ إلى باطن التجربة الصوفية الزاخرة بالمعاني والمعارف الكونية والوجودية والفلسفية التي لا تعترف بالحس لكونه، وإنما نتجت عن كيفه والمعادل الذي قد يحققه عن طريق التراسل الذي يتخطى حدود النهائي حتى يسبح في ملكوت اللانهائي. وأما إبراهيم الدسوقي، فكان شعره عبارة عن خمرية واحدة تدور حول خمر المحبة الإلهية وتناقشه من كافة الجوانب. فما من قصيدة، ولا مقطعة، إلا وذكر فيها الخمر وأوصافه ذكرًا مفصلاً أو إشارة إليه عن طريق ذكر الكأس والساقي أو الشاربين ودعوة الصاحب إلى السكر. يقول:
على مـــذهبي كل المحبين يمنوا ونشأة خمــر هيمتهم فهمهموا هذا السكر من غير خمرة يوحي بأنها ليست خمرة طبيعية، ولكنها خمرة المحبة التي أسكرته عند التأمل في جمال الخالق. ولذلك يقول الدسوقي نفسه: ولما دخل الأولياء، وهم أشباح الجنة، ونظروا إلى أرواح المؤمنين الذين يدخلون الجنة سكروا بغير مدام، وأسبلت الحور العين لثامهم فبكوا الأولياء، وضحكوا لما رأو ما أضحكهم وأبكاهم، ثم سكروا وطربوا ثانيًا بغير مدام، وهاموا وغابوا وتواجدوا، وأبكوا وضحكوا فلهذا قلت (الأبيات السابقة)...[90] فالسكر هنا بسبب رؤية وجه الذات الإلهية بعد كشف الحجب:
رفع الساقي حجابـا وسقى العاني شرابا ويقول:
سقاني محبوبي بكــأس المحبــة فتهت على العشاق سكرًا بخلوتـي إن الدسوقي يجول في باطن الروحاني، فيستخرج ما في داخله من حالات وجدانية، ويعادل بينهما وبين صور الخمر الحقيقية، حيث يمثل صفاء الخمر الحقيقية بصفاء القلب وإشراقه. ومن ثم ارتبط وصف الخمر عنده باشراق القلب وتجلي الحق عليه دون حجاب، وتوالي المعارف اللدنية وهذا جعل الحلاج يقول: "ما في الجبة إلا الله"، وأبو يزيد البسطامي يقول: "سبحاني ما أعظم شأني". فتعددت الطرق بتعدد السالكين، وهذا تأكيد لخصوبة التجربة[93] فالخمر المحبة والله هو المنادم الذي ينادم أحبابه بإطلاعهم على جماله ونور معرفته، فيصيرون أولياء يفيضون على مريديهم من علمهم اللدني. فلقد استعمل الصوفية لفظ الخمر، وما في معناه، بمفهومات متعددة كان من بينها الإشارة إلى الذات الإلهية، والإشارة إلى الأسرار والتجليات الإلهية، والإشارة إلى الحب الإلهي، والإشارة إلى حقائق الغيب، والإشارة إلى التصوف أو علم الحقيقة، وغيرها الكثير من المعاني[94]. وتتضح هذه المعانى في قول الدسوقي:
أيها المنكر حـــالي وهو لا يعرف قدره الشاعر في وصفه هذا يصف أحوال الوجد الروحي الذي يمتلكه، ومن ثم نراه يضايف بين الحسي والمعنوي، ويؤلف بين الكم الحسي، والتركيب الميتافيزيقي. ولكن، نلاحظ أن الدسوقي - على الرغم من تأثره بابن الفارض في وصفه للخمر – لا يؤكد كثيرًا على المعاني الحسية للخمر إلا بقدر ما تؤدي المعنى الذي يريده، بل إن أحواله الوجدانية والروحية تطغى على حسية الخمر وكونها المادي. ويعلن التلسماني عن اتجاهه التجريدي للخمر الحسية من متعلقاتها المادية، والرمز بها على الخمر الإلهية، فاكتسب الرمز – عنده وعند سابقيه – ظلالاً جديدة، "ومن ثم أخذت طريقة الكتابة الرمزية، فيما يتصل بهذا، بالانسحاب إلى عالم الفكر الباطني، وأساليب الاتصال الخفية"[96] بالعالم الماورائي. والتلمساني دائمًا يؤكد على أن سكره ليس بخمر مادية، وإنما بنشوة النظر إلى وجه الحبيب ولواحظه، وكذلك من أثر الحب الإلهي فيهم[97]. يقول مثلاً:
حلت لنا الراح من
لـواحظه فليحرم الخـمر بعد والعنب فالسكر هنا من نشوة النظر إلى جمال المحبوب، وليس من العنب أو النبيذ المحرم ولذلك يشير إلى القهوة، وهي كثيرًا ما استخدمت كإشارة إلى كأس المحبة الإلهية، التي يشرب منها بعض الشاربين دون سكر لأنهم لم يصلوا إلى درجة القرب، أو التجلي، ولكن غيرهم يسكرهم عطرها لوصولهم إلى حقيقة الحب الإلهي. وهكذا جاءت رمزية الخمر عند الصوفية فوق مستوى الواقع، ينسحب خلالها الشعراء من العالم الحسي إلى عالم الحب الإلهي، والعلم اللدني اللذين يتسمان بالقدم والقدرة على النفاذ إلى حقائق الوجود. *** *** *** ٭ دكتوراة في الأدب والنقد، جامعة الإسكندرية، مصر. [1] د. عاطف جودة نصر، الرمز الشعري عند الصوفية، ص 290. [2] ابن عربي، فصوص الحكم: فص حكمة قدوسية فى كلمة إدريسية، ص 78. [3] الكاشاني، معجم اصطلاحات الصوفية، ص 76. [4] د. عاطف جودة نصر، الخيال مفهوماته ووظائفه، ص 250، 251. وراجع: الرمز الشعري عند الصوفية، ص 303، 304. [5] فريد الدين العطار النيسابوري، منطق الطير، ترجمة د. بديع محمد جمعة، دار الأندلس، ط 3، بيروت 1984م. [6] ابن الفارض، الديوان، ص 75. [7] راجع: النابلسي، شرح الديوان، 161.1: 163. [8] التلمساني، الديوان، 111.1، 112. [9] المصدر نفسه، 113.1. [10] المصدر نفسه، 128.1. [11] المصدر نفسه، 129.1. [12] راجع المصدر نفسه، 135.1، 188، 189، 230،231 – 226. قصيدته الميمية في فوات الوفيات 75.2. [13] بهجة الأسرار للشطنوفي. نقلاً عن د. علي صافي حسين، الأدب الصوفي في مصر، ص 413. [14] المرجع السابق، ص 418. [15] التلمساني، الديوان، 214.1. [16] المصدر نفسه، 222.1. [17] ابن الخيمي، الديوان. [18] المصدر نفسه. [19] المصدر السابق. [20] أنا بليكان، الرمزية: دراسة تقويمية، ص 188، 189. [21] ابن عربي، ترجمان الأشواق، ص 37. [22] المصدر نفسه، ص 39. [23] المصدر نفسه. [24] ابن الفارض، الديوان، ص 63. [25] المصدر نفسه، ص 65، 67. [26] النابسلي، شرح الديوان، 117.1، ص 125 – 126. [27] راجع: د. محمود رجب، الاغتراب، ص 76، 77. [28] ابن الفارض، الديوان، ص 173. [29] المصدر نفسه، ص 177. [30] النابلسي، شرح الديوان، 40.2. [31] ابن الفارض، الديوان، ص 229. [32] النابلسي، شرح الديوان، 147.2. [33] د. علي صافي حسين، ابن دقيق العيد حياته وشعره، ص 185. [34] الأدفوي، الطالع السعيد، ص 419. [35] ابن عطاء الله السكندري، لطائف المنن، ص 186. [36] ابن عربي، ترجمان الأشواق، ص 121. [37] ابن الفارض، الديوان، ص 45. [38] د. يوسف حسن نوفل، الصورة الشعرية واستيحاء الألوان، دار النهضة العربية، ط1، 1985، ص 22. [39] ابن الفارض، الديوان، ص 60، 61. [40] النابلسي، شرح الديوان، 99.1، ص 100. [41] ابن الخيمي، الديوان. [42] المصدر نفسه. [43] المصدر نفسه. [44] التلمساني، الديوان، 201.1. [45] ابن الفارض، الديوان، ص 72. [46] النابلسي، شرح الديوان، 144.1. [47] نقلاً عن الملحق في كتاب الأدب الصوفي في مصر، ص 415. [48] راجع التلمساني، الديوان، ص 95، 127.1، 130، 131،235، 236. [49] ابن الفارض، الديوان، ص 201. [50] النابلسي، شرح الديوان، 211.1. [51] التلمساني، الديوان، 147.1، 148. [52] المصدر نفسه 254.1. وراجع: 143.1، 233، 234 من المصدر نفسه. [53] الأدفوي، الطالع السعيد، ص 325. [54] المصدر نفسه، ص 492. [55] الجيلي، النادرات العينية، نقلاً عن كتاب فتوح الغيب للجلاني، شركة الحلبي، القاهرة، ط 3، 1392 هـ - 1973 م، ص 198. [56] د. نصر حامد أبو زيد، هكذا تكلم ابن عربي، ص 211. وراجع: د. يوسف زيدان، عبد الكريم الجيلي "فصل العبادة"، ص 97. [57] ابن الفارض، الديوان، ص 205. [58] النابلسي، شرح الديوان، 151.2. [59] د. أبو العلا عفيفي، التصوف الثورة الروحية فى الإسلام، ص 179. وراجع: الهجويري، كشف المحجوب، ص 573.2. [60] ابن الفارض، الديوان، ص 136. [61] الهجويري، كشف المحجوب، 543.2. [62] المصدر نفسه، 571.2. [63] التلمساني، الديوان، 135.1. [64] ابن الخيمي، الديوان. [65] د. محمد مصطفى هدارة، اتجاهات الشعر العربي في القرن الثاني الهجري، المكتب الإسلامي، ط 1، 1401 هـ - 1981، ص 500. [66] د. عثمان موافي، التيارات الأجنبية في الشعر العربي، دار المعرفة الجامعية، ص 312. [67] راجع: الشخصية المصرية في الأدبين الفاطمي والأيوبي، د. أحمد سيد محمد، ص 222، 224. ود. محمد كامل حسين، دراسات في الشعر فى عصر الأيوبيين، ص 147، 152. [68] د. عاطف جودة نصر، الرمز الشعري عند الصوفية، ص 339، 342. [69] القشيري، الرسالة القشيرية، 239.1. [70] الهجويري، كشف المحجوب، 414.2. [71] الكلابازي، التعرف بمذهب أهل التصوف، ص 85، 86. وراجع: الكاشاني، معجم اصطلاحات الصوفية، ص 355، 358. والهجويري، كشف المحجوب، 404.2: 417. [72] الكاشاني، معجم اصطلاحات الصوفية، ص 357، 358. ويقسم الهجويري السكر إلى نوعين: أحدهما بشراب المودة، والآخر بكأس المحبة. والصحو أيضًا على نوعين: أحدهما صحو الغفلة، والآخر صحو المحبة. راجع: كشف المحجوب، ص 417.2. [73] د. عبد الحكيم حسان، التصوف في الشعر العربي، ص 323. [74] د. شوقي ضيف، فصول فى الشعر ونقده، ص 220. [75] ابن الفارض، الديوان، ص 83، 84، 85.
[76]
يؤكد بعض من صحبوا ابن الفارض أنه لم ينظم قصيدته التائية الكبرى
على حد نظم الشعراء أشعارهم، بل كانت تحصل له جذبات يغيب فيها عن حواسه نحو
الأسبوع أو عشرة أيام، فإذا أفاق أملى ما فتح الله عليه منها. وإنه ليملي
ثلاثين أو أربعين بيتًا ثم يدع الإملاء حتى يعاوده الحال. ديباجة الديوان. [77] د. محمد فتوح احمد، الرمز والرمزية، ص 237. [78] د. إبراهيم منصور، الشعر والتصوف، ص 76. [79] ابن الفارض، الديوان، ص 189. [80] النابلسي، شرح ديوان ابن الفارض، 174.2. [81] د. عاطف جودة نصر، الرمز الشعري عند الصوفية، ص 366. [82] ابن عربي، ترجمان الأشواق، ص 97. [83] المصدر نفسه، ص 97. [84] النابلسي، شرح الديوان، 174.2، 178. بتصرف. [85] ابن الفارض، الديوان، ص 190، 191. [86] المصدر نفسه، ص 191، 192. [87] النابلسي، شرح الديوان، 176.2. [88] د. عاطف جودة نصر، الرمز الشعري عند الصوفية، ص 370، 371. [89] الدسوقي، جوهرة الدسوقي، ص 104. [90] المصدر نفسه. [91] الدسوقي، جوهرة الدسوقي، ص 109. [92] المصدر نفسه، ص 111. [93] د. نصر حامد أبو زيد، هكذا تكلم ابن عربي، ص 65، 66. [94] راجع: د. حسن الفاتح قريب الله، المفهوم الرمزي للخمر عند الصوفية، مكتبة الدار العربية للكتاب، ط1، 1420 هـ- 1999م، ص 78، 185. [95] الدسوقي، جوهرة الدسوقي، ص 108، 109. وراجع: في وصف الخمر، ص 116، 139، 127. [96] راجع: أنا بلكيان، الرمزية: دراسة تقويمية، ص 27. [97] راجع: التلمساني، الديوان، 97.1، 100، 102، 165، 184، 215، 216، 226، 233،234. [98] المصدر نفسه، 97.1.
|
|
|