|
قيم خالدة
الحياة صعبة، تلك حقيقة عظيمة، بل إحدى أعظم الحقائق قاطبة. هي حقيقة عظيمة لأننا حين نراها حقًا نتجاوزها. فحين نعلم فعلاً أن الحياة صعبة، ونفهم هذا جيدًا ونقبله، لا تعود الحياة صعبة، لأن تلك الحقيقة لن تؤرِّقنا كثيرًا بعد أن نسلِّم بها. وغالبيتنا لا ترى، جيدًا، حقيقة أن الحياة صعبة، وبدلاً من ذلك تشكو دون توقف – بدرجات متفاوتة، بضجيج أو بصمت – من كثرة مشاكلها، وواجباتها، وهمومها وصعوباتها، وكأن الحياة كانت سهلة في الأساس، أو أنها يجب أن تكون سهلة. الغالبية، إذًا، تعبِّر عن اعتقادها، صراحةً أو بصمت، أن الصعوبات التي تواجه كلَّ فرد منها هي ضرب فريد من البلوى التي ما كان ينبغي لها أن تصيبه، وكأنها أصابته على الخصوص، هو (أو عائلته، أو قبيلته أو أمَّته أو عِرقه أو حتى نوعه البشري بأسره) دون الآخرين. أنا أعرف جيدًا هذا النوع من التذمر لأنني، كغيري، ساهمتُ بنصيبي منه...
علينا أن نفكر فيما إذا كان الدماغ الذي يعمل جزئيًا الآن قادرًا على العمل كليًا وتمامًا. نحن نستعمل جزءًا منه الآن فقط، وهذا أمر تلحظونه بأنفسكم، وترون أن التخصص (الذي قد يكون ضروريًا) يؤدي إلى تشغيل جزء من الدماغ فقط. فإذا كان المرء عالمًا متخصصًا في مجال ما فسيعمل جزء من الدماغ فقط بشكل طبيعي. الشيء نفسه إذا كان المرء مختصًا بالرياضيات، حيث يجب على الإنسان في العالم الحديث أن يتخصص في مجال ما، ونتسأل رغم ذلك: هل من الممكن إتاحة المجال للدماغ ليعمل كليًا وبشكل كامل؟ والسؤال الآخر الذي نطرحه هو: ما الذي سيحوق بالبشرية، بنا جميعًا، عندما يتفوق الحاسوب على الإنسان بدقته وسرعته – كما يتنبأ خبراء التقانة العالية؟ فمع تطور الروبوتات قد يعمل الإنسان ساعتين ربما يوميًا. قد يتحقق هذا في المستقبل القريب. وعندها، ماذا سيفعل الإنسان؟ هل سيغرق في مجال التسلية؟ هذا ما يحصل الآن، إذ تزداد مع الوقت أهمية الرياضة، وكذلك مشاهدة التلفاز، والترفيه الديني المنتشر؛ أم أن الإنسان سيرتدُّ داخليًا، وهذا ليس ترفيهًا أو ترفًا، بل هو أمر يحتاج إلى قدرة هائلة على الملاحظة والدراسة والإدراك اللاشخصي؟ هذان هما الاحتمالان الممكنان. يتضمن المحتوى الأساسي للوعي الإنساني السعي إلى تحقيق السعادة ومحاولة تفادي الخوف. لذا، هل ستنغمس البشرية أكثر في مجال التسلية؟ يأمل المرء ألا تكون هذه التجمعات نوعًا من التسلية.
المواطن CITIZEN عضو في جماعة سياسية يتمتع بحقوق المواطنة ويؤدي واجباتها. والجماعة السياسية، هنا، هي "المجتمع المنظم" أو "الأمة المنظمة" أو الشعب، أي إن المواطن عضو في دولة حديثة يتمتع بما تقرره المواطنة من حقوق مدنية وسياسية وما تعينه من واجبات مدنية والتزامات قانونية، وفق تعريف الدولة بأنها "مجتمع سياسي" (مقابل المجتمع المدني)، أو "مجتمع منظم" أو "أمة منظمة"، أو شكل الحياة السياسية والأخلاقية لشعب من الشعوب، بحسب ما يكون المدخل إلى التعريف اجتماعيًا (سوسيولوجيًا) أو ثقافيًا وأخلاقيًا أو سياسيًا أو قانونيًا. هذا التعريف العام الواسع نجده، مع قليل من التغيير والاختلاف، في أعمال المؤلفين المعاصرين الذين يتخذونه مدخلاً لتحديد معنى المواطنة. ومع ذلك فإن نقطة البدء هذه مرجع جدير بالثقة، لأنها تحيل على تاريخ المفهوم وتغير دلالته من زمان إلى آخر ومن مكان إلى آخر ومن تجربة تاريخية إلى أخرى. (راجع معنى المواطنة عند أفلاطون). لكن ما هو مؤكد اليوم اقتران مفهوم المواطنة ومفهوم الدولة الوطنية أو القومية الحديثة، على اختلاف الأنظمة السياسية. فلا يمكن الحديث عن المواطنة، في القرن الحادي والعشرين، بمعزل عن المجتمع المدني والدولة الوطنية الحديثة، دولة الحق والقانون والمؤسسات، بما هي مقدمة ضرورية للدولة الديمقراطية. فإن المواطنة بركنيها الأساسيين: المساواة والحرية هي ما يجعل من الديمقراطية نظامًا تواصليًا مفتوحًا على أفق إنساني، بقدر ما هو مفتوح على النمو والتقدم. بل لا يمكن الحديث عن المواطنة التي تستحق اسمها إلا بالانطلاق من قاعدة إنسانية واعتماد معايير إنسانية.
|
|
|