|
إضاءات
من الأخطاء الشائعة في بعض
الفكر الديني والاجتماعي والسياسي أن
المسيحية ليست دينًا ودولة كما هو الإسلام
دين ودولة، استنادًا إلى آيات إنجيلية من نوع
"مملكتي ليست من هذا العالم" (إنجيل
يوحنا 18: 36) و"اتركوا ما لقيصر لقيصر، وما
لله لله" (إنجيل متى 22: 21). إلا أن هذا
التفسير مثالٌ على فصل الأقوال عن سياقها
وأخذ النصوص الدينية لا في مجملها، بل جملةٌ
من هنا وجملةٌ من هناك، كما يتفق للمفسِّر أو
يوافق أغراضه. عند
الحديث عن مفهوم "التعددية"، مجردةً من
لواحقها، من تعددية سياسية أو مذهبية أو
ثقافية، تقفز إلى سطح المفهوم مفاهيم أخرى
ملازمة لِلَفظ "التعددية"، من قبيل "التنوع"
و"الاختلاف"، وهي مفردات تحمل معاني
مشابهة لمفهوم التعددية في مظاهر الحياة
الدنيا كلِّها. ولذلك فإن الحديث عن الاختلاف
والتنوع يقترب كثيرًا من الحديث عن التعددية،
إن لم تكن هذه المفردات هي بعينها مفهوم
التعددية أو من مشتقاتها أو مترادفاتها. فـ"النوع"،
كما يقول الحنفي (ت. 1205 هـ): أجمل اللحظات عندما تتفحص الكتب المقدسة
وكأنها أُنزِلَتْ عليك؛ تسبح في رحابها
من دون حدود ولا خلفيات؛ تجلس إليها خالي
الذهن إلا من آليات طرح السؤال؛ تتابع تفاصيل
تفاصيلها وتجول بين أسفارها ومقاطعها
وسُوَرها وآياتها. تستوقفك القضايا
لتُسائلها وتستنطقها وتستشكلها، فتكبر في
دماغك وتؤرقك وتقض مضجعك. والأجمل من ذلك
كلِّه أن تكون صاحب منهج، على ضوئه تجول
وتقارن وتحلِّل وتُسائل وتُحاجِج وتنتقد.
الأمن
والتنمية هدفا العالم الإسلامي الرئيسيان،
كما يرى الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي[1].
يفتح هذا التشخيص على الربح الإضافي الذي
يفضي إليه صعودُ المثقف إلى هرم السلطة لجهة
تبويب الأهداف وتحديد الوسائل. وترتفع هذه
المهمة (التشخيص) إلى مستوى الإشكالية كلما
أفصحت البنيةُ الاقتصادية–الاجتماعية
وفضاؤها الثقافي عن تزاحُم شديد للأهداف
والوسائل في مراحل التحول على احتلال
الأولوية.
تبدو استجاباتُ الفكر العربي
المعاصر لأزمات الواقع العربي ومشكلاته
متأخرةً ومرتبكةً وشكلانيةً في غالبيتها. فهي
تتخذ شتى صيغ الوعظ والنصح تارة، وتلبس لبوس
الحلول السحرية والوصفات الجاهزة تارة أخرى.
وقليلة هي المحاولات التي تتعامل مع البحث
والتنقيب كأسلوب لاستكشاف الجوانب المختلفة
للظواهر دون تبنِّي مواقف مسبقة ومنهجياتٍ
مُعَدة سلفًا، صالحةً في نظر أصحابها لكلِّ
زمان ومكان!
|
|
|