أمام مثل هذه البراهين، المقنعة جدًا، على وجود الذرة، فقد انتهى الأمر
بالمشككين إلى السكوت [...]. إننا نستطيع تأكيد وجود الذرة باليقين
نفسه الذي نؤكد فيه وجود النجوم.
رايخنباخ
H. Reichenbach،
الذرات والكون
Atomes et Cosmos
علينا الآن، قبل أي شيء آخر، طرح السؤال التالي: كيف يصبح تحقيق
التوقّع متوافقًا مع التوقع؟
ويتغنشتاين
L. Wittgenstein
،
Dictées pour Moritz Schlick
غالبًا
ما نعتبر أن مسألة صحَّة
المخطط الذرِّي يجب أن تُضبط استدلاليًا اعتمادًا على ما تقود إليه
التجربة، أي من خلال استدلال ينطلق من مجموعة من الظاهرات نحو أفضل
تفسير له. وضمن هذا المنظور الإبستمولوجي، فإن مجرد ذكر أزمة المذهب
الذري في الفيزياء المعاصرة فيه شيء مفاجئ، بل صادم.
أليس من المقبول أن المذهب الذري يقدم مفتاح تفسير الظاهرات المصنفة
بشكل كامل، والتي كان الكثير منها معروفًا منذ العقود الأولى من القرن
العشرين؟ وهذا التفسير ألم يصبح حتميًا مع التضاعف الحديث لما يتفق على
تسميته "براهين مباشرة" على "وجود" الذرات والجسيمات الأولية؟
يشير
الثراء الذي ميز الإبستمولوجيا بوصفها فلسفة لتاريخ العلوم إلى حركة
الفهم القوية من لدن الإنسان، الذي وصفه ديلتاي بالكائن التاريخي،
ارتباطًا بخبرته الدائمة وقدرته على التفاعل مع دوائر المعرفة والحياة.
وفضلاً عن قوة الترابط بين الإنسان والتاريخ والعلم، فإن هوية
الإبستمولوجيا تبدو ملتبسة وغير واضحة على نحو دقيق، خاصة بعد ابتعادها
عن الصفة الوضعية نتيجة لتطور العلوم الإنسانية، وبروز فروع معرفية
جديدة مثل تاريخ العلوم، واللسانيات، والجينالوجيا، والأركيولوجيا،
والهرمنيوطيقا. هذه الفروع كانت بعيدة عن الإبستمولوجيا، لكنها أصبحت
اليوم تتقاطع مع اهتمامات معرفية متعددة، وهو ما يسمح برصد مدى تعالق
الإبستمولوجيا مع الأركيولوجيا، على نحو ما نجد لدى ميشيل فوكو في
كتابه حفريات المعرفة بعدما ساهم غاستون باشلار في بناء صرحها
الجديد الذي سيمكنها من مصاحبة الفلسفة. وسنتمكن مع جورج كانغليم من
رصد العلاقة الشائكة بين التاريخ الإبستمولوجيا مادامت هذه الأخيرة هي
العقل الجدلي المشاغب بأسئلته بتعبير صاحب العقل العلمي الجديد.