|
قيم خالدة
النفس البشرية ميدان التوتر بين القيام والسقوط. هي في طريق القيام وفي طريق السقوط. ليس للخير وجه يساير وجه الشر. إنهما يتصادمان. هناك نزف لا نعرف كيف يتفجر وأنت مفطور على الخيرات ولا يسكنك إلا الله. ما من ذات أخرى تنثني فيك. هناك انبثاث إلهي يتسرب إليك وانبثاث إبليسي أو وساوس شيطان يومًا بعد يوم وتتشرب بثًا بعد بث حتى ساعة شفاء. ليست القضية قضية ميزان بين نوازع خير ونوازع شر في النفس. ليس ثمة كفة ترجح وما في الأمر حساب. السؤال هو ما في عمقك. سؤال ربك في الأخير هو: هل أنت معي؟. في اللحظة الأخيرة، في الدينونة السؤال هو: هل أنت معي في كثافة وجودك البادي أمامي؟. الإنسان لحظة، وجود أمام الوجود الإلهي. فليست المسألة أن يفحصك ربك في الوصايا العشر التي أعطاها الله موسى. هذه إشارات، جملة وتفصيلاً، إلى كونك صديق الله أو عدوه.
إذا أردنا تحليل زماننا بطريقةٍ مبسطةٍ سريعة، يمكننا وصفه بتعبير "التعددية". والمفارقة هي أننا نرى في جميع أنحاء العالم مساعٍ لوضع حدودٍ وإزالتها. فنحن في زمنٍ لم يعد هناك فيه من معنىً للنظر إلى العالم على أنَّه مقسَّمٌ إلى أقسام كما كان في السابق، بل يتمُّ الكلام حاليًا على القرية العالمية الكبيرة التي تتميَّز بغياب الحدود: أطباء بلا حدود، صحفيون بلا حدود، تجارة بلا حدود، إلخ. ولكننا نشهد في الوقت نفسه حروبًا دامية غايتها حماية الهوية الخاصة من هيمنة التعددية المتوحشة التي تسِمُ عالمنا أكثر فأكثر. فطرح التساؤلات حول الهوية يبيِّن وضوح خطر التعددية ويشير إلى زوال الإجماع التلقائي على قيَم المجتمع ومشاريعه.
من إنجيل اللاعنف لست صاحب رؤيا. وما بوسعي أن أقوله عن نفسي هو أني شخص مثالي عملي. الذين يقصدهم دين اللاعنف ليسوا القديسين أو الريشي بل عامة الناس أيضًا؛ فاللاعنف شريعة جنسنا بينما العنف شريعة البهائم، وشريعة الروح الغافية في قلب العنيف الذي لا يعرف سوى قانون القدرة الجسدية. لكن كرامة الإنسان تتطلب الطاعة لقانون أسمى هو قوة الروح. لذلك أنا أعتقد أن الريشي الذين، من قلب العنف، اكتشفوا اللاعنف كانوا أكثر نبوغًا من نيوتن. لقد كانوا يعرفون كيف يستعملون السلاح، وخبروا عدم جدواه، وعلَّموا عالمًا يطمح إلى السلام أن طريق خلاصه ليس العنف بل اللاعنف. (الهند الفتاة، 11-8-1920، ص3) *** تعلمت درس اللاعنف من زوجتي، وذلك حين حاولت إخضاعها لإرادتي. إلا أن مقاومها الحازمة لرغبتي من جهة، وخضوعها الهادىء للألم الذي تسبب به غبائي من جهة أخرى، جعلني أخجل جدًا من نفسي، وشفاني من غباء الاعتقاد بأني خلقت لأحكمها. وفي نهاية الأمر أصبحت هي معلمتي في اللاعنف.
أُقرُّ بوجود الطاقة التدميرية، لكنها زائلة وعقيمة دومًا أمام الإبداعي الذي
هو الدائم. فإذا كان للطاقة التدميرية اليد الطولى، فستنهش كل الروابط المقدسة
– الحب بين الأبوين والطفل، الأخ والأخت، السيد والتابع، الحاكم والمحكوم.
يكفي أن يعبس الرأي العام في وجه العنف حتى يفقد كل قوته.
حين بدأت هذه الكتابة، توجَّه مئات الشباب من أمريكا الشمالية وأوروبا وأمكنة أخرى إلى أمريكا الوسطى وغيرها من المناطق لحماية العاملين في مجال حقوق الإنسان المهددين بوجودهم. وما زال عمل هؤلاء الشباب مجهولاً على نطاق واسع للجمهور الأمريكي، كما تصمت وسائل الإعلام صمتًا مُطبقًا على هذه التجربة الرائعة. ومع ذلك، إنهم موجودون هناك.
|
|
|